تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

مع رحيل د. نوال السعداوي: هل عبرت حقًا عن الوجه العاري للمرأة العربية؟

الوجه العاري للمرأة العربية - نوال السعداوي
أماني محمود
أماني محمود

9 د

بدأت د. نوال السعداوي مشوارها مع مناصرة حقوق المرأة العربية، منذ أن كانت طفلة بعمر الخمس سنوات، وتعرضت لعملية ختان قاسية، وعندما أصبحت طبيبة رأت أن عملية الختان تكون أكثر قسوة ووحشية للفتيات بالسودان، وبالطبع هذا يؤثر بدوره على نفسية الفتاة فيما بعد وعلى حياتها الجنسية كذلك. من هنا بدأت في توعية الفتيات بحقوقهن، وبدأت آراؤها تصدم المجتمع، في كتاب الوجه العاري للمرأة العربية والمترجم إلى الإنجليزية تحت عنوان The Hidden Face of Eve: Women in the Arab World تستعرض نوال السعداوي أهم الأفكار المؤمنة بها بشأن المرأة.. فهل نجحت فعلًا في عرض الوجه الحقيقي لقضايا المرأة العربية؟


أهم أفكار كتاب الوجه العاري للمرأة العربية

نوال السعداوي

يعد كتاب الوجه العاري للمرأة العربية والصادر في عام 1974 تحليل لأهم أوضاع ومظاهر اضطهاد المرأة في العالم العربي بما يؤثر على حركة التنمية المجتمعية ككل، فتقول فيه:


“التضامن بين النساء يمكن أن يكون قوة قوية للتغيير، ويمكن أن يؤثر في التنمية المستقبلية بطرق إيجابية ليس فقط للمرأة وإنما أيضا للرجال”.

نوال السعداوي

نوال السعداوي هي طبيبة وكاتبة وروائية مصرية، مدافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام وعن حقوق المرأة بشكل خاص كما اشتهرت بمحاربتها لظاهرة ختان الاناث.
نوال السعداوي

البنت للمنزل والولد للتعليم

تحكي نوال قصتها وهي طفلة، وكيف كان يتم تمييز أخيها عليها في اختيار الملابس والهدايا والحرية في الخروج من البيت، على الرغم من أن والديها كانا يقولان إن لا فرق بين الولد والبنت، إلا أنها كانت تلاحظ هذا الفرق بين الحين والآخر، وظلت طوال الوقت تحاول إثبات أنها الأفضل، حتى دخلت كلية الطب لإثبات تفوقها.

وهي حكاية تتكرر غالبًا في معظم البيوت العربية فما هي إلا تفضيل بلا أي مغزى، فعندما كانت تسأل والديها لماذا أخي يحظى بامتيازات أكثر مني برغم تفوقي، فكانت الإجابة “هو كده؟!” وهذا ما كان يستفزها ويجعلها تبحث أكثر عن سبب تلك التفرقة التي بلا معنى!


إزيس وزيوس أم حواء وآدام.. الأفضلية لمن؟

لإثبات من له الحق في التمييز، يبدأ كتاب الوجه العاري للمرأة العربية للكاتبة نوال السعداوي بقصة الأسطورة المصرية القديمة إزيس وزيوس، وبدون الدخول في تفاصيل القصة، فإن إزيس المرأة هي الأنثى الإله التي تعبر عن المعرفة:


“ومن يقرأ قصة إزيس وأوزوريس يرى أن إزيس كانت تقوم دائمًا بالفعل والعمل والخلق، بل إنها كانت تُعيد خلق وبناء ما قد يَهدمه الرجال من أمثال توفون، إن توفون كان يرمز إلى كل ما هو غير نافع وغير عاقل وغير مرتب”.

تريد الكاتبة من خلال هذه القصة إثبات أن المرأة كانت في قديم الأزل هي الخالقة والفاعلة، والرجل كان مفعولًا به -وسنشرح هذا بالتفصيل- فهنا نريد دحض نظرية التمييز بين الرجل والمرأة، فكيف وأن إيزيس وحواء كانتا أذكى وأعلى شأنًا من الرجل نفسه.

واستندت الكاتبة على نصوص من التوراة، أن حواء هي من جعلت آدم يأكل من الشجرة، وكيف كانت صاحبة المعرفة والعقل والذكاء، وأن آدم لم يكن إلا أحد وسائلها لتحقيق هذه المعرفة وتجسيد هذا الخلق. 

سواء كنت تتفق أو تختلف مع هذه الرواية هذا ليس المهم، ولكن المهم أن بداية الكتاب هذه تأخذنا لمنحنى مختلف وهو: هل من الضروري أن نثبت الأفضلية لأحد الجنسين، خاصة وأن جزءًا كبيرًا من الكتاب سيأخذنا في عصور تاريخية مختلفة ليحكي لنا عن وضع المرأة منذ بداية الخليقة، فهل لإثبات الأفضلية علاقة مع فكرة الدفاع عن المساواة بين الجنسين وعدم التمييز أم العكس؟


حواء من آدم أم آدم من حواء؟

هذا الشق الآخر الذي تطرحه الكاتبة نوال السعداوي ضمن صفحات كتابها، والذي أيضًا يأخذنا في منحنى آخر عن تكون المرأة، فالبعض يرى أن هذه مغالة فكرية، في أن نتناقش من جاء من ضلع الآخر، ونترك صلب القضية الأساسية وهي المرأة نفسها، ولكن ترى نوال السعداوي أن من الضروري أن نعلم من جاء أولًا، لأن هنا تكمن الأفضلية ويكمن الذكاء والقوة! وللأسف نرجع من حيث ما بدأنا فكيف لنا أن نناصر المرأة في حقوقها ونساويها بالرجل ونحن في نفس الوقت نفضله عليها، فما زال الميزان مائلًا!

الوجه العاري للمرأة العربية

غلاف كتاب الوجه العاري للمرأة العربية لمؤلفته د. نوال السعداوي

اقرأ أيضًا:


المرأة ما قبل الأديان السماوية

ترى الدكتورة نوال السعدوي أن المرأة كانت مُكرمة ولها الولاية والسلطة من قبل ظهور الأديان السماوية والممثلة في اليهودية والمسيحية والإسلام. ومن بعد ذلك ظهر التسلط الذكوري الذي منحه الدين إذ وضع للذكر حقوقًا أكثر وسلطة أكبر على المرأة، على الرغم من أن المرأة كانت هي الإله، وكان لها سيطرة ونفوذ في قديم الأزل، وكانت تتمثل في التماثيل أكثر من الرجل، ويتم تقديرها واحترامها ويكون الرجل راكعًا لها تقديرًا لما تقدمه.

تضرب الكاتبة أمثلة عدة بحضارة مصر القديمة وبقبائل من أفريقيا وآسيا، المرأة وقتها كان لها الحرية الجنسية كالرجل تمامًا، ففي بعض القبائل كانت ترتبط أكثر من رجل، وزوجها كان يرتبط بأكثر من امرأة، وقبائل أخرى كانت تعتبر الرجل أنه وسيلة للتخصيب، وكانت المرأة هي الملكة تختار ومن ثم يُقتل من أنجبت منه لأن مهمته قد انتهت، وبالنسبة للحضارة المصرية القديمة فالأطفال كانوا ينسبون للأم، وفي الميراث كان الابن لا يرث فالأولوية للأخت الكبرى، وبعض القبائل العربية قبل دخول الإسلام في الجاهلية كان الرجل ينسب لأمه أيضًا.

كل هذا تم تغييره بدخول الدين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، أن عقيدة التوحيد لم تبدأ من عند أخناتون كما ذكرت الدكتورة نوال ولم يستلهمها موسى عليه السلام من الحضارة المصرية القديمة، وإنما عقيدة التوحيد بدأت منذ ظهور آدم على الأرض، وخرج بعده مئات الرسل، الذين مشوا على نفس المنوال.

وأيضًا لم تكن المرأة تعيش بكامل حريتها في العصور السالفة، كما ذكرت نوال السعداوي، ففي الحضارة المصرية القديمة كان القانون الإلهي فيها لا يعطي الحق للمرأة في أن تحكم مصر، فحتى الملكة حتشبسوت وهي أطول الملكات حكمًا بمصر، كانت تُرسم على الجدران بهيئة رجل، وكانت في الحكم فقط لأنها كانت الوصية الوحيدة على ابن زوجها الرضيع تحتمس الثالث، وعندما أصبح شابًا تركت الحكم مكرهة، ومسح كل شيء يذكر اسم حتشبسوت واستعيض عن التماثيل التي تمثل شخصيتها بصور الملك الذكر زوجها المتوفي تحتمس الثاني، وقام الشعب بتدمير آثارها، رغم كل الإنجازات التي حققتها في التشييد والبناء، والذي تم اكتشافه فيما بعد، أما الملكات الأخريات اللاتي حكمن مصر فقد جلسن على العرش في عصور ضعف، ولم يمسكن الحكم سوى سنوات معدودة.

وفي الجاهلية قبل ظهور الإسلام كانت يتم وأد النساء، ويُنظر إليهن على أنهن نذير شؤم، فما الميزة التي حصلت عليها المرأة إذا كان الطفل ينسب لها وهي تضطهد وينظر إليها على أنها شؤم؟

أما الحرية الجنسية للمرأة، فقد ذكرت أن من ضمن أسباب تقديس المرأة سلفًا، أنها كانت تتميز عن الرجل بأنها تهب الحياة، وأنها تقف معه في الزراعة والصيد والعمل وفي نفس الوقت هي التي تلد الأطفال، وأن المرأة كانت تحظى بمقام الألوهية لمكانتها العظيمة، فكيف لهذه المكانة القدسية أن تعيش حياة جنسية متعددة ولا يمكن نسب الطفل لرجل بعينه؟! السؤال هنا سيكون هل من العدل أن في الوقت الذي نطالب به بنسبة الأطفال لأمهاتهن، أن نسلب نفس الحق من الرجل ومن الطفل على حد سواء؟ فتكون المرأة هي المتصدرة في حق الانتساب وحدها!


الرمزية الدينية في كتاب الوجه العاري للمرأة العربية

بالنسبة للكثير من الناس الذي يتهمون نوال السعداوي بأنها تهاجم الدين الإسلامي، وتقذف ثوابته، ففي هذا الكتاب سيتأكد القارئ أن نوال السعداوي لا تقلل من شأن الإسلام، لكنها تنظر لمسمى “الدين” نفسه على أنه المعضلة، فتعريف الدين في هذا الكتاب:


“الجزاء والطاعة والقهر والغلبة، وكلمة الدين بالإنجليزية مأخوذة من كلمة لاتنية الأصل وتعني الربط والقيد فخلاصة القول إن معنى الدين في أي لغة كانت يعني من الناحية اللغوية القيد والقهر وإحساس الشخص بوجود قوة عليا مسيِطرة عليه”.

ومن هنا بدأ الفكر الذكوري المتسلط في العالم، الذي ينسب للإله أنه ذكر، وقد حكت نوال أنها وهي صغيرة نهرها شيخها لأنها كانت تسأله لماذا يتكلم على الله على أنه ذكر، فلم يجيبها واكتفى بنهرها بقوة!


المرأة بين العصور القديمة والفكر الأبوي المتسلط

وبدأت تبحث وقد توصلت أن الأديان السماوية جميعها، كانت بداية لهذه السلطة الذكورية، وإعلاء كلمة الذكر على الأنثى، على الرغم من أن الأنثى كانت في مثابة الإله في العصور القديمة. غير أنها أضافت أن المرأة حظيت في حياة الرسول محمد عليه السلام بحقوق سُلبت منها اليوم، وأن التراث العربي والدين الإسلامي يحويان إيجابيات لمكانة المرأة يجب البحث عنها وتقويتها، وسلبيات يجب علينا أن نتركها بشجاعة وفهم!

ويجب القول أن رغم قوة حجج الدكتورة نوال في دفاعها عن حقوق المرأة، ودفاعها المستمر عن عدم تعنيف المرأة والتمسك بقضايا لحمايتها كنبذ الختان وتحريمه تمامًا، إلا أنها لم تكن موفقة بهذا الكتاب في تقديم حجج للآراء التي تقدمها في الشقين الديني والتاريخي؛ فقد كانت تدعم آراءها بأن الأديان بطبيعتها تميل للصفات والسلطة الذكورية على حساب المرأة، ومن ثم كانت الأدلة كلها كان التدخل الإنساني وحده هو أساس عدم المساوة، وهذا ما أكدته حينما ذكرت أن التراث العربي أو الإسلامي به الكثير من الإيجابيات التي فُقدت على مر العصور ويجب البحث عنها وتقويتها.

فمثلًا لم يتم الذكر في أي ديانة من الثلاثة أن الرب “ذكرًا”، فكيف جاءت النظم الطبقية الأبوية والسلطوية التي منحتها الأديان الثلاثة للرجل على حساب المرأة؟ والتربية المجتمعية التي أساسها التمييز بين الولد والبنت، هل كان أساسها الدين، أم لمجتمع تسرب داخله الجهل والفقر والمرض جعل القوي يفرض سيطرته على الضعيف؟ وهذا شيء لم تنكره الدكتورة نوال، أن الرجل استغل بنيانه القوي أيضًا على حساب المرأة، فهي فروق فسيولوجية لا دخل لأحد بها.

اقرأ أيضًا:


المرأة نصيرة نفسها أم المجتمع من ينصرها؟

نوال السعداوي

قراءة في كتاب نوال السعداوي الوجه العاري للمرأة العربية

ونقرأ في كتاب الوجه العاري للمرأة العربية لاحقًا أن مكانة المرأة في الحضارة المصرية القديمة بدأت في الانخفاض، فبعدما كانت تُرسم بجوار زوجها بنفس الطول والحجم، أصبح بعد ذلك حجمها يقل تدريجيًا.


“واستمر وضع المرأة منخفضًا في عصر الدولة الوسطى في الأسرة الحادية عشرة حتى الأسرة الثالثة عشر، وعصر الهكسوس، بسبب تفشي العبودية والظلم والإقطاع. ولم تسترد شيئًا من مكانتها الضائعة إلا في عصر الدولة الحديثة، بعد ثورة النساء والعبيد والشعب المصري القديم كله ضد الاستعماريين والإقطاعيين”.

وسلفًا حسب ما تعتقد الدكتورة نوال أن الدولة المصرية القديمة لم تقم على دين من ضمن الأديان السماوية، إذًا فضعف مكانة المرأة في هذه الحقبة كان سببه الأساسي اقتصادي وسياسي، ولا علاقة للدين فيه، على افتراض أن الدين الوحيد ينتمي إلى الآلهة التي صنعها المصريين القدماء والتي تتمثل في هيئة النساء تقديرًا لهن، ولكن مع ذلك كان للمستعمر وهم “الهكسوس” التأثير الأساسي في إضعاف الدولة ومن نواحي عدة ومن ثم تضعف مكانة وقيمة المرأة، لأن قيمة المجتمع نفسه تهالكت بسبب قوى المستعمر الخفية في التخريب، وعندما أفاق المجتمع من غيبوبته تعاظم دور المرأة من جديد واستطاعت أن تبدي رأيها.

وهذا بالفعل ما حدث قبل وبعد ثورة يناير، فتعبير المرأة عن نفسها بعد ثورة يناير وحتى اليوم يختلف تمامًا، فقد حدثت انفراجة واستطاع النساء اليوم أن يتكلمن عما كان مسكوتًا عليه من قبل، بفعل مجتمع ضاغط وظروف حياتية مستنزفة.

ذكر كتاب الوجه العاري للمرأة العربية عدة قضايا أخرى، كحق المرأة في الإجهاض، وحق المرأة في العمل، وغيرهم، ولكن حاولت تقديم الرؤية العامة لنظرة نوال السعداوي للمرأة العربية، والنقاط الأكثر جدلًا.

ذو صلة

“وأول مبادئ الإسلام هي أن يستخدم الإنسان عقله، ويُفكر فيما حوله من مظاهر ومشاكل بحرية وصدق، وهذا هو ما حاولت أن أفعله وأنا أكتب هذا الكتاب”.

فسواء اختلفت أو اتفقت مع هذه الآراء، فإن نوال السعداوي هي مجموعة من الأفكار قد ترفض بعضها وتقبل الآخر، ولكن ستظل أفكارها مطروحة على الملأ لا يمكن إخمادها بنظرية لا نسمع لا نتكلم لا نرى، ولا يمكن أيضًا أخذها كمسلمات ندافع عنها دفاعًا مستميتًا! هي مجرد أفكار قابلة للمناقشة وقابلة للتفنيد وقابلة للإقناع أيضًا.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة