تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

نام تاركًا خلفه هذا العالم قبل أن يعلم أنه أبو القصص القصيرة والسير الذاتية: من هو “ستيفان زفايج”؟

من هو "ستيفان زفايج"
نور الهدى بن الحاج
نور الهدى بن الحاج

8 د

“للحب طاقات كامنة عظيمة، تمكث في حالة انتظار، ثم تنطلق بذراعين ممدودتين تجاه أول شخص يبدو أنه يستحقهما”.. هذا ما قاله أبو القصص القصيرة العظيم “ستيفان زفايج – Stefan Zweig” في كتابه “السر الحارق” وهذا ما يحدث لي كلما رأيت اسمه في رفوف المكتبات أو دور النشر في المعارض.

قصصه القصيرة والمركزة تطوي بين صفحاتها انفعالات شخصيات خيالية تبدو أكثر واقعية من الواقع نفسه فتأخذك مرغمًا ومغمض العينين إلى عالمك الداخلي من خلال اكتشاف عوالمها. تخرجك من حالة الملل والقلق والاكتئاب وتدفعك إلى التهامها والانغماس كليًا في تفاصيلها حتى يُخيّل لك في الصفحات الأخيرة أنها الصفحات الأخيرة للحياة.

ستيفان زفايج أبو القصص القصيرة أو النوفيلات

ستيفان زفايج أبو القصص القصيرة أو النوفيلات

بطل مقالنا اليوم ورفيقي الذي وجدتني في كل جلسة مع الأصدقاء أنصح بقراءة أعماله التي اطلعت على بعضها وتقربت من شخصياتها هو الكاتب والروائي النمساوي ذو الأصول اليهودية “ستيفان زفايج”.

ستيفان زفايج

مؤلف وأديب نمساوي شهير لديه عدد كبير من الروايات والسير الذاتية المترجمة إلى لغات متعددة.
ستيفان زفايج

ولد زفايج أو تزفايج كما ينطق لقبه بلغته الأم سنة 1881 لعائلة بورجوازية يهودية. كانت حياته تتجاوز حدود الإمبراطورية النمساوية المجرية آنذاك وهويته تحدد بعيدًا عن هذا الانتماء لتلك الرقعة الجغرافية. إذ يعتبر “زفايج” أنه تمامًا كبلده، جزء لا يتجزء من أوروبا مما جعله يعيش حياة الرحل والمسافرين منذ طفولته. فانتقل من برلين إلى باريس وروما وزار حتى الجزائر التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي في ذلك الوقت ثم ترك أوروبا ليكتشف الهند وأمريكا. شكلت هذه الرحلات إلى حد كبير شخصية هذا الكاتب وكان هذا التحرر من قيود المكان وهاجس اللغة ومحددات الهوية يعود إلى تعلمه اللغة الإيطالية في البيت التي كانت تخاطبه بها والدته.

ستيفان زفايج أبو القصص القصيرة أو النوفيلات

تحدث “زفايج” عن هذا الانفتاح على الآخر وعن حلمه في الانتماء إلى أوروبا قوية ومزدهرة في كتابه الأخير “عالم الأمس” الذي رسم فيه ملامح فترة تاريخية دامية كبّلتها النازية وكان قد نفى بذلك رأيًا يقر بانتماء هذا الروائي الفتيِّ إلى التيار المثالي. كان مجرد شابٍ محب للحرية وللسفر وللفلسفة وللشعر بدليل مشاركته في حراك فني وأدبي سُمِّي “شباب النمسا”، قاده الكاتب “هيرمان باهر” وانضم إليه كل من الشاعرين “هوجو فون هوفمانستال” و “راينر ماريا رايلكه” اللذين اقتدى بهما “زفايج”.

من هنا بدأت القصة ومن هنا وُلد أبو القصص القصيرة أو النوفيلات الذي ما زال يعتبر إلى اليوم صاحب الكتب الأكثر مطالعة في العالم. كانت الانطلاقة الأولى مع الشعر، فكتب بضع قصائدٍ جمعها بعد ذلك في ديوان صغير ثم انتقل سريعًا لكتابة القصص القصيرة ونشرها في الجرائد ولعل إحدى أهم المحطات في تكوين هذا الأديب مروره ببرلين واطلاعه على كتابات “دوستويفسكي” ولوحات “إدوارد مونش” هناك.

مشى أبو القصص القصيرة أو النوفيلات “زفايج” على خطى عظماء أحبهم، نذكر من بينهم بودلير وفرلان وفاليري ورامبو وسعى إلى ترجمة أعمالهم دون أن يصدق يومًا أننا قد نجد اسمه مكتوبًا بجانب أسمائهم. كان يشكك باستمرار في موهبته ويحاول صقلها وكان يعتبر أن الكتابة نوع من أنواع العبادة. وعليه، لا يمكننا أن نمارسها بضعف وخنوع وتسرّع. كما كانت تجمعه علاقة صداقة وطيدة بالكاتب الفرنسي المحب للسلام والحائز على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1915 “رومان رولان” حتى وجدنا مئات الرسائل بينهما.

أثر تعطش “رومان رولان” للسلم في نفس تلميذه وصديقه “ستيفان” الذي كان يكره الحرب ولكنه يشارك فيها لدوافع وطنية. عاش “زفايج” هذه الحرب عن كثب، فرأى حين بُعِث في مهمة على الجبهة البولندية آثارها البشعة وما أنتجته من خسائر بشرية هامة. كل هذه العوامل ساهمت في فضح الحقائق في وجه كاتبنا الذي بدت قسوة الحياة في أعماله.

في مارس 1919، عاد “زفايج” إلى النمسا رفقة الكاتبة ” فريديريك ماريا زفايج” التي أثتت أولى قصص الحب التي عاشها والتي تزوجها قبل الحرب مباشرة وقضى معها ومع بنتيها 15 عامًا في نفس المنزل. تراجعت الحرب وخرجت منها ألمانيا بقناع جمهورية ضعيفة ومنهكة (جمهورية فايمار: ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، بين 1919 إلى 1933). عاد “زفايغ” إلى المنادات بفكرة أوروبا موحدة ولكن الحياة بطابعها الوقح سرعان ما خذلت أحلامه حين اغتال إرهابيون صديقه الكاتب ورجل السياسة الألماني “فالتير راتنو”.

اقرأ أيضًا:

  • روايات قصيرة أقل من 100 صفحة تصلح لعطلة العيد: منها الأمير الصغير

التحليل النفسي وكتابة السير الذاتية

أفضل كتب ستيفان زفايج أبو القصص القصيرة أو النوفيلات

كتب “زفايغ” في السير الذاتية فحكى على “دوستويفسكي” و”ديكنز” و”بلزاك” و”تولستوي” و”نيتشه” و”ستندال” وغيرهم وكتب في القصص القصيرة فأخذ كل الانفعلات والأحاسيس التي تسكن فينا من غضب وغيرة وهيام ولوعة وتوتر وقلق وغرور وجعلها محاور أساسية بُينت عليها شخصياته، متأثرًا بذلك بالتحليل النفسي وبأبيه الروحي “سيغموند فرويد” وهنا نتحدث بالتحديد عن كتابه “سيغموند فرويد العلاج الروحي“.

لكن أكثر أعماله شهرة، كانت نوفيلاتًا قصيرةً تسهل مطالعتها لكنه لا يسهل تركها جانبًا دون الانتهاء من قراءتها. من بين هذه النوفيلات، نذكر “آموك” و”رسالة من امرأة مجهولة” اللذان يعكسان التجربة الشعورية المتصلة بـ “الشغف”. كما نذكر “السر الحارق” التي كتبها سنة 1911 والتي أقمحت طفلًا في عوالم الكبار و”24 ساعة في حياة امرأة” سنة 1927، تلك التجربة التي دامت يومًا ولكنها قيست بآثارها النفسية الباقية بعد عشرين عامًا في نفس سيدة جميلة حاولت إنقاذ شاب من الانتحار.

فضول “زفايج” جعله يسقط في هوة عالم التحليل النفسي ويخرج منه كما لم يخرج منه كاتب من قبل بعمل أدبي قصير بعنوان “فوضى الأحاسيس” سنة 1927 وقد حياه عليه “فرويد” شخصيًا. يكشف الكاتب في تحفته الفنية النفسية مجموعات سلوكات وتجارب حسية متعلقة بالحب ويتحدث فيه أساسًا عن المثلية التي كانت وما زالت مرفوضة في العديد من المجتمعات.

حساسية “زفايغ” المفرطة تجاه كل ما عاشه وأسلوبه البسيط جعلا من أعماله هدايا تُقدم للقارئ العالمي الذي أسرته شخصيات هذا الكاتب في أجسادها ونقلته إلى مساكنها وأقحمته في مغامراتها. لكن نجاحه لم يرق لأكثر من اعتبرهم أصدقاءً ومعلمين فانزعج منه “فرويد” الذي كان قد شكر كتابه وسخر منه “هوجو فون هوفمانستال” حتى أحس بالحزن الشديد وانهار.

سنة 1929، سافر الكاتب النمساوي إلى موسكو ولكن صمته حين عاد إلى بلده اعتبر رد فعل سلبي على ما يحدث هناك تحت سطوة ستالين فهاجمته الصحف بقوة مما ساعده على اللجوء كالعادة إلى الكتب والكتابة.

هذه المرة، البطل يشبه كثيرًا ذاك الذي خلقه. فهو عجوز يدعى “مانديل” “ليس له من دنياه غير الكتب” (كما يقول أبو بكر العيادي في النسخة الصادرة عن دار مسكيلياني) يجابه بها الحياة وحروبها فاعتبر بسبب الكتب و الصراعات جاسوسًا وزج به في السجن. لم يفهم العالم “مانديل” كما أساء فهم “زفايج” ولكن الكتب كانت هناك ليواجها بها المأساة ويحولاها إلى ملهاة وربما أيضًا إلى كتابات وذكريات.

اقرأ أيضًا:

  • التباس الأحاسيس للكاتب ستيفان زفايج: هل تريد أن تعرف ما يجري تحت السطح؟

أبو القصص القصيرة ونيران محارق الكتب

zweig

حل شهر يناير لسنة 1933 وانتهى الحلم وصار هتلر زعيمًا لألمانيا النازية. أحرقت أعمال اليهودي “زفايج” في مايو كما أحرقت كتابات “توماس مان” و”فرويد” وغيرهم واحترق معها الأمل في عالم أفضل. ظل “زفايج” يواجه محارق الكتب والإبادات الجماعية بخنوع وألم شديدين وافتُك بيته في النمسا بتهمة جمع الأسلحة فيه، حينها علم أنه ما من حياة ممكنة هنا واختار الرحيل إلى لندن وترك زوجته التي أصرت على البقاء.

لم يكن الأديب وحيدًا في رحلته تلك، إذ رافقته فيها مساعدته الشخصية “لوت زفايج” التي أصبحت بعدها زوجته. لم تستجب الأقدار إلى طموحات “زفايج” ولم تهده الحياةَ التي حلم بها في لندن، فعاد إلى حياة الرحل وإلى السفر، وكتب نص أوبرا “المرأة الصامتة” التي لحنها “ريشارد شتراوس” والتي منعت كذلك من العرض.

كلما واجه هذا العالم “ستيفان زفايج” بقسوة، جلس في مكتبه وانغمس في الكتابة باعتباره فعلًا مقاومًا ومريحًا، لكن نفيه إلى البرازيل وموت “جوزيف روث” الذي كان يتبادل معه الرسائل زاد من حدة اكتئابه الذي صار ورمًا خبيثًا لا توقفه الكتابة أو النشر. ومع قرع طول الحرب مرة أخرى، باتت الحياة شبه مستحيلة في نظر هذا الروائي فوجدناه يشير في يومياته إلى فكرة الانتحار مرارًا وتكرارًا. قطيعته مع الكتابة لم تطل واختار أن يهزم عالمه الذي هزمه على أرض الواقع، في رواية فوق رقعة شطرنج فكتب “لاعب الشطرنج“.

كل هذه الكلمات التي حلم بها فدونها وكل هذه السفن التي حملته وجابت بيه العالم لم تنقذه. كان العالم بصيغته الحالية أبشع من الجحيم وأبرد من المقابر، فقرر يوم 22 فبراير 1942 أن ينهي حياته بعد أن ترك رسائل لزوجته الأولى وللسلطات البرازيلية. تأنق وشرب مع امرأة أحبته كميات كبيرة من سائل سام، تاركين معًا هذه الحياة ومعلنين معًا خوض تجربة جديدة.


أثر ستيفان زفايج لا يموت

أبو القصص القصيرة أو النوفيلات الكاتب ستيفان زفايج

ما زالت كتابات “زفايج” تقرأ بنهم وتطالع بشغف وما زالت دور النشر تترجم أعماله فتمنحنا فرصة إحياء كاتب عظيم اغتالته قسوة العالم. ولعل ما أحيى هذا الإسم أيضًا تحويل أعماله المكتوبة إلى مسرحيات وأفلام بلغات عديدة، نذكر منها الفيلم المصري “رسالة من امرأة مجهولة” الذي لعب فيه “فريد الأطرش” و”لبنى عبد العزيز” أدوار البطولة والفيلم الألماني “لاعب الشطرنج” والمسرحية الفرنسية “آموك”.

رحل الكاتب “ستيفان زفايج” أبو القصص القصيرة أو النوفيلات ذات يوم ولكنه كأثر الفراشة التي تحدث عنها درويش لا يُرى ولا يزول…

ذو صلة

لك أيضاً:

  • الكتب الـ100 الأكثر مبيعًا في الوطن العربي: كتب جديرة بالقراءة في 2021
  • في اليوم العالمي للشطرنج: روايات عالمية تدور أحداثها حول عالم لعبة الملوك

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة