تريند 🔥

🤖 AI

المسميات الوظيفية: عبودية أم التزام؟

المسميات الوظيفية
د. بتول محمد
د. بتول محمد

6 د

هل تساءلتم يوماً حول الحقوق التي يجب أن تحصلوا عليها في العمل؟

هل تبادر إلى أذهانكم فهم طبيعة المسؤوليات التي يجب أن توكل إليكم في الأماكن التي تعملون بها؟

هل ثمة انسجام بين المسميات الوظيفية التي تضعها الشركات وواقع الأعمال ضمنها؟

المسميات الوظيفية

واقع عمل مؤلم … وأحلام تزول

تنمو أحلامنا منذ مراحل المراهقة الأولى بالحصول على عمل حقيقي، يتناسب مع قدراتنا ويحقق رغباتنا الذاتية، وتتفاوت تلك الرغبات حسب الأسباب، فمن تحقيق الذات إلى تأمين لقمة العيش والسعي للتفوق والنجاح، وصولاً إلى بناء مستقبل آمن نستطيع من خلاله الاستمرار في الحياة مع الحفاظ على الكرامة الإنسانية التي يستحقها جميع الناس.

هنا تماماً وعندما نجد إعلاناً لوظيفة لطالما طمحنا بها… نسارع للتقدم إليها محملين بأفكارٍ وآمال تدفعنا لتقديم أفضل ما لدينا، كي نحصل على وظيفة العمر، ونبدأ بالعمل بكل طاقتنا محاولين إثبات مهاراتنا وكفاءاتنا أمام المدراء والمسؤولين عن العمل، مع الوقت نغرق تدريجياً في تنفيذ مهمات غير واضحة المعالم، خاصة أن أغلب الشركات لا تقدم توصيفاً وظيفياً واضحاً في بداية العمل.

وعموماً تختلف التسميات الوظيفية التي تستغل الموظفين وتحملّهم أدواراً إضافية، مثل منسق إداري، مشرف، مساعد إداري، سكرتارية تنفيذية… وغيرها من التسميات التي تنتشر اليوم في أغلب إعلانات الوظائف وتحمل في طياتها مهمات وظيفية لا نهاية لها، تصل إلى حد تسخير الموظف للقيام بأعمال تخص عائلة المدير، في تكليف الموظف للقيام بأعمال إضافية تخص موظفين آخرين ولكن دون أية مردودية.

تقول إحدى الفتيات والتي تبلغ من العمر سبعاً وعشرين عاماً: “تقدمت إلى العمل أول مرة عن طريق إرسال سيرتي الذاتي عبر الانترنت إلى موقع شركة مختصة بمجال تدريب الجودة، وكان المسمى الوظيفي (سكرتارية تنفيذية)، وكانت لدي أحلامٌ كبيرة جداً للتطور في مجال العمل، وحاولت رفع كفاءتي المهنية مراراً من خلال الدورات التدريبية التي تؤهلني للعمل، لتكون الصدمة في واقع العمل بدءاً من عقد العمل الذي قمت بتوقيعه ولم يكن المسمى الوظيفي الخاص بي واضحاً فيه، حيث بدأ مديري في العمل بتكليفي بمهمات لا علاقة لها بطبيعة عملنا، وتحت مسمى السكرتارية التنفيذية بدأت بتنفيذ أعمال خاصة بمديري وأحياناً خاصة بعائلته، ولم تنتهِ معاناتي حتى قررت ترك العمل بشكل نهائي باحثة عن عمل آخر يحترم إنسانيتي باالدرجة الأولى”.

في الواقع … ليس ما سبق غريباً عن الكثيرين ممن دخلوا عالم العمل، بل يمكننا القول بأن الأمر يتعدى ذلك إلى تفاصيل أكثر قسوة، إذ يقول أحد الموظفين الشباب بصفة لوجستي ضمن إحدى المؤسسات المختصة بمجال التدريبات، أن طبيعة مهماته كانت تزداد تدريجياً، فقد كان الاتفاق في بداية العمل على أنه سيقوم بتأمين كافة الاحتياجات اللوجستية للمؤسسة، لتصبح طبيعة المهمات مع الوقت تتضمن تأمين احتياجات المنزل للمدير المباشر، أو إصلاح سيارته الشخصية، وأحياناً يتم الاتصال به وتكليفه بمهمات خارج أوقات الدوام الرسمي.

كل ذلك وغيره من الأمثلة يحول الموظف من إنسان حر إلى عبد يتلقى أجراً، ولكنه لا يستطيع أن يتخلص من القيود التي تدفعه في كثير من الأحيان لقبول هذه العبودية، إما رغبه في الوصول إلى مستوى وظيفي أعلى، أو لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي السيء الذي قد يعاني منه، وغيرها من الأسباب التي تجعل الموظف يقبل بنمط غير إنساني ضمن نطاق العمل.


السينما وعبودية الموظف؟

اهتمت السينما منذ بدايات القرن العشرين بشكل مستمر في تسليط الضوء على الكثير من الحالات التي يعاني منها الموظفون ضمن أماكن عملهم، وكمثال على ذلك يبدو فيلم Horrible Bosses والذي تم إنتاجه في العام 2011م، واحداً من أهم الافلام التي عالجت التعامل السلبي من قبل المدراء، واستغلالهم لمواقعهم الوظيفية في استعباد الموظفين، ورغم أن طابع الفيلم كان كوميدياً إلا أنه سلط الضوء على معاناة الموظفين وتعاستهم في العمل عندما تكون الإدارة سلبية.


المسميات الوظيفية

في المقابل يسلط فيلم The Devil Wears Prada الضوء على معاناة الفتاة االطموحة أندريا التي تخرجت حديثاً من الجامعة، وتستطيع الحصول على فرصة عمل تطمح لها العديد من الفتيات في إحدى مجلات الموضة كمساعدة ثانية لرئيسة التحرير، لتبدأ أندريا بالعمل الجاهد وتحاول جاهدة كي تكسب رضا مديرتها المتسلطة والتي تجعلها تنجرف للدخول في عالم لا يشبهها وللقيام بمهمات لا تسمح لها في تحقيق ذاتها، فتصل في نهاية الفيلم إلى مفترق طرق يدفعها للاختيار بين الشهرة الخادعة وبين رغبتها بتحقيق ذاتها والعيش ببساطة وفقاً لطبيعتها الحقيقية.

وعموماً تبدو الأفلام التي سبق ذكرها أمثلة بسيطة عن ما قدمته السينما عبر تاريخها حول عبودية الموظف، وتعرضه لكافة أشكال الإساءة، في عالم فقد معايير التعامل الإنساني، وحول الإنسان لمجرد أداة تسعى للترقي والوصول لدرجة ينسى معها هذا الموظف حالات البؤس التي مر بها، وربما تكون رواية الأديب نجيب محفوظ (حضرة المحترم) خير مثال على الموظف الذي جابه واقعه وقبل بالعمل بكافة الظروف، فقط للوصول إلى درجة ينسى من خلالها ماضيه، ولكن هل يستطيع حقاً أن يحقق ذلك؟


عبودية الموظف … شعار القرن العشرين

كتب العقاد في العام 1907م مقالاً بعنوان (الاستخدام رق القرن العشرين) معتبراً أن الوظيفة هي عبودية من نوع جديد، وأنها تحول البشر إلى رقيق مستأجرين، وبالرغم من أنه من الممكن اعتبار أن العقاد قد بالغ قليلًا في اعتباراته وتوصيفاته حول طبيعة الوظيفة بحد ذاتها، لأنها في الحقيقة ضرورة ضمن المجتمعات الحديثة وتحتاج إلى الالتزام والتفاني، ولكن تبقى المشكلة الأساسية في عدم احترام إدارة الشركات لطبيعة المهمات التي يجب أن يلتزم بها الموظف، وهذا ما يدفعنا للبحث في إمكانية إيجاد حلول تجعل من الوظيفة أمراً إيجابياً في حياة الأفراد تدفعهم للإبداع في أعمالهم بدلاً من الاكتفاء بتنفيذ مطالب لا تجدي نفعاً في الحقيقة.

تشير دراسة وضعتها وحدة التفتيش المشتركة في الأمم المتحدة، حول العلاقة بين الموظفين والإدارة في الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، إلى أن “نوعيه العلاقات بين الموظفين والإدارة في الفترة من 2009 ولغاية 2011 كانت سيئة وتطرح تحديات خطيرة في بعض المؤسسات” خاصة أن العديد من العاملين لا يتم تسجيلهم بشكل رسمي، كما تتم معاملتهم بشكل سيء ورغم ذلك يبدون غير قادرين على التعبير عما يحدث معهم نتيجة مخاوفهم من فقدان فرص عملهم، تظهر هذه المشكلات بشكل واسع لدى الموظفين غير الرسميين في المؤسسات، مما يشعرهم بالتهديد المستمر وعدم الاستقرار.

ضمن واقع كهذا تنهار كافة الأحلام الي يبنيها الموظف ليرتقي في مكان عمله، خاصة وأن العديد من الشركات ضمن منطقتنا العربية لا تهتم بالدرجة الأولى بتسجيل الموظفين بشكل رسمي، مما يعطي إداراتها الفرصة للاستغناء عن أي موظف يرفض تنفيذ المهمات مهما كانت، وهذا ما يدفع الكثيرين لقبول شروط عمل غير إنسانية، لا بل قد يتعدى الأمر ذلك إلى تهديد للموظف بأنه وإن أراد الانفصال عن العمل فإنه لن يستطيع الحصول على فرصة عمل في مكان آخر، نتيجة لعدم حصوله على كتاب توصية.

وفي هذا المجال تقول إحدى الموظفات السابقات في جامعة خاصة أنها عملت بجد وإخلاص ولسنوات كانت مثال الموظف المتفاني، لتكون المكافأة لها فصلها من العمل، نتيجة رفضها لمحاولة تحرش من إحدى الإدارات، ولم تستطع أن تثبت الواقعة مما جعلها تخسر عملها مع سيرة لم تساعدها في الحصول على عمل آخر لفترة طويلة من الزمن.

هذا هو جزء من واقع يعيشه آلاف الموظفين اليوم … في كل بقعة من العالم تبدو عبودية الموظف تحت مسميات مبهمة أمراً يتجذر ويتفرع كشبكة عنكبوت يبدو الخلاص منها أحياناً شبه مستحيل.

ذو صلة

فما رأيكم أنتم؟

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة