تريند 🔥

🤖 AI

كلا! العرب يقرؤون، ولكن لماذا؟!

عبد الله الموسى
عبد الله الموسى

5 د

نشر قبل أيام على أراجيك مقال بعنوان: لماذا لا يقرأ العرب جمع فيه السيد جوان تتر آراءً من مجموعة من الكتاب تتضمن محاولاتهم للإجابة عن سؤال: لماذا لا يقرأ العرب، ومع أن المنشور تضمن الكثير من الآراء الجيدة إلا أنني بعد إعادة قراءة العنوان أكثر من مرة وجدت الخطأ في السؤال نفسه، إضافة إلى أني لاحظت أن غالبية الآراء التي قدمها الكتاب وضعت اللوم في غالبيته على “القارئ” وحده، فهو إما مشغول بحياته الصعبة أو أنه مُهمِلٌ مستهتر كسول، ولهذا السبب ارتأيت تقديم وجهة نظر جديدة في هذا الموضوع من منظور قد يكون مختلفاً تماماً.


ماذا سيقرأ العرب؟ لماذا سيقرأ العرب؟

برأيي الأسئلة التي كان من الأصح طرحها هي: ماذا سيقرأ العرب؟ لماذا سيقرأ العرب؟ وما الفائدة من ذلك؟ هل الهدف من القراءة هي القراءة بحد ذاتها؟ هل من فائدة في حشو أدمغة الناس بالكتب لمجرد أن يطلق عليه لفظ قارئ؟

نعم بكل تأكيد القراءة المفيدة.. مفيدة! ولكن لننظر معاً إلى الكتب العربية التي تم نشرها منذ بداية الألفية فقط، حاول تذكر أسماء كتب أحدثت تأثيراً على مستوى حارة واحدة. هل تذكر اسم كتاب يقدم قيمة مضافة لقارئها أياً كانت؟ نعم قد تنجح بذرّ بعض الأسماء في عيني، والخروج باسم لكتاب واحد أو 5 كتب جيدة فعلاً، ولكن هل هذا كافٍ لنقول أنه هنالك فعلاً كتابة ومؤلفات عربية؟

تطبع سنوياً الكثير من الكتب باللغة العربية ولكن جُلها إما روايات وقصص تجارية، أو ترجمات لكتب أجنبية، وهو أمر جيد، ولكن السيئ هو الاكتفاء بهذا النوع فقط من الكتب؛ حسناً يمكنني آسفاً إضافة كتب الطبخ و”التنمية البشرية” و “البرمجة اللغوية العصبية” والكثير الكثير من الشعر والمعر إلى القائمة أيضاً، وربما كتاب إضافي في دحض نظرية التطور ولجم فرويد الزنديق.


العرب فعلاً يقرؤون

لا يمكن القول إن العرب لا يقرؤون، فالعرب فعلاً يقرؤون، والدليل على ذلك أن الكتب المذكورة أعلاه تباع؛ لا بل تحقق مبيعاتٍ خرافية، ودور النشر لا تتوقف عن طباعتها، العرب يقرؤون فموقع جمالون يبيع يومياً آلاف الكتب، ومعارض الكتب في كل الدول العربية مزدحمة على آخرها.

فإذاً؛ العرب يقرؤون.. وإلى جانب أنهم من أكثر الأمم استهلاكاً للكتب المقرصنة في العالم، فإن سوق الكتب الإلكترونية غير المقرصنة أيضاً في نمو مستمر، ومن المتوقع في عام 2020 أن يتم بيع ما قيمته 51 مليون دولار من الكتب الإلكترونية في مصر وحدها بزيادة 15% عن العام السابق، ويصل الرقم إلى 91 مليون دولار في المملكة العربية السعودية بنسبة نمو سنوي 18% وهذا النمو يعني أن “جيل سناب شات وتيك توك” قد يكونون أكثر اهتماماً بالقراءة من أسلافهم.

لكن، لنأخذ مجالاً مثل الفلسفة على سبيل المثال، كم عدد الفلاسفة العرب الذين اشتهروا في المئة سنة الأخيرة؟ كم من كتاب فلسفي أصلي غير مترجم، وليس رداً على حجج الفلاسفة الغربيين بهدف لجمهم لجماً شديداً وإثبات خطأ حياتهم كلها صدر منذ العام 1900 إلى اليوم؟ في حال كانت هذه الكتب موجودة، لماذا ليست معروفة لدرجة أننا نحتاج إلى بذل جهد كبير لتذكر اسم كتاب واحد، بينما كتاب مثل “طبائع الاستبداد” للكواكبي ما زال نجماً إلى اليوم.

ما نحتاج إلى قراءته اليوم ليس المزيد من الروايات والكتب المترجمة، فعلى أهميتها، إلا أن كل شيء زاد عن حده ينقلب ضده، ولا يمكنك صناعة أي شيء في العالم حتى لو كان صحن سلطة بمكون واحد فقط، بل يجب أن يكون هنالك مكونات مختلفة، ويجب أن تكون هذه المكونات مختلفة ومتباينة!

نحتاج اليوم إلى أفكار تستفز عقلنا وتدفعنا إلى التفكير خارج منطقة الراحة الفكرية لا العكس، نحتاج إلى قراءة ما يخالف أفكارنا، والسماح لمن يخالف أفكارنا بأن يخالف أفكارنا بسلام، وعند محاولة الرد على أحد أو محاججته أن يكون الحوار فكرة لفكرة دون أن يكون هدف “اللجم” وإثبات جهل الطرف الآخر وخطأ نظريته، دون أن نسبب أي أذى للطرف الآخر أو لأي من السيدات في عائلته.

ما يحدث أنه كلما حاول شخص الخروج بفكرة أصلية جديدة تتم مهاجمته للكثير من الأسباب هي ذاتها التي يجب التخلي عنها ليصبح هنالك فائدة من القراءة، فهذا كاتب يهاجم رموزاً وطنية، وآخر يمس بعقيدة نجزم أنها ثابتة وصحيحة لمجرد أنه قيل لنا ذلك! لا تَقّبل لوجود أي آخر إلا إذا كان تحت سقف منطقة الراحة الفكرية التي تمت برمجتنا عليها.

فإذا كان لدينا كل شيء مقدس وثابت ومطلق ولا يجوز الحديث عنه أو مناقشة فكره، فلماذا سيكتب كاتب؟ وعن ماذا سيكتب؟ هل بقي شيء غير قصص الرعب و”50 طريقة مختلفة لعمل الكنافة بقشطة”، وكتب “إثبات الاعجاز العلمي في القران والسنة”؟

نعم العرب يقرؤون لدرجة جعلت بإمكان أي شخص اليوم أن يصبح “يوتيوبراً”، “دحيحاً” و(مبسط علوم)، ويضع المصادر في وصف الفيديو أيضاً.

العرب يقرؤون، ولكنهم يهاجمون أي فكرة جديدة تصدر من مشروع “مفكر عربي”، بينما هم نفسهم يبهرون بأفكار يوفال هراري التنويرية.

فقبل البدء باللطم بأن”أمة اقرأ لا تقرأ” كما يفضل خبراء اللطم خاصة من أصحاب اللحى القول، من الأفضل الإجابة على سؤالَيّ: ماذا سيقرأ العرب ولماذا سيقرأ العرب؟

إن كان ما سيقرأه هو فقط الكتب التاريخية التي لن تفيده شيئاً في حياته العملية التي يعيشها اليوم، والتي هي بالمناسبة مختلفة تماماً عن الحياة التي عاشها أبو بكر الرازي وعلماء فترة “عندما كنا خير أمة” و”أسياد العالم” التي أصبح من المقرف الحديث عنها والافتخار بها، ونحن حتى لم نُجِد التعلم والاستفادة منها، فلماذا إضاعة الوقت من الأساس؟ لا يذكرني هذا الفخر إلا بشخص يحاول رش العطر فوق ملابسه القذرة.

بالطبع، هنالك كتب مفيدة قيمة تستحق القراءة فعلاً وتقدم أفكاراً جديدة، ولكنها وكتابها مغمورون جداً وتتداول في أوساط ضيقة كما يتم تداول المخدرات، فإذا لم يكن الكُتاب هم “البوب ستارز” الذين نتحمس لرؤية جديد أفكارهم وابتكاراتهم وننتظرها بفارغ الصبر كما يحصل مع أشخاص مثل جوردان بيترسون على سبيل المثال لا الحصر، فما هي فائدة القراءة؟

ذو صلة

ليس لدي أجوبة مغلقة عن هذه الأسئلة، ولكني أعتقد جازماً أن هذه الأسئلة تحديداً هي ما يجب الإجابة عليه لنعرف لماذا لا يقرأ العرب، فقد يكون عدم القراءة في حال ثبت فعلاً أمراً إيجابياً لا سلبياً.

حاول مساعدتي بالإجابة على هذه الأسئلة: ماذا سيقرأ العرب؟ ولماذا سيقرأ العرب؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة