تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

السيادة السياسية: نقد الليبرالية عند المُنظر الألماني كارل شميت

كارل شميت
صالح محمد
صالح محمد

8 د

كان كارل شميت – carl schmitt، المُنظر الألماني، أحد المفكرين الذين ينطبق عليهم قول نيتشه: “وُلدو بعد موتهم” كانت كتابات شميت أحد أهم مصادر التنظير التي دعمت سلطة الحزب الاشتراكي النازي على الرغم من أنه كان من المعارضين للنازية قبل سيطرتهم على ألمانيا[1] وبعد وصول النازيون للحكم انضم شميت للحزب إليهم ودعمهم بكل ما أوتي من طاقة، لدرجة أنه كتب في عام 1934 مجموعة مقالات يدعم فيها أدولف هتلر بعنوان الفوهرر يحمي القانون  Fuhrer Protects The Law”[2] وكلمة “فوهرر” هي كلمة ألمانية مرادفها القائد أو الزعيم.

أدولف هتلر

أدولف هتلر قائد ألمانيا النازية، وهو صاحب السياسات الفاشية التي أدت إلى بدء الحرب العالمية الثانية ومقتل ما لا يقل عن 11 مليون إنسان، بما في ذلك 6 ملايين يهودي لقوا مصرعهم خلال الإبادة الجماعية.
أدولف هتلر

نقد الليبرالية عند المُنظر كارل شميت

السيادة السياسية - نقد الليبرالية عند المُنظر الألماني كارل شميت

نقد الليبرالية عند كارل شميت

إلا أنه في النهاية قد أُطيح به، فكان رأي الحزب النازي أن كارل شميت قد يكون خائنًا أو انتهازيًا بعد أن وصل شميت إلى رتبة المنظر السياسي للرايخ الثالث، بدأ النازيون بالتحقيق في حياته السابقة، وعندما رأى الحزب أنه لم يؤيد النازيين إلا عند صعودهم للسلطة، وأنه قبل ذلك كان معارضًا لهم، وجدوا أنه من الأفضل الإطاحة به قبل أن ينقلب مرة أخرى.

وهكذا جُرد كارل شميت من كل مناصبة السياسية، ولم يتوقف قمعه إلى هنا، فبعدما انتصر الحلفاء في الحرب أُعتقل شميت لمدة سنة، وكانت لتطول به هذه السنة إلا أن المحققين لم يجدوا أدلة توقعه بصلة بالجرائم التي ارتكبها النازيون، ولدعمه الفكري وكذلك لمعاداته للسامية مُنع شميت من التدريس في الجامعات الألمانية.

نجح الحلفاء بعد الحرب بإحداث نوع من القطيعة المعرفية مع الأفكار والمؤلفات التي دعمت المحور وكانت من ضمنها مؤلفات شميت، حتى رأى بعض الباحثون الغربيون أهمية هذه المؤلفات وشرعوا في ترجمتها، لا يزال أثر أعمال شميت موجودًا إلى اليوم حتى أن ليو شتراوس، أحد أهم مُنظري المحافظين في الولايات المتحدة وأحد كُتاب تاريخ الفلسفة، درس شميت جيدًا وكتب العديد من المقدمات له في نقد الديموقراطية.

نرشح لك قراءة: المصطلحات السياسية: ماذا تعرف عما تسمع وتقرأ؟


السياسة: الصديق، العدو والصراع

السياسة عند شميت تختلف اختلافًا جذريًا عن أي تعريفٍ سبقها، فهي ليست السلطة العليا – supreme willing وليست المؤسسات ولا الفعاليات السياسية بين الشعوب والدول، إنما هي: التفريق بين الصديق وبين العدو[3] وهنا يكمن جوهر السياسة، أي أن وسط السياسة كله صراع، أقصى حالته الاضطرارية هي الحرب ولكنه في طبيعته صراع بين الصديق والعدو، والخير والشر، وفي اللاهوت السياسي، بين الله والشيطان.

والسؤال هنا، كيف يتحدد الصديق من العدو؟ من يحدد هذا أيضًا هو السلطة الاستبدادية، الديكتاتورية أو كما يفضل شميت نعتها “السيادية” فهي الكيان الوحيد القادر على التمييز بين الصديق والعدو[4] تتخذ الدولة، أو السيادة، هُنا موقفًا ديناميكيًا غير ثابتٍ في موقفها، فهي تخضع لمعيارية معينة تُعرف بمعيارية الدولة لتحدد الصالح في الموقف، والأصلح في المواقف السياسية المختلفة من الطبيعي أن يكون متغيرًا وهكذا السيادة يجب أن تكون مرنة مع هذه التغيرات.

وكما ذكرنا فإن مفهوم الصراع مرتبط عند شميت بطبيعة السياسة، فلا سياسة بلا صراع وعداء، هذه السمة عند شميت هي سمة الإنسان، فالإنسان عنده أحقر الحشرات لولا أن الرب، بنظره، تجسد بشكل إنسان[5] فالشر هو الإنسان، والإنسان شريرٌ دومًا بطبعه حتى تمنعه السيادة من ممارسة شره، وعندما يصل هذا الشر، أو الصراع، إلى ذروة حالته فإننا ننعته بالحرب، وبالتالي فإن العالم الذي لا ينطوي على إمكانية الحرب، لا يقوم على التمييز بين الصديق والعدو، هو عالم بلا سياسة.[6]


الديكتاتورية


صاحب السيادة لا يمكن أن يخضع للقانون، إنه هو القانون.[7]

يمكننا القول إن كارل شميت كان على الجهة الراديكالية من مركزية الدولة والحكم، بيد أنه كما ذكرنا لا يضع الأحقية في اتخاذ القرار إلا لشخصٍ واحدٍ ألا وهو الفوهرر، كان شميت مدركًا جيدًا أن موقفة من الديكتاتورية لن يكون مرحبًأ به مع الديموقراطية الأوربية فحاول أن يصيغ محاولات كي يبرر بها موقفة، كفرضه مثلًا أن لاهوته السياسي موجود حتى في حالة الأنظمة التي تعلن ديموقراطيتها، فالأنظمة الديموقراطية تعطي لنفسها الحق فأن تولي فئة معينة من الشعب تقوم بمراقبة الفئة السيادية الأعلى منها وهو يعني بذلك البرلمان الذي يُعينه الشعب، فإن كان الشعب يأتمن مصيره عند مجموعة من الناس (أعضاء البرلمان) فإن الشعب قادرٌ على اختزال كل هؤلاء الأفراد في فردٍ واحد، هو الديكتاتور أو صاحب السيادة السياسية.


الحلقة المفقودة من الليبرالية: السيادة والاستثناء


الحاكم السيادي هو الذي يقرر في الحالات الاستثنائية[8] – كارل شيمت، اللاهوت السياسي.

The terrifying rehabilitation of Nazi scholar Carl Schmitt - السيادة السياسية

نقد الليبرالية عند كارل شميت

ينطلق نقد كارل شميت لليبرالية من عدم اعترافها بقاعدة الاستثناء السياسي، التشريع عند شميت ذاتي خاص بسيادة الدولة (الحاكم أو الفوهرر) أما الدولة الليبرالية التي تصنع ما يُسمى وحدة الشعب، وهو نظامٌ غير صالحٍ بالنسبة له ويؤدي عاجلًا أم آجلًا لنظام النموذج الواحد – only one model هذا النموذج لا يقبل العمل إلا على نظامٍ واحد وشعب واحد، وهو ما لا يتفق مع مفهوم الحركة السياسية والتي ستطلب عاجلًا غير آجلًا حدوث استثناءات في السلطة.

يمكننا القول إن كتاب اللاهوت السياسي هو  أفضل محاولة للتنظير بين السلطة الدينية -أو اللاهوتية- وبين السلطة السياسية، يعامل شميت النظرية السياسية بنفس الطريقة التي يعامل بها رجال الدين اللاهوت، يقول شميت في فصله الثالث[9] من الكتاب:

إن مفاهيم النظرية الحديثة للدولة كلها ذات الدلالة هي مفاهيم لاهوتية مُعلمنة، أي أن النظرية السياسية تخاطب الدولة بالطريقة نفسها التي خاطب اللاهوت الله، فالحياة الدنيوية -من المنظور اللاهوتي- غير ثابتة (في حالة حكم الله) ولا -ولن- يحكمها قانون ثابت وجامد، وإنما دومًا ما يتدخل الله، وفي حالة شميت، الفوهرر -بالمعجزة- وهي الاستثناء عند شميت.

اللاهوت السياسي للكاتب : كارل شميت - السيادة السياسية

غلاف كتاب اللاهوت السياسي للكاتب كارل شميت

يرى شميت أن وجوب وجود سيادة سياسية ديكتاتورية نابع من حالة الاستثناء، فكما يقول في كتابه اللاهوت السياسي ص(24) لا يمكننا أن نحصي حالات الطوارئ التي قد تصاب بها الدولة (لا سيما عندما تكون الحالة فعليًا في غاية الخطورة) هذه الحالة تطلب وجود استثناءٍ سياسي غالبًا حتى يضع ضوابط لمجرى الأمور.

وهنا تكمن المشكلة الأولى في الليبرالية عند شميت، لا تعترف الدساتير الليبرالية بمفهوم السياسة، بل غالبًا ما تحاول السلطة السياسية النيوليبرالية أن تقضي تمامًا على أي استثناءاتٍ دستورية، وهكذا فإن القاعدة الدستورية التي سيلجأ إليها الليبراليون في حالة الاستثناء (والتي لا محال أنها ستحدث) سيؤول بهم إلى نصٍ قانوني غير واضح ولا يقدم تفاعلًا حاضرًا مع حالة الاستثناء، لهذا يجب أن تتواجد سلطة عليا ذات سيادة فوق القانون تُنظر النص القانوني وتُنظر كيفية عمله في حالة الاستثناء.

على ذلك يجب أن يتواجد وسيط سياسي أو كما يقول شميت وسط مُتجانس homogeneous medium [10] يتفاعل جيدًا مع القانون وحالة الطوارئ (الاستثناء) في حالة عدم وجود سيادة سياسية فوق القانون تأخذ بحالة الاستثناء سيتم التعامل مع حالة الطوارئ بعشوائية وبيروقراطية جامدة، أما من يحدد حالة الاستثناء هذه -عند شميت- هو الحاكم السيادي، وبالتالي فإن أي قاعدة قانونية يجب أن تستند لقرار سيادي وليس لقانون سيادي.[11]

النقد الأولي المُعتاد لطرح شميت هو أن القانون بالفعل يمكنه أن يصبح مرنًا بحيث يوضع فيه قوانين نعود إليها في حالة الطوارئ أو بصيغة أخرى، تقنين الاستثناء – legalize the exceptional وهي كما يرى شميت فشلٌ ذريع، فلا يمكن تقنين الوضع الاستثنائي أبدًا فمن المستحيل أن يتوقع المرء الذي يصيغ القانون -والذي تصبح سيادة قانونه فوقه- حالات الاستثناء والطوارئ المُستقبلية ليضع نصًا دستوريًا يتعامل معها.


الليبرالية عند كارل شميت

لو كان كارل شميت كلمة في المعجم، لكان عكسها ليبرالية، الليبرالية هي البقعة السياسية الأقذر عند كارل شميت، فهي لا تقضي على السيادة السياسية التي يبتغيها شميت وحسب، بل تعطي هذه السيادة لجهات أخرى غير حاكمة كذلك، الليبرالية تعني تدخل رؤوس الأموال والشركات في كل شيء، وتحل محل السيادة السياسية في تقرير المسار، بالإضافة إلى أنها تعني الحرية الفردانية للشعب والإعلاء من تقييدات القانون وسيادته لحماية تلك الحريات.[12]

اختفاء السيادة في السلطة الليبرالية هو منبع ومبدأ نقد شميت لليبرالية، فاختفاء السيادة يعني اختفاء التمييز بين الصديق والعدو، وهو مبدأ السياسة عند شميت كما ذكرنا، يرى صموئيل هنتنغتون، عالم السياسة الأمريكي وأستاذ السياسة في جامعة هارفارد أن الليبرالية التي انتقدها شميت تمكنت من تحقيق العمل بمصطلح الصديق والعدو، فالولايات المتحدة الأمريكية -كما يرى- تبنت العمل بهذه الطريقة في سياستها الخارجية تحديدًا في حربها على الإرهاب، كما سماها جورج بوش الابن: معنا أو ضدنا في الحرب على الإرهاب.[13]

مراجع ومصادر

[1] David Gordon, Review of the Book of Carl Schmitt, (The Review of Austrian Economics) Magazine Vol 6, No 1, 2000, p118.

[2]  Ari Hirvonen and ‏Janne Porttikivi, Law and Evil: Philosophy, Politics, Psychoanalysis, 2009, p123.

[3] The Crisis of Parliamentary Democracy (1923), trans. by E. Kennedy, Cambridge/MA: MIT Press, 1985, p26.

[4] عبد الرحمن عادل، العدو في المرايا: كارل شميت مسائًلا الحداثة، ضمن سلسلة بحوث مركز نماء للبحوث والدراسات، ص7 على هذا الرابط..

[5] كارل شميت، اللاهوت السياسي، ت: رانية الساحلي، ضمن سلسلة ترجمان 2018 ، ص11.

[6] م.د. محمد هشام رحمة البطاط، الفكر السياسي عند المفكر الألماني كارل شميت، ص120.

[7] كارل شميت، اللاهوت السياسي، مصدر سابق، ص34

[8] كارل شميت، اللاهوت السياسي، مصدر سابق، ص23.

[9] نقلًا عن ياسر الصاروط، مقدمة اللاهوت السياسي، المصدر السابق ص14.

[10] Kahn, P.W., 2011, Political Theology. Four New Chapters on the Concept of Sovereignty, New York: Columbia University Press, p.13.

[11] المرجع السابق، ص5.

ذو صلة

[12] الفكر السياسي عند المفكر الألماني كارل شميت، مصدر سابق، ص.120

[13] المصدر السابق ص132.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة