تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

في علم النوستالجيا ..لماذا نحب الماضي؟

النوستالجيا والحنين إلى الماضي
إسراء حمدي
إسراء حمدي

6 د

هل تساءلت يومًا عن سر ما يُسمونه بالحنين؟ عن سر. إنه ذلك الشعور الذي يُطاردك عندما تزور بيتك القديم الذي شهد أيام طفولتك أو شبابك، تلك الرائحة المألوفة، ذلك الاطمئنان الذي تشعر به عندما تذهب إلى مكانٍ ما بقي جزءًا من الماضي، غرفتك القديمة أو الصور العائلية أو متعلقاتك الشخصية القديمة. هل جربت يومًا أن يلتقطك الخيال إلى زمنٍ قد انقضى بالفعل ولكنك تنتمي إليه بكل جوارحك؟ زمن الطفولة الخالي من المسؤوليات والمخاوف والراحة وتلك الأيام الدافئة، عندما كان كل شيء جيد وكان الجميع سعداء. وتتمنى لو أنك تستعيد تلك الحياة ولو للحظات. إذًا، أنت هنا في حالة نوستالجيا.


ما هي النوستالجيا؟

في البداية، لنوضح من أين جاء مُسمى النوستالجيا. أولًا، كلمة النوستالجيا “Nostalgia” تعني الحنين، وصِيغ هذا المصطلح لأول مرة في عام 1688 (القرن السابع عشر)، من قِبل طالب طب سويسري يُدعى “يوهانس هوفر”، وقد اشتق هوفر هذا المصطلح من كلمتين يونانيتين قديمتين وهما: “Nostos” (تعني العودة إلى الوطن) و”algos” (تعني ألم أو وجع). عندما نبحث في الأساطير اليونانية القديمة، نجد قصة أوديسيوس الشهيرة، ذلك الملك القوي الشجاع، الذي تمنى العودة إلى الوطن أو كما هي باليونانية “Nostos” بعد حرب طروادة. في نفس الوقت عانى من ألم عجزه عن العودة لوطنه أو من “algos”، ومن ذلك وضع هوفر مصطلح النوستالجيا الشهير عندما لاحظ حنين الجنود السويسريين المرتزقة الذين كانوا يحاربون في الأراضي الأجنبية.

النوستولوجيا والحنين إلى الماضي

لاحظ أطباء سويسرا العسكريين حالة الحنين إلى الوطن لتي تنتاب الجنود، وكان لها أعراض منها: التلهف الشديد للمناظر الطبيعية في جبال الألب وقد يتطور الأمر للإغماءات والحمى. وعرفوا هذه الحالة باسم “Schweizerheimweh”. كما لُوحظ تجنب الجنود إنشاد الأغاني السويسرية، فهي تُزيد الحنين إلى الوطن. لقد كان يُنظر إلى النوستالجيا على أنها اضطرابًا عقليًا. لكن اليوم، تغيرت الفكرة حول هذا المفهوم. لقد أصبحت طريقة النظر إليه أكثر إيجابية، فهو يُذكر المرء بالذكريات الجميلة التي حدثت له في الماضي، ويَحنُ إليها كثيرًا. فالنوستالجيا كمفهوم  هي “الحنين إلى ماضي مثالي”، أو هي حالة عاطفية نصنعها نحن في إطارٍ معين وفي أوقات وأماكن معينة، أو يمكن وصفها بأنها عملية يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية، والجدير بالذكر أن نسبة 80% من الناس يشعرون بالنوستالجيا مرة على الأقل أسبوعيًا.

اقرأ أيضًا: توظيف النوستالجيا في الحملات التسويقية..وسيلة “مضمونة” لجذب اهتمام العميل!


الوحدة تخلق النوستالجيا

يقول الخبراء أنّ النوستولوجيا هي آلية دفاع يستخدمها العقل لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية، لذا فإنها تكثر في حالات الملل أو الشعور بالوحدة خاصة عند كبار السن، أي عند شعور الإنسان بأنّ حياته فقدت قيمتها وأصبحت تتغير للأسوأ، فيقوم العقل باستدعاء ذكريات الماضي الطيبة بدفئها وعواطفها، فتعطيه تلك الذكريات الدفعة التي يحتاجها للتعامل مع التحديات الحالية، فكما يُقال إنّ الماضي هو قوت الأموات، فالنستولوجيا هي مورد نفسي يهبط فيه الناس ليستعيدوا حياتهم ويشعرون بقيمتهم، وهي من السبل الناجحة في صد الاكتئاب مؤقتًا، فيشعر الشخص بأنّ حياته البائسة كانت ذات قيمةٍ يوماً ما.


“ببساطة، نحن نحب النوستالجيا لأنها تجعلنا بطريقة غامضة نشعر أفضل”.

من ناحية أخرى، تُشير بعض الدراسات إلى وجود علاقة وثيقة بين انخفاض الثقة الاجتماعية والوحدة، فكثيرًا ما نجد أنّ أكثر الأشخاص الذين ينخفض لديهم مستوى الثقة في النفس، يُعانون من حالة الوحدة. لكن ما يُخفف وطيئة هذا الأمر أنّ الشعور بالوحدة، يدفع المرء للتفكير في الذكريات السعيدة في الماضي. وهذا بدوره يساعد بشكلٍ فعّالٍ في تعزيز الثقة الاجتماعية للشخص، مهما بلغت وحدته. وهذا الأمر من إيجابيات النوستالجيا.


ماذا لو كنت أعيش في تلك الأوقات؟

تلك الصورة التي نراها في صور وأفلام الستينات والسبعينات، الحياة الراقية، والأخلاق العالية، الذوق الرفيع في الأدب وفي الفنون وحتى في الموضة، الحياة الهادئة والشوارع الفارغة، النفوس الطيبة الصافية، الترابط الأسري، الوجوه الجميلة بلا مساحيق أو عمليات تجميل، الحياة النظيفة. كم مرة أَسَرَتنا هذه الصورة؟ أحببناها وصدقناها وعشنا فيها في زمن جميلٍ لم نعهده. هل كان ذلك الزمن جميلًا بالفعل أم أنها مجرد صورة نظيفة رسمتها لنا الأفلام القديمة؟

لا أعرف لهذا السؤال إجابةً سوى أننا غرقنا الآن في تلك الصورة، وأصبح الهوس بالقديم بالنسبة إلينا أسلوب حياة، وطريقة رائعة لجذب الناس والورقة الرابحة في الإعلانات التلفزيونية، وبدأنا بالانعزال عن حاضرنا والانشغال بإحياء صيحات القديم في دور الأزياء والأفلام السينمائية، لأن كل ما يعبر عن الحاضر أصبحنا لا نشعر به ولا نرى أنفسنا فيه، لأننا نحب الماضي، نحب النوستالجيا.

من ناحية أخرى، تُشير بعض الدراسات والأبحاث إلى أنّ الإنسان قد يلجأ للنوستالجيا للهروب من صدمة قوية تعرض لها، فهو يجد الأمان في الماضي ونسماته الهادئة الخالية من الصدمات والعنف‘ فيختاره كملاذٍ للهروب إلى فترة زمنية ممتعة، قد تكون فترة الطفولة الهانئة أو وقت لم يعش فيه من الأساس لكنه يعرف عنه جيدًا، ويُسمى هذا بالحنين التاريخي. ويأتي هذا النوع من الحنين للشخص الذي لا يرضى عن الواقع الحالي، ويرغب في العيش في زمنٍ من الأزمنة الماضية، لأنه يعتقد أنّ هذه الأزمنة أفضل وظروف المعيشة فيها أحسن من الحاضر، وفي هذا الصدد، لا يمكن غض الطرف عن احتمال يُفيد بأنّ هؤلاء الأشخاص الذين يحنون إلى الماضي قد يملكون نظرة تشاؤمية عن العالم. على أية حالٍ، إنّ الماضي بمثابة متجر للذكريات السعيدة، يلجأ إليه المرء وقت الحاجة، ويكون أداة مفيدة، وسلاح قوي للغاية لمواجهة الحاضر المؤلم.


النوستالجيا..جيدة أم سيئة؟

النوستالجيا

” لو أنّ ما فعلته بالأمس يبدو عظيمًا، فهذا يعني أنك لم تفعل شيئًا اليوم “

لو هولتز

نحن نحب النوستالجيا، ولكنها ليست جيدة كما نظن، وليست سيئة أيضًا. من الأسلم أن نقول إننا جميعاً أو أنّ معظمنا يتمنى العودة إلى الماضي، وأننا جميعًا قد مررنا ونمر دائمًا بذاك الشعور الذي يشبه مشاعر الحزن والسعادة، كلما زاد رضانا عن واقعنا، يقل ذلك الشعور ولكنه لا يختفي. إنّ النوستالجيا جهاز آخر في أجسامنا يمدنا بالسعادة ولحظات الراحة، ومهما أخذنا منه لا نكتفي. إنه شعورٌ يجمعنا ويربطنا بأشخاصٍ معينين وأماكن دافئة وروائح مألوفة. تُعطينا النوستالجيا دفعة نحو المستقبل وتُحسِن من حالتنا النفسية وتزيد رغبتنا في التواصل الاجتماعي، خصوصاً مع الأشخاص الذين يرتبط الماضي بهم كالأهل وأصدقاء الطفولة، الحنين يجعلنا أكثر أمنًا وأكثر دفئًا، وبذلك نستطيع القول، إنها حالة نافعة وليست سيئة أبدًا.

في الواقع إن الخطر الوحيد وراء النوستالجيا يكمن عندما نقف عندها، أو عندما نفهمها بشكل غير صحيح، فنظل نرتدي تلك النظارات الوردية عن الماضي بدلاً من أخذ نظرة جادة عن الحاضر، ونغرق أنفسنا في الماضي ونعيش فيه كوسيلة لتجنب الحاضر، ونرفض الانتقال إلى المستقبل أو إلى كل ما هو جديد لأن الماضي هو الأفضل دائمًا وأبدا. فالأزياء القديمة رائعة، والمطاعم القديمة مثالية، والأفلام القديمة هي الأفضل. ونظل نُحيي صيحات القديم لمجرد إحيائها وندور في دائرةٍ مفرغة لا نجني منها سوى أننا نفقد التعامل مع الحاضر ونهدم المستقبل.


اخلق حاضرًا


“اغرس اليوم شجرة، تنم في ظلها غدًا”

نتفق جميعاً الآن أن الذكريات جميلة والماضي مبهج، ولكن الماضي لنتذكره وليس لنعيش فيه لأنه انتهى، وأنسب طريقة للتعامل مع النوستالجيا وجني فوائدها وتجنب عواقبها هي أن تتذكر الماضي مع حفظ الحاضر، تَذكر ماضيك واصنع حاضرك ومستقبلك، ولا تتوقف عن خلق ذكرياتٍ لنفسك تلجأ إليها في المستقبل، وهذا يُسمى “النوستالجيا الاستباقية”، أما الخلل فسيأتي عندما تنشغل بالتفكير في الماضي وتتوقف عن ملء خزان الذكريات الذي ستتصل به في المستقبل لأنك دائمًا ستحتاجه.

ذو صلة

أجل، هناك العديد من الدراسات التي تُدعم النوستالجيا وتشجع عليها، لما لها من فوائد -كما ذكرنا- لكن في نفس لا نستطيع غض الطرف عن أضرارها. فلا يصح أن يعيش المرء أسيرًا لماضيه. لذلك، نستطيع القول إنّ النوستالجيا سلاح ذو حدين.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

فعلا اراجيك اصبحت فخرا للمحتوى العربي شكرا للكاتبه وللعاملين في هذا الصرح الجميل بوركت جهودكم ووفقكم ربي لكل ماهو مفيد..

روعة …كل الشكر لمقالك الرائع

النوستالجيا مرض جميل بالنسبه لي اشعر ان عقلي يكأفني به وكلما تذكرت تلك اللحظات اهيم في ثناياها ويقشعر جسمي وابكي بحرقة شديده واتمني ان اعود اليها واستعذاب ذلك الالم النفسي لما فيه من متعه قد اكون مريضا ولكني لا اجد مثيل لتلك المتعه

مقال رائع جدا

ماذا لو كان الماضي مؤلم ؟! وكل ذكريات القديمة موحشة كمن عاش في اوساط الحروب او في بيت يملاءه مشاكل او معاناه قد اظلمت صفحات ماضية ليس كل ماضي جميل ….الا ان النوستالجيا صفحات من ذكريات الماضي تعود اوراقها بمواقف مصدافه او مشابهه لها …

<3

<3

شكراً لك ! ^_^

شكراً لك ! ^_^

يسعدني أن رسالتي وصلت ^_^
شكرا لك ..

يسعدني أن رسالتي وصلت ^_^
شكرا لك ..

بالطبع !
شكرا لكي <3

بالطبع !
شكرا لكي <3

على الرحب ^_^ أشكرك ..

على الرحب ^_^ أشكرك ..

شكرا شكرا شكرا و الف شكرا لأمتاعنا بهذه الرؤية الفوق فلسفية و الفوق وجودية عزيزتنا المباركة نتمنى لك الموفقية و أقاتل نستولوجيا دائمة و حقيقية في حي التمني في جنة الخلد

مقال رائع والتفاتة مميزة لموضوع في غاية الأهمية طالما أرق الكثير منا وأثر بشكل سلبي على حياتنا ولكن بعد قراءة المقال وجدنا الحلول التي سوف تساعدنا على اخذ الايجابيات من الماضي والتركيز عليها ومحاولة ترك الاشياء التي لها التأثير السلبي … تحية احترام وتقدير

شكرًا لمقالك الرائع والهادف بلا شك 🙂
إن كان الماضي “قوت الأموات”، كما يقال، فهو مقبرة الأحياء في بعض الأحيان.
تحياتي

كلنا يركض.. نحنُ لا نقف حيثُ أقدامنا تقف، أحدنا تسلّل إلى المستقبل، والآخر يقبعُ في مكانٍ ما من الماضي، حتى أنه ينسى أحيانا على أيّ أعتاب بوابةٍ يقف، في أي زمنٍ يعيش! ولحظة صحوته يبدو الأمر مُربكًا، القلق الوجودي يُلاحقنا دائمًا في كل أيام حياتنا، لن نستطيع أن نهرب من هذا الشعور وكأننا بين حُلم وغير حُلم. وإن هذا لشيءٌ يُراد.
دائمًا يُراودني هذا الوَجد، الشوق، الحنين للماضي، لكن للمرة الأولى أقرأ فيهِ مقالةً، وأتعرف على مصطلح “النوستالجيا”، شكرًا لكِ إسراء، مقالتكِ أسَرَت نفسي 🙁 وأسرَّتني 🙂 في وقتٍ واحد.
تحية طيبة مع دعواتي لكم بأوقاتٍ طيبة وذكرياتٍ مُزهِرة.

حقيقة لايمكن انكارها بأن الاسلوب المهذب والرقى والاناقة انتهت مع بداية الثمانينات, ودة ليه اكتر من سبب اهما هو تركيز الميديا على الاشخاص المسموح ليهم بالظهور على الشاشات سواء فى الشرق او الغرب, يعنى فى مصر قبل بداية مرحلة “افلام المقاولات فى الثمانينات” كان بيتم اختيار الفنانيين بناءا على الشكل والاناقة والوضع الاجتماعى وكان بيهمهم ديما المحافظة على صورة البلد قدام الاجانب لكن بعد انتهاء الجيل اللى ابتدى الافكار دى امثال, يوسف وهبي, محمد عبد الوهاب, الخ. لم يكن لدينا بديل يتحمل المسؤلية.

مقال جميل جدا
شكرا لكي أختي الكريمه

Ahmad Hamad لا بأس بالطبع ^_^
و لكن لا تنسَ أن تذكر المصدر و هو أراجيك ^_^
و أتمنى أن أقرأه بعد الترجمة 🙂 🙂

Ahmad Hamad لا بأس بالطبع ^_^
و لكن لا تنسَ أن تذكر المصدر و هو أراجيك ^_^
و أتمنى أن أقرأه بعد الترجمة 🙂 🙂

Esraa Hamdy أود ترجمة مقالتك للإنجليزية، ممكن؟

Esraa Hamdy أود ترجمة مقالتك للإنجليزية، ممكن؟

شكراً ^_^

شكراً ^_^

Azzědine شكراً لك ^_^

Azzědine شكراً لك ^_^

مقالك مفيد ورائع جدا شكرا جزيلا لك

Esraa Hamdy مقالك راقي لذلك يبدو و كأنه مترجم من مصادر أجنبية, في انتظار مقالاتك القادمة *.*

Esraa Hamdy مقالك راقي لذلك يبدو و كأنه مترجم من مصادر أجنبية, في انتظار مقالاتك القادمة *.*

أنا لست مترجمة 😀
بالطبع أستخرج المعلومات العلمية من مقالات و مصادر مختلفة لأني لست عالمة نفس .. و لكن تظل الصياغة و الترتيب و الأفكار لي بالطبع ..
أستعين بالآراء لأوظفها داخل المقال ليس إلا ^_^
لا أدري هل المقال يبدو عليه أنه مترجم أم لا و لكنني أقرأ الكثير من المقالات الأجنبية حتى أصبحت مقالاتي مشابهة لهم قليلاً ..
لا أدري 😀

أنا لست مترجمة 😀
بالطبع أستخرج المعلومات العلمية من مقالات و مصادر مختلفة لأني لست عالمة نفس .. و لكن تظل الصياغة و الترتيب و الأفكار لي بالطبع ..
أستعين بالآراء لأوظفها داخل المقال ليس إلا ^_^
لا أدري هل المقال يبدو عليه أنه مترجم أم لا و لكنني أقرأ الكثير من المقالات الأجنبية حتى أصبحت مقالاتي مشابهة لهم قليلاً ..
لا أدري 😀

هل أنت من كتبت هذا المقال أم ترجمتيه من موقع آخر؟

ذو صلة