“فلامينغو”.. أكبر محاكاة للكون تكشف عن نمو المجرات والعجائب السماوية!

في محاولة هائلة لكشف أسرار تطور الكون، شرع علماء الفلك في أكبر مشروع حتى الآن: محاكاة الكمبيوتر للكون بأكمله. تعد هذه الدراسات، المعروفة باسم محاكاة فلامينجو، بالكشف عن معلومات ثاقبة حول ولادة ونمو المجرات والنجوم والعجائب السماوية الأخرى، والتي تمتد إلى فجر التاريخ.

ربما يكون السؤال عن كيفية ظهور كل شيء في الكون هو اللغز الأكثر عمقًا، هو اللغز الذي تصارعت معه البشرية على مر السنين. من وجودنا على الأرض إلى الشبكات المعقدة والمجرات المنتشرة عبر الكون، فإن فهم مكاننا في الكون هو السعي الذي شغل العلماء لعدة قرون.

تمت محاكاة FLAMINGO بهدف توضيح ألغاز تطور الكون. هذه المحاكاة، التي تُعتبر أكبر وأضخم محاكاة على الإطلاق، إذ تستخدم تقنيات حاسوبية متطورة من منشأة DiRAC في المملكة المتحدة لحساب تطور جميع العناصر الموجودة في الكون، سواء كانت مادة ملموسة مثل النجوم والمجرات أو المادة المظلمة والطاقة المظلمة.

وبشكل مدهش، تضم المحاكاة الأكثر شمولية حوالي 300 مليار جسيم، حيث يعادل كل جسيم كتلة مجرة صغيرة، وكل ذلك يتواجد داخل مكعب ضخم يغطي مسافة 10 مليارات سنة ضوئية. من أجل تحقيق ذلك، استعان الباحثون بتقنية جديدة تُدعى "SWIFT"، وفقًا لما أوضحه عالم الفلك ماتيو شالر من جامعة لايدن، حيث تمكنت هذه التقنية من توزيع الأعمال الحسابية بفعالية على 30 ألف وحدة معالجة.

تم توثيق النتائج الأولية لعمليات محاكاة FLAMINGO في ثلاث أوراق بحثية متميزة. يتطرق أحدها إلى قضية محيرة تُعرف باسم توتر سيجما 8 أو S8. إذ ينشأ هذا التناقض من عمليات رصد إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهي بقايا الضوء القديمة التي تعود إلى وقت قصير بعد الانفجار الكبير. وتشير هذه الملاحظات إلى أن مادة الكون كان يجب أن تتجمع بطريقة أكبر مما هي عليه حاليًا.

يشكل التوتر S8 لغزًا كبيرًا للنموذج السائد للكون الذي تهيمن عليه المادة المظلمة الباردة. ففي حين أن عمليات محاكاة FLAMINGO لم تحل هذا اللغز بعد، إلا أنها أكدت على ضرورة دمج كل من المادة العادية والنيوترينوات للحصول على تنبؤات موثوقة. ويؤكد جوب شاي، قائد الأبحاث من جامعة ليدن، على أن دور المادة العادية أقل هيمنة من المادة المظلمة، إلا أنه أمر بالغ الأهمية ويمكن أن يفسر الانحرافات الملحوظة في النماذج.

عند القيام بمحاكاة باستخدام المادة العادية، تظهر تحديات متعددة. فبخلاف المادة المظلمة، التي تقتصر تفاعلاتها على قوى الجاذبية، تتضمن المادة العادية تفاعلات متعددة كالضغط الإشعاعي ورياح المجرات التي تتسم بالتقلب. لمواجهة هذا التحدي، استعان فريق فلامنغو بتقنيات التعلم الآلي لتحديد تأثيرات هذه الرياح، وتحسين دقة المحاكاة لتتوافق مع الملاحظات العلمية للمجرات وتجمعات الغاز.

يمثل مشروع فلامنغو نقلة نوعية في مجال البحث الفلكي، حيث يوفر رؤية جديدة وعميقة لأسرار الكون. رغم أن العديد من الألغاز لا تزال معقدة، تساهم مبادرات مثل فلامنغو في تقريبنا من فهم بدايات الكون. وعلى الرغم من أن البيانات التي تم جمعها لم تتاح بعد للعامة، فإن الباحثين يشجعون المهتمين على التواصل للحصول على معلومات إضافية.