لماذا نحبّ مُسلسلات التحقيقات والألغاز؟

الإنسان كائن فضولي، لذا فللأحاجي سحرها الخاص لديه، الحياة بشكل عام عبارة عن لغز .. نحنُ لا نعرف ما الذي سيحدث غداً، بعد ساعة، بعد دقيقة حتى، لذا نحن نعيش لنرى، نعيش لنعرف، نعيش لنكتشف تلك الأشياء التي تؤرقنا ذات ليلة، ثم تكشف في الصباح التالي.

الموت هو اللغز الأكبر المستمر، وهو أيضاً نهاية الرحلة في هذه الحياة، الأمر الذي يمنحه سحره وهيبته، لذا يمكننا ان نقول بلا قلق، بأننا نعيش في لغز مستمر، يدفعنا فضولنا للاستمرار في الحياة التي تنتهي بالمعرفة الكاملة.

الألغاز هي ما تحركنا وتثير شغفنا، تدور ألعاب الفيديو في معظمها حول لغز كبير نسعى لحلّه، وحتى في القراءة، معظمنا بدأ رحلته معها بسلاسل الألغاز مثل المغامرين الخمسة للكاتب الراحل محمود سالم، اما ما يمكننا أن نطلق عليه أيقونة الألغاز، وأسطورتها الكبرى، فهي تلك الشخصية البريطانية الساحرة والخالدة شرلوك هولمز.

لنلقي نظرة على مجموعة من أشهر وأفضل مسلسلات الجريمة والغموض الأجنبية، التي لا تدلُّ كثرتها إلا على شعبيتها:

في موسمه الأول، يقوم الممثل الذي بات من ألمع نجوم هوليوود حاليا ماثيو ماكونهي بدور المحقق رست كول، مع وودي هارلسون في دور المحقق مارتي هارت، يعملان الاثنان معاً في قضية قتل غامضة لامرأة عام 1995، تثير الذعر بعد ملابستها الغريبة، لكننا نتابع تطور وضعهم في الزمن الحالي، بعدما تفرقت بهم السبل بسبب هذه القضية بالذات.

 الإثنان يتركا بعدها العمل كمحققين، ليتم استجوابهما حولها من جديد، لنستعرض معاً القصة كاملة على طريقة الومضات السابقة التي تكشف لنا كل يوم جزء جديد من اللغز الذي يبدو أنه لم يُحلّ بأكمله في التسعينات بعدما يثبت كول المهووس بالقضية تورط عناصر هامة في الجريمة.

الموسم الثاني يعرض حالياً وهو من بطولة كولن فاريل وريتشيل ماكآدمز.

***************************

نوع آخر من التحقيقات نتابعه في مسلسل Bones، وهو تحقيقات الطب الشرعي، حيث يختلط العلم بالجريمة، الطبيبة الشرعية تيمبرينس بونز التي تعاني من قصة مآسوية لوفاة والديها نفسهما، تعمل على حل الجرائم الغامضة مع المحقق سايلي بوث عبر الأدلة التي تجمعها من الجثث أو موقع الحادث.

تبدو الطبيبة العبقرية منطوية جداً، هذا الأسلوب الذي يُحبُّ المؤلفون اعتماده مع الأبطال العباقرة مثل شرلوك هولمز، أو حتى دكتور هاوس، بونز في رأيي مزيج من الاثنين، فهي قاسية قليلاً، سريعة الملاحظة، تصاب بحالة من الهوس بالقضية حتى حلّها، لكنها تختلف معهم في كونها متعاطفة، تحب تطبيق العدالة أكثر من مجرد إشباعها النفسي بعدما تكتشف القاتل.

من المتوقع طرح الموسم الحادي عشر هذا العام.

***************************

بجميع ولاياته، يمثل نوعاً محبوباً من المسلسلات البوليسية السريعة المتعاقبة، الأمرالذي يُفسّر سرّ استمرارها لكل هذه المواسم الطويلة، سواء كان في نيويورك، ميامي، أو لاس فيغاس.

الجميل هو اختلاف القضايا والشخصيات كل على حسب معطيات الولاية نفسها، ونسبة الجرائم الأكثر انتشاراً فيها، إلى جانب اختيار المحققين الذي لا يعتمد على الوسامة والجاذبية مثل باقي أبطال هذه النوعية من المسلسلات، وإنما على الأداء الطبيعي وكأننا نتابع الجريمة كما حدثت بالضبط.

معظم الجرائم التي ترد، مستوحاة من جرائم حقيقية فعلاً، ربما كان مسلسل CSI: NY هو المفضل لدي، لكن مسلسل CSI: Crime Scene Investigation هو الذي استطاع الاستمرار من عام 2000 إلى عام 2015، والذي تدور أحداثه في لاس فيغاس.

***************************

الشخصية الأكثر حُبّاً من ضمن الشخصيات الأيقونية في تاريخ الروايات البوليسية والسينما، بريطانيته العتيقة، وشخصيته غير التقليدية، تضفي عليه سحراً خاصاً، مختلفاً عن جيمس بوند مثلاً في كونه محبوباً فعلاً، رغم غطرسته القريبة جداً من غطرسة  بوند، لكن محبيه يغفرون له هذه العيوب الصغيرة بسبب ذكائه المبهر، وخفة ظله، وعدم ادعائه البطولة.

فعلى العكس، يعترف شرلوك بإدمانه حل الألغاز، الأمر الذي يتحكم فيه أكثر من مجرد رغبة في تطبيق العدالة أو القبض على الجاني.

في المسلسل الأخير من بطولة بنديكت كومبرباتش في دور شرلوك، ومارتن فريمان في دور مساعده جون واطسون، نتابع شرلوك برؤية جديدة عصرية تختلف عن بريطانيا القرن التاسع عشر، التي قدمها سير آرثر كونان دويل في رواياته.

يستخدم هنا شرلوك الكمبيوتر والهاتف الذكي في حل جرائمه، بينما يقوم جون واطسون بتدوينها على مدونته الخاصة، حتى غليونه الشهير استبدله شرلوك القرن الواحد والعشرين بلاصقات النيكوتين، في حين احتفظ بملامح أساسية مثل قبعته ومعطفه، وعزفه على الكمان، بالإضافة لعدوه اللدود جيم موريارتي، ومدبرة منزله السيدة هادسون.

يتم عرض موسم واحد كل عامين من شرلوك، الموسم يحتوي على 3 حلقات فقط كل حلقة تصل مدتها إلى ساعة ونصف تقريباً، لذلك يقع تحت تصنيف المسلسلات القصيرة.

***************************

ينظر هذا المسلسل غير التقليدي للتحقيقات من منظور مختلف تماماً، منظور القاتل التسلسلي العبقري ديكستر مورجان، الذي يقوم بدوره مايكل سي هول.

تقتل والدته أمامه في طفولته، وبقاؤه محتجزاً مع جثتها لعدة أيام، كان الموقف الجلل في حياته، والذي يصيبه بالفصام، لكنه يتمكن من إخفاء معاناته الحقيقية ورغبته في القتل عن الجميع، بمساعدة من والده بالتبني، الذي يلاحظ ميل ابنه للقتل، الأمر الذي لا يجد له حلاً سوى توجيهه لقتل المجرمين، بعد أن يثبت جرائمهم بالفعل، على الأقل لنفسه.

 ديكستر الأقرب للأبطال الخارقين يعيش نهاراً حياته الطبيعية كفَني مختبر، متزوج ومرتبط جداً بأخته وزوجته وأطفالها من زوجها السابق ثم ابنه نفسه، لكنه في المساء يتحول لقاتل مهووس ومبتكر.

يتفنن في تنفيذ جرائمه بعقله المُختلّ لكن على عكس غيره من القتلة، لا يمكن سوى التعاطف معه لأنه في النهاية يتخلص من مجرمين أكثر وحشية وخطورة بعدما يجمع الأدلة لإثبات تورطهم.

المسلسل الذي حقق نجاحاً كبيراً يدعونا للتفكير هل القسوة وشريعة الغاب هي الوسيلة الوحيدة المتاحة لإنقاذ المجتمع من خطاياه؟ بعدما تعجز العدالة دائماً في عمل ذلك؟ المسلسل للكبار فقط خاصة بعدما تكررت عمليات قتل حقيقية لأشخاص تأثروا بشخصية ديكستر من بينهما طفل قام بخنق أخيه.

انتهى عرض الموسم الثامن والأخير من ديكستر عام 2013.

***************************

اقرأ أيضاً

الدنيا تكسر كل أحد، كذلك تفعل شوندا ريميس كاتبة مسلسل Grey’s Anatomy

كسر نمطية مسلسلات الجريمة في Person of Interest

مسلسل Suits .. حُماة القانون هم نفسهم الخارجون عنه

***************************

فريق من عملاء المخابرات الفيدرالية يدعى BAU أو وحدة تحليل السلوك، يتولون القضايا الغريبة لمجرمين عباقرة، يتكوّن الفريق من جيسون ديون، محقق خاص مخضرم، ومساعده آرون هوتشنر، إلى جانب خبيرة الكمبيوتر العبقرية بنيلوب جارسيا، ودكتور سبنسر ريد  مُتخصص في التحليل النفسي للسفاحين والمجرمين.

يذكروني بفريق مصري آخر وهو فريق نور الدين محمود في سلسلة ملف المستقبل، الذين يعملون معاً لكشف الألغاز بنفس توزيع الأدوار.

سيتم عرض الموسم الحادي عشر ابتداء من يوم 30 سبتمبر من هذا العام.

***************************

باتريك جين هو وسيط روحي وقارء أفكار مُحتال، فهو لا يستطيع قراءة الأفكار بالفعل لكنه يستغل ذكاؤه وقدرته الكبيرة في الملاحظة لإيهام من أمامه بذلك، لكنه يدخل دائرة الثأر مع سفاح يدعى ريد جون بعدما يمنح الشرطة بعض المعلومات عنه، ليقوم السفاح بقتل زوجته وابنته الصغيرة.

يترك باتريك مهنة الوسيط الروحاني وينضم لمكتب كاليفورنيا للتحقيقات كمستشار للمساعدة في تحليل ملابسات القضايا والقبض على الجاني، لكنه لا ينسى ثأره الشخصي مع ريد جون طيلة حلقات المسلسل.

سيُعرض الموسم السابع من المسلسل هذا العام.

***************************

طوني شلهوب في دوره الأيقوني، المحقق الخاص أدريان مونك، العبقري في حل الجرائم الغامضة، لكنه يُعاني في ذات الوقت من وسواس قهري وخوف مرضي من أشياء غير معتادة (فوبيا)، مثل خوفه من اللبن مثلاً!

 بدأ كل هذا معه منذ مقتل زوجته في إنفجار سيارة، ومعاناته المستمرة من الاكتئاب والقلق، لكن هذا الأمر لم يمنعه من القيام بعمله، في حقيقة هذا الأمر هو ما يساعده على النجاح فيه بشكل أو بآخر.

***************************

المحامية وأستاذة القانون بجامعة ميدلتون العبقرية أناليز كيتنج التي تقوم بدورها فيولا ديفيس، تختار خمسة طلاب كمتدربين للعمل معها، بعدها يتورط الفريق في جريمة قتل ليلا، عشيقة سام زوج كينتج، وتلميذتها في نفس الوقت.

ليسردوا أحداثاً ماضية بطريقة الومضات السابقة، من أجل الوصول إلى قاتل الفتاة الحقيقي، لكن الأحداث تتطور إلى قتل سام نفسه، وسط محاولات أناليز لتبرئة طلابها وكشف القاتل الحقيقي.

المسلسل من إنتاج شوندا ريميس التي عملت على مجموعة من المسلسلات التلفزيونية الناجحة في الولايات المتحدة مثل Grey’s Anatomy وPrivate Practice.

صدر الموسم الأول عام 2014، ولازلنا في انتظار موسمه الثاني الذي سيبدأ عرضه يوم 24 سبتمبر القادم.

***************************

الصورة النمطية للمحقق الواثق الغامض الساعي لتحقيق العدالة غير موجودة في هذا المسلسل، في الواقع، البطلان هنا نصّابان يدعيان امتلاكهما لقدرات نفسية روحانية خارقة لكسب العيش.

يدفع نجاحهما في الأمر الشرطة لطلب التعاون معهما، في ظل أحداث كوميدية ساخرة، يقوم البطلان بمحاولاتهما لحل الجرائم والهرب من تهمة النصب في نفس الوقت، وغالباً ما ينجحان في ذلك.

استمر المسلسل من عام 2006 لعام 2014، ورغم عدم شعبيته في العالم العربي لكنه حتماً يستحق البحث والمشاهدة.

***************************

مسلسلات التحقيقات تتنوع بمواضيع مختلفة لجذب المشاهدين، حتى أني فكرت في إضافة مسلسل هاوس للقائمة، على الرغم من كونه مسلسل طبي أولاً وأخيراً، إلا أنه عبارة عن حلّ لألغاز طبية معقدة وغير معهودة.

يمكن أن تتسع القائمة لتضم أكثر من ذلك بكثير، والملاحظ هو نجاح هذه النوعية من المسلسلات والأفلام أو حتى الروايات وتقييماتهم المرتفعة جداً. الأمر الذي يؤكد فضول الإنسان المستمر وشغفه الدائم بالألغاز والأحاجي.