لماذا يتغير لون المحيطات إلى الأخضر؟
5 د
"أنا أعمل منذ سنوات على نماذج محاكاة تشير نتائجها أن التغييرات في لون المحيط ستحدث. على الرغم من ذلك فإن رؤية ذلك يحدث فعلًا ليس مفاجئُا، ولكنه مخيف! وهذا يتفق مع التغيرات التي يسببها الإنسان في مناخنا."
هذا ما صرحت به ستيفاني دوتكويتيز وهي أحد المشاركين في الدراسة التي تم نشرها في 12 يوليو من العام الحالي في مجلة Nature العلمية، والتي تفيد بتغير لون ما يقرب من 56 % من محيطات العالم من اللون الأزرق إلى الأخضر! وتلك هي نسبة كبيرة ومقلقة بالفعل، فلماذا إذًا حدث هذا التحول؟ وما هي تبعاته على كوكبنا؟ هذا ما سوف نتناوله معًا في السطور القادمة.
الماء في الأصل عديم اللون... فما الذي يجعل المحيطات زرقاء؟
على الرغم من إن أسباب ظهور اللون الأزرق هنا مختلفة عن صلب موضوعنا لكن دعنا نبدأ القصة من بدايتها، فبالفعل الماء هو شفاف اللون ولكن تظهر المحيطات والبحار- في حالاتها الطبيعية- باللون الأزرق، وذلك يحدث بإيجاز بسبب امتصاص الماء لأشعة الضوء الحمراء والصفراء والخضراء فقط من الشمس واختراقها لسطح المحيط، بينما ترتد الأشعة الزرقاء والبنفسجية للهواء مرة أخرى.
عندما يمتص جسم ما بعض الأشعة ويرتد عنه أشعة أخرى تراه أعيننا بلون الأشعة التي ترتد عنه، والتي تكون في تلك الحالة هي الأشعة الزرقاء والبنفسجية وبالتالي نرى المحيطات والبحار غالبا باللون الأزرق كما اعتدنا.
لماذا يعتبر تغير اللون مهمًّا لهذا الحد؟؟
المشكلة ليست في كون المحيطات خضراء أو زرقاء أو حتى سوداء، ولكنها تكمن في السبب وراء تغير هذا اللون من لونها الطبيعي، فلون المحيطات الملتقط من الأقمار الصناعية هو مؤشر لما تحتويه أسطح تلك المياه من نظم بيئية مختلفة، وتغير اللون يعني تغير تلك النظم، فكلما كانت المياه تميل للأزرق يعني ذلك وجود نشاط قليل للكائنات الدقيقة التي تعيش على سطح المياه، بينما إن كانت تميل للأخضر فذلك يدل على نشاط أعلى لتلك الكائنات وأعداد أكبر منها.
كيف تغير لون المحيطات من الأزرق للأخضر إذًا؟
جمع فريق من الباحثين من الولايات المتحدة الأمريكية ومن المملكة المتحدة مجموعة كبيرة من صور الأقمار الصناعية الملتقطة لمحيطات كوكب الأرض على مدار عقدين كاملين، ووجدوا بعد تحليلها ذلك التغير المقلق لأكثر من نصف محيطات العالم، والذي يظهر بوضوح خاصة في المناطق القريبة من خط الاستواء.
يدل تغير اللون للأخضر حسب ترجيحات العلماء المشاركين في الدراسة على تغير معدلات نمو بعض الكائنات الحية وخاصة العوالق النباتية (Phytoplankton) التي تعيش على سطح المياه بتلك المناطق، ويعتقد العلماء أن المتهم الأول وراء ذلك هو الأنشطة البشرية المتسببة في الاحتباس الحراري وتغير المناخ، والتي بتأثيرها على العوالق النباتية ستتسبب هي الأخرى بالمزيد من الآثار الضارة على الكوكب!
ولكن كيف يمكن أن تتسبب العوالق النباتية في أضرار بيئية؟
العوالق النباتية هي عبارة عن كائنات دقيقة ذاتية التغذية، أي أنها كالنباتات تستطيع صنع غذائها بنفسها بواسطة عملية البناء الضوئي عن طريق امتصاص أشعة الشمس وغاز ثاني أكسيد الكربون، وينتج عن تلك العملية غاز الأكسجين الذي يتم إطلاقه للغلاف الجوي بشكل مستمر، وهذا عكس المتعارف عليه من ملوثات البيئة أليس كذلك؟ فمن المفترض أن تكون ملوثات البيئة هي ما يحدث بسببها زيادة غاز ثان أكسيد الكربون في الجو ونقصان غاز الأكسجين لا العكس! ولكن الأمر لا يتوقف بالنسبة للعوالق النباتية عند هذا الحد.
فالعوالق النباتية عندما تتواجد بأعدادها الطبيعية تكون بالفعل أحد الأسباب الرئيسية وراء ثبات نسبة الأكسجين في الجو وتخليص الكوكب من نسبة كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون وتنقية الهواء كما تفعل النباتات، لكن ما يحدث على مدار العقود الماضية على حد تفسيرات العلماء حتى الآن هو زيادة كبيرة في أعداد ونشاط العوالق النباتية، وهي التي جعلت المحيطات تميل للون الأخضر.
الزيادة المبالغ فيها في أعداد العوالق النباتية قد تبدو لك مفيدة فكلما زاد كل ما هو أخضر كلما كان مفيدا للكوكب! لكن لا تنطبق هنا تلك القاعدة، فزيادة تلك العوالق عن الحد الطبيعي بسبب الأنشطة البشرية الخاطئة كتسريب زيوت السفن في المحيطات، والتخلص من بقايا الأسمدة والمخلفات الزراعية في المياه وما إلى ذلك عمل على حدوث زيادة سريعة في أعداد العوالق، مما أدى إلى حدوث "مناطق ميتة" والتي أصبحت تتزايد بشكل سريع حول العالم.
المناطق الميتة Dead Zones
المناطق الميتة هي المناطق التي تقل فيها نسبة الأكسجين أو تنعدم تمامًا في البحار والمحيطات، والتي لا تستطيع أن تنجو منها العديد من الكائنات البحرية. أحد الأسباب الرئيسية لتكون تلك المناطق في المحيط هي الزيادة الكبيرة في أعداد العوالق النباتية. فبما أن العوالق هي الأساس والقاعدة للعديد من السلاسل الغذائية البحرية حيث يتغذى عليها الكثير من الكائنات البحرية، فبزيادتها يزيد استهلاك الكائنات البحرية لها وزيادة معدلات تغذيتها عليها، وبالتالي تتراكم في قاع البحار والمحيطات المزيد والمزيد من المخلفات والبقايا لتلك الكائنات.
بعد موت تلك الكائنات وتراكم بقايا العوالق في قاع المحيط، تعمل البكتيريا على تحليلها ولكي تتم تلك العملية تحتاج البكتريا لامتصاص كميات كبيرة من الأكسجين الموجود، وبالتالي تقل تدريجيا نسبته في المياه حتى تصل لحد حرج يصعب معه وجود معظم الكائنات البحرية وبالتالي تتحول لمناطق ميتة.
الأمر غير محسوم بعد
"تلك لا تعتبر تغييرات هائلة أو مدمرة للنظام البيئي، فهي قد تكون تغيرات طفيفة، لكن هذا يعطينا دليلًا إضافيًّا على أن النشاط البشري من المحتمل أن يؤثر على أجزاء كبيرة من المحيط الحيوي العالمي بطريقة لا نتمكن من فهمها بعد." بي بي كايل المؤلف الرئيسي للدراسة.
على الرغم من ترجيح العلماء القوي لكون الأنشطة البشرية للإنسان والمتسببة بشكل رئيسي في الاحتباس الحراري هي أيضا السبب في تغير لون المحيطات، إلا أنه حسب تصريحات العلماء ما زالت الدراسات قائمة وما زالوا يحتاجون لتتبع نشاط العوالق النباتية بشكل أكبر لكي يتمكنوا من الربط بين معدل نموها والتغير المناخي.
من أجل ذلك ستطلق وكالة ناسا الفضائية أحد أقمارها الصناعية المتقدمة والذي أطلقت عليه اسم Pace في عام 2024، والذي ستكون مهامه الرئيسية هي مراقبة العوالق والهباء الجوي والسحب والنظم البيئية للمحيطات، كما أنه سيعمل على قياس ألوان المحيطات بشكل أوسع من أجل التمكن من الوصول لتفسيرات أكثر وضوحا لما يحدث.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.