تريند 🔥

🤖 AI

الإذعان الثالث والضلع الآخر للموت: حقيقة الموت في أول قصتين للكاتب ماركيز

yara abozeid
yara abozeid

5 د

تأثرًا بأسلوب ماركيز سأبدأ من النهاية، بمجرد ما أنهيت قراءة قصتي “الإذعان الثالث” و”الضلع الآخر للموت” من القصص القصيرة الكاملة لماركيز تذكرت اللحظات التي شعرت بها بشلل النوم يجثم على صدري وضاعفت ذلك ألف مرة لأتخيل ماذا فكر ماركيز حين كتب هاتين القصتين.


حقيقة فكرة الموت في قصص ماركيز القصيرة

تتناول القصتان فكرة الموت، الأولى من خلال مونولوج شاب ميت اكلينيكيًا والثانية عن شاب تسيطر عليه فكرة مخيفة بعد أن دفن أخاه التوأم ذلك المساء.. ماذا بينك وبين الموت يا ماركيز؟

غابرييل غارسيا ماركيز

غابرييل غارسيا ماركيز، روائي وصحفي وكاتب قصص قصيرة، من أشهر أعماله (مئة عام من العزلة)، حاز عام 1982 على جائزة نوبل للأدب.
غابرييل غارسيا ماركيز

القصة الأولى: الإذعان الثالث (1947)

أعترف أن هذه القصة لم يكن سهلًا علي قراءتها، وقد قرأتها أكثر من مرة، ربما بحثًا عن رمز أغفلته أو فكرة لم ألحظها، فهذه القصة هي أفكار شاب “ميت اكلينيكيًا” موضوع في كفنه داخل منزله منذ كان بعمر السابعة حتى أصبح بالـ 25 من عمره ويعاني الآن من أزمة وجود، أهو حي أم ميت؟ خاصة مع اختفاء الدليل الوحيد على كونه على قيد الحياة وهو زيادة طوله بضعة سنتيمترات التي كانت تقيسها والدته بكل لهفة، وتفشي رائحة تفسخ يعتقد أنها من جسده.

تبدأ قصة الإذعان الثالث بالضوضاء الموجودة بعقله ثم يتذكر المرة الأولى التي سمعها بها حين مات “لأول مرة”، يبدو الأمر غريبًا حين تقرأ عن موت شخص أكثر من مرة خاصة إن لم تكن مجازية، وهنا يأخذنا ماركيز إلى رحلة في معنى الحياة والموت، فالموت في حالة هذا الشاب هو الداء، كما سمعه من الطبيب الخاص به أو ما تهيأ له أنه سمعه، فحالته هنا تخلط ما بين الواقع والخيال تمامًا كما هو على الحافة ما بين الحياة والموت.

انتظرت أن اكتشف أن الأمر كان كابوسًا أو أنه يرمز لفقدان معنى الحياة وبالتالي العيش كميت خاصة أن الشعور بالدفن حيًا هو واحد من أكبر المخاوف الحياتية، ولم يخيب أملي ماركيز وكتب:


“أيكون نائمًا أتكون كل هذه الحياة كميت مجرد كابوس؟”

لكن هذه لم تكن الحقيقة، واستمر مونولوج الشاب مستمرًا، حتى ارتاح إلى فكرة موته وتخيل نفسه منغمسًا مع أمنا الأرض حتى تحول إلى شجرة واستيقظ على قضمة طفل لتفاحة.

وسرعان ما أصابه الذعر وأدرك أن شعوره هذا هو الدليل على كونه حيًا، بالفعل هو يشم رائحة تفسخ إلا أنها قد تكون من أي شي آخر غير جسده، لكن مع فشل محاولاته لتحريك جسده أذعن في النهاية:


“عندما يشعر أنه يسبح في عرقه، في ماء لزجة وكثيفة، مثلما كان يسبح قبل مولده في رحم أمه، فربما يكون عندئذٍ حياً. لكنه سيكون آنذاك مذعنًا تمامًا للموت، وربما يموت عندئذٍ من الإذعان.”

ذكرتني هذه القصة بقطة شرودنجر فالقطة في حالة مركبة بين الحياة والموت، وطالما أنه لم ينظر ليعرف فهي حية/ ميتة، فالاحتمالات تقف مناصفة ما بين الحياة والموت، أذكر أن هذه التجربة أرقتني كثيرًا حين درستها في المدرسة، ليس فقط لفكرة قتل القطة -وهي كانت فكرة بشعة موجهة لطفلة كانت تأخذ الكلام حرفيًا- إلا لأنه حتى لم يتأكد وتركنا معلقين، في حين أن الحل كان بسيطًا، أن ينظر ليعرف أيهما، لكن في حالة هذا الشاب لا يوجد صندوق يمكن أن تفتحه لتعرف، فما المقياس لحياة شخص أو موته؟ هل حركة الجسد؟ أم إدراك الشخص لما حوله، أم الأهم إدراك الآخرين لوجوده؟ ولم يعطني ماركيز إجابة شافية وتركني معلقة تمامًا كما ترك ذلك الشاب.

القصص القصيرة لماركيز - الإذعان الثالث

اقرأ أيضًا:

  • رغم موقفه الرافض للرواية: إدوارد سعيد كتب أدبًا ظلّ طيلة حياته خافيًا إياه!

القصة الثانية: الضلع الآخر للموت (1948)

تبدأ القصة باستيقاظ شاب من النوم وشعوره أن هناك من دخل عليه الغرفة مع عدم وجود دليل على ذلك واختلاط رائحتي الفورمالدهيدو مع تفتح الأزهار ويبدأ يسترجع آخر شيء شاهده في الحلم وهو ما لم يكن كابوسًا بالمعنى الحرفي مما جعله يستغرب من اضطراب دورته الدموية لهذه الدرجة، لكن ما يهمنا نحن هو ظهور أخيه التوأم في الحلم الذي علمنا أنه دفنه ذلك المساء وتبدأ القصة تتضح أكثر.

وبعد ذلك حاول الشاب أن يفكر في شيء يخفف من توتره ونجح في ذلك لدرجة أنه أحس أن جسده منعدم الوزن وانغمس في ذلك الفضاء ما بين الواقع والخيال غير مدرك لكيانه المادي لفترة من الوقت حتى انتفض فجأة وشعر أن أخاه جالس على حافة السرير ثم تذكره أنه في لحظة غفلته هذه كانت الصورة الرئيسية في عقله هي صورة جثة أخيه المتيبسة في الأرض.


“وكان عندئذ، حين لاحظ مقدار ما هما عليه هاتين الطبيعتين من ترابط حميم، أن خطر له شيئًا استثنائيًا، غير متوقع سيحدث. تخيل أن انفصال الجسدين في المكان ليس إلا ظاهريًا في حين أن لهما، في الواقع طبيعة واحدة كلية. وربما حين يصل التفسخ العضوي إلى الميت يبدأ هو الحي بالتعفن أيضًا ضمن عالمه المتحرك.”

وكأن هذا الشاب وتوأمه يرمزان للحياة والموت بتناقضاتهما حتى في لحظة غياب إدراك الشاب نوعًا ما هي تمثل اللحظات التي نبحث فيها عن الراحة والخلاص من تعقيدات الحياة لكن ليس لدرجة تمني الموت نفسه وذلك حين انتفض الشاب وسيطر عليه خوف من أن هناك شخص يبدو مثله تمامًا موجود تحت الأرض وقد يبدأ في التعفن قريبًا.

وتذكر حين حلق الحلاق لحية أخيه وكيف تخيل أنه إذا ذهب الآن إلى المرآة لن يجد صورته وكأنها قد اختفت مع موت أخيه، وحتى شعوره أن جسده قد شُق بفأس، لكن ليس جسده هذا التشريحي ولكن جسد آخر يأتي ما وراء جسده الذي كان غارقًا معه في الليل المائي السائل للرحم.

وما نلاحظه هنا هو انعدام نظرته لأخيه كشخص قضى معه ذكريات في الحياة أو شعوره بالحزن على وفاته أو افتقاده وحتى حين تذكر لحظة لوجودهما معًا كان قبل مولدهما وربما هذا يشير إلى أنه حتى عندما كان في مرحلة التكوين فالحقيقة الأساسية المولودة معه هي أنه سيموت لا محالة.


“سيظل هو وأخوه على السواء على حالهما، يدعمان توازنًا بين الحياة والموت ليحميا نفسيهما من التفسخ.”

يعتبر الموت أكبر لغز في الحياة، لذا ليس من الغريب أن يُفتن به العديد من الكُتاب في بداياتهم، لكن وحده ماركيز الذي أضاف أبعادًا أخرى لذلك اللغز وفي عدد قليل جدًا من الصفحات، بالرغم أنه يُعرف عنه الإطالة في الوصف كما في روايتي مائة عام من العزلة والحب في زمن الكوليرا إلا أن هناك عالم آخر في قصص ماركيز القصيرة والذي يستحق أن نعيره نفس الاهتمام وربما أكثر.

ذو صلة

لك أيضًا:

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة