تريند 🔥

🤖 AI

كيف عملت الدعاية والتسويق على نقل مارلبورو من سجائر للنساء العصريات إلى نموذج رجل مارلبورو

Marlboro مارلبورو
أميرة قاسيمي
أميرة قاسيمي

6 د

سجائر مارلبورو غنيّة عن التعريف، إذ أنّها واحدة من أشهر السجائر في العالم وأكثرها مبيعًا، تملكها وتصنّعها شركة “Philip Morris USA” في الولايات المتحدة الأمريكية، وشركة “Philip Morris International” في كل أنحاء العالم.

لكن ما لا يعرفه أغلب الناس هو أنّ مارلبورو لم تحتلّ مكانة تاريخية في سوق السجائر وحسب، فقد أبهرت العالم باستراتيجياتها التسويقية مِرارًا، وتُعدّ نموذجًا صارخًا للشركات التي غيّرت سلوك النّاس وفق ما يُناسِب مصلحتها، حتى وإن كان ذلك نحو الأسوأ.

سنعرض في هذا المقال مثالين عن استراتيجية مارلبورو في تسويق سجائرها لتوضيح كيفية تحكّم المُصنِّعين وأصحاب المال في عاداتنا الاستهلاكية ورغباتنا وروتيننا اليومي وفق ما يناسبهم ويزيد أرباحهم.


تسويق مارلبورو كسجائر للنساء


بداية مارلبورو

سنة 1846، افتتح البريطاني “فيليب موريس-Philip Morris” متجرًا لبيع التبغ ولفائف السجائر في لندن؛ وعند وفاته سنة 1873 بسبب السرطان، انتقل تسييرُ متجره إلى زوجته وأخيه اللذين وسّعا تجارته بافتتاح مصنع في شارع Great Marlborough Street في لندن، واتّخذوا “Marlboro” اسمًا للعلامة التجارية نسبةً لمكان الصُنع.

سنة 1902، افتتحت شركة فيليب موريس فرعًا لها في مدينة نيويورك، وسجّلت علامتها التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1908، لكنّها لم تُسوِّق لسجائرها تحت اسم “مارلبورو” إلا منذ 1924 كسجائر للنساء.


النساء والتدخين

حتّى في الغرب، كان التدخين سلوكًا غير لائق بالمرأة المحترمة في بدايات القرن الماضي، وسُنَّت قوانين في نيويورك مثلًا لمنع النساء من التدخين في الأماكن العامة، وتعرّضت امرأة للاعتقال سنة 1908 لأنّها كانت تدخّن في الشارع، وكان يُنظر لمن تحمل سيجارة كامرأة متمرّدة على المجتمع، لا تُعطي اعتبارًا للآخرين، وبالضرورة امرأة سيّئة السُمعة.

استمرّ الوضع في الغرب على هذه الحال حتى انتهت الحرب العالمية الأولى التي خلّفت أثرًا واضحًا على وجه العالم، فقد شكّلت تلك السنواتُ بدايةَ اتّجاه النساء نحو “التحرر” باحتلال مناصب شغل رجالية، والقيام بممارسات غير شائعة آنذاك كلبس السروال وقص الشعر ولعب الرياضة للتعبير عن المساواة مع الرجل (أو على الأقل رغبتهنّ فيها)، كما استعملت النساء السيجارة كرمز للحرية والعتق من الاضطهاد.

نحن هنا لا نروّج للتدخين بين النساء، لكنّ مارلبورو قامت بذلك!

ملصق إشهاري لشركة مارلبورو (1935) هدفه الترويج للتدخين بين النساء

ملصق إشهاري لشركة مارلبورو (1935) هدفه الترويج للتدخين بين النساء

سجائر مارلبورو: Mild as May

استغلّت شركات السجائر هذا التحوّل في تفكير النساء وسلوكهنّ لإطلاق حملات تسويقية شرسة استهدفت هذه الشريحة الناعمة، وروّجت للتدخين في البداية كعلامة للتمرد على قيود الماضي، ثم انتقل الأمر لتسويق السجائر كإكسسوارات فاتنة تحملها النساء لجذب الرجُل.

ملصق إشهاري لشركة مارلبورو (1943) يسوّق للسيجارة كأسيسوار للنساء

ملصق إشهاري لشركة مارلبورو (1943) يسوّق للسيجارة كأسيسوار للنساء

كانت شركة مارلبورو من بين الأوائل في استهداف النساء، وذلك من خلال حملة واسعة تحت شعار “Mild as May” للدلالة على اعتدال نكهة السيجارة ومناسبتها للأنوثة الرقيقة، كما قامت مارلبورو بإضافة شريط أحمر على السيجارة لإخفاء آثار أحمر الشفاه واستعملته في التسويق تحت شعار “Beauty Tips to Keep the Paper from your Lips” لإقناع النساء بأنّ السيجارة لن تفسد مَكياجهن.

بمرور الوقت، تسلّلت السجائر بين أصابع ممثّلات هوليوود في مشاهد الأفلام الأمريكية تحت مباركة شركات السجائر. وهكذا، تعزّزت مكانة اللفائف البيضاء السامة كرفيقة لا غِنى عنها للمرأة العصرية الأنثوية العصيّة، وأقبلت النساء عليها بشراهة..

الممثلة الإيطالية صوفيا لورين تحمل سيجارة

الممثلة الإيطالية الحائزة على الأوسكار “صوفيا لورين” تحمل سيجارة (ستينات القرن الماضي)
الممثلة الإيطالية الحائزة على الأوسكار “صوفيا لورين” تحمل سيجارة (ستينات القرن الماضي)

تسويق مارلبورو كسجائر للرجال


دراسة الأطبّاء البريطانيّين

سوَّقت شركات السجائر للتدخين على أنّه راقي، صحّي، ويُنصح به للنساء اللواتي يُردن الحصول على أجسام رشيقة، ورغم وجود شكوك حول صحة هذه الادّعاءات وعن الآثار السلبية للتدخين، إلاّ أنّ الحقيقة كانت مجهولة.

دراسة الأطباء البريطانيين- The British Doctors Study” كانت أكبر دراسة مستقبلية Prospective study حول آثار التدخين، قامت بها مجموعة من الباحثين البريطانيين بالتعاون مع الأطبّاء، حيث أرسلوا استبيانات تتمحور حول عادات التدخين للأطبّاء (الرجال) المُسجّلين في المملكة المتّحدة.

بدأت الدراسة سنة 1951 واستمرّت حتى سنة 2001، لكنّ النتائج الأولية التي تحصّلوا عليها سنة 1956 أثبتت وجود علاقة بين التدخين والإصابة بسرطان الرئة والنوبات القلبية.

هذه الدراسة تبعتها دراسات أخرى مستقلّة أكّدت نتائجها، فدُقّ ناقوس الخطر في الغرب بشأن خطر التدخين على الرجال.


رَجُل مارلبورو

لم تكن سجائر مارلبورو تُستهلك من طرف النساء وحدهن بطبيعة الحال، لكنّ الشركة ركّزت على السوق النسائية طوال عقود. لهذا، عندما ظهرت الدراسات التي تُدِين التدخين وتفضح مخاطره، حاولت شركة مارلبورو انتهاج سياسة تسويقية جديدة تروّج للسجائر المُفَلترة -التي كانت تُعتبر أقل ضررًا- على أنّها مناسبة جدًا للاستهلاك الرجولي.

صانع الإعلانات الأمريكي “ليو بيرنت-Leo Burnett” هو الذي تكفّل بإعادة صياغة الهوية التسويقية لماركة مارلبورو لتصير أكثر إغراءً للرجال. لتحقيق هذا الأمر، رَبَط بيرنت في إعلاناته بين علبة سجائر مارلبورو وبين شخصيات رجالية معروفة بصلابتها وشدّتها (البحّارة، قادة الطائرات، مراسلو الحرب..الخ) للتعبير على أنّ السيجارة المُفلترة الناعمة التي كان الرجال يستحون من استهلاكها في الأماكن العامة هي في الواقع سيجارة خَشِنة وتوحي بالرجولية والفحولة.

ملصق إشهاري لشركة مارلبورو يسوّق السيجارة للرجال

ملصق إشهاري لشركة مارلبورو يسوّق السيجارة للرجال (1956)

شخصية راعي البقر كانت ضمن لائحة الشخصيات الرجالية التي استهدفها بيرنت في إعلاناته، وكانت الأشهر على الإطلاق، فقد أحبّ الأمريكيون ذلك النموذج المتفرّد والمستقلّ لراعي البقر، واستخدمته الشركة لتمثيل الشخصية التي لا تستمع لما تُمليه عليها الحكومة بشأن أخطار التدخين وآثاره السلبية بل تمضي حيث تريد وتقرّر ما تفعل وفق رؤيتها الخاصة.

وهكذا ظهر “رجل مارلبورو- The Marlboro Man” كأيقونة لماركة مارلبورو رافقها طوال عقود طويلة، وساهم في انتشارها بشكل رهيب، إذ أن مارلبورو لم تكن سوى شركة سجائر صغيرة تمثّل حوالي 1% من السوق قبل هذه الحملة التسويقية، لتحتل -مباشرة بعد إطلاق الحملة- الترتيب الرابع في قائمة السجائر الأكثر مبيعًا.

ملصق إشهاري لشركة مارلبورو يسوّق السيجارة للرجال باستعمال شخصية راعي البقر (1969)

ملصق إشهاري لشركة مارلبورو يسوّق السيجارة للرجال باستعمال شخصية راعي البقر (1969)

ثم منذ 1972 وحتى تسعينيات القرن الماضي، تربّعت مارلبورو على عرش السيجارة الأكثر مبيعًا في العالم، كما تُعتبر حملة “رجل مارلبورو” أفضل حملة تسويقية في القرن العشرين.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ مارلبورو أدخلت أعدادًا هائلة من المراهقين والشباب في متاهات التدخين باستعمالهم لصورة الرجل القوي، سليم الجسد، الجريء والمستقل كأيقونة للمُدخّنين.. لكن هذه الصورة لم تشمل حقيقة أنّ أربعة ممثّلين لشخصية راعي البقر في إعلانات مارلبورو ماتوا بأمراض مرتبطة بالتدخين!

في النهاية..

مارلبورو حفّزت النساء على تجربة السجائر وإدمانها، ثم انتقلت إلى السوق الرجالية لتتربّع على عرشها بصفتها أيقونة للحرية والقوّة والاستقلالية. لكنّ معظم الصور التسويقية التي استعملتها مارلبورو لإغراء المستهكلين لم تكن مبنية على معطيات علمية واقعية، بل تأسّست على تصوّرات ونمط حياة رسمته في مخيّلة المستهلك وشجّعته على تجربته دون ضمانات بأيّ شيء.

لا يمكن أن نلوم الشركات على استغلال المستهلك لتحقيق أرباح مادية، لكن يمكننا أن نلوم المستهلك على قيامه بخيارات استهلاكية لا تناسبه، سواء بسبب قلّة الوعي أو رغبةً في تقليد المشاهير أو لأسباب أخرى.

نحن نعيش في عصر استهلاكي متسارع الوتيرة، تهاجمنا فيه الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفاز والحاسوب باستمرار، ولأنّ الحملات التسويقية أشرس، يجب أن نكون نحن أكثر وعيًا وتريُّثًا في مواجهتها.. لأنّنا نحن من يدفع ثمن أخطائنا في النهاية، وهم يكسبون المال.

اقرأ أيضا:

ذو صلة

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة