في مفارقة مضحكة مبكية: نعيش عصر التواصل الافتراضي لكننا نفتقر إلى أهم مهاراته
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا…… الإمام الشافعي
تتغير الأطر الزمانية والمكانية وتتغير معها أدوات التواصل ووسائل الإنتاج ويبقى العيب فينا وحدنا، لا في زمنٍ متغيرٍ ومتطورٍ، فالثبات هو سمة اتصلت دائمًا بالذات الإنسانية التي ظلّت تخاف التغيير وتهاب الجديد وترفض المجازفة بينما تولد الحياة بوجه وملامح جديدة كلما انبثق نور النهار.
لكن هذا العالم يأبى الثبات ويقدّس القدرة على التأقلم والتكيف وهنا نستحضر تاريخ البشرية ونشأة المجتمعات الأولى وبقاء الإنسان العاقل باعتباره الأقدر على التكيف مع متغيرات العالم الخارجي، وبتطور هذا الإنسان الذي نجح في اكتشاف النار وتسخيرها يومًا ما، تطورت العلوم وتغيرت المعطيات حتى غمرتنا وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الإعلام والاتصال وصعبت علينا أبجديات التواصل.
تضاعفت بذلك هواجسنا ومخاوفنا وأصبحنا نحاول افتكاك مقعد في قاطرة هذا الزمن الذي لن نرضى أن نعيش فيه كما عاش “ديوجين”، بائسًا ومنعزلًا. فما هي أولًا مهارات التواصل التي نفتقر لها؟ وكيف لنا أن ندركها قبل فوات الأوان؟
أهم مهارات التواصل التي نفتقر إليها وكيفية تجاوزها
مع استمرار تفشي هذا الوباء العالمي، دُعِمت طرق العمل عن بعد باستخدام وسائل التواصل الافتراضي وأصبحنا بتغير سلالات هذا الفيروس الذي يشاركنا السكن مجبرين على تطوير مهاراتنا في التعامل مع هذه الوسائل في أقرب الآجال حتى لا تهزمنا البطالة وتنال منا الضغوطات النفسية والاقتصادية.
لكننا وبعد سنوات من التعامل اليومي مع هذه الأدوات لم نتمكن من الإحاطة بها وبنواميسها وضوابطها، مما دفعنا إلى إعادة النظر في القدرات التي لم نتقنها أو لم نكتسبها والتي باتت ضرورية للعمل وللتواصل الإيجابي.
التعامل عبر وسائل التواصل الافتراضي مقابل التعامل مع الآخر وجهًا لوجه
لا يمكن أن نجزم بأن أي محاور بارع في الحقيقة هو محاور جيّد في العالم الافتراضي، فالأساليب تختلف في العالمين، إذ تغيب الملامح وتعابير الوجه والنظرات في التعامل بالإيميلات أو بالرسائل على المنصات الافتراضية، ويصعب حتى فهم المقصود من الرسالة النصية التي قد تغير علامات التنقيط معناها كليًّا. كما أن التفكير المفرط والاختباء خلف الشاشة من شأنه أن يحول دوننا ودون ما يجب أن نقوله وكيف يجب أن نصوغ كلامنا هذا، ولكنه من جهة أخرى يشحننا بالثقة اللازمة للإقناع ويبعدنا نسبيًّا عن القلق والتوتر.
اقرأ أيضًا: قل وداعًا لدائرة التفكير المفرط وابدأ باتخاذ خطوات فعلية نحو الأهداف والأفكار الكبرى
تجاوز مخاوفك وحافظ على هدوئك: من أهم مهارات التواصل الافتراضي
من بين أكثر الأخطاء رواجًا عدم قدرتنا على تمالك أعصابنا حتى خلف الشاشات، مما يجعلنا فريسة سهلة للاستفزاز والغضب والخروج من مقابلة العمل بيد للأمام وأخرى نحو الخلف والاثنتان فارغتان. وهنا نشير إلى أهمية المحافظة على الهدوء والتوازن النفسي. يتجلّى هذا من خلال نبرة الصوت في المقابلات المسجلة وتبويب التدخل ونيل نصيب من الراحة للتفكير وتنظيم الإجابات. كما يمكن أن نستعين بكتابة أبرز النقاط لكي لا ننسى أن نذكر إحداها. فالعيب لا يكمن في التصالح مع النسيان بل في إنكار محدودية قدراتنا.
كن مستمعًا جيّدًا
الاستماع فن لا يتقنه أغلبنا، فنحن لا نسمع الآخر لنفهمه بل لندفع عنا الملابسات ونضع معطف الإنسان المتعلم الذي لا يمكن أن يتجاوز معارفه أي سؤال. هذه المقاربة السيئة قد تدفع بنا دائمًا في المشاكل الناتجة عن سوء الفهم والغطرسة وقد تعود سلبًا على مردودية فريق العمل وتعيق اجتماعاته.
وإن كنت لا تستطيع الاستماع، فكيف لك بعدها أن تبني أفكارك على تسلسل الأفكار الأخرى أو أن تعمل ضمن مجموعة؟ ولعل مقاطعة مداخلات الغير بما فيها من تقليل من احترامنا للآخر واعترافًا خاطئًا بعلوية ما سنقوله خير دليل على كوننا مستمعين سيئين ومحاورين أسوأ.
ركز على الأفكار ولا تلجأ إلى العاطفة
في محاورات عديدة، قد يُطلب منك الالتفات نحو موضوع معيّن والتحدث عنه من زاوية نظر تتعارض مع عواطفك. تذكر في الحالات المماثلة أن عواطفك لن تحميك من البطالة ولن تتيح لك فرص عمل كثيرة، وتذكر أيضًا أن الإقناع لا يقوم على مخاطبة القلوب بل محاربة العقول.
علاوة على هذا فإن فكرتك قد تفسح المجال لمشاعرك وقد تختفي تاركة خلفها حديثًا ينقصه المعنى وتغلب عليه العواطف والانطباعات الشخصية. لكنك كمستمع جيّدٍ أو كمديرٍ ناجح مطالب بالتركيز على حضور هذه المشاعر في خطابات الآخر الذي لا يمكن حصره في تجاربه المهنية فقط بل يجب تفهم تجاربه الشخصية وتدارسها.
“جلّ من لا يسهو”
يقول الإمام الشافعي: “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب“.
الاعتراف بالخطأ من شيم الكبار والناجحين وأهل العلم وهو ميزة نفتقدها اليوم في عصر الغرور والاحتكار والسوق الواحدة ونمط العيش الواحد، لكنه ضروري متى أردنا افتكاك مكان في الشغل أو إن رغبنا في التعلم وصقل مهاراتنا في التحاور سواء كان هذا التواصل افتراضيًّا أو حقيقيًّا.
تحدث عن هذه الأخطاء الكاتب التحفيزي “بريان تريسي”، صاحب أهم كتب التطوير الذاتي في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال فيديو شاركه مع متابعيه عبر قناته على اليوتيوب وصاغها في شكل نصائح نتجاوز باتباعها كوننا مخاطبين سيئين:
الممارسة هي مفتاح النجاح في مهارات التواصل وكل شيء
لا تكترث لردود الأفعال الأولى حين تحاول دخول عالم التواصل الافتراضي، وحاول تذكر الملاحظات التي قُدمت لك لتأخذها بعين الاعتبار في الخطوات القادمة. حاول أن تمارس يوميًّا طرق التواصل الافتراضي. جدّد طاقاتك. تسلح بالمعرفة حول هذا الموضوع بالتحديد. حسّن من نبرة صوتك واجعلها أوضح. تمرّن على الإنصات لجسدك واستخدامه في المنحى الذي تريده لا في المنحى الذي يعرقل تطورك. كن واثقًا من نفسك وتأكد أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.
لا تقف عند تجربة الفشل الأولى واستمر في المحاولة، واستعن بمحاضرات “Tedx” الكثيرة التي تطرح مسائل متعلقة بالتواصل الافتراضي وبكتب التطوير الذاتي وبرمجيات متاحة على غوغل بلاي كبرمجية “Communication skills development in 21 days” التي يمكنك تنزيلها من الروابط أدناه:
و “BestifyMe”
و “Self Mentor- Improvement & Motivation” على غوغل بلاي:
لكل عصر قوانينه ووسائل إنتاجه وأسواقه، هذا ما يجعل من التغيير الثابت الواحد في حيواتنا والمحرك الأساسي لتواصل الوجود الإنساني الذي تميّز منذ الأزل بقدرته على التكيّف والتأقلم مع متغيرات محيطه الخارجي، ولكن أليس في هذا التأقلم نفسه خسارة لخصوصية الإنسان؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.