أفضل عشر روايات صدرت في العقد الأخير منذ عام 2010 وحتى الآن

ليس أعذب من رواية طيبة، وليس أقدر من حكاية مفاجئة على إذهال المرء وتذكيره بجلال نعمة الاختلاق التي أسبغها الله على عبيده. أن تتحرر لحظيًّا من تحكم الحياة إلى صناعة أخرى أنت سيدها ومالكها، وأن تعبر عن هذا بالطريق الأكرم والأحسن نفاذًا إلى الخلق والتصاقًا بطبائعهم وأذواقهم وجِهة نظرهم للعالم وما يحتوي.. هذا ما لا يدانيه شيء، ولَحكاية واحدة صدرت عن نفس موهوبة أشد أسرًا للعقل من غالب هذا الذي نعيش ونرى، فما أدراك بقائمة من أفضل عشر روايات في العقد الأخير (صدرت منذ عام 2010 وحتى الآن).

يمكنك أن تقارن بين الخيال والواقع ما شئت، لكن لا داعي لرفع شيء فوق هذا الاستسلام الاختياري لمخيلة تعتمد عليها بكل الثقة، تسلمها زمامك، وتطفئ مؤقتًا حسك الواقعي إزاءها، وتنتظر بكل الصبر أن تبهرك؛ أن تصب في روحك شخصيات وكلمات ومواقف ومفاجآت وحوارات واقتباسات وتصادمات ومزاحًا ومآسي وخبرات ومخاوف وخرافات؛ أن تكثِّف أمام عينيك كل ما هو لافت في تركيب البشر وتزينه فإذا هو خالٍ مما في الحياة من افتعال وغياب تناسق وضعف في ترتيب الوقائع.

يستحق الجمال أن يُرى وأن يُمتدح، لأجل ذلك فإن الواجب النظرُ لكل عمل أدبي عظيم بعين التبجيل، ومدُّه بما نستطيع من تخليد فوق الذي يضمنه له مستواه ابتداء. الرواية الحسنة تُقرأ وتُعاد وتبقى، تصحبك في تقلبك في الدنيا ولا تكاد تبلى، تتبدل مع تبدلك وتنعكس على صفحة العالم المترقرقة بلا توقف، تتحدث بكل لغة وتتبدى من كل زاوية وتفصح عن مكنوناتها إذا أنت أخلصت لها وأطلت السعي إلى باطنها. الرواية المميزة تغادرها فلا تغادرك، تسلبك من دنياك إلى دنياها، تحرك فيك أشياء لا تكاد تحركها الحقائق أو تمسها الحوادث.

اقرأ أيضًا:

أفضل عشرة كتب غير أدبية صدرت منذ عام 2010 وحتى الآن

لذا نعود بالزمن ونفحص ما صدر من الروايات بالأمس القريب. الصادر كثير ولهذا -رغم جوانبه السيئة التي لا تحصى- جانب جيد هو ارتفاع احتمالية مصادفة النادر الخالد. نستعين بترشيحات مجلة تايم الأمريكية، ونتوقف قليلًا مع عشر روايات حققت النجاح في الجانب الجماهيري وجانب حصد الجوائز ورضا النقاد، وتوزعت على شتى التصنيفات حتى يجد كل ناظر في القائمة شيئًا يلائمه.

لا عجب أن كثيرًا مما سنذكر نُقل للعربية واقتُبس للسينما أو التلفزيون فكلها عظيمة الشعبية. هي مرتبة حسب عام النشر، أتمنى أن تجد بينها ما تخلد إليه نفسك.

نبدأ مع رواية A Visit From the Goon Squad للكاتبة Jennifer Egan، وهي نص بديع يزداد اتصالًا بمشاكل العالم مع مرور الوقت، حتى لكأنه أجود اليوم مما كان يوم صدوره قبل أعوام عشرة تقريبًا. إحدى طرق السرد التي يحبها الكتاب المعاصرون هي طريقة توزيع الفصول على الشخصيات، غير أن كاتبتنا تؤدي هذا على نحو لم تُسبق إليه ولا أُدركت بعده، لدرجة أن ثمة فصلًا كاملًا كُتب باعتباره عرضَ “باور بوينت” تقدمه فتاة لوصف عائلتها.

العمل معنيٌّ بالمستقبل ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتكنولوجيا وتطور العيش ووسائل التواصل، وسوف يرى فيه قارؤه مدى صدق توقعه وتحقق إرهاصاته خلال الأعوام القليلة التي تلت نشره. غير أن الرواية -وهي فائزة بجائزة البوليتزر الرفيعة- تستكشف قضية أهم وأقوى مقاومة للزمن: التقدم في العمر ومحاولاتنا التأقلم معه وأثره على تواصل المرء بالمحيطين به.

لا تقل لي إنك لم تسمع اسم My Brilliant Friend من قبل. الأرجح أنك تعلم بشأن مسلسل HBO المميز وإن لم تعلم بشأن الكتاب الذي أبدعته Elena Ferrante. القصة عن صداقة ناشئة بين الطفلتين ليلا ولينا ومرور الأعوام الذي يزيدها تعقيدًا. قصة عما يجمع بينهما من حب وغيرة ومواجهة للمخاوف وتحفيز وإيذاء متبادل، فليست بالضبط قصة الصداقة الاعتيادية التي تتوقع قراءتها، وليست كذلك الشيء المتسق تمامًا مع هذا الملخص العاجز عن توفيتها حقها.

إحدى الجوانب شديدة الروعة في الرواية أن القارئ عاجز طوال الوقت عن تحديد أي الصاحبتين هي العبقرية وأيهما صديقتها التي كُتب العنوان من منظورها، الأعجب أن هذا العجز ممتد للصديقتين كلتيهما. الرواية مكتوبة في الأصل بالإيطالية، وغير المسلسل المذكور لها ثلاثة أجزاء إضافية صدرت بالتتابع.

رواية Gone Girl هي ذروة سحر الغموض والتشويق المكتوب، والفيلم الشهير المأخوذ عنها يمكن وصفه بالكلام نفسه بالنسبة للأفلام. قدمت Gillian Flynn الرواية على لسان شخصية غير محتملة شديدة الفرادة لم يكد القارئ يقابل مثلها من قبل أو من بعد: مستفزة وبذيئة ومتقلبة، وقادرة تمام المقدرة على تقديم مونولجات سردية تبقى للزمن.

تقييم هذا العمل اليوم أسهل من تقييمه يوم صدوره، خاصة ونحن نرى بعد ثمان سنوات أنه فتح بوابة لأعمال تشويق لا تحصى تدور كلها في فلكه وتحاول بلوغ قمته بل وتقتبس جزئيًّا عنوانه. الشعور المحفز بالخطر والشخصيات المحبوكة بعناية والنثر المتسارع، كل عوامل نجاح الرواية التشويقية منثورة هنا. ثم إن الكاتبة ترفعت عن الابتذال وقدمت قطعة من الفن الرفيع التي يمكن إن شئت أن تنزع عنها اللغز البوليسي -كما في إعادة القراءة- فسوف تظل تصويرًا أدبيًّا فذًّا لعلاقات البشر والزواج خاصة. الرواية مترجمة بعنوان الزوجة المفقودة.

رواية Americanah هي رواية الكاتبة Chimamanda Ngozi Adichie التي نشرت روايتها الأولى في الخامسة والعشرين. بطلة الرواية، ككاتبتها، كاتبة شابة تسافر من موطنها نيجيريا إلى الولايات المتحدة طمعًا في تعليم راقٍ، فتلقى ما تلقاه المرأة سوداء البشرة في دولة محكومة بالتفوق العرقي الأبيض.

يحوم فوق النص تساؤل دائم عما إذا كان الأفضل لها وغيرها البقاء في موطنها دون طلب لما هو أكمل بالقفز فوق ثلاث قارات إلى آخر العالم. بجوار ما تلقيه الرواية من ضوء على حياة السود والمهاجرين في أمريكا، فهي أيضًا رواية عن الشباب والانتقال من المراهقة لما بعدها والعثور على موضع في العالم الذي لا يبدو أنه يتوقف عن النمو. لا ننسى أن الرواية مترجمة للعربية بعنوان “أمريكانا”.

تموت البطلة مرة بعد مرة في رواية Life After Life للكاتبة Kate Atkinson، تارة بالغرق وتارة بالتردي وثالثة بالأنفلونزا. غير أن الموت ليس مغزى الكتاب بل هو مدخل لمغزاه الأصلي الذي هو الحياة: أن تجرب العيش مرة بعد مرة حتى تجد الطريقة الأمثل له، أن تتخذ هذه الميتات وسيلة للإخلاص للحياة أكثر والإيمان بها إيمانًا أعمق.

كاتبة روايتنا هذه معروفة بروايات الغموض بالذات، لكن الرواية لا تلائم التصنيف بالضبط. تتحرك القصة على طول نصف قرن من الزمان، وفي أثناء ذلك لا تنفك الكاتبة تمنح قصتها المزيد من العمق، حاثَّةً قراءها على الغوص تحت طبقة الرواية الأولى والنهل من خيراتها. قصص موت البطلة ترطب القلب وتعصره في تناوب، تستكشف مناطق معينة من التاريخ وتعكس الحاضر، تتمتع بالتنقل بين اللغة الفكاهية والمأساوية، وتخلُص بلا توقف إلى النصح بأن علينا بذل ما في وسعنا رغم أننا إنما وُجدنا لنفنى.

الكتاب السادس في قائمتنا المكونة من عشر روايات (على التغليب) هو مجموعة قصصية بعنوان Tenth of December كتبها George Saunders. يذكِّرنا الرجل بالذين حجزوا مواقعهم في قائمة أفضل الكُتاب عبر التاريخ من خلال القصة القصيرة: أنطون تشيجوف وأليس مونرو وخورخي بورخيس وإدجار ألن بو. في عشر قصص ينجح الكاتب في تصوير الواقع، ثم تمر الأعوام وتتكشف الحكايات عن مزيد من الحكمة وحسن الإدراك.

اقرأ أيضًا:

أكثر 100 كتاب ورواية مبيعًا على مر التاريخ!

في القصص ما يدمج الخيال العلمي بروح الدعابة في سيريالية عجيبة لا تغفل عن مشاعر الإنسان، وفيها ما يتخيل عالمًا يتم فيه استيراد فتيات من الدول النامية لأمريكا ليعملن زينة للأثاث، وفيها ما يتصور سجنًا مستقبليًّا يخضع من فيه لعقار يجبرهم على الوقوع في الحب والخروج منه. كلها حكايات ظريفة وسريعة صعدت بكاتبها إلى القائمة النهائية لجائزة الكتاب الوطني، يجمعها نمط عام هو ذم التكنولوجيا وعرض ما تتفتق عنه وما تكشفه من قبائح البشر. عملٌ حمل كثيرين على مدح كاتبه وألهم آخرين لمجاراته.

اقرأ أيضًا:

كرة القدم منتشرة لأن الحماقة كذلك.. ما الذي كان يقصده بورخيس؟

رُفضت رواية The Sellout للكاتب Paul Beatty من عدد كبير من دور النشر، والمؤكد أن أيًّا من رؤسائها لم يتوقع أن تفوز بجائزة البوكر. هي حكاية سخيفة لدرجة معجزة، مشحونة بنوع الكوميديا الذي يدفعك للضحك دفعًا وهو يخلف في نفسك رغبة غامضة في البكاء والتأسف. حكاية عن العنصرية مليئة بالانعكاسات التاريخية والسخرية والتحليل الذي لا يرحم للولايات المتحدة وأدوائها.

هي عن رجل ساعٍ إلى إعادة مدينته لمكانتها، فيتخذ أكثر الإجراءات تطرفًا بـ “إعادة العبودية” وفصل السود عن البيض في مدرسة البلدة، والنتيجة الطبيعية هي تقديمه للمحاكمة. لا وسيلة لإدراك أبعاد هذا الوصف المختصر سوى قراءة الرواية الكاملة، ولحسن الحظ هي مترجمة للعربية بعنوان الخائن.

نأتي إلى رواية Sing, Unburied Sing للكاتبة Jesmyn Ward التي قضت سنوات كتابة موفقة لم يضاهها غير عدد محدود من الكتاب، مركزة على توثيق الواقع المخزى للسود في جنوب أمريكا. فازت كاتبتنا بالجائزة الوطنية للكتاب سنة 2011 عن روايتها Salvage the Bones، وبعدها بسنتين نشرت سيرة ذاتية تمزق القلب بعنوان Men We Reaped، حكت فيه عن ميتات خمسة شباب سود أثروا في حياتها.

ذروة سنام إنتاجها كانت هذه الرواية التي بين أيدينا، والتي حققت لها ما لم تحققه كاتبة سوداء البشرة عبر التاريخ: الفوز بالجائزة الوطنية للكتاب (في فئة الخيال) مرتين. القصة عن أم سوداء هشة ومدمنة مخدرات تقود السيارة مع طفليها سعيًا إلى إعادة أبيهما أبيض البشرة من السجن. على هامش الرحلة، يتنقل السرد بين الماضي والحاضر، كاشفًا عن المأساة التي كونت هذه العائلة مختلطة العرق.

اقرأ أيضًا:

تجوال في أراضٍ غريبة: كتاب عن الجذور المفقودة والهجرة العظيمة للسود الأمريكيين

اسم Little Fires Everywhere تردد قبل أسابيع بكثرة تبعًا لخروج السلسلة التلفزيونية القصيرة المقتبسة عنه على Hulu. هي من كتابة Celeste Ng التي نقل المترجمون العرب لها رواية كل شيء لم أخبرك به بجوار هذا الرواية بعنوان حرائق صغيرة في كل مكان. تبدأ الرواية بداية روايات “من فعلها؟” الشهيرة: من أشعل النار في بيت عائلة ريتشاردسون الثرية؟ ثم إنها تتحول بعد ذلك إلى استكشاف لمسائل الإجهاض والأمومة والهوية العرقية والصراعات الطبقية.

تحكي الرواية -في جو من الغموض- ما يحدث لعائلة ثرية تحيا في مكان تحسبه جنة أمريكية مثالية، حين تصل فنانة فقيرة مع ابنتها المراهقة للعيش قريبًا منهم. العلاقات الرومانسية الناشئة والأسرار المعرضة للكشف وتداخل العائلتين بمرور الوقت والتوتر المتصل بالعرق والعداوات المتكونة والاختلافات عميقة الجذر.. تصف لنا الكاتبة -وقد عاشت نفسها طفولتها في المكان الذي تصف- هذا كله في حكاية لا يجدر بالباحث عن الدرر تفويتها.

نتم عشر روايات بآخر ما في قائمتنا، وهي رواية The Nickel Boys للكاتب Colson Whitehead. رواية الكاتب الصادرة في 2016 بعنوان The Underground Railroad كانت من القوة بحيث فازت بجائزة البوليتزر وجائزة الكتاب الوطنية كلتيهما، لتكون سادسةَ خمسِ روايات فعلت ذلك في التاريخ. يجادل البعض قائلين إن روايتنا هذه تفوق الأولى حتى.

كاتب الرواية أسود البشرة وهو يركز على قوانين جيم كرو المتعلقة بالفصل العنصري وتبعاتها. يقول الكاتب إنك تعرف الفن الحقيقي حين ترى نفسك في شخصياته ثم ترى لمحة منك في أشراره. هي رواية أخرى عظيمة عن نشأة الأفريقي الأمريكي محاطًا بالبيض، عن إرث الماضي وما بقي من علائق في الحاضر، عن ثقافة كاملة يتحرك الناشئ في إطارها ومحكومًا بتوقعات العارفين بها.

وبعد، فهذه عشر روايات فيها من الإبداع ما يحمل المرء على التوقف والنظر، أتمنى أن يكون مروري السريع عليها قد حفزك إلى قراءتها ووفَّاها حقها من الثناء.

لك أيضًا:

ترشيحات محرري أمازون: أفضل عشرة روايات صدرت في 2020 حتى الآن