تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

روايات تدق نواقيس الخطر لتحمينا: ترشيحات أراجيك للقراءة في شهر مارس 2021

روايات تدق نواقيس الخطر لتحمينا ترشيحات أراجيك للقراءة في شهر مارس 2021
نزار الحمود
نزار الحمود

7 د

لا يتوانى الأدب عن محاولة تفكيك ألغاز الكائن البشري، فلم يقتصر عمله على حفظ الذاكرة البشرية وحسب، بل حاول مرات ومرات بأن يتنبأ في مستقبلنا كبشر، الحكايات والأدب لا تحكي حاضرًا أو ماضيًا ويصيبها الخرس، بل إنها تكثف عظمتها في كثير من الأحيان لتخبرنا عن حكاية لم تحصل بعد، حكاية اعتمدت في بنائها على عوامل حاضرة. يدرس الأدب “الآن” ويرمي بتوقعاته ليعرف ما يحمله الغد.

اقرأ أيضًا:

الحكايات الشعبية في الأدب نبتت من الخيال لتسكن الخيال!

ها أنا، ودون وعي مني أدافع مرة أخرى عن الأدب، لأعطي ميزة إضافية هنا، ليعلمنا بالخطر قبل وقعه، تمامًا كصافرة إنذار يتردد صداها في العالم لينذرك عن خطر اقترب، ليصبح الكاتب أبًا أو أمًا روحيًا للكائن البشري.

أتكلم هنا عن أدب الدستوبيا – Dystopian Literature، عن الأدب الذي يصيح في وجهنا ليحمينا، ليكون الكاتب الذي قرأ الحاضر، واستطاع أن يسرع الوقت في صور محكمة، ينادينا لنركب معه إلى بر الأمان، فهل من مستجيب؟

روايات فريدة من أدب الدستوبيا

من أدب الدستوبيا روايات تدق نواقيس الخطر لتحمينا

روايات من أدب الدستوبيا تدق نواقيس الخطر لتحمينا: ترشيحات أراجيك للقراءة في شهر مارس 2021

قد تكون الرواية الأشهر في هذا النوع الأدبي هي رواية 1984 للكاتب جورج أوريل، التي نشرت في 1949، هنا أحاول تقديم روايات دستوبية فريدة، فإن كنت من محبي هذا النوع الأدبي، أنصحك بقراءة هذه الروايات، وإن كانت تجربتك سيئة نوعًا ما، فأدعوك أن تحاول مرة أخرى مع هذه الروايات، علها تنال إعجابك.

جورج أورويل

كاتب بريطاني أثرى المكتبة العالمية بأجمل الروايات السياسية الناقدة، حيث برز من خلالها وعيه السياسي للواقع المرير الذي عاصره.
جورج أورويل

كواليتي لاند – مارك أوفه كلينغ


“هل فكرت يومًا، بأنه قد يكون من النعم، أن لا يعرف المرء تفاصيل شيء ما؟ بأننا نحتاج أحيانًا إلى تلك المساحة من الحرية، التي يمنحنا إياها المجهول؟ أعني، هل يمكننا أن نكون أحرارًا حقًا، إذا تم قياس وتحديد كل شيء في حياتنا بدقة؟ كيف يكون الحال، إن عشنا في عالم مرتب بدقة، ولكن بشكل خاطئ؟”.

أكاد أذكر أول مرة ذكرت فيها حاجتي لشراء شيء ما، وعندما ظهر لي ذلك الشيء في إعلان مدفوع على فيسبوك، لم أصدق حقًا أن تكون تلك مصادفة، ولكني لم أكن أعلم بأن هذا الحدث سيتكرر مع كل رغبة لي في شراء منتج أو تعلم شيء أو من خلال حديث عابر عن شيء ما. لا تظهر هذه الإعلانات مرة واحدة، بل تلعن نهارك وليلك وتظهر أمامك في كل يوم مرات ومرات! لتكره نفسك وتكره المنتج وتلعن الساعة التي فكرت بها في شراء شيء ما.

تخيل لو تتطور الأمر لتصبح تلك الخوارزميات الملعونة تقرر الشراء عنك، تخيل أن يصلك ما تظن الخوارزميات أنك تحتاجه، هي لا تظن عفوًا منها، بل تعرف أنك تحتاجه وتوفره لك دون طلبه. هكذا سيصبح العالم يومًا ما.

كواليتي لاند رواية من تأليف مارك أوفه كلينغ جمعت الدستوبيا والسخرية والخيال العلمي في قالب واحد. العالم في أرض الجودة مختلف قليلًا عن عالمنا الحالي، أصبح القرار معدومًا، فالخوارزميات والبيانات هي التي تقرر عنك وتعرفك أكثر منك، الخوارزميات موجودة الآن ولها سلطة كبيرة حاليًا، ولكنها -وبحسب كلينغ- ستقرر عنا في المستقبل.


روايات تدق نواقيس الخطر لتحمينا: من أدب الدستوبيا غلاف كواليتي لاند تأليف مارك أوفه كلينغ

تمشي أحداث الرواية مع بيتر العاطل عن العمل (هذا اسم بيتر واسم عائلته، فنظام الأسماء تغير بعض الشيء) وتتصاعد حين يصل بيتر منتجًا لا يريده، ويريد إرجاعه، ولكن كيف للخوارزميات أن تخطئ! هذا مستحيل.

تتداخل أحداث عديدة فنرى فن مارك-أوفه كلينغ في صناعة عالم له قوامه الخاص، فنرى الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي للكواليتي لاند هذه.

عندما كتب أورويل رواية 1984 كانت رواية عن المستقبل، نظرًا لأنه قام بكتابتها في 1949، ولا نزال لا مبهورين من دقة أورويل في توقع المستقبل. هل سيفعل كلينغ الشيء ذاته: هل كتب كلينغ 1984 أخرى؟ هذه رواية ممتازة، مختلفة.


هيا نشترِ شاعرًا – أفونسو كروش

أفونسو كروش، هذا الحكاء الماهر، الذي يرفض أن يكتب شيئًا اعتياديًا. قد لا يكون أدب كروش مستساغًا في البداية، إلا أن عاملًا خفيًا يمنعك من قذف أي من رواياته بغضب في الهواء.

هيا نشترِ شاعرًا تحكي عن عالمٍ أصبحت المادة فيه كل شيء، تجردت الدنيا من أي عنصر حسي وعاطفي، وصار لكل شيء مقدار موزون، تخلى عالم كروش الافتراضي عن العاطفة والفن والثقافة، فأصبح الشعراء والرسامون والفنانون سلعة تباع وتشترى.

يكتب كروش نقدًا لاذعًا لبلاد همّشت الأدب والثقافة، ظنًا بأنها لا تعود على المجتمع إلا بحالة لحظية تأجج مشاعر الإنسان لفترة محدودة، ولا مكان لها في عملية الإنتاج المادي، فكيف لنا أن نستفيد ماديًا من الشعر والأدب؟


روايات تدق نواقيس الخطر لتحمينا: من أدب الدستوبيا رواية هيا نشتر شاعرًا تأليف أفونسو كروش

كروش يعالج موضوعًا هامًا في روايته الساخرة هذه: صناعة الثقافة. للثقافة عائد مادي مهم على أي دولة لو تم توظفيها بالشكل المطلوب، لذلك يأخذ كروش هذا الأمر بطريقة فعلية، أن يكون العائد المادي من الفن والثقافة من خلال بيع الرسامين والفنانين والشعراء.

الرواية تحكي قصة فتاة ترغب باقتناء شاعر، لأن الشاعر لا يكلف كثيرًا، كما أنه لا يقلب الدنيا رأسًا على عقب كالرسام والنحات مثلًا. من هذه الفكرة ينطلق كروش محاولًا بيان أهمية الأدب والفنون في حياتنا، فهي لو وظفت جيدًا، لكان لها عائدٌ مادي، تمامًا كأي سلعة تباع وشترى.

يصرخ كروش من خلال هذا النص صرخة عالية في وجه الحكومات، التي إن شعرت بعجز في موازنتها، خفضت أول ما تخفض من مخصصات وزارة الثقافة، كونها بالطبع، لن يكون هناك عائد مادي من الادخار المخصص لها.

كيف سيكون العالم إن مات فيه الشعر، وسكت الأدب، كيف سيكون البشر إذا أصبح كل شيء ماديًا، وهل سيتغير عالم الفتاة وتلك العائلة عندما يمتلكون شاعرًا في بيتهم؟ أنصحكم بقراءة كروش، عوالمه غريبة، وخياله لا ينضب.

اقرأ أيضًا:

بعيدًا عن الروايات، أفضل الكتب غير الخيالية في عام 2020


فهرنهايت 451 – راي برادبري

هذه الرواية ثقيلة على الصدر، لا أعني ذلك أنها مملة، لكن هي نوع الثقل الذي يشدك إلى الأرض؛ أقرب إلى الحقيقة (كثقل كونديرا). يكتب راي برادبري هذه الرواية في عالم تغيرت موازينه.

راي برادبري

راي برادبري أحد أشهر الأدباء الأمريكيين والذي قدم أعمالًا كثيرة من قصص قصيرة ومسرحيات وروايات، وأشهرها روايته Fahrenheit 451 التي نُشرت في عام 1953.
راي برادبري

451 فهرنهايت هي درجة الحرارة التي يحترق عندها ورق الكتاب، وفي عالم برادبري، رجال الإطفاء هم المسؤولون عن ذلك. انعكست الأدوار، فبدلًا من أن يخمد رجال الإطفاء النيران بخراطيمهم، أصبحت ذات الخراطيم تبخ الكيروسين عوضًا عن مادة تروض النار المشتعلة.

برادبري كتب روايته 451 فهرنهايت في 1953، متصورًا عالمًا ينشأ على سعادة مبنية على جهل، وأي أرضية خصبة ليزهر الجهل فيه أفضل من بيئة بلا كتب، من مجتمع لا يقرأ.

اللغة في هذه الرواية لغة شاعرية حقًا، استطاع برادبري أن يكون نسيجًا لغويًا عذبًا في رواية تحكي عن إبادة الكتب وحرقها ومنعها، ربما كان لهذا طعمًا مختلفًا حقًا، طعمًا أضاف إلى الرواية شيئًا مميزًا، فلم تكتب الرواية بهذه اللغة عبثًا أو استعراضًا، كانت اللغة بطلًا من أبطال الرواية.


روايات تدق نواقيس الخطر لتحمينا: من أدب الدستوبيا رواية فهرنهايت 451 تأليف راي برادبوي

دعونا نخوض بعنوان الكتاب من الناحية العلمية قليلًا، فدرجة الحرارة 451 فهرنهايت، هي درجة الحرارة التي يحترق عندها الورق دون التعرض إلى اللهب بشكل مباشر أو ما يعرف علميًا بـ Auto Ignition. أثارتني جدًا تلك الدرجة الأحادية التي تتجاوز الـ450 درجة فهرنهايت، كأنها القشة التي قسمت ظهر البعير، كأن الورق ضاق ذرعًا، لتأتي درجة فهرنهايت إضافية، فتجهز عليه.

هذه رواية بديعة، يطول الحديث عنها، ولا بد أن نتحدث عنها في مقال منفصل، حتى ذلك الحين، اقرأوا الكتب، فهي طوق النجاة، وهي أداة المعرفة الأكثر كرمًا.

في النهاية، روايات أدب الدستوبيا تتصف بالسوداوية الشديدة، حتى وإن كانت ساخرة كترشحي كواليتي لاند وهيا نشترِ شاعرًا، إلا أنها تدق نواقيس الخطر محذرة إيانا، نحن بنو البشر من شر قريب، وإن طال وقوعه، فهو قريب.

ذو صلة

لك أيضًا:

سلطة الكتب: تطبيق عملي مع كونديرا والعلاج النفسي الوجودي!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة