تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الإشعاع والخلايا: ماذا يحدث للخلايا التي تتعرض للمواد النشطة إشعاعيًّا؟

الإشعاع والخلايا
أحمد سامي
أحمد سامي

6 د

من المعروف أن الإشعاع الكارثي الذي نتج عن انفجار تشيرنوبل في الماضي، ما زال مؤثرًا في العالم حتى وقتنا هذا. وفي الواقع، إنه أمر لا يجب أن ننظر إليه إلا بعين الرعب تارة، والذنب تارة أخرى. اعتمد الاتحاد السوفييتي على سطوته في المنطقة، واعتزازه بالاشتراكية وروح لينين المرفرفة في أرجاء بيلاروس.

في النهاية، هذا نتج عنه كارثة إشعاعية غير طبيعية، عانى منها الكوكب لسنين، وما زال يعاني، وسيعاني لـ 24 ألف سنة من بعد انفجار المفاعل (وهو الـ Half Time أو نصف العمر الخاص بتشظي العناصر المشعة، وعلى وجه التحديد اليورانيوم). تم إنتاج مسلسل كامل يحمل نفس الاسم من إنتاج HBO، وجسّد الحادثة من وجهة نظر أمريكية، وكان الوضع مأساويًّا بحق.

الإشعاع والخلايا: شعلة من جحيم شيرنوبل!

ظهرت في المسلسل عناصر جذبتني شخصيًّا، منها التصاعد الدرامي والتمثيل والإخراج، لكن الذي لفت نظري بحق، هو الاهتمام الدقيق بتجسيد التدهور البيولوجي الذي طرأ على من تعرضوا للإشعاع بدرجات متفاوتة على مدار الكارثة. المسافة لها تأثير، كما أن قوّة الإشعاع في المصدر جزء من المعادلة، بالمجمل الوضع يستحق الدراسة، ويجدر بنا في أراجيك أن نلفت نظركم للمضار البيولوجية لفكرة الإشعاع بشكلٍ عام.

أي مكان آخر على الإنترنت (غير متخصص علميًّا) سيقول لكم إن الإشعاع يدمر الخلايا، يسبب السرطان، إلخ. لكن ما الذي دفع الخلايا لخلق ورم سرطاني من الأساس؟ حسنًا، هذا ما نحن بصدده اليوم.

أنا أحمد سامي، دارس للبيولوجيا أكاديميًّا، شغوف بالسرطانات، ودليل رحلتكم اليوم في أحشاء الخلايا!


الإشعاع والخلية الحيوانية


ممَّ تتكون الخلية؟!

بالطبع محور حديث اليوم سيكون الخلية الحيوانية على وجه التحديد، وذلك لكون الإشعاع يؤثر على الخلية النباتية بشكلٍ مختلفٍ، ولكون مثال اليوم الأكبر هو ما حدث في تشيرنوبل، ما حدث للبشر. ونحن حسب التصنيف؛ حيوانات. لذلك نتكون من خلايا حيوانية، والخلية الحيوانية أكثر تعقيدًا من تلك النباتية، خصوصًا أنها تحتوي على “مصانع كاملة” لإنتاج بروتينات تأخذ ألف شكل ولون، ولها تراكيب تبادلية معقدة للغاية تجعلها مثيرة للإعجاب، وأيضًا عرضة للفشل في أي لحظة.

إنها قاعدة عرفية، عندما يزيد الشيء عن حده في التعقيد، يصير من الصعب إحصاء كل مشكلة تحدث في الكيان الأكبر. وبالرغم من كون الخلية الحيوانية حاصلة على آليات دفاعية جبّارة فعلًا، إلا أن الإشعاع قادر على تخطي تلك الآليات، وإذابة مفعول القدرات الإصلاحية للمشاكل، ليجعل الخلية قنبلة موقوتة، لتدمر نفسها من الداخل مع الوقت.

تركيب الخلية الحيوانية

وهذا ما يدفعنا للتساؤل، ما الشيء القادر على كبس زر التفجير الذاتي في الخلايا الحيوانية؟

حسنًا، هناك عشرات الأشياء، منها الموت المبرمج للخلية مثلًا، لكن بالنسبة للإشعاع، فالكابس هنا ليس شيفرة محفوظة بداخل الخلية، بل اضطراب غير متوقع في ذرّات مكونات الخلية.

عند الهبوط إلى المستوى دون الخلوي، سنجد أن كل شيء مكون من عناصر، والعناصر مكونة من جزئيات، والجزيئات بدورها مكونة من ذرّات. والذرّة مكونة من إلكترونات، بروتونات، ونيوترونات. وكل شيء مما سبق مكون من كواركات، وما أصغر منها كذلك. لكن محور حديثنا اليوم هو الإلكترونات تحديدًا، وانحرافها غير المتوقع عن المسارات.

لكل إلكترون مسارات ثابتة بداخل مستوات الطاقة الذريّة خاصته، عندما يكتسب الإلكترون طاقة معينة، يرتفع إلى مستوى طاقة أعلى في الذرة، وعندما يهبط، يقوم بإطلاق الفوتونات، وهي صورة من الطاقة الخام (راجع كلام أينشتاين في هذه النقطة إذا أردت تفسيرًا أقوى). وبطبيعة الحال، لكل إلكترون كمية معينة من الطاقة لا يستطيع تحمل درجة أكبر منها، فإذا حدث واكتسب طاقة أكبر، سوف ينفذ من أسر جذب النواة الموجبة له، فبالتالي يصير دون رادع في المحيط الذي حوله، (إذا لم تلائمه طاقات مدارات الذرة).

عندما تفقد الذرة إلكترون، تصبح أيون، والأيون متفاعل للغاية مع أي شيء حوله، وهنا ننتقل إلى الاختلاف بين الأيون التقليدي، والأيون الناتج عن تأثير الإشعاع القوي.


ما الفرق بين أيون الإشعاع وأيون التبادل؟

الأيون هو أيون في كل الحالات، جزء من المادة قادر على التفاعل بعدائية شديدة، لأنه يفتقد إلى إلكترون يكمله. لكن في الحيوان، الأيونات يتم خلقها بواسطة تفاعلات كيميائية محددة ودقيقة، فإذا كان هناك أيون تم إنتاجه، يجب أن يأتي عليه وقت ويجد لنفسه إلكترون ليكتسبه، ثم يستقر. والإلكترون المفقود منذ البداية، سيأتي عليه وقت ويلتحق بأيون آخر يفتقد إلى إلكترون تم سحبه منه سابقًا أيضًا، وهكذا.

الإشعاع والخلايا: شعلة من جحيم شيرنوبل!

لكن الأيون الناتج عن الإشعاع فهو غير مبرمج له أن يقترن بشيء آخر لأداء وظيفة معينة، لقد اكتسب إلكترونه قوّة عملاقة فجأة جعلته ينفذ من الذرة بالإجبار، فبالتالي يتفاعل مع كل شيء وأي شيء حوله بعدائية شديدة، مدمرًا الوظائف الخلوية تمامًا. كما أن الإلكترون الذي نفذ من الذرة (قبل أن تصبح أيون مباشرة)، الآن يجول في أنحاء الخلية ليصطدم بأي ذرة أخرى، مدمرًا بنيتها الإلكترونية، ومكسبًا إياها طاقة هي لا تريدها من الأساس، فبالتالي يشرع “تفاعل متسلسل” في البدء، تفاعل الإشعاع القادر على تدمير الخلية (والخلايا المحيطة) بالتدريج.


ماذا يفعل الإشعاع في الحمض النووي؟

هل فهمتم جيدًا الذي قلناه منذ قليل؟ هل تداركتم أن كل المشاكل تأتي بسبب الأيون المتفاعل والإلكترون المتجول؟

حسنًا، الأمور على وشك أن تصبح أكثر جنونًا!

الإلكترون المتجول ينشر الطاقة أثناء سيره، والفوتونات الناتجة عن تلك العملية، تستطيع اختراق النويّة الخلوية (أصغر من النواة)، والدخول إلى الحمض النووي المزدوج – DNA المحفوظ بالداخل، فبالتالي يتم كسر الرابطة، وينتج عنها جزيء مشوَّه. الجزيء المشوَّه لا تدرك الخلية بسهولة أنه كذلك (وإذا أدركت، سيبدأ الموت المبرمج للخلية لحماية الخلايا المجاورة، لكن في حالة الإشعاع هذا لا يحدث في العادة)، فبالتالي تبدأ في مضاعفته بالآليات المعهودة التي هي مبرمجة عليها بالفعل.

وماذا يحدث عند مضاعفة الحمض النووي؟

أجل، بالضبط، تشرع الخلية في الانقسام مباشرة، معطية الحياة لخلية جديدة من صلبها.

الإشعاع والخلايا: شعلة من جحيم شيرنوبل!

لكن المشكلة هنا أن الخلية الجديدة تحمل الحمض النووي المعطوب للخلية الأولى، فبالتالي لا تستطيع التراصّ مع الخلايا الأخرى بطريقة جيدة تساعد على تبادل المعلومات والعمل على دعم استمرارية الكائن الحيّ. هنا هذا نعرِّفه في علم البيولوجيا بالسرطان يا أعزائي؛ انقسام خلوي مستطرد لا رادع له.

وعندما يكبر السرطان ويصير لدينا ورم، يشرع في أخذ إمداد دموي وغذائي جبّار من الجهاز الدموي، بعملية تعرف باسم (خلق الأوعية الدموية – Angiogenesis). وبموجب ذلك يضعف الجسم ويصيب المرء الهزال، بينما يكبر الورم ويتضاعف بشكلٍ مرعب.

وبالطبع السرطانات بأنواعها تختلف، وأشهر سرطانات الإشعاع هو سرطان الجلد. وهذا السرطان على وجه التحديد يصيب الخلايا القاعدية – Basal Cells، والتي تكون في الطبقة السفلية، فوق الأوعية الدموية مباشرة، والتي فوقها تتراص كل طبقات الجلد، ومنها يتم تجديد الجلد. فبالتالي إذا أصابها السرطان، سيكون من المستحيل تجديد الجلد بشكلٍ طبيعيّ، فبالتالي نجد ما أظهره مسلسل تشيرنوبل بشكلٍ مفجع؛ قرح الفراش المرعبة للذين تعاملوا مع الإشعاع مباشرة ونقلوا ركام المفاعل وحاولوا إخماد حريقه بالمياه.. يا لهم من مساكين..

السرطان بالطبع لا يجلس في محلّه للأبد، دائمًا ما يشرع في الانتقال إلى مناطق أخرى بالجسد، مسببًا أنواعًا أخرى من السرطان، في ما يعرف بالانتشار السرطاني – Metastasis، لكن هذا ليس موضوعنا، فهو لجلسة علمية أخرى في أراجيك بلا شك.

ذو صلة

الإشعاع التشيرنوبلي نعاني من آثاره حتى وقتنا هذا، وسرطانات كثيرة حولنا هي بسبب مضار هذا الانفجار المأساوي، وإذا كنا تعلمنا شيئًا من تشيرنوبل، فحريّ بنا أن نكون قد تعلمنا أن المواد المشعّة ليست لعبة.

اقرأ أيضًا: هل يتطلّب الأمن القومي أن تخفي الحكومات الكوارث عن شعوبها؟ تشيرنوبل ليست النموذج الوحيد!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة