تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

بين مفترق طرق النساء: الحتمية النفسية وتأثيرها على اختيارات بطل رواية الطريق

غلاف رواية الطريق
شيماء العيسوي
شيماء العيسوي

6 د

رواية الطريق هي إحدى أشهر روايات نجيب محفوظ نُشرت الطبعة الأولى منها عام 1964. حُولت فيما بعد إلى فيلم من بطولة رشدي أباظة وشادية وسعاد حسني. تدور أحداث الرواية حول شخصية صابر الريحمي الذي تكشف له أمه قبل موتها بساعات حقيقة أبوه الذي لم يمت. يبدأ صابر في البحث عنه كطريقة لتحقيق “السلام والحرية والكرامة“. في أثناء بحثه يتعرف على امرأتين إحداهما إلهام التي تمثل الخير المطلق والأخرى كريمة وتمثل الشر والإغواء المطلق. يجد صابر نفسه أمام مفترق طرق يجب عليه أن يختار أحد الطريقين؛ فماذا يختار صابر إذاً؟


التحليل النفسي لاختيارات بطل رواية الطريق

رواية الطريق طبعة مكتبة مصر

كيف أثرت الحتمية النفسية على اختيارات صابر الريحمي بطل رواية الطريق للكاتب نجيب محفوظ؟

نجيب محفوظ

نجيب محفوظ مؤلف وكاتب روائي عربي، له العديد من الروايات المشهورة والمترجمة إلى عدة لغات. وهو العربي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل للآداب.
نجيب محفوظ

في البداية يجب تعريف مصطلح مهم في التحليل النفسي؛ الحتمية النفسية : “وهي مبدأ تبنى عليه العلوم، أن كل الظواهر لا تحدث مصادفةٍ ولكنها محتومة. فلكل شيء أسبابه ومقدماته التي أدت إليه” أيد فرويد هذا المبدأ واستعان به كثيراً ودلل على صدق انطباقه على الوقائع النفسية المختلفة. بمعنى أن لكل فعل يقوم به الإنسان دلالة نفسية ومعنى يمكن تفسيره. لا يقوم الإنسان بأي شيء بشكل عبثي، حتى الهفوات والأخطاء لها معنى ودلالة لاشعورية.

صابر الرحيمي بطل رواية الطريق للكاتب العالمي تجيب محفوظ: هو الابن المدلل لبسمية عمران القوادة التي هربت من زوجها مع “شخص من الطين” على حد وصفها، بسيمة كانت تعامله على أنه أحد ممتلكاتها وعبرت عن ذلك بقولها أنه تم مصادرته منها عندما صادرت الحكومة أموالها. ربت بسيمة صابر في حياة بمعزل عن حياتها الليلية القذرة ووفرت له كل سبل الراحة اعتماداً على أموالها حتى أن صابر لم يخجل أو يبدي أي ضيق أمام أمه من طبيعة عملها.

إذاً صابر الريحمي تمت تربيته بدون أب وأم قوادة، أي نوع من الشخصيات قد ينتج من بيئة أسرية تربوية مثل تلك البيئة؟ ينتج عنها صابر الرحيمي، الشاب المدلل غير المتحمل للمسؤولية، الذي يريد أن تعطيه الحياة كل المنافع والمميزات بلا مجهود منه. لذلك كان طبيعياً أن يختار صابر القتل بالرغم من بشاعته ليحصل على المال بأسهل صورة، الأسهل من العمل أو البدء في أحد المشاريع كما اقترحت إلهام هو المال السهل الذي ستورثه كريمة من موت زوجها.

فيديو يوتيوب

لكن عندما أتيحت الفرصة لصابر في حياة “كريمة” لماذا كرر نفس نمط أمه مرة أخرى، واختار كريمة بكل ما تمثله من شر وما يحيط بها من مخاطر؟

صورة غلاف فيلم الطريق - صابر الريحمي

ملصق دعائي للفيلم المقتبس عن رواية الطريق للكاتب نجيب محفوظ.

صابر الريحمي وطريق كريمة

لماذا اختار صابر طريق كريمة ولم يختر طريق إلهام؟ يمكن تحديد التفسير، كما يلي:

أولاً – وفقاً لنظرية التحليل النفسي: فإن الطفل يتوحد مع الجنس المماثل من الآباء في سن ثلاثة إلى خمس سنوات حتى يتشبع الطفل بالدور الاجتماعي الذي يلعبه في باقي حياته، أما في حالات الخلل والمرض فيتوحد الطفل مع النموذج المغاير، بالتالي يؤثر ذلك على ميوله الجنسية أو شخصيته. هذا ما حدث مع صابر فإنه توحد مع الأم، فهي منذ صغره تُمثل مصدر الأمان المادي والاجتماعي والنفسي.

لذلك عندما خُير صابر بين امرأتين اختار كريمة، تلك التي على صورة أمه. وفي الواقع كريمة أيضاً لها ميزة أخرى وهي أنها مثل كل النساء التي عرفها صابر فى حياته، تشبه جماعته المرجعية فكريمة امرأة لعوب خائنة لزوجها وهي النمط المعتاد عليه صابر في حياته.

 ثانياً – المرأة التي ربته في الأساس غير مؤهلة تماماً أن تكون مسؤولة عن طفل: فالأفكار التي زرعتها فيه من صغره أفكار معادية للمرأة فمثلاً يتذكر صابر جملة كانت ترددها أمه لهدوماً “اعشق كل يوم امرأة، ولكن لا تجعل لأحدهن سلطان عليك”.

بسيمة عمران زرعت في صابر الريحمي معاملة المرأة على إنها سلعة للعشق فقط لا تتحكم به، فهي في مكانة أقل منه. لذلك بشكل تلقائي عندما يوضع في موضع الاختيار بين امرأتين سيختار الساقطة وليس المرأة المكافحة الشريفة التي قد تتساوى معه أو تتفوق عليه أحياناً. كانت بسيمة نفسها متوحدة مع وجهة النظر الذكورية وتنظر للمرأة من منظور الرجل وتحتقرها كما يحتقرها الرجال.

يصف صابر الريحمي بطل رواية الطريق لكاتبها نجيب محفوظ النساء على أنهم: “سلسلة من المخلوقات الوحشية الفانية الباحثة عن الغرام”، في حقيقة الأمر عندما يصف صابر النساء بهذا الوصف فهو ضمنياً بشكل لاشعوري يصف أمه تحديداً. في حين يصفها صابر بشكل شعوري طوال الرواية أنها: “ملكة متربعة على عرش يخدمها الجميع” أي إنها نموذج سلطوي متحكم في الآخرين كما تتحكم فيه شخصياً وفي قراراته وأفكاره. حتى لفظ “سلسلة” فهو دلالة على التتابع والتسلسل بين كريمة وبسيمة وكأن كريمة هي امتداد لبسيمة. لكن عندما تخلص صابر من نموذج أمه المتحكم، لماذا إذاً يصر على اتباع نفس النموذج مرة أخرى؟


صابر الريحمي وطريق إلهام

غلاف رواية الطريق للكاتب نجيب محفوظ - صابر الريحمي

غلاف رواية الطريق للكاتب نجيب محفوظ.

لماذا لم يختر صابر طريق إلهام واختار طريق كريمة؟

تعرف عقدة الدونية على أنها: “شعور الفرد بالنقص في جانب أو كل الجوانب سواء العضوية أو النفسية أو الاجتماعية مما يؤثر على سلوكه. في بعض الحالات يدفع ذلك الفرد لتحقيق ذاته والنجاح أو يدفعه بشكل سلبي للتعصب أو الجريمة”.

إذاً وفقاً لـ Alfred Adler – ألفرد أدلر أحد أهم مؤسسي التحليل النفسي الكلاسيكي، فإن جميع الأشخاص لديهم قدر معقول من عقدة الدونية، عندما يؤثر هذا القدر على حياة الإنسان بالسلب في قراراته هنا يتحول إلى اضطراب.

بناءً على ذلك، فإن عقدة الدونية عند صابر الريحمي حددت الكثير من اختياراته، فكانت تلك العقدة مرتفعة ووصلت لذروتها عندما تعرف على إلهام، فإلهام فتاة مستقلة ناجحة ذات خلق عاشت نفس ظروف صابر مع والدها. هي أيضاً تخلى عنها والدها لكن مع ذلك اعتمدت على نفسها في تحقيق ذاتها بمساعدة أمها حتى أصبحت ناجحة وجديرة بالاحترام.

مثلما في البداية لفت نظر صابر إلى إلهام بسبب التناقض في شكلها فهي سمراء البشرة زرقاء العين، كذلك وجد صابر نفسه في ثنائية وجدانية تجاه إلهام، وجهان لعملة واحدة:

  • الوجه الأول – معجب ومنبهر بها وبنقائها.
  • الوجه الآخر – يكرهها ويكره نجاحها واعتمادها على نفسها ونجاحها فيما فشل هو به.

هذه الثنائية هي ما عذبته وجعلته غير قادر على الابتعاد عنها ولا الاقتراب منها. كيف يمكن للشخص أن يختار شخصاً -وبالطبع ما يمثله هذا الشخص من مُثل وقيم- وهو لديه هذا الكم من اضطرابات المشاعر تجاهه؟ هل في وجهة نظر صابر اللاشعورية يريد أن يكون مع شخص أفضل منه ويشعره دوماً بخسته وخسة أصله وما عايشه من ماضي دنيء مع أمه؟


مفترق الطرق في رواية الطريق للكاتب نجيب محفوظ

في رواية الطريق بالغ نجيب محفوظ في إظهار طهارة ونبل إلهام ليكون حجة على صابر. فكانت كالملاك معه فلم تستنكر أياً من ماضيه الذي حكاه صابر عن نفسه، هذا بالإضافة إلى أنها لم تتخلَّ عنه حتى بعد معرفتها بجريمته بل وكلت بنفسها محامي للدفاع عنه. كل تلك الأفعال كانت ذريعة لكره صابر لإلهام بشكل لا شعوري. كون إلهام بهذا الدعم والنقاء تكون قد حققت لصابر نموذج الأم السوية التي لم يحصل عليها، مع ذلك لم يخترها بسبب إحساسه الداخلي بعدم الاستحقاق لوجود أم سوية في حياته.

صابر الريحمي في الحقيقة كان يحاول بشكل شعوري أن يتخلى -على حد قوله- عن ماضيه الملوث بالدعارة والجريمة في مقابل مستقبل مليء بالكرامة والحرية والسلام، ولكن ما حدث بالفعل أن مكوناته ومحركاته اللاشعورية سحبته مرة أخرى لحاضر ملوث بالجريمة أكثر من ماضيه. فقد يكون عبر صابر شفهياً أكثر من مرة عن رغبته في التخلي عن حياة أمه، ولكن عندما اختار صابر طريقاً اختار الطريق المطابق تماماً لطريق أمه.

ذو صلة

لك أيضاً:

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة