كذبة أبريل في عالم التسويق فُرصة لا يقتنصها إلا المُبتكرون فقط

أصبح الأول من أبريل هو عيد اللهو العالمي، ليس يوم عُطلة، ولا يُعد يوماً وطنيًا أو مُعترفاً به قانونياً كاحتفال رسمي. لكنه يوم اعتاد الناس فيه على الاحتفال وإطلاق النكات وخداع بعضهم البعض، ليكون يوماً للمرح والمزاح ونشر الأكاذيب والطرائف.

فيتندر فيه الناس على بعضهم، بشكل ساخر وخداع يدفع للمرح الذي قد ينقلب إلى مشكلة أحياناً، فعندنا يسمى بـ كذبة أبريل، وفي بريطانيا يوم الخدعة، وفي فرنسا بيوم السمك، وفي اليابان يوم الدمية، ويدعى في إسبانيا بيوم المُغفل، وفي اسكتلندا يستمر اللهو والدعابة احتفاء بـ كذبة أبريل لمدة يومين.

هذا ومُنذ أن قامت هيئة الإذاعة البريطانية الـ BBC بعرض مادة إخبارية في مطلع خمسينيات القرن الماضي عن موسم حصاد المكرونة الأسباجتي في سويسرا، في أبرز الدعابات التي حدثت في هذا اليوم. ولا يقتصر الاهتمام بيوم الأول من أبريل على الأناس العاديين فحسب، بل تميل كُبرى الشركات العالمية لمداعبة جماهيرها ومُحبيها بنشر بعض الأخبار المزيفة وغير الصحيحة.

مما جعل رجال التسويق حول العالم ينتظرون هذا اليوم، الذي بات كعملاق تُجاري، من أجل التعرف على الشكل الذي ستطلق به كُبرى الشركات العالمية حملاتها الدعائية الخاصة للاحتفال بهذا اليوم.

فمن يومها وقد استغلت العديد من الشركات العالمية الكُبرى كذبة أبريل، وباتت تُطلق الكذبات التسويقية بشكل لطيف، تتفنن فيه بمشاركة عملائها وموظفيها المرح والترويج لعلامتها التُجارية ومُنتجاتها بصورة مُختلفة ومُبتكرة، تدفع بها لأعماق جديدة في وعي المستهلكين؛ لتثير الدهشة والحيرة عن مدى صحتها.

نبدأ مع شركة Taco Bell الأمريكية، والتي نشرت في عام 1996 إعلانات في عدة صحف رئيسية بالولايات المتحدة تعلن فيها شراء جرس الحرية – رمز استقلال الأمريكيين – وتسميته بـ تاكو جرس الحرية، وقد تسبب ذلك في اندلاع الاحتجاجات، والتي لم تهدأ إلا بعد كشف النقاب عن أن الأمر مجرد مزحة، وقع في شركها الشعب الأمريكي.

وفي عام 1996م أعلنت شركة Virgin Cola الأمريكية المُختصة بتعبئة المشروبات الغازية، أنها بصدد تقديم تقنية جديدة، ستجعل المشروبات الغازية التي أنتهي تاريخ صلاحيتها، تتفاعل كميائيًا مع المعدن الموجود في العلبة، وتُحول سطحها الخارجى إلى اللون الأزرق اللامع، وذلك كنوع من تحسين الجودة للمُستهلك.

وحذرت الشركة المستهلكين من شراء جميع العلب الزرقاء المُتداولة بالسوق وقتها، ومن قبيل المصادفة، كشفت وقتها شركة Pepsi عن علبها المصممة حديثًا باللون الأزرق اللامع، وكانت هذه الخطوة غير المحسوبة علامة فارقة في تسويق منتجات Virgin Cola.

أما سلسلة مطاعم الوجبات السريعة Burger King الأمريكية، فقد أعلنت في عام 1998 عن إنتاج شطيرة جديدة مُصممة خصيصاً للعميل الأعسر، أي الذي يستخدم يده اليسرى، ونشرت إعلاناً كدعاية تسويقية على صفحة كاملة في صحيفة “يو أس إيه توداي” بأمريكا؛ لتعزيز تسويق نوع البرجر الجديد، والذى أطلقت عليه Left-Handed Whooper.

وأضاف الإعلان أن هذه الشطيرة لن تختلف عن شطيرة Whooper العادية سوى في شيء واحد، وهو أن مكوناتها سيتم تدويرها بزاوية 180 درجة، بحيث ينحرف الجزء الأكبر من الشطيرة إلى اليسار، حتى يناسب الشخص الذي يستخدم يده اليسرى عند تناوله الطعام، وبالطبع لم يكن هذا سوى كذبة مرحة طريفة من الشركة.

الأكثر سخرية وغرابة أن سلسلة مطاعم برجر كينج نشرت في اليوم التالي إعلاناً تستغرب فيه من حجم الإقبال الضخم على شطيرة Left-Handed Whopper، وأضافت أن الشعب الأمريكي وقع ضحية كذبة أبريل.

حتى أن شركة Procter & Gamble الرائدة في مجال مُستحضرات العناية الشخصية، فقد شاركت في التسويق بكذبة أبريل، عندما أعلنت أن غسول الفم Scope، الذي تنتجه أعيد إنتاجه بنكهة جديدة تماماً. نكهة اللحم المقدد.

وفي عام 2013 أعلنت Google -وهي إحدى رائدات فن التسويق– في يوم كذبة أبريل، عن سعيها لإطلاق Google Nose، وهي خدمة البحث بواسطة الرائحة، الفكرة بكل بساطة أن جهازك يمكنه تميز رائحة أي شيء ويخبرك ما هو، والشيء الآخر أنه أصبح بإمكانك شم أي رائحة تريدها مهما كانت، وليس هذا فقط بل تستطيع مشاركة الرائحة مع من تريد. فدس الناس أنوفهم في شاشات الكمبيوتر والأجهزة الذكية بحثاً عن الروائح المختلفة، وحينها ضحكت Google، فاكتشف العالم أنها كذبة أبريل.

ولم يتوقف مزاح الشركة عند هذا الحد، إذ أعدت إعلاناً مصوراً، خصص لتوضيح ابتكار جديد يتلخص في أن خدمة البريد الالكتروني التابعة لها سيغلب عليها اللون الأزرق.

هذا وقد اعتادت Google على القيام بتلك الكذبة في الأول من أبريل. ولكن في هذا العام 2016 لم يسر الأمر معها على ما يُرام، فقد قدمت خمس خدع جديدة لكذبة إبريل، شنّتها في إطار الدعابة مع مستخدميها، ومشاركتهم اليوم بطريقة لطيفة، ولكن إحدى هذه الخدع لم يكُن موفقاً على الإطلاق، بل وتسبب في إحراج الشركة.

فقد كانت الخدعة هي إضافة ميزة Mic Drop  عبر زر جديد برتقالي اللون، مخصص لإنهاء الرسائل المتبادلة، ويظهر بجانب زر الإرسال الطبيعي لبريدها الإلكتروني Gmail، ليقوم بإرسال صورة GIF  مُتحركة للشخصية الكرتونية  Minions من فيلم  Despicable Me، وهو يرتدى زياً ملكياً، ويلقي بميكروفون على الأرض، كـ دلالة على انتهاء الحديث، وعدم الرغبة والاهتمام بمعرفة الرد.

ويبدو أن بعض المستخدمين لخدمة Gmail، قد استخدموا الميزة دون وعي أو قصد في رسائل العمل الرسمية، والتي لم يتفهمها بعض العملاء والمُدراء وأصحاب العمل، مما تسبب في إحداث فوضى وأزمات في مُحيط العمل، ومشاكل مهنية للمستخدمين وصلت لحد الفصل من العمل.

وقد ثارت لذلك موجة عارمة من الغضب بين المستخدمين، وعبروا عن استيائهم الشديد بمنتديات الدعم الفنى لـ Google، وذلك بعد أن أرسل أحد المستخدمين رسالة لإدارة الموقع، كتب فيها: “شكراً، لقد خسرت عملي”، جراء هذه الكذبة التسويقية، مما دفع Google في نهاية الأمر إلى إلغاء الزر، والاعتذار للمستخدمين عن تلك الخدعة في بيان رسمي.

وفى نفس العام أيضاً 2013، نشرت المُدونة الرسمية لموقع YouTube، المُختص بتبادل تسجيلات مقاطع الفيديو، تسجيلاً مدته ثلاث دقائق و32 ثانية بعنوان يوتيوب يستعد لاختيار الفائز، ويعلن فيه رئيس مجلس إدارته سالار كامنجار، توقف خدماته عند منتصف الليل، كما ظهر في المقطع رئيس قسم الاتصالات تيم ليستون.

حيث أفاد المقطع عن أنه كانت هناك مسابقة ضخمة، بدأت منذ فترة طويلة، وأنه سيتم إغلاقه الآن للتحكيم وتحديد اسم الفائز، حيث سيغلق الموقع بعد مرور 8 سنوات على إطلاقه، لأنه بلغ هدفه في الوصول لاكتشاف أفضل مقطع فيديو في التاريخ بالكامل، وسيتم إغلاق الموقع عند هذا الحد، وسيعود بعد عشرة سنوات في عام 2023؛ ليقوم بإعلان اسم الفائز فقط، والذي سيحصل على مشغل MP3 بالإضافة إلى 500$. وطبعًا كانت مزحة، واستيقظ رواد الموقع في الصباح، ليكتشفوا أنهم وقعوا ضحية كذبة أبريل.

وقد اختارت الشركة الفنلندية Nokia مزحة أكثر واقعية لمحبيها، عبر الإعلان في عام 2014 عن أنها ستبدأ، بطلب من عشاق الماركة، بإعادة تصميم هاتف نوكيا ٣٣١٠ – أحد الهواتف الأكثر شعبية التي أطلقتها الشركة – بإضافة العديد من المميزات التي تحوله إلى هاتف ذكي بمواصفات ممتازة، ليكون مُصمماً بتقنية Pure View، وبنظام تشغيل ويندوز ٨ المعدل، وشاشة لمس ٣ بوصة بمقابل مبلغ منخفض جداً.

وفي العام الماضي 2015، وعلى عكس المُتوقع، فاجأت شركة BMW المتخصصة في صناعة وتجميع السيارات عبر فرعها بنيوزيلاندا بكذبة أبريل حقيقية هذه المرة، عبر إعلانها في الصفحة الأولى من جريده نيوزيلاندا هيرالد، أن أي شخص سيدخل معرض الشركة بإمكانه استبدال سيارته القديمة بـ سيارة BMW أحدث طراز، الأمر الذي لم يصدقه أحد، فظهر كأنه كذبة أبريل للأغلبية. فقد كانت الخدعة في إقناع الناس بأن الخبر غير حقيقي بالرغم من أنه حقيقي.

لكن تيانا مارش تشجعت، ودخلت المعرض، فكانت المُفاجأة أن موظف خدمة العملاء أخذ منها مفاتيح السيارة القديمة، وأعطاها مفاتيح سيارة جديدة أحدث طراز يصل سعرها لـ 50 ألف دولار.

وفي العام المُنقضي أيضاً، أرادت شركة Samsung ممازحة عملائها الأوفياء حول العالم، فأعلنت عن إنتاج ساطور ذكي Galaxy BLADE edge، يُقدم خدمات الهاتف الذكي، فيحتوي على جميع ميزات مواصفات هاتف جالاكسي إس 6، كما أنه مُصصم خصيصاً للطهاة المُتميزين، فهو مزود بنصل يعتبر الأقوى حتى الآن ويستطيع قطع أي شيء، فبه عدد كبير من الحساسات، التي من الممكن أن تتعرف على المسافة الفاصلة بين الشفرة والأصابع؛ لتفادي أي حادث ينتج عنه إيذاء المستخدم، فضلاً عن القدرة على تحليل قوة قبضة مستخدمها لضبط قدرات الساطور. وبالطبع كانت كذبة أيضاً.

أما NESCAFÉ الشرق الأوسط فقد داعبت جمهورها عبر Facebook هذا العام 2016 بمزحة لطيفة، وذلك بإعلانها عن نساء-كافيه باللون الوردي، المُعد خصيصاً للنساء.. وقد صدقها البعض. (رابط التدوينة على Facebook)

ومازلنا في انتظار المزيد من الكذبات والدعابات التسويقية التي ستقوم بها الشركات اليوم احتفالاً بكذبة إبريل ولكن بشكل تسويقي، فهل هُناك متحمسين مثلي للمُتابعة؟