تريند 🔥

🤖 AI

هل تتمتع جميع الكائنات بإرادة حرة أم تخضع لسيطرة عقلية؟!

هل تتمتع جميع الكائنات بإرادة حرة أم تخضع لسيطرة عقلية؟!
لمياء نايل
لمياء نايل

8 د

في عام 2007 هبط طبق طائر في ولاية أيوا الأمريكية بالقرب من مدينة كنساس، حاملا على متنه كائنات غير أرضية.. لكن على خلاف الهيئة المعتادة لأي كائن فضائي أخضر يحترم نفسه -برأس أشبه بالبيضة.. وأعين خاوية بلا قرنية.. وأطراف تنتهي بثلاثة أصابع على الأكثر- كانت تلك الكائنات الفضائية أشبه برخويات هلامية!

تتسارع وتيرة الأحداث على صفحات رواية “أسياد الدمى The Puppet Masters”، للكاتب الأمريكي “روبرت هاينلاين”؛ لتكشف عن نوايا تلك الكائنات.. أتت من “تيتان Titan” قمر كوكب زحل لا تضمر خيرًا قط، هدفها على كل حال غزو كوكب الأرض. وفي مسعاها لتحقيق ذلك الهدف الطموح (بالنسبة لكائن رخوي!)

فإنها تستهدف البشر، ما أن يصبح أحد تلك الكائنات على مقربة من إنسان حتى يباشر بالهجوم عليه، يغرز ممصاته اللزجة في العمود الفقري للضحية من الخلف بأسفل الرقبة ليتوغل منه إلى المخ، من ثم تكون له السيطرة الكاملة عليه. ما يمتلكه البشري من ذكريات ومعلومات تصير ملكًا لذلك الكائن.

وبذلك يمكنهم تحقيق مخططهم للسيطرة على كوكب الأرض.. عبر التحكم بسلوك البشر وحملهم على القيام بأي فعل طواعية… كدمى ماريونيت مسلوبة الإرادة!

تطوير الذات ليس بهذا العناء: كيف يمكنك إعادة تصميم عقلك واستغلاله؟!


وهم الإرادة الحرة

نعتز نحن البشر بامتلاكنا إرادة حرة، نعدها مصدر قوتنا، لكن فيما يبدو هى كعب أخيل كذلك.. فقد نجح “هاينلاين” بحبكته الدرامية أن يصيب الإرادة الحرة في مقتل، عندما جعل من الإنسان مٌضيفا رغما عنه لكائن طفيلي يتحكم في عقله.

بيد أنه لا يمكننا أن ننام ملء جفوننا ليلا.. مطمئنين إلى أن نتاج أفكار “هاينلاين” محض خيال لا يمت للواقع بصلة، متجاهلين أن التحكم العقلي حقيقة بالفعل! لا نتحدث هنا عن حملات إعلامية منظمة أو عمليات غسيل مخ ممنهجة (إذا كنت تفهم ما أعنيه)، إنما نتحدث عن طفيليات “أرضية” هذه المرة، يكفى أن تعلم أنها قد تكون تعبث بدماغك الآن..


ما الذي يدفع صراصير الليل للانتحار؟

“الكائن الطفيلي “Parasite هو كائن حي يعيش على أو بداخل كائن حي آخر يُدعى “المضيف “Host. تخيل أن تستضيف شخص ما في منزلك، وفي مقابل كرم الضيافة فإنه يسد حوض استحمامك ويشعل النيران في مطبخك ويخرب غرفة معيشتك.

هذا ما تفعله الطفيليات في جسد الكائن الحي المضيف، هى تطوّعه لأهدافها ومنفعتها الخاصة فقط.. حتى وإن كان ذلك بدفعه للانتحار!

يتناول صرصور الليل (اسمه العلمي Nemobius sylvestris) وجبة غذائية لا يعرف أن فيها أسباب هلاكه، وجبة ملوثة بيرقات الدودة الشعرية الطفيلية (اسمها العلمي Paragordius tricuspidatus).

تعيش اليرقات الطفيلية بداخل الصرصور وتنمو إلى ديدان كبيرة الحجم لدرجة أنها تملأ تجويفه الجسدي بالكامل فيما عدا الرأس والأرجل، وعند بلوغها تلك المرحلة يصبح من المحتم عليها الخروج كي تكمل دورة حياتها كدودة بالغة وتسعى إلى التزاوج في أي مسطح مائي.

لكن كيف لها أن تصل إلى الماء في المقام الأول؟ تتلاعب الدودة الشعرية بالجهاز العصبي المركزي للصرصور، ولا حيلة لذلك المسكين إلا أن ينفذ الأوامر الصادرة عن دماغه.. ويجد أن أقدامه تسوقه رغما عنه إلى أقرب مسطح مائي حيث يلقى حتفه غرقا. تخرج الدودة من مؤخرة الصرصور وتسبح بعيدا بحثا عن فرصة للتزاوج تاركة إياه إلى الهلاك.

فيديو يوتيوب


لماذا يعمل اليسروع حارسًا خاصًا؟

إن عزائنا الوحيد في انتحار الصرصور، أنه يوفر له ميتة سريعة تريحه من آلامه وتخلصه من السيطرة العقلية للدودة اللعينة، التي استوطنت جسده وجعلت منه حضّانة، بل ووسيلة مواصلات لأقرب مسطح مائي! ولكن ثمة ميتة أخرى أبطأ.. وأكثر أيلاما، تكون في انتظار يسروع العث (اسمه العلمي Thyrinteina leucocerae) الذي تتلاعب الطفيليات بعقله وتجعل منه حارسها الخاص!

في هجوم سريع وخاطف، تنجح أنثي الدبور الطفيلي (اسمه العلمي Glyptapanteles)  في وضع بيضها بداخل جسم يسروع العث في غفلة منه. توفر أنثى الدبور بذلك مصدر لحم طازج ليرقاتها، جاهزا للأكل بمجرد خروجها من البيض. تتغذي اليرقات الطفيلية على اليسروع حيا.. ببطء.. من الداخل إلى الخارج.

وفي غضون أسبوعين تشق طريقها عبر فتحات في جلد اليسروع إلى الخارج كي تصنع شرنقة. ولكن ذلك لا يعني إنتهاء دور اليسروع، فما زال عليه حماية الشرانق من أي اعتداء خارجي! عند هذه المرحلة يتوقف اليسروع عن الأكل والحركة، ويتخذ وضيعة مؤلمة وقوفا على أقدامه الخلفية وكأنه يظلل الشرانق بظله.

وعند اقتراب أي مصدر تهديد أو خطر من الشرانق، نجد اليسروع يحرك رأسه بعنف في محاولة منه لإخافة وإبعاد المفترسات عن الشرانق، وقد وجدت الأبحاث أن تلك المنظومة الدفاعية من شأنها زيادة فرص الشرانق في البقاء إلى الضعف مقارنة بالشرانق المكشوفة من دون حماية.

فيديو يوتيوب

يبدو تصرف اليسروع غريبًا ومنافيًا للمنطق، لماذا يوفر الحماية لليرقات؟ أبعد أن يؤكل حيا يبقى ليحمي من أكلوه حيا؟ بعد دراسات متأنية وجد العلماء أن يرقات الدبور لم تغادر جميعها جسد المضيف، إنما تركت خلفها اثنين من أشقائها لتبقى ممسكة بلجام اليسروع، حاكمة سيطرتها العقلية عليه لإجباره على توفير الحماية اللازمة لهم.

بعد أن يكتمل نمو صغار الدبور وتخرج من شرانقها، يلفظ اليسروع أنفاسه الأخيرة بعد أن يكون قد أدى رسالته وفقا لرغبة أسياده.


لماذا تنجذب الفئران للقطط؟

إن الاحتضان وتوفير الغذاء والحراسة الخاصة والرعاية، جميعها أمثلة للخدمات المجانية التي يقدمها المضيف نتيجة للتلاعب العقلي من قبل الطفيلي، وفوق هذا كله يتحول إلى “زومبي” في مقابل أن يلقى نهاية مأسوية.

لكن في أحيان أخرى يدفع الطفيلي الكائن المضيف إلى أداء دور الفريسة الشهية التي تٌلقي بنفسها في أحضان مفترسها عن طيب خاطر!

 إن العداوة الأزلية بين القطط والفئران يُضرب بها الأمثال، هذا ما تعلمناه من درس السلسلة الغذائية بالصف الرابع الابتدائي و هى أيضا العبرة المستفادة في جميع حلقات مسلسل توم وجيري. لذا عندما تجد أن فأرا ينجذب إلى قط فاعلم أن شيئا ما ليس على ما يرام!

يجد الفأر نفسه في حالة انجذاب غير مبرر لبول القطط، الذي يكون في العادة مصدر نفور له ومحفزا للإحساس بالخطر فيدفعه للابتعاد. ولكن لا يمكن أن نلوم الفأر على فعلته فهو واقع تحت سيطرة طفيلي  يُدعى “المقوّسة القوندية” (اسمه العلمي Toxoplasma Gondii).

إذا عاد الفأر بذاكرته إلى الوراء قليلا لاكتشف السبب، لابد أنها فضلات القطط الملوثة ببيوض الطفيلي التي تناولها على العشاء ذات مساء. تفقست البيوض بأمعاء الفأر وانتقلت اليرقات إلى دماغه حيث تولت القيادة بدلا منه، هنا يتلاعب طفيلي المقوسة القوندية بدماغ الفأر فيلغي خوفه الطبيعي من القطط بل ويحوله إلى انجذاب جنسي تجاهها!

يعتقد العلماء أن الطفيلي يحث المخ على رفع مستوى هرمون الدوبامين وهو الهرمون المتحكم في حالات الخوف والسعادة والانتباه. ونتيجة لتلاشي خوف الفأر من القط فإنه يقع بين فكيه عاجلا أم آجلا، حيث يجد الطفيلي في أمعاء القط البيئة المناسبة كي يتزاوج ويضع بيضه، لتخرج بيوض الطفيلي فيما بعد مع فضلات القط، ليجدها فأر غافل ويتغذى عليها لتتكرر مأساته مع قط آخر، أي أن الفأر هو مجرد جسر يحتاجه الطفيلي كي يصل إلى وجهته الأصلية وهو القط وهكذا تكتمل دورة حياة المقوسة القوندية كما ينبغي أن تكون تماما.


هل أنت سيد قرارك؟

إن الإنسان بدوره ليس بمأمن من الإصابة بطفيلي المقوسة القوندية، فيمكن أن ينتقل الطفيلي إلى البشر في حال تعاملهم مع تربة ملوثة بفضلات القطط الحاملة للطفيلي أو عن طريق أكل لحم ملوث به. وبذلك يكون الطفيلي قد وصل إلى طريق نهايته مسدودة فليس هناك مجال كي يؤكل الإنسان من قِبل قط مثلا، بيد أن هذا الأمر لن يمنع الطفيلي من المحاولة فهو لا يعلم أنه وصل للنهاية على أي حال، وهنا يبدأ في تغيير سلوك الإنسان العائل والتلاعب بدماغه!


طفيلي المقوسة القوندية Toxoplasma Gondii

وجدت دراسة علمية أن الأشخاص المصابين بذلك الكائن الطفيلي؛ سواء رجال أو نساء، كان لديهم ميل إلى تأنيب الذات والإحساس بعدم الأمان. أيضا عند دراسة التغيرات الطارئة على كل جنس على حدا، وٌجد أن الرجال المصابين يميلوا إلى تجاهل القواعد كما يتصفوا بكثرة الشك والغيرة والتعصب الفكري مقارنة بالرجال غير المصابين..

وعلى النقيض تمامًا تتصف السيدات المصابة بطيبة القلب والود، كما أنهن يتمتعن بضمير يقظ فضلا عن الإصرار والالتزام الأخلاقي بالمقارنة بالسيدات الخالية من الطفيلي. أثارت تلك النتائج جدلا واسعا بين العلماء بين مؤيد ومعارض، لكن مما لا شك فيه.. أنها مثيرة للاهتمام!

وجدت دراسة أخرى أن الإصابة بطفيلي المقوسة القوندية يرتبط بزيادة فرص وقوع حوادث الطرق، فمن المعتقد أن للطفيلي تأثير خفي على الوظائف الحركية لدى الإنسان. حيث وجد أن الاستجابة الحركية للمؤثرات الخارجية لدى المصابين ضعيفة، كما يفقدون تركيزهم سريعا، ليس من المستغرب إذن أن تجد الإحصائيات أن المصابين بالطفيلي كانوا أكثر عرضة لحوادث الطرق بما يفوق الضِعف مقارنة بالأشخاص غير المصابين به.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، أكدت عديد من الدراسات العلمية على ارتباط الطفيلي بمرض انفصام الشخصية Schizophrenia، فضلا عن ارتباطه بارتفاع معدل السلوكيات الانتحارية! هذا.. وتٌقدر الإحصائيات عدد البشر المصابين بطفيلي المقوسة القوندية بنحو واحد من بين كل ثلاثة أشخاص حول العالم، أي أنك ربما تحاول استيعاب تلك النسبة الصادمة الآن بدماغ تلاعب به الطفيلي!

الظواهر الغامضة للدماغ البشري


كيف يتلاعب فيروس الأنفلونزا بدماغك؟!

فيروس الإنفلونزا أيضا ينتمي إلى عائلة الطفيليات، وهو الآخر يتلاعب بسلوكنا كي يضمن انتشاره وغزوه لأكبر قدر ممكن من البشر! يُصبح حامل الفيروس مُعديا قبل يوم واحد من ظهور الأعراض عليه، هنا على الفيروس أن يتلاعب بالمصاب حتى يضمن انتشاره السريع، وذلك قبل ظهور الأعراض المرضية التي تقلل من فرص الاحتكاك الاجتماعي للمصاب بالآخرين بطبيعة الحال.

ولكن كيف يتلاعب الفيروس بنا؟ ببساطة عليه أن يجعل المصاب اجتماعيا أكثر.. وجدت إحدى الدراسات أن عدد المقابلات الاجتماعية التي شارك بها المصابون بعد تعرضهم للفيروس بيومين.. بلغت ضعف عدد المقابلات التي شاركوا بها قبل يومين من الإصابة!

والمثير للدهشة حقا.. أن الأشخاص الذين لديهم حياة اجتماعية بسيطة أو محدودة قرروا فجأة حاجتهم إلى الذهاب للحانات أو حضور الحفلات، يا للمصادفة! بالطبع الأماكن المكتظة بالبشر هى البيئة المثالية لأي فيروس يحلم بالانتشار.

إذن عندما تتلقى دعوة لحضور حفل عيد ميلاد صديق وكان قرارك قبول الدعوة، فاعلم أن قرارك هذا ربما كان مفروضا عليك دون أن تدري، وإذا ركبت سيارتك في طريقك إلى الحفل، فهناك احتمال بنسبة 3:1 إنك لست المتحكم “الوحيد” في عجلة القيادة!

ذو صلة

المصادر
1، 2، 3، 4، 5، 6، 7

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

حقا” إنها معلومات غنية و ذات فائدة قيمة …و أسلوب سهل و سلس في سردها

المقال رائع …وفكرة اضافة الفيديو مبدعة

ده بجد ده و لا هبل و لا ايه؟؟!!

فى الحقيقة فى بداية المقال لم ادرك روعته، بالرغم من معرفتى بمعظم الحالات المذكورة فى المقال عن طريق دراستى إلا أن اسلوب السرد المتبع فى المقال كان مدهشا بدرجة كبيرة … استمرى، مجهود رائع.

أشعر بالرعب :/

استمتعت بقراءة هذا المقال الذي يجمع بين الفنتازيا العلمية والفلسفة الاجتماعية.

عدد المرات اللى اصابتني فيها القشعريره وانا بقرأ المقال ده كتير جدا
تقريبا ده اسوأ من اسوأ فيلم رعب شفته مع ان اللى اعرفه عن نفسي اني عادي يعني مابحسش

من اكبر صراعات الانسان انه بيملك ارادة حرة بتستدعى تحمله مسؤولية افعاله ولان “كل تصور افكارقلبه انما هو شرير” فدايما هيحاول يهرب من مسؤولية الافعال الشريرة دى
وشفنا الجدال ده طول القرن العشرين “هل المجرم مسؤول عن جريمته كاملة ولا الظروف اللى كان فيها هى السبب”
ولما انتهينا من الجدال ده زي ما ذكرت المقالة “لا نتحدث هنا عن حملات إعلامية منظمة أو عمليات غسيل مخ ممنهجة” هيلجأ الانسان لوسائل تانية يحاول يهرب بيها من تحمل مسؤولية افعاله الشنيعة وبما اننا في عصر العلم يبقي الحل اننا نعيش القرن ده في نفس الجدال بس المرة دي هنستخدم العلم grin emoticon

المقوسة القوندية O.o Sh!t

مااااااااهذا !! مقال خارق ! شكرا لك لمياء

الطفيليات المتحكمة بعقلي ترسل تحياتها لكم في اراجيك على هذا المقال الرائع ههههه …. بالفعل مقال شيق ورائع …. 🙂

شكراً لك، مقال مميز من قلم مميز. أتمني أن يكون هذا التعليق من الارادة الحرة.
لا يمكن للانفلونزا التنقل عن طريق الحياة الاجتماعية الافتراضية؛ لذلك من غير المحتمل أن تشجع على التعليقات عبر الفيس بوك.
ولا يظهر هذا التعليق الغيرة أو التعصب الفكري إذن فالمقوسة القوندية لا تتحكم في عجلة القيادة هنا : )

يا إلهي! مقال عجيييب :O شكراً

هههههههههههههههههههههههههههههههه

Great !!

ممتاز شكراً لكم

احب ان اشكرك على هذا المقال الرائع .. مش طبيعي

كلام رائع .. بس الجزء المتعلق بالبشر ليس مقنع .. مصر ..

ذو صلة