تريند 🔥

🤖 AI

مستقبل الثقافة في مصر.. رؤية طه حسين للعقول المصرية والمنظومة التعليمية

مستقبل الثقافة في مصر
د. محمد أبو عوف
د. محمد أبو عوف

6 د

عندما يضع طه حسين كتابًا عن مشكلات التعليم في مصر وإصلاحها، تأكد أنك سترى نظرة مختلفة ورؤية ثاقبة، ففي كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” – الذي كتبه سنة 1938 – نرى هذه النظرة لأمور التعليم، فهو كتاب عن المنظومة التعليمية المصرية باعتبار التعليم هو الذي يصنع الثقافة المجتمعية، حلل طه حسين وضع التعليم، رصد الإشكاليات بشكل دقيق ووضع لها حلولًا، لكن للأسف لم ينفذ منها إلا القليل، ولم يأخذوا منها إلا القشور، ولو كانت المنظومة التعليمية سارت كما أرادها لكنا الآن ننافس التعليم العالمي.

طه حسين

طه حسين، هو عميد الأدب العربي الحديث. الكاتب المصري الذي يعد تأثيره الأعظم بين الأدباء على كتاب مصر ومثقفيها.
طه حسين

لماذا كتب طه حسين كتاب مستقبل الثقافة في مصر؟

مستقبل الثقافة في مصر

كتاب مستقبل الثقافة في مصر لعميد الأدب العربي طه حسين.

في مقدمة كتاب “مستقبل الثقافة في مصر” ذكر طه حسين أسباب تأليفه لهذا الكتاب، وهو إمضاء معاهدة 36 والتي فازت فيها مصر بـ “جزء عظيم من أملها في تحقيق استقلالها الخارجي وسيادتها الداخلية”، وعلى إثرها شعر طه حسين بأن مصر تبدأ عهدًا جديدًا من حياتها، وبدأ الشباب يطرحون الأسئلة حول مستقبل البلاد، ولأن عمله ومجاله هو الثقافة والتعليم فقد كان يجيب في الندوات والمحاضرات ولكنه فضَّل أن يكتب كتابًا يتركه للناس، وكان وقتئذ منتدبًا لتمثيل وزارة المعارف في مؤتمر اللجان الوطنية للتعاون الفكري.


الثقافة والعلم أساس الحضارة والاستقلال

التعليم والثقافة

يتحدث طه حسين عن أهمية الثقافة والعلم في بناء الحضارات، لذلك يؤكد على أهمية الماضي بالنسبة لمصر، لأن مصر لها ماضٍ عظيم، ثم طرح سؤالًا مهمًا “هل مصر أقرب للشرق أم الغرب ثقافيًا؟”.

يرى طه حسين أننا أقرب إلى الغرب، وفصَّل رأيه طوال هذا الفصل، فالصلة بين مصر والغرب ويقول عن ابتعاد مصر عن الشرق:


“ولعل أقصى ما يستطيعون أن يتحدثوا به إلينا في ذلك إنما هي محاولات يكاد ينم عنها التاريخ في آخر العصر الفرعوني، تظهر ميل المصريين إلى أن يستكشفوا سواحل البحر الأحمر”.

وقال:


“إن العقل المصري لم يتصل بعقل الشرق الأقصى اتصالًا ذا خطر، ولم يعش عيشة سلم وتعاون مع العقل الفارسي، وإنما عاش معه عيشة حرب وخصام”.


العقل المصري والعقل اليوناني

يثبت طه حسين تأثر العقل اليوناني والمصري ببعضهما فـ”تبادل المنافع بين العقل المصري واليوناني في العصور القديمة قد كان شيئًا يشرف به اليونانيون، ويمتدحون به فيما يقولون من شعر وفيما يكتبون من نثر، فمصر مذكورة أحسن الذكر في شعر القصاص اليونانيين”، واليونان يرون إنهم تلاميذ المصريين في الحضارة وفي فنونها الرفيعة بنوع خاص”، وكانت الفلسفة السكندرية لها دورها في الترابط والتواصل بين اليونان ومصر.

ويؤكد وينبه أن العقل المصري القديم لم يتأثر بالشرق الأقصى ولا بالشرق البعيد قليلًا ولا كثيرًا، وإنما نشأ مصريًا ثم أثر فيما حوله وتأثر به.

وهذا التقديم مهم، لأنه يبني عليه فكرة الأخذ من فرنسا صاحبة النظام التعليمي الأول في العالم في أيامه.


الاحتلال التركي لمصر سبب الانحدار والتخلف

طه حسين دائمًا يضرب بقوة، ويقول آراءه غير خائف، فهو يتحدث في فترة الثلاثينيات عن وجوب الأخذ من الحياة الأوروبية، لأن الاحتلال التركي رد الدول إلى الجهالة بعد العلم وإلى الانحطاط بعد الرقي، ويشبه هذه الظاهرة بالقرون الوسطى في أوروبا أو ما يسمى بالعصر المظلم.

ويقر بإننا في مصر نذهب مذهب أوروبا في الحكم والإدارة والتشريع، وتعهدت مصر بذلك أمام أوروبا أيضًا خلال إمضاء معاهدة الاستقلال، وهو كان لا يرى عيبًا في ذلك لكن مع شروط ثقافية قاسية سنعرفها لاحقًا، فلا يجب أن ننسى أن انتماء طه الحسين الأول هو للغة العربية والهوية العربية، فالمحافظون المبغضون للتفريط في التراث القديم لن يرضوا بالرجوع إلى العصور الأولى ولن يستجيبوا لمن يدعوهم إلى النظم العتيقة إن دعاهم إليها.

فالفرق بيننا وبين أوروبا لا يتصل بطبائع الأشياء وجواهرها، فالأوروبيون بدأوا حياتهم الحديثة في القرن الخامس عشر، لكن الترك أخروا العرب، فـ”بدأنا حياتنا في القرن التاسع عشر”، ولو يكن هناك الاحتلال التركي لكان الاتصال بين مصر واليونان مستمرًا، ولكان للحضارة الحديثة شأن غير شأنها الآن.


تهم جاهزة غير حقيقية

مستقبل الثقافة في مصر - طه حسين

مستقبل الثقافة في مصر.. رؤية طه حسين للعقول المصرية والمنظومة التعليمية.

التهمة المعلبة التي توجه إلى طه حسين أنه رجل غربي، يريد أن يفصلنا عن تراثنا وديننا، كتاب “مستقبل الثقافة في مصر” يسقط هذه التهمة تمامًا، فهو طوال صفحات الكتاب ينادي بالاعتزاز بالوطن والدين والهوية العربية، ويرى أن الواجب الوطني هو أن نبذل كل ما في أيدينا “لنشعر المصريين أفرادًا وجماعات أن الله خلقهم للعزة لا للذلة، وللقوة لا للضعف، وللسيادة لا للاستكانة”، ويؤكد أن الناس سواسية فيجب أن نمحو من القلوب جميعها “هذا الوهم الآثم الشنيع الذي يصور لهم أنهم خلقوا من طينة غير طينة الأوروبي”.


النظام الأوروبي هو الأكثر ملائمة

في أكثر من موضع ينبه العميد على أهمية بناء الجيوش، وبناء الاقتصاد، والديموقراطية، والاستقلال العلمي والفني والأدبي، حتى لا يستطيع أي أجنبي أن يظلمنا أو يبغي علينا، وكل هذا لن يحدث إلا ببناء التعليم على أساس متين.

فتفوق أوروبا علينا ليس لعبقرية أوروبية، أو لميزهم في أمر ما، لكن فقط ظروفهم التاريخية اختلفت عن ظروفنا لكننا في العقل والعزيمة سواء، لذلك علينا أن نعرف ما فعلوه لكي ينهضوا بعد عصورهم المظلمة لكي ننهض مثلهم.


مشكلات التعليم لم تتغير

النقاط السابقة هي الأفكار الرئيسة للكتاب، ثم بدأ في رصد المشكلات وطرح حلول لها بشكل تفصيلي فالكتاب يقترب من 300 صفحة، تحدث فيها عن مشكلات ما زلنا نعاني إلى الآن، منها مرتبات المدرسين، تكدس الفصول بالطلبة، والمناهج التعليمية، ومدارس الإرساليات التي تنشئ جيلًا أوروبيًا خالصًا، وأن الطالب المصري الذي يدرس فيها يشعر بالدونية؛ لذلك يجب أن تشرف وزارة المعارف على المدارس والمناهج الدراسية باختلاف أنواعها ويجب أن يُدرَّس تاريخ مصر وجغرافيتها، وأن يضع الأزهر منهجًا دينيًا وأن تتم دراسة اللغة العربية، فانقطاع المصري عن دراسة اللغة العربية هو انقطاع عن بلده وتراثه وهويته.


أحوال الجامعات والمدارس الثانوية

مستقبل الثقافة في مصر - جامعة القاهرة

وتحدث عن الجامعات وأنه يجب إنشاء مجلس للتعليم الأعلى، وإلغاء امتحانات النقل، ويجب الاهتمام بمكتبات المدارس، وضرورة اشتراك التعليم العالي في تنظيم التعليم الثانوي، ويجب أن يتزود الطالب باللغات الأجنبية، وقصر تعلم النحو على القدر الضروري وعرضه في صورة أدبية، والاهتمام بالتربية البدنية، والاهتمام بالبعثات للمدرسين، ويجب أن تستقل الجامعة ماليًا وعلميًا، ويختم كلامه بقوله: “إذن ففي مصر ثقافة مصرية إنسانية فيها شخصية مصر القديمة الهادئة، وهي في الوقت نفسه إنسانية قادرة على أن تغذو قلوب الناس وعقولهم وتخرجهم من الظلمة إلى النور”.


قراءة متأنية

ذو صلة

أثناء قراءة “مستقبل الثقافة في مصر” ستشعر في أحيان عديدة أن طه حسين يتحدث عن وضعنا الراهن، وستفهم جيدًا كيف يفكر هذا الرجل، كيف يريد تحقيق النهضة، كيف أن عبارات نسمعها دائمًا مثل “نأخذ من الغرب ما يناسبنا” هي عبارة لها آلية تطبيق معينة من الممكن تنفيذها، حتى في نظرته للعقول تجد النظرة ما زالت كما نعيشها، فمثلًا التعليم العالي يجب أن ينظر له على أنه وسيلة وليست غاية، ويجب أن يحصل المعلم على حقوقه كاملة، ويجب أن يحصل على راتب يحفظ له هيبته بين الطلاب.

فإصلاح العقول يبني جيلًا مثقفًا واعيًا يعرف جيدًا كيف يفيد بلده ونفسه وينهض بهما، هذه هي رسالة كتاب “مستقبل الثقافة في مصر”.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة