تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

رواية لا أنام للكاتب إحسان عبد القدوس: كيف تَخَفَّى التفكير الشيطاني داخل الوجه الملائكي؟

لا أنام - إحسان عبد القدوس
سلمى سلطان
سلمى سلطان

7 د

تبنى إحسان عبد القدوس في رواية “لا أنام”، فكرة مختلفة وغير معتادة، بها الكثير من الجوانب النفسية والاجتماعية، التي تدل على اهتمامه الكبير بالنفس الانسانية بشكل عام، وبنفسية المرأة بشكل خاص.

ولقد قدمها أيضًا بشكل جديد، ومثير للجدل بعض الشيء. وبالطبع حققت الرواية نجاح كبير جدًا، وجنى هذا الاختلاف ثماره، مما أدى إلى تحويلها إلى فيلم شهير بعد صدور الرواية لأول مرة عام ١٩٥٧ عن دار روز اليوسف.


عن الكاتب إحسان عبد القدوس

ولد إحسان عبد القدوس عام ١٩١٩، ولربما كان لهذا التاريخ تأثير خفي على حياته، حيث كان عبد القدوس مهتم بشكل كبير بالسياسة وبدأ مسيرته ككاتب بكتابة المقالات السياسية. وقد عمل في رئاسة تحرير مجلة والدته، روز اليوسف، لفترة. ومن هنا كان لوالدته تأثيرًا عليه من هذه الناحية ومن نواحي أخرى أيضًا.

إحسان عبد القدوس

روائي وأديب مصري، نشأ في بيئتين متعارضتين، فبيئة جده محافظة وبيئة والدته أكثر تحررًا، أثر ذلك على طبيعة كتاباته. قدم عددًا كبيرًا من الأعمال الأدبية، كالقصص والروايات والمسرحيات. عمل صحفيًا ورئيسًا لتحرير مجلة روز اليوسف، وحصد عدة جوائز خلال مسيرته المهنية.
إحسان عبد القدوس

فكون والدته صحفية وامرأة متحررة تعقد ندوات ثقافية وسياسية وأيضًا تشترك في بعض منها، وسع ذلك من مداركه الثقافية والسياسية. وجعله يهتم اهتمامًا جمًا بالمرأة في كتاباته. فتعد أشهر وربما أهم رواياته تدور أحداثها حول مشكلات المرأة ودورها بشكل عام في المجتمع، بغض النظر عن الطبقة التي تنتمي إليها. ومن هذه الروايات رواية  “لا أنام”.

رواية لا أنام للكاتب إحسان عبد القدوس

غلاف رواية لا أنام للكاتب إحسان عبد القدوس (طبعة دار المصرية اللبنانية للنشر والتوزيع)

اقرأ أيضًا:

  • ليست مجرد ورقة: خطابات سينمائية مابين البطولة وتحريك الأحداث

مفهوم العقلية الإجرامية ما بين الرجل والمرأة

عند الحديث عن مفهوم العقلية الإجرامية ما بين الرجل والمرأة، نجد أن العقلية الإجرامية هو مصطلح شاسع يمكنه أن يتسع للكثير والكثير من الاحتمالات والإمكانيات.

عالم الجريمة بشكل عام تتنوع المحفزات والدوافع والأساليب التي، في النهاية، تقع بها تلك الجرائم. وبالطبع، شخصية “الشرير” أو “المجرم” أو أيًا كانت التسمية التي تفضلها -ومنذ بداية فن حكي القصة إلى الآن- هي المحرك الأساسي لأغلب الروايات والقصص باختلاف أنواعها ونوع الحبكة الخاصة بكل منها، فهي الشخصية التي إما ننتظر ظهورها باستمرار أو نتمنى اختفاءها للأبد.

ولكن ما لم نعتد عليه كثيرًا، وربما لأسباب عدة، هو الشرير “الأنثى”. فمن الصعب ربط تكوين الاثنى وطبيعتها التي خلقها الله بها، بالشر أو بالتفكير الإجرامي. ولكن، رغم ندرة هذه الظاهرة، إلا أنها بالطبع موجودة. بل موجودة وبشكل كبير.

وإذا كانت عقول الرجال الإجرامية دائمًا ما ترسم لهم طريق مليء بالدماء من صنع أيديهم، وقوتهم البدنية، فإن شريرات هذا العالم من النساء، يلجأن إلى طرق أخرى تمامًا، يعتمدن على الذكاء والدهاء المتخفي وراء قناع الرقة، مما يجعل منهن مجرمات دون دليل ودون محكمة أو قاضي. فلا يوجد قانون ينصر من وقع في شباك الدهاء والاحتيال. وهذا ما لعب عليه “إحسان عبد القدوس” في روايته “لا أنام”.


حبكة رواية لا أنام

لقطة من الفيلم المأخوذ من رواية لا أنام

لقطة من الفيلم المأخوذ من رواية لا أنام للكاتب إحسان عبد القدوس

“نادية”، فتاة عادية، تعيش مع والدها -ذي الحال المتيسر- بعد انفصاله عن أمها وهي في سن صغيرة. وتتضح من القصة، العلاقة القوية التي تربطها بوالدها، بسبب كونه الكوكب الوحيد في عالمها، وهي أيضًا شمسه التي يدور حولها، فلا يوجد في حياتهما سوى عمها، شقيق والدها الأصغر.

حتى تنقلب حياة “نادية”، عندما يقرر والدها الزواج. ولا يهم بمن سيتزوج، فالمعضلة بالنسبة لنادية هي فكرة دخول امرأة أخرى، أيًا كانت، في حياة والدها، بعدما كانت هي ملكة قلبه ومنزله. فكيف ستتصرف نادية؟ هل تقبل بالأمر الواقع، أم تتمرد على هذا الواقع الذي فرض نفسه عليها بغتةً؟ وإذا قررت التمرد، ما الذي يمكنها فعله؟ هل تقف في وجه سعادة والدها؟ أم تخضع للحياة الجديدة التي تنتظرها؟


تكوين وتطور شخصية نادية

تخبرنا نادية، منذ الصفحات الأولى، وقبل أي شيء، أنها الشرير في هذه الرواية. فلا توجد مراوغة في محاولة فك شيفرة شخصية “الشرير”، لأن هذا ليس الطريق الذي تتخذه هذه القصة. وبما أننا على دراية، بالفعل، بهذه الحقيقة، ماذا بعد؟

تأخذنا “نادية” في رحلة نمر فيها بكل محطات حياتها حتى نهاية قصتها معنا. كل محطاتها مع الشر من أساليب ودوافع -التي لربما لا تثق هي في صحتها- حتى وقت التنفيذ. وكيف ينتهي بها الحال بعد انتهاء يوفوريا نتائج أفعالها. ونتابع تدرجها وتطورها كعقل إجرامي صغير، رقيق، يكتشف بأنامله المعنى الحقيقي للخطيئة، كطفل يكتشف طبيعة العالم من حوله بلمسة رقيقة من يده.

وكما قلت سابقًا، إن الجُرم الأنثوي، ليس في الغالب شيء مادي يُمّكَن من حولهن أن يعرضهن على القضاء، ليتلقى كل منهن فترة عقوبة يُحددها مدى بشاعة ما ارتكبن من أخطاء. فليس كل جريمة سرقة أو قتل.

وهذه هي حال “نادية”، التي تغرق في جرمها ليلًا ونهارًا، ولكن لا يسع من حولها من أشخاص أن يروا أي شيء سوى البراءة والجمال الأخاذ والرقة. ومن هنا تكمن عبقرية إحسان عبد القدوس في خلق شخصية نادية وحبك عقدتها.

يومًا بعد يوم تعيش نادية في عالمها الخاص، وتتطور وتقبل بسرور، أحيانًا، وبامتعاض، أحيانًا أخرى، المزيد من الشر، والمزيد من الخوف والمزيد من النشوة التي تعتصر أعصابها كلما ارتكبت جرمًا من جرائمها.


عقدة إليكترا في رواية لا أنام

عقدة إليكترا هي موازية لمفهوم عقدة أوديب، ومفهومها التعلق شبه المرضي وغير الواعي للفتاة بوالدها وإحساسها بالمنافسة الدائمة مع والدتها لكسب حب وعاطفة والدها. وربما هي عنصر خفي في الرواية، ولكن بالتدقيق في رواية “نادية ” للأحداث، يمكن ببساطة الاستدلال على ذلك بكل سهولة. وأيضًا نجد ذلك في خوف “نادية” من دخول امرأة جديدة حياة والدها.

فهي، في هذه اللحظة، تشعر أنها تحتاج لمنافسة تلك المرأة لكسب حب والدها -خاصةً بعدما كانت هي المرأة الوحيدة في حياته- وأن تدخل معها في حرب، يجب أن تخرج منها منتصرة. وربما أيضًا تسيطر هذه الأوهام على “نادية” وتساهم في تطور بؤرة الشر في داخلها، دون وعي منها بهذه الحقيقة وبهذه العلة التي أصابتها مبكرًا بسبب نشأتها وحياتها.

وبعيدًا عما تتسبب فيه هذه العقدة من تطور في الجانب الأسود من شخصية نادية، ألا أنها أيضًا تلعب دورًا مهمًا في حياتها العاطفية، دون وعي منها أيضًا. ولا تقع الجريمة على عاتق نادية وحدها في هذا الجانب من شخصيتها -والذي لا يرتبط بالضرورة بكل فعل شر تقوم به- بل تقع أيضًا على عاتق والدها غير الواعي بهذه المشكلة. مما ينقلنا إلى جانب آخر من الرواية.


كيف يفسر ويرى المجتمع سلوك المرأة الجميلة؟

من أوائل الأشياء التى نتعرف عليها في شخصية “نادية”، بجانب كونها الشرير في قصتها، هو جمالها. وتعترف نادية بجمالها بشكل واضح في الرواية. وتعترف أيضًا باهتمام الرجال بها ومحاولتهم لجذب انتباهها كلما سنحت الفرصة. وبجانب جمالها، تتمتع نادية بطفولة وبراءة الملامح، لتبدو لك، ليست فتاة تستعد لتُزهر في جسد امرأة، ولكن تبدو أقرب إلى طفل صغير، يستند على ما ومن حوله ليأخذ خطواته الأولى في الحياة.

ليكمن في هذا الوجه الملائكي عقلًا شيطانيًا، مستعد ليدمر ويحرق لا ليُزهر ويزدهر. فتتمثل في شخصيتها، المثال الكلاسيكي للعقل الأنثوي الإجرامي. العقل الذي يتغذى على عشق الرجال لتلك البراءة الممزوجة بالأنوثة وامتنان الأقران من النساء بهذه البراءة ليلقوا في حجرها أسرارهم وصداقتهم. فهذه هى نظرة المجتمع بشكل عام للمرأة التي تتفوق بجمالها عمن حولها من النساء. وهو ما يسميه الغرب “beauty privilege”.

فلا نجد البعض ينعتها بصفات مثل الغيرة من أقرانها، أو الحقد أو الحسد، فهى لا تحتاج لأن تحسد أو تحقد أو ترتكب أي جرم في حق من هن أقل منها في الجمال أو أي أحد في العموم. فيرى جزء من المجتمع أن المرأة الجذابة لا يمكن أن تتحلى بصفات الشر لأنها لا تحتاج إليها، إنما يحتاج إليها من هن قليلات الحظ في الجمال، لأنهم ربما يلجأن إلى أساليب غير مقبولة لجذب الانتباه.

وهذه الاعتقادات الفاسدة هي ما تُبعِد كل الشكوك وأصابع الاتهام عن “نادية”. ويساهم في توسيع بؤرة الشر في داخلها. ومن هنا نستنتج أن نادية قد تكون ضحية بشكل ما لنشأتها ولعدم استيعاب من حولها من عائلة ومجتمع لتلك النفسية المتخبطة التي تملك نزعة طيبة كما تملك نزعة شريرة.

إن عبقرية إحسان عبد القدوس تكمن في خلقه وتصويره لشخصية المرأة في أعماله -ليس فقط في رواية لا أنام- فهو يبدع بشكل لا ريب فيه في تكوين شخصيات بطلاته بشكل فريد ومختلف عن المعتاد من معاصريه من الكُتاب.

ذو صلة

لك ايضًا: 

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة