لماذا نشعر أن الأيام تمر بسرعة كبيرة؟ هل هي حالة نفسية! أم للفلك والتكنولوجيا رأي آخر؟
5 د
نحن على بعد شهرين من الاحتفال بسنة جديدة، ورغم أنني ممن يحبون أجواء رأس السنة والبهجة المصاحبة لها لكنني لم أفهم معنى أن يحتفل الانسان بانتهاء سنة من حياته، حقيقةً أعتقد أننا نحتفل لأننا حصلنا على فرصة جديدة في الحياة لا أكثر.
عندما كنت صغيرة أذكر أن السنة كانت تتكون من أربعة فصول و كان الشتاء أطولها، وكان الفصل الدراسيّ لا ينتهي، و عقارب الساعة تتحرك كالسلحفاة في حصة الرياضيات رغم أن مدتها خمس وأربعين دقيقة فقط.
إذًا لماذا أشعر اليوم بأن الأيام تتسابق كالخيول، وبأن الأعياد تتوالى بدون فواصل، قرأت مرة حديثًا للرسول صلى الله عليه وسلم يقول -كما ورد في صحيح مسلم- "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة"، وهذا يفسر الكثير لنا، لكن هل هناك أسباب آخرى قد تؤدي لهذه الظاهرة التي لاحظها الكثير منا في الفترة الآخيرة
ماذا تقول الأبحاث والعلوم حول ظاهرة تسارع الوقت؟
يقدم البروفيسور أدريان بيجان حجة مبنية على فيزياء معالجة الإشارات العصبية، فهو يفترض أنه بمرور الوقت، يتباطأ معدل معالجة المعلومات المرئية، وهذا ما يجعل الوقت "يتسارع" مع تقدمنا في السن، ويتابع بأنه مع تقدمنا في العمر، يزداد حجم وتعقيد شبكات الخلايا العصبية في أدمغتنا، حيث يجب أن تعبر الإشارات الكهربائية مسافات أكبر، وبالتالي تستغرق معالجة الإشارات وقتًا أطول، علاوة على ذلك، تؤدي الشيخوخة إلى تراكم الأضرار في أعصابنا مما يوفر مقاومة لتدفق الإشارات الكهربائية، مما يزيد من تباطؤ وقت المعالجة.
كما قال: "الناس غالباً ما يفاجأون بمدى ما يمكنهم تذكره من أيام شبابهم التي بدت وكأنها لن تنتهي. هذا لا يعني بالضرورة أن تجاربهم كانت أعمق أو أهم، بل يعود ذلك إلى سرعة معالجتها وترسيخها في الذاكرة."
إذًا.. لماذا ينظر كبار السن إلى ماضي حياتهم وكأنه مسيرة متسارعة نحو النهاية؟
كلنا تقريبًا عندما كنا صغارًا كانت الحياة كلغزٍ نحاول اكتشافه، وقد واجهنا منحنيات تعليمية أكثر حدّة، وعندما تتعلم عن العالم لأول مرة، فإنك تشكل تدفقًا ثابتًا إلى حد ما من الذكريات الجديدة للأحداث والأماكن والأشخاص. بالمقابل تفتقر حياة البالغين إلى الاكتشاف المستمر والتعلم .
أظهرت الدراسات أنه كلما زادت المتطلبات المعرفية للمهمة، كلما طالت مدتها. وجد الدكتور ديفيد إيجلمان في كلية بايلور للطب أن مفهوم التجارب "الجديدة" التي يبدو أنها تطيل الوقت ملحوظ بشكل خاص لدى ضحايا الحوادث
غالباً ما يروي الناس الذين عايشوا حوادث مروعة تلك اللحظات وكأنها تتكشف ببطء شديد. السبب وراء ذلك ليس بسبب تباطؤ معالجة الوقت في الدماغ، بل يرجع إلى تأثير معين في الذاكرة. عندما نواجه تجربة مرعبة، تنشط منطقة في الدماغ تُعرف باللوزة الدماغية، وهي مسؤولة عن رصد الخوف والتحضير للحالات الطارئة. في هذه الأثناء، يعمل الدماغ على جمع كم هائل من المعلومات في فترة زمنية قصيرة جدًا، مما يؤدي إلى تكوين ذكريات أغنى وأكثر تفصيلاً للأحداث المفاجئة والمخيفة."
أقول لك ببساطة : إذا كنت تريد أن تبطأ الوقت، كن طالبًا مرة أخرى😂
— الوقت يمر بسرعة عندما تستمتع
تضمنت إحدى التجارب عرض صور إيجابية للمشاركين وتسجيل تصورهم عن المدة التي شاهدوا فيها تلك الصور المحددة، تتكون الصور من صور محايدة وممتعة وموجهة نحو الهدف (مثل كعكة أو حلوى جذابة). وكما كان متوقعًا، وجد الباحثون أنه عندما نظر المشاركون إلى "حافز النهج" الإيجابي أو صورة موجهة نحو الهدف، فإنهم أدركوا أن الوقت يمر بسرعة.
ما تفسير تسارع الزمن بالنسبة للفلك
تكشف الدراسات العلمية أن كوكبنا يتسارع تدريجياً، حتى ولو بكميات غير محسوسة ويعتقد أن المحرك الأساسي لهذا التسارع هو إعادة توزيع الكتلة بسبب تغير المناخ، ومع ذوبان القمم الجليدية، يعيد الماء توزيع نفسه عبر مناطق مختلفة، مما يغير في الأرض، يؤدي هذا التغيير إلى دوران أسرع للكوكب حتى لو كان طفيفًا جدًا.
وبما أن السرعة المتزايدة غير محسوسة، فإن تأثيراتها على حياتنا لا يمكن ملاحظتها على الفور. البشر مهيئون بطبيعتهم لمراقبة العالم فيما يتعلق ببيئتهم، ودوران الأرض بمثابة نقطة مرجعية أساسية، لذا فإن تسارع الأرض يضفي تغييرًا دقيقًا ولكن ملحوظًا في تجربتنا مع الزمن، فيبدو أن الأيام تمر بسرعة أكبر.
هل للتكنولوجيا دور في مرور الزمن بسرعة؟
لا أعتقد أن زمننا سمي بعصر السرعة عن عبث، لقد أحدثت التطورات التكنولوجية ثورة في الطريقة التي نتواصل بها، ونعمل، ونتنقل عبر العالم،إن الاتصال الفوري الذي يوفره الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وخدمات المراسلة في الوقت الفعلي يضغط المسافات والمناطق الزمنية، مما يضمن إمكانية الوصول إلينا دائمًا ومن المتوقع أن نستجيب على الفور.
إن الحجم الهائل من المعلومات المتاحة في متناول أيدينا هائل، نتلقى باستمرار تحديثات الأخبار وموجزات الوسائط الاجتماعية ورسائل البريد الإلكتروني والإشعارات وتدفقًا لا نهاية له من المحتوى، هناك طلب على معالجة هذه المعلومات واستهلاكها بسرعة ونتيجة لذلك، تضاءلت فترات انتباهنا، وتضاءلت قدرتنا على المشاركة العميقة والمركزة.
نجد أنفسنا في حالة دائمة من الإلهاء، ونبحث باستمرار عن الجزء التالي من المحتوى، والعنوان التالي، إن الوتيرة السريعة التي نتصفح بها المعلومات تزيد من الشعور بأن الوقت ينفد، مما يزيد من تصور السرعة المتزايدة في حياتنا.
بين تسارع الأرض، وتزايد المعلومات، وتقدم السن والتقدم التكنولوجي، قد يبدو الأمر وكأن الحياة تتحرك بوتيرة ساحقة، لذلك أقول لك : إن حبك للتعلّم المستمر وتجربتك أشياء جديدة واللحظات التي تتعمد إبطائها لتعالج معلوماتك، لا تعمل على تعزيز الإنتاجية فحسب، بل تعزز أيضًا الرفاهية وتمنع الإرهاق، وتجعل حياتك تمر بوتيرة أبطأ والأهم من ذلك أنها تجعل منها حياة تستحق العيش.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
من اجمل المقالات التي قرأتها ( اسلوباً وموضوعاً )