تريند 🔥

🤖 AI

الإيجابية السامة.. كيف يصبح التفاؤل عائقًا أمام مشاعرنا وفهم واقعنا؟

نغم حسن
نغم حسن

5 د

"إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" آية قرآنية قرأتها على غلاف كتاب قديم ممزق، طبعًا هذا الكتاب كان يتحدث عن قدرة الإنسان على تغيير واقعه من خلال تغيير أفكاره وجعلها أكثر سموًا، وكيف أن الأفكار النبيلة تجعل مشاعر الإنسان أكثر سلامًا وبهجةً وترفع جودة حياته في هذه الدنيا وفي الآخرة، لم يذكر الكتاب شيئا عن تجاهل الواقع ولم يطلب من الإنسان الكذب على نفسه وادعاء الفرح، بل طلب منه أن يكون أكثر حكمةً ويرى الجمال والبركة التي تنتظره خلف كل ابتلاء.

إلى أن أصدرت روندا بايرن كتاب "السر" الذي لم يعد سراً، وتحدثت عن قانون يطلق عليه العلم اليوم قانون "الجذب "، الذي أصبح ظاهرة عصره بعد أن روجت له الإعلامية اوبرا وينفري وانتشر في كل بقاع الأرض، الجميع بدأ يتحدث عن هذا القانون "العجيب"، لا أحد ينكر أن للكتاب أثر لطيف في تحسين الجو العام للناس وتخفيف التشاؤم إلا أنه يفتقر إلى العمق.

 وكما لكل ظاهرة أثر جيد، ظهرت آثار مضحكة لهذا الكتاب فما بين ليلة وضحاها سقط علينا من السماء عشرات من المبشرين بالإيجابية، التي ستقلب حياتك رأسَا على عقب وأطلقوا على أنفسهم "مدربو التنمية البشرية "بعضهم جدير وأغلبهم لا يصلح لأن يعط رأيه في وجبة العشاء. وظهرت معهم فئة من البسطاء أسميهم" ضحايا الإيجابية" الذين يكذبون على أنفسهم ويغيرون الوقائع ولا يواجهون مشاكلهم ظنا منهم أنها سوف تختفي بقدرة قادر.


ماذا تعني الإيجابية السامة؟

الإيجابية السامة هي أسلوب يركز على التفاؤل والإيجابية بشكل مفرط، إلى الدرجة التي يُقلَّل فيها من شأن المشاعر السلبية والتجارب المؤلمة التي يواجهها الأشخاص. على سبيل المثال: في مجال العمل، يمكن للمديرين أو الزملاء أن يستخدموا الإيجابية السامة لتجاهل أو التقليل من مشاكل الموظفين. فإذا أعرب موظف عن استيائه من كمية العمل المتزايدة أو الضغوط في العمل، يمكن للمدير أن يستخدم الإيجابية السامة بالرد بعبارات مثل "عليك أن تنظر للجانب المشرق!" أو "ابتسم، الأمور لن تكون سيئة دائمًا!"، بدلاً من التعامل مع القضية بشكل جاد وبحث حلول واقعية.

أو صديق يخبرك عن مشكلة صعبة يواجهها، فبدلاً من الاستماع إلى مشاعره ودعمه، تقول له: "لا تفكر في السلبيات، كن إيجابيًا وسيكون كل شيء على ما يرام"، هذا النوع من الردود يمكن أن يجعل الشخص يشعر بأن مشاعره ومشكلاته ليست مهمة، وبالتالي يمكن أن يزيد من الشعور بالعزلة والتوتر.

لذا يجب التركيز على أهمية الاعتراف والتحقق من مشاعر الأشخاص والتعاطف معهم بدلاً من تجاهل مشاعرهم أو التقليل من شأنها. فقط تحقيق التوازن بين الإيجابية والاعتراف بالتحديات والصعوبات التي يواجهها الأشخاص في حياتهم هو الحل.


تبعات الإيجابية السامة.. كيف تطمس هذه الظاهرة تجربتنا الإنسانية وتعرقل تطورنا؟

تلقي الدكتورة سوزان ديفيد الضوء على أهمية الاعتراف بالمشاعر الصعبة مثل الحزن، مؤكدةً على أنها ليست سلبية بل جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية. وتحذر من أن التجاوز القسري لهذه المشاعر عبر موجة من التفاؤل الزائف يعد تجاهلاً لذاتنا وإنسانيتنا. وقد ينتج عنه تبعات سيئة مثل:

  • تعزيز الشعور بالذنب: تطغى على المشاعر الصادقة حالة من القمع، حيث يعد التعبير عن الحزن أو الغضب مثلاً، علامة على السلبية أو "نكد"، وبالتالي يتجنب الأشخاص الإفصاح عن مشاعرهم الحقيقية خشية النبذ أو الحكم عليهم.
  • عرقلة النمو الشخصي: الإيجابية السامة توجهنا للابتعاد عن المشاعر غير المرغوب فيها لأنها قد تكون مؤلمة، وهذا يحرمنا من فرصة التعامل مع هذه المشاعر وفهمها، مما قد يقود إلى النمو الشخصي والفهم العميق لأنفسنا.
  • فقدان فهم الذات: استكشاف ما يسعدنا وما يؤلمنا هو جزء أساسي من فهم ذاتنا. فإذا اخترنا تجاهل الألم وأسبابه، فإننا نحرم أنفسنا من فرصة العيش بشكل أكثر اتساقًا مع قيمنا ورغباتنا.
  • خلق تصور وهمي للواقع: يدفعنا تجاهل الواقع إلى التعامل مع أوجه الحياة برواية زائفة بدلاً من مواجهة الصعوبات والتحديات بطرق إيجابية ولكن واقعية. يجب تبني نهج يُركز على البحث عن حلول بشكل إيجابي بدون تجاهل أو التقليل من شأن الصعوبات.

كيفية التعرف على الشخص الإيجابي السام

غالبًا ما يُظهر الأشخاص الذين يمارسون الإيجابية السامة السمات التالية:

١_ التعامل مع المشكلات بتجاهلها: يقوم الشخص الإيجابي السام عادة بالهروب من المشكلات بدلًا من مواجهتها، ويُظهر السعادة بشكل زائف، ويعتبر التجاهل وسيلة للتخطي عن العقبات.

٢_ إخفاء الإحساس الحقيقي: يتميز بتستر مشاعره الحقيقية خلف عبارات واقتباسات تعكس صورة سعادة ظاهرية، وتظهر كأنها مقبولة اجتماعيًا وإيجابية.

٣_ التقليل من شعور الآخرين: يميل الشخص الذي يمارس الإيجابية السامة إلى التقليل من أهمية مشاعر الآخرين، وذلك لأن التعامل معها قد يكون مزعجًا أو مقلقًا بالنسبة له.

٤_ النقد والحكم على الآخرين: يمكن أن يقوم بفضح الآخرين أو الحكم عليهم عندما لا يتوافقون مع وجهة نظره الإيجابية، مُستخدمًا أوصافًا وأحكامًا قاسية تُظهر عدم احترامه لمشاعرهم.


كيف تتجنب الإيجابية السامة؟

"لا بأس أن لا تكون على ما يرام"، هذه عبارة تتساءل فيها عما إذا كنت تسمح لنفسك بالشعور بالألم والحزن دون الشعور بالذنب أو الخجل. في عالم يشدد كثيرًا على أهمية الإيجابية، قد يكون من الصعب أحيانًا السماح لنفسنا بالاستمتاع بلحظات الضعف. الواقع هو أنه ليس من الواقعي أو الصحي أن نتوقع منا أن نكون بخير دائمًا. تحكم في مشاعرك السلبية ولا تنكرها؛ فهي يمكن أن تكون إشارات هامة لتحقيق تغييرات في حياتك.

ذو صلة

التحدث عن مشاعرك والتعبير عنها حتى لو كانت سلبية، يمكن أن يخفف الألم ويُسهم في عملية الشفاء. ومن الجدير بالذكر أن الاستماع للآخرين وتقديم الدعم يُعتبر جزءًا مهمًا من هذا العملية؛ فالإيجابية السامة التي تعني التشجيع الزائد على الإيجابية حتى في الأوقات التي تتطلب الاعتراف بالألم، يمكن أن تكون مضرة. فالتعاطف والدعم يعتبران أكثر قيمة من المحاولة لإخفاء الألم بالقوة. أخيرًا، من المهم تذكير أنفسنا بأن الحد من استهلاكنا لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون أداة فعالة في الحفاظ على سلامتنا العقلية، خاصة عندما نشعر بالضغط للظهور دائمًا بشكل إيجابي.

   في النهاية انت انسان من لحم ودم، تعبيرك عن مشاعرك بصدق و دون مبالغة، هو تعبير عن جزء مهم من انسانيتك، لاتدع أخرقًا يسلب هذا الحق منك بأفكاره السامة وتذكر أن كل شعور تدفنه حيًا، لايموت، سوف يعبر عن نفسه عاجلا أم آجلا بابشع الطرق. 

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة