تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

بيير باولو بازوليني صوت الألمِ الحر المثير للجدل والمتوج بجريمة إيطالية.. ماذا تعرف عنه؟

بيير باولو بازوليني
جوان تتر
جوان تتر

5 د

تكادُ السينما والشعر وكل الفنون أن تكون على علاقةٍ وثيقةٍ ببعضها الآخر، ربمَّا لن يكون الأمر واضحاً للوهلةِ الأولى، لكن مع مرور الأيَّام وتراكم الإبداع، تتوضَّحُ الصورةُ تلقائيَّاً، ليكتشفَ المتلّقي الروابط الوشيجة بين كلّ الفنون.

سنتحدّث في هذا المقال عن شخصيَّة اشتغلت في المسرح والسينما وكتَبت الشعر والمقال ولاقت الاحترام، على الرغم من غيوم الفضائح الشخصيَّة التي لاحقته وكانت بمثابة سلاحٍ لأعدائه! في محاولاتٍ حثيثةٍ دائمة لابتزازه بها، أو محاولةً للنيل من سمعته الثقافيَّة الباهرة، سوى أنَّ الإبداع ليس بمقدور أحدٍ أن يقف في وجهه، لكن رغم ذلك، غالباً ما تكون نهاياتُ مثل هؤلاء الأشخاص، الذين يهبهم التاريخ بين الفترة والأخرى وفقَ حتميَّةٍ تاريخيَّةٍ وحياتيَّة، مأساويِّة بطريقةٍ لا يمكن تصديقها.

في عصر التعاسة: هل تتغير متطلبات ومعايير السعادة عبر الزمن؟ أم نتغير نحن!


من هو بيير باولو بازوليني؟

بيير باولو بازوليني

بازوليني مع والدته

اعتُبِر بيير باولو بازوليني Pier Paolo Pasolini، 1922 – 1975، من أبرز المثقّفين الإيطالييّن على الإطلاق. عمل في المسرح والسينما، إلى جانب كتابته للشعر ومئات المقالات عن عديد المواضيع، والفنون المختلفة، ولاقى الاحترامَ الأشدّ في الأوساط الأدبيَّة والسياسيَّة والثقافيَّة حول العالم.

كما ونُظر إليه على أنّه شخصيةٌ مثيرة للجدل، فيما حصدت أفلامه العديد من جوائز السينما العالميَّة لأشهر مهرجانات العالم، كـ مهرجان فينيسيا السينمائي ومهرجان برلين، بالإضافة إلى مهرجان كان الأشهر.

دافع بازوليني عن الناس المظلومين، ولكن بطريقته الخاصَّة، شعراً ومسرحاً وكتابةً روائيَّة وإخراجاً سينمائيَّاً وسِجالاً، ليصل نتاجه السينمائيّ والأدبي إلى كل العالم، سارداً مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وتأثير البرجوازيَّة والثقافة الجديدة على المجتمع، كما سبّب نقده اللاذع والمستهجَن لعديد القضايا الحياتيَّة بطريقته الفجَّة والمُباشَرَة الكثيرَ من المتاعب له خلال سنيّ حياته.


كتابات بازوليني

لاقت كتابات بازوليني الكثير من الأحكام الصارمة والمتعجرفة من أوساط المحافظين والمتشدّدين في إيطاليا آنذاك، كما حصل معه في روايته الأولى المعنوَنة بـ: أبناء الحياة والصادرة سنة 1955، هذه الرواية التي سبّبت له الكثيرَ من المتاعب، ففي ثمانية أبوابٍ سرديَّةٍ عجيبة ضمن العمل الروائي يمضي بازوليني في سرد مرحلة حيَّة في تاريخ روما.

يسرد بازوليني حكاية شبابٍ يائسٍ، وجوُبِه العمل الأدبي بمعارضةٍ عظيمة لما تتضمّنه من ألفاظٍ كانت تُعتبَر وقتذاك خارجة عن إطار السياق الأخلاقي، حسب مزاعم معارضيه الشَّرسين، سوى أنَّ بازوليني دافع عن عمله بنفسه، أو لعلّ عمله هو من دافعَ عن نفسه إن جازَ التعبير، بأن أطلق عليها ميسَم المصداقيَّة في نقل ما كان عليه صورة الواقع، وهذا ما كان يرومه في جلّ انتاجه المختلف.

إلى جانب عمله في الرواية واشتغاله السينمائي، كتبَ الشعرَ بطريقةٍ أقربَ إلى محاولة احتجاجٍ منها إلى كتابة ما يجول في ذهنه المتّقِد من الناحية الوجدانيَّة، وهذا ما دفع بشعره لأن يكون جانباً آخرَ مختلفاً من حيواته المتعددة التي كرَّسها في الفنّ والثقافة ورسَّخ ما يفكِّر به، فكتب بازوليني مجموعاتً شعريَّة عدة وصدرت له حتَّى مماته الفجائعيّ المجموعات التالية: “رماد غرامشي 1957″، “روما 1950″، “يوميَّات 1960″، “تجاوز وتركيب 1971″، “الفتوَّة الجديدة 1975″، “عندليب الكنيسة الكاثوليكيَّة 1958″، “ديانة زمني 1961″، و “أشعار على شكل وردة 1964”.

اتّسم شِعرهُ بالبحث عن الحقيقة، أو ربمَّا محاولة تعريتها وكشفها وتقديمها للقارئ المتشوِّق، أو ذلك المتلّقي الذي أُنهِك من التفكير القروسطي، مصوِّراً البؤس في العالم، الوحشيَّة التي طغت على كل مفاصل الحياة، لتغدو كتابته الشعريَّة بمثابة صرخةٍ تدوي وتفزِعُ آذان المتغطرسين والطّواغيت، الدينيَّين والسياسيَّين والاجتماعيَّين على حَدٍّ سَواء ويقضَّ مضاجعهم.


سينما بازوليني

لا يمكن البتة الفصل بين شعر بازوليني وسينماه، إن افترضنا أنّ الفنّين قريبين من بعضهما البعض، لحدّ التزاوج، وهذا ما فعله حقَّاً بأن نظر إلى السينما نظرته إلى القصيدة، أو ربمّا اشتغل على السينما بنفَسِ الشاعر الدّقيق، وهذا ما أضفى في نهاية المطاف على مُنتجه السينمائيّ الشاعريَّةَ التي تُقرِّب الأحداث والشخصيَّات بمجهرٍ متناهي الدقَّة داخل أعماله إلى أرواح المتلقّين.

المواضيع التي تناولها كانت آنذاك تعتبر محرَّمةً، أو لعلَّها تسبّب المتاعبَ على أقلِّ تقدير، وربمّا أقلها تعرّضه للمحاكمات والاستجوابات القضائيَّة والدينيَّة على خلفيَّة أطروحاته في أعماله السينمائي المُنجَزَة، كما حصل له مع آخر فيلمٍ في حياته The Gospel According to St. Matthew أو “الإنجيل وفقاً لسانت ماثيو” 1975، هذا الفيلم الذي تعهّد بازوليني بأن يصنعه وفقاً للروايات الرسميَّة الدينيَّة المتعارف عليها، سوى أنّه تمرَّد على ذلك، وصنعه وفقاً لنظرته الخاصَّة به، وهذا حالُ السينمائيّ الذي لا بدّ وأن ينظر إلى الأشياء والأفكار من زاوية نظرَه الخاصَّة.

تنوّعت مواضيع الأفلام السينمائية التي أنجزها، وغالباً ما تدور الحكايات حول الجنس والدين والتراث الشعبيّ، لكن، بطريقته التفسيريَّة الخاصَّة به، و “مَشرَحَتِهِ” الأخلاقيَّة التي ينظر من خلالها إلى واقعه المضمَّخ بالأحداث المأساويَّة، محاولاً من خلال الفنّ السابع، تقديمَ نظرةٍ متكاملَةٍ للعالم ولواقعه، ومن أهمّ تلك الأفلام التي شغلت الوسط السينمائيّ: “أكاتوني 1961″، “ألف ليلة وليلة 1974″، “الساحرات 1967″، “سالو، أو، 120 يوماً من سدوم 1975″، “ماما روما 1962″، “ميديا 1969”.


أهميَّة بازوليني

بيير باولو بازوليني

بازوليني وهو يلعب كرة القدم

عدا عن عشرات الأفلام السينمائيَّة والدراسات البحثيَّة المُستفيضَة حول تجربة بازوليني، سوى أنّ ما تركه من أثرٍ أدبي وثقافي وسينمائي ومسرحيّ يُضفي على تاريخ حياته وعمله الأهميَّة القصوى، التي لا يعادلها أيَّة بحوث أو دراسات، مهما كانت مُستفيضَة، فأهميَّة هذا المثقف الجامع المنقطعة النظير تكاد تصل إلى أوجها.

ذو صلة

لكن، لا شيءَ في هذا العالم يحدث مكتملًا، فطريقة موت بازوليني اللغز، بقيت عالقةً في الأذهان حتَّى يومنا الرَّاهن، دون العثور على أي مبرَّراتٍ سوى الاستمرار في تشويه صورة الفنّ ومن يتقنه، وهذا ما حصل معه، حيث تمّ العثور على جثّته في نوفمبر من العام 1975 في منطقةٍ مهجورةٍ خارج روما وهي مشوّهة على إثر مرور عجلات سيَّارته الشخصيَّة مرَّاتٍ عدَّة فوق جثَّته، وذلك على يد شابٍّ كان يودّ بازوليني -وهو المعروف بمثليته الجنسية ما فتح عليه النَّار طيلة أعوام حياته- أن يمارس معه الجنس بطريقةٍ غير لائقة!

وحصل ما حصل، لتكون بذلك النهايةُ مرسومةً بعبثيَّةٍ مُتقَنة، دقائقُ قليلة أنهت حياةَ إنسان عاشَ التناقض في داخله طوال حياته، سوى أنَّ هذا التناقض أفضى إلى تقديم عشرات الأفلام والكتابات وصرخات الخلاص من الوحشيَّة إلى العالَم.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة