تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الحاجة الملحة للشراء والترف، هل لها علاقه بنقص تقدير الذات وحبها؟

تقدير الذات
شيماء العيسوي
شيماء العيسوي

5 د

يقول الكاتب والمفكر الفلسفي الشهير آلان دو بوتون في إحدى لقاءاته فيما معناه إنك إذا رصدت على طريق سريع شخصًا يمتلك سيارة فيراري باهظة الثمن، ففي الأغلب سيتبادر لذهنك كم السعادة التي يحصل عليها هذا الشخص بسبب امتلاكه لهذه السيارة التي قد تسعى طوال حياتك العملية لتجميع ثمنها، وفي الأغلب لن تستطيع.

ولكن يوضح بوتون أنه في الحقيقة عندما ترى هذا الشخص يجب عليك أن تشعر بالشفقة عليه لأنه في الأغلب يحتاج الحب في حياته، ويحاول أن يعوض هذا الحب عن طريق تلك السيارة، فما هي العلاقة بين الحاجة للحب واقتناء السيارات الفارهة؟ هل يوجد علاقة من الأساس؟


تقدير الذات المنخفض low self-esteem: تريند العصر..

بنظرة سريعة على حسابك على تويتر -إن كنت مهتمًا بمواقع التواصل الاجتماعي- ستجد أغلب الشباب يستعملون مصطلحات نفسية معقدة لوصف حالاتهم المزاجيه والعاطفية أو حتى جانب من شخصيتهم. فبين “سيلف أوير – self aware” ، “انسيكورتيز- insecurities” و “فير أوف كومتيوتمنت- fear of commitment” أو حتى “لو سيلف ستيم- low self-esteem” ستجد كلًا يعبر عن أفكاره بلغته الخاصة.

تغريدات تحمل مصطلح سيلف ستيم

والحقيقة أن “تقدير الذات” من أكثر المصطلحات والأفكار تداولًا بينهم، ويمكن فهم سبب ذلك من خلال فهم تعريف المصطلح في معجم التحليل النفسي لفرج عبد القادر طه وآخرين وهو:


“نظرة الفرد واتجاهه نحو ذاته ومدى تقدير هذه الذات من الجوانب المختلفة كالدور والمركز الأسري والمهني والجنسي، وبنية الأدوار التي يمارسها في مجال العلاقة بالواقع وتشكل توظيفًا أو تعديلًا أو انحرافًا في علاقة الفرد بذاته”

أي أنها صورة الفرد عن نفسه، فكرته عنها ومدى رضاه عنها في ظل البيئة المحيطة به سواء على المستوى الأسري أو العمل أو حتى العلاقات العاطفية. وهناك الكثير والكثير من الأبحاث التي اهتمت بتقدير الذات والأشياء التي تؤثر عليه، وكيف يتم تعزيزه.

تبدأ رحلة الفرد مع تقديره لنفسه من سنواته الأولى، بالأخص عندما تبدأ حياته الاجتماعية في التكوين -هذا بالطبع بعد الصورة المبدئية التي يستمدها من الوالدين- ليكون الطفل دائمًا في بيئة تنافسية بين أقرانه، هذا التنافس يمتد تقريبًا حتى نهاية عمره، فدائمًا ما يكون الفرد في حالة مقارنة بين ما يملكه ويستطيع الحصول عليه وبين ما يملكه الآخرين ويستطيعون الحصول عليه. تريد مثالًا سريعًا على ذلك عزيزي القارئ؟ بالطبع.

أتذكر ذلك الطفل زميلك في المرحلة الابتدائية الذي كان يملك أغلى الأدوات المكتبية ويحصل على أفضل أنواع الطعام في علبة غذاء ملونة مزخرفة، في حين أن باقي الأطفال يحصلون على أقلام عادية وطعام متواضع؟ من هنا تبدأ المقارنة، ومن هنا يبدأ تقدير الفرد لنفسه بناء على محيطه..


تقدير الذات في عالم حقًا مجنون!

بالفعل إنه عالم مجنون، ضاغط نفسيًّا بشكل كبير، يدفع الفرد دفعًا في كل لحظة للانتحار! يعود كل ذلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى الثورة التكنولوجية التي نعيش بها في القرن الحادي والعشرين، وبالرغم من المنافع الكثيرة التي لا يمكن إنكارها ونمط الحياة السهل الذي تساعدنا تلك الوسائل على تحقيقه، إلا أنه لا يمكن إنكار الآثار النفسية شديدة الخطورة التي تتركها على الفرد.

أصبحنا نعرف، نعرف زيادة عن اللزوم، زيادة عما تتحمل طاقتنا النفسية، وبدلًا من المنافسة مع الطالب المميز ذو الأدوات باهظة الثمن أصبح الفرد الواحد يتنافس مع أغنى أغنياء العالم! كيف سيشعر الفرد بالرضا عن نفسه وعن جسده وحياته وهو يرى كل يوم في كل دقيقة من هم أغنى منه، أجمل منه، حياتهم تبدو أسهل من حياته.

هذا وبالإضافة إلى العالم الرأسمالي الذي أصبحنا نعيش به، ففي كل مكان وأيا كانت الوسيلة ستجد الرسالة الموجهة لك هي ذات فحوى واحد “عليك تغيير كذا، لأنه أصبح قديمًا” هاتفك قديم، سيارتك قديمة، مسكنك غير ملائم، أكلك، مدرسة أطفالك، ملابسك كل الأشياء لا تناسب الشكل العصري الكامل، عليك تغييرها حالًا!


هل تزداد قيمتك بالفعل كلما “ابتلعت الأشياء”

يرى التحليل النفسي، وبالأخص “إريك فروم” المحلل النفسي والفيلسوف الإنساني أن الإنسان يزداد شعوره بقيمته ويرتفع تقدير الذات لديه كلما “ابتلع” الكثير من الأشياء، أو بالأخص كلما كانت الأشياء التي ابتلعها ثمينة. ويستطرد في الشرح ويوضح كيف سيشعر الإنسان بالخواء وقلة القيمة إذا كان حصل على وجبة عشاء واحدة تخطى ثمنها 200 دولار مثلًا! وقيمة “الابتلاع” يمكن أن نجدها في كتابات المحلل النفسي الأول سيجموند فرويد الذي تحدث عن الشره في الأكل كغريزة أساسية في الإنسان، فهو يحتاج دومًا لعمليات المضغ لتفريغ غريزة العنف لديه بشكل مقبول اجتماعيًا.

هذا الابتلاع قد يكون مجازيًّا عن طريق اقتناء الأشياء. فـ بحصولك على النسخة الحديثة من هاتف الآيفون تقوم بعملية تعزيز لثقتك بنفسك، تبديل سيارتك بأخرى ذات موديل أحدث هو نوع من الابتلاع الذي يزيد من تقديرك لنفسك، نقل سكنك لمنطقة أرقى هو بالتأكيد نوع من أنواع التعبير عن حب الذات، فمن لا يحب نفسه لا يحب أحد مطلقًا. أين المشكلة؟

فيديو يوتيوب

تكمن المشكلة الحقيقة عندما تقوم بتحديد قيمتك كفرد فقط من خلال ما تملك، عندما تسمح للرسائل التي تبثها الشركات المنتجة بشكل يومي أن تؤثر بك، أن تجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك وما تملكه وتسارع في تغيير هذه الأشياء لتكون “شخصًا يستحق التقدير”. تبدأ العقبة عندما يتحول الأمر لمستوى الإدمان، أي يكون الشراء وتكديس الأشياء هدفًا في حد ذاته دون النظر للحاجة الفردية.

ذو صلة

ملخصًا؛ احذر عزيزي القارئ إذا كنت تستمد من هذه الأشياء، ومنها فقط قيمتك وحبك لنفسك. فإذا شعرت في أي يوم من الأيام أنك تحب نفسك وتقدرها بناءً على ما تملكه من موارد مادية فقط دون النظر لباقى المميزات العقلية والإنسانية التي تملكها، وأنك تتوقع الحب من الآخرين وكذلك تغدقه على نفسك بناءً على امتلاكك لهذه الأشياء، فعليك أن تتذكر أن وجودك في هذه الحياة يعتمد على أشياء معنوية أخرى كثيرة لا يمكن شراؤها بالأموال.

اقرأ أيضًا: تمس القلوب قبل الجيوب: إعلانات تجعلك ترى إنسانيتك فيها قبل أن ترى المنتج

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة