تريند 🔥

🤖 AI

عندما بكى نيتشه: رواية للكاتب إيرفين يالوم تجمع بين الرؤية النفسية والفلسفية

مريم مونس
مريم مونس

6 د

ناقشت الفلسفة الألمانية الكثير من القضايا الوجودية وارتبطت بجميع الفلسفات الأخرى، ولعل فريدريك نيتشه هو أبرز من يتبادر إلى تفكيرنا عند ذكر الفلسفة الألمانية، ذلك الفيلسوف الذي جذبت أفكاره شريحة كبيرة من القُرّاء على مرّ العصور، وهذا ما استغلّه الكاتب العبقري والطبيب النفسي “إيرفن ديفيد يالوم – Irvin David Yalom” في رواية “عندما بكى نيتشه – When Nietzsche Wept” التي صدرت عام 2015، فقد وَصَفَ شخصيات وأبطال واقعيين ضمن إطار أحداث خيالية أعطت الرواية أبعادًا مكانية وزمانية جذّابة.

اقرأ أيضًا:


قصة رواية عندما بكى نيتشه

تدور أحداث رواية عندما بكى نيتشه للكاتب إيرفن ديفيد يالوم حول فريدريك نيتشه الفيلسوف الفذّ العدمي صاحب نظرية “الله ميت ونحن قتلناه”، والطبيب الفييني جوزيف بروير الذي ابتكر تقنيّة جديدة في العلاج النفسي عبر الكلام وهو معلم العالم النفسي سيغموند فرويد، و”لو سالومي” تلك الفتاة الروسية الجميلة والفيلسوفة الحَذِقة التي أوقعت نيتشه في براثن حبها.

تواصلت “لو” مع الطبيب بروير طلبًا منه بمساعدة نيتشه الذي سيصبح مستقبلًا أعظم فيلسوف وجودي في التاريخ، والذي اجتاحته المعاناة الجسدية والنفسية بعد خيانتها له مع أعز أصدقائه وولّد ذلك له الاكتئاب والرغبة في الانتحار.

رفض الطبيب بروير طلبها بمعالجته النفسية في البداية، لكن سحر لو وجمالها الذي يمنع أي رجل من قول كلمة لا جعله يوافق في علاج نيتشه من آلامه الجسدية وتطبيق طريقة العلاج النفسي بالكلام، قَدِم نيتشه إلى بروير بعد أن أقنعه زميل له بالجامعة بالاتفاق السري مع لو بضرورة العلاج من الصداع، ثم التقى الطبيب بروير وفريديك نيتشه لتلقّي الجلسات العلاجية.

لاقى بروير صعوبة في جعل نيتشه يتكلم عمّا بداخله، “إنه يعلم كل شيء” قال بروير، ثم فكر بطريقة مختلفة في العلاج تبدأ بكسب ثقة نيتشه، فطرح عليه أن يتبادلان الأدوار بأن يقوم بروير بعلاج نيتشه جسديًا، أما نيتشه فيقوم بعلاج الآخر نفسيًّا.

وهنا بدأت أحداث رواية عندما بكى نيتشه التي تأخذك في رحلة داخل النفس البشرية ومكنوناتها، وذلك عندما اعترف بروير بوقوعه حتى الجنون في حب مريضته بيرثا المُصابة بالهيستيريا، فباتَ يراها في كوابيسه ويمارس الحب معها في أحلامه، كما رافقنا سيغموند فرويد في كل مراحل العلاج في الرواية، فقد كان يلجأ إليه بروير طالبًا منه استشارة في التحليل النفسي.

فريدريك نيتشه

يُعرف الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه بتأثيره الكبير، وكتاباته عن الخير والشر، ونهاية الإيمان في المجتمع الحديث ومبدأ الإنسان الخالد.
فريدريك نيتشه

تعود “لو سالومي” إلى القصة بالطلب من بروير أن يُطلِعها على حالة نيتشه الصحية، فيرفض إجابتها مبررًا ذلك بأنه طبيب مهني وعليه حفظ أسرار مرضاه، لكن الحقيقة أن بروير كان مفتونًا بطريقة نيتشه وحواراته معه وربط أحلامه مع تفسيرات نفسية مُقنعة.
عندما تقرأ عنوان رواية عندما بكى نيتشه ستأخد انطباع أول عن الرواية أن فحواها مِلؤه الحزن والبكاء، لكن ما إن تبدأ السباحة في بحر التحليلات النفسية والفكرية التي تطرحها الرواية حتى تتفاجأ أن المضمون مختلف عن العنوان، فإخراج عنوان درامي كهذا عرّض الرواية إلى التناقض مع مضمونها الفلسفي، إلّا أن فريدرك نيتشه هو فيلسوف مشهور بأفكاره ونظرياته العدمية التي تتصف بالجرأة والقوة والصرامة، لكنّه إنسان يضحك ويبكي وتجتاحه المشاعر الإنسانية في مواقف معينة.

أما المرأة في نظر نيتشه هي كائن شرير، فقد وصف لو في الرسائل التي أرسلها لها بالخبيثة المفترسة، ورفض جميع الإناث معتبرًا أن الجنس هو عدو الدماغ البشري وأنه غريزة حيوانية يجب على العاقل تجنُّبه، وقد كان رأي نيتشه في بروير أنه مزيج دقيق، ذكي لكنه أعمى، مخلص لكنه تائه، تستحوذ عليه امرأة قد مزقته، بينما هو يلعق أنيابها المليئة بدمائه، مؤكدًا أن حبنا للرغبة في ذاتها أكبر من حبّنا للمرغوب.

اقترح نيتشه على بروير أن علاجه من حالته يكون بالتحرر من قيوده الحياتية، وأن الإنسان يجب أن يكون قادر على العيش وحيدًا قبل أن يعيش مع عائلة:


“لكـي يتعلّق أحـد الزوجين بالآخـر، يجب أن يتعلـق بنفسه أولًا، فإذا لم نتمكـن من اعتناق عزلتنا، فإننا سنستخـدم الشخص الآخـر كدرع لحمايتنا من العزلـة، وعندما يستطيع المـرء أن يعيش وحيداً كالنسر بدون أشخـاص آخرين، مهما كانوا، فإنه يستطيع أن يلتفـت إلى الآخر بمحبة، وعندها فقط يستطيع أن يهتم بتضخيم كينونة الآخـر. لذلك، إذا لم يكـن قادراً على التخلّي عن الزواج فإن الفشـل سيكتب على الـزواج”. قال نيتشه.

ذهب بروير إلى منزله وأخبر عائلته قراره بالرحيل مُبرّرًا لهم أنه لكي يصبح إنسانًا سعيدًا يجب أن يتحرر من كل قيوده، وعاش حياته منعزلًا ومختلفًا عن السابق شكلًا ومضمونًا ليتبيّن لنا في النهاية أنه حلم، وأنه طلب من سيغموند فرويد تنويمه مغناطيسيًا وها قد استفاق.

عندما بكى نيتشه - إيرفن ديفيد يالوم


التحليل النفسي والفلسفي لرواية عندما بكى نيتشه

كلما تعمّقتَ في رواية عندما بكى نيتشه للكاتب إيرفن ديفيد يالوم ستلاحظ الشبه بين حالتَي نيتشه الذي ارتبط بلو في علاقة طاهرة عفيفة، لكنها تدنّست بخيانتها له مع صديقه مما أدى إلى غضبه وكرهه لها ولجميع النساء، والطبيب بروير الذي وقع في غرام بيرثا ورغب بها جنسيًّا شديد الرغبة وتخيّلها في عقله وفي أحلامه، الأمر الذي أثار غيرة زوجته ماتيلدا فحاولت إخراجه من اكتئابه، إلا أن ألمه النفسي وخوفه من الموت كان يزداد ويزداد.


“يجب علينا الموت جميعا لكن في الوقت المناسب، حيث يفقد الموت رهبته عندا يكمل المرء حياته وينهي أهدافه” قال نيتشه.

“اصنع قدرك” هكذا أظهر نيتشه للطبيب مؤكدًا أن الإنسان مُخيرًا وليس مُسيرًا، ليبين الكاتب في النهاية خطأ فلسفة نيتشيه وذلك عندما عاد بروير من رحلته العلاجية ومن حياته التي اختار عيشها بكافة جوانبها بناءً على نصيحة نيتشه بالتحرر من كافة القيود، ثم استفاق من التنويم المغناطيسي، عندها وجد نفسه غير قادر على تلك الحياة على الرغم من اختياره لها.

وهنا أراد الكاتب القول أن العديد من الأفكار الجميلة هي فقط مجرد أفكار وغير قابلة للتطبيق في الواقع، فنيتشه اقترح على الطبيب فكرة طبّقها على نفسه مُبتعدًا عن فكرة الاختلاف بكافة جوانب حياة الشخصين، فبروير طبيب متزوّج لديه أولاد وتُغلّف حياته الالتزامات الاجتماعيّة والمهنيّة، أما نيتشه فهو فيلسوف عدمي وحيد بلا مسؤوليات وبلا التزامات تجاه أي شخص، وهنا أظهر الكاتب رأيه المغاير لنيتشه فلم يقل لنا “اصنع قدرك” بل “أحب قدرك”.

كما تقصّد الكاتب إيرفن ديفيد يالوم إظهار الاختلاف في اتجاهات العلاج النفسي بين شخص وآخر، وذلك عندما طلب نيتشه من بروير أثناء دوره كطبيب أن يقوم بأفعال وتخيّلات ليتخلص من التفكير في بيرثا، لكن عندما دخل بروير في غيبوبة تخيل أحداث من صنع عقله الباطن دون حاجته إلى نيتشيه، فلكل شخص أساليبه الخاصة في راحة نفسه وتخلصه من متاعب نفسية تراكمت عبر السنين.

تعاطف نيتشه مع الطبيب بروير فقد وجد أن القهر واليأس الذي يتملّكه متعب جدًّا حتى بكى نيتشه من أجل الطبيب، فصوّر الكاتب اللحظة التي انتقل فيها نيتشه إلى الواقع الإنساني، وهنا انطلقت فلسفته الجديدة بأن الإنسان انتصر على الفيلسوف المُتَخفّي بحياديته، وأن هدف الفلسفة هو إنقاذ المشاعر الإنسانية بداخل كل إنسان والإضاءة عليها.


نبذة عن المؤلف إيرفن ديفيد يالوم

إيرفن ديفيد يالوم هو طبيب نفسي مشهور في أمريكا ويقيم بكاليفورنيا وبروفيسور في جامعة ستانفورد بالطب النفسي، كما أنه كاتب وروائي له عدد لا بلأس به من المؤلفات التي تتحدث عن الطب النفسي والتحليلات النفسية بالإضافة إلى رواياته عن كبار الفلاسفة والمفكرين مثل “مشكلة اسبينوزا”، و”علاج شوبنهاور“، و”عندما بكى نيتشه” و”مستلقيًا على الكنبة”، ولد سنة 1931 في العاصمة واشنطن، روسي الجنسية من أب وأم يهوديين، درس في جامعة جورج واشنطون، وحصل على عدة جوائز أهمها Oskar Pfister Award، جائزة سيغموند فرويد و Strecker Award.

ذو صلة

اقرأ أيضًا:

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة