تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الأشجار تتحدّث وتشعر: هذا ما اكتشفه العلم عن اللغة السريّة للأشجار

الأشجار تتحدث
رُواء سيد
رُواء سيد

6 د

في الصيفِ الماضي، كنتُ في زيارةٍ لولاية كاليفورنيا، وأخذتني قدمايْ لغابةِ ريدود، لم أعلمُ بالتحديد أكنتُ أنـا من أسيرُ بداخلِها أم كانت هي من تسيرُ بداخلي؛ ولكني فقط أعلمُ أنها كانت مُبهرة وأنّي شعرت أنّ الأشجار تتحدّث.

كانت الأشجارُ ضخمةً من حولي، غصونُها مُتفرعة وأوراقُها مُتشابكة من فوقي؛ لا عجبَ أنّ الفنانين كانوا وما زالوا مولَعين بها، كان المشهدُ أشبهُ بلوحةٍ قد لُونّت بواسطةِ الطبيعة. وهُناك، على مرمى البصر، وقعت عينايْ على شُجيرتين، بدتا ضئيلتين مُقارنةٍ ببقية الأشجار، ظهرتا وكأنهما صديقتين مُقربتين تتبادلان أطرافِ الحديث في ساعةِ ظَهيرة مُشمِسة، وجدتني أقتربُ منهما خُطوةً فخطوة، وهُناك فقط؛ استطعت الإصغاء لهمسهما.

”تفتنُني الأشجارُ، لا لجمالِها فقط بل لأني أرى فيها أيضًا رمزًا للمُقاومة.“

– مُريد البرغوثي


لغةٌ سريّة منذ آلاف السنين

لطالما سيطرَت فكرةُ قُدرة الأشجارِ على التحدثِ على عقلِ الإنسان، ولسنواتٍ عديدة تمّ طرح الفكرة ومُعالجتِها بأكثرِ من طريقة؛ سواءً من خلال الرواياتِ أو الأفلام أو حتى برامجَ الأطفال. ولكِن، هل يتوقفُ الأمر على خيالِ الكُتّاب والمُخرجين فقط؟ أم أن للأمرِ وجهٌ آخر، وزاويةٌ أخرى للحقيقة؟

حين تنظرُ لغابةٍ بالعينِ الداروينية -نسبةً إلى تشارلز داروين صاحب نظرية التطوّر- سوفَ ترى أشجارًا فرديّة تُقاتِل بعضها في سبيلِ الحصولِ على مواردٍ محدودة كالماءِ وأشعّةِ الشمسِ، إلا أن فكرة ”البقاء للأصلح“ الذي تبناها داروين باتت تُثبت أنها على خطأ يومًا بعد يومٍ، فقد أظهرت الأبحاث أنّ للأشجارِ علاقاتّ أكثر تعقيدًا، فهي تتعاونُ وتتشارك تلك الموارد، بل وتُحذّر بعضها أيضًا في حالاتِ الخطر، مما يجعل البعض يُشبهها بالعائلة أو الأصدقاء القُدامى.

ويُعدّ ”بيتر فولبين“ خبير الغابات الألمانيّ ومؤلف كتاب ”الحياة الخفيّة للأشجار“ من أكبر مؤيدي هذا التحوّل في كيفيّة حديثنا عن الأشجار. قد تبدو الأشجار من بعيد وكأنّ كُلًّا منها منزويةٌ في عالمِها الخاصّ، ولكن الأرض التي تقبعُ تحت قدميْكَ لديها حِكايةٌ مُختلفة لتُحكَى.

فلدى الأشجار عِدّة طرقٍ للتواصل، ومن أبرزها التواصل عبْـرَ شبكاتٍ فطريّة في باطنِ الأرض؛ وتحديدًا حولَ أطرافِ جذوعِهم. وتمدّها تلك الفطريّات بالعناصر الغذائية اللازمة في حين تمدّها الأشجار بفائضِ السُكّر الذي تُكونّه من خلالِ عمليّة البِناء الضوئي.

ويقول توماس كراوثر، عالِم البيئة والمُساعد في المعهد السويسري للبحوث: ”لقد استطعنا رسمَ أول خريطة عالميّة لتلك الفطريّات، والتي تُعدّ ضروريّة للغاية لنموّ الأشجار حولَ العالم، وتمامًا مثلما يُساعدنا الرنين المغناطيسيّ في فهم نشاطِ المخّ فإن هذه الشبكة الفطريّة تُساعدنا على فهمِ نشاطِ الغابات.“


وأكملَ كراوثر حديثَه قائلًا أنهم قد وجدوا أن أكثر من ٦٠٪ من أشجارِ العالم مُرتبطةً ببعضِها البعض من خلال تلك الفطريّات والتي تكثُر في المناطق البارِدة.

وقد وجدَ العُلماء أنّ تلك العلاقة المُتبادلة لا تتوقف عند هذا وفقط، بل تمتدُّ تلك الشبكة حتى تصلَ إلى بقيّةِ الأشجار التي تُجاورها. أيْ أنّ للأشجارِ لغةٌ سريّة تتواصلُ بها مع بعضِها البعض، وفقط لأننا لا نفهم لغتَهم لا يعني أنهم لا يمتلكون واحدة.


لا تمدّ شجرةٌ أغصانَها في وجهِ الأخرى

تشعرُ الأشجارُ الأكبر سنًا أو كما يُلقبّها البعض بالأشجارِ الأمّ بمسؤوليةٍ تقعُ على عاتقِها تجاه الشُجيراتِ الصغيرة، والتي قد لا تصلُها الشمس بشكلٍ أو بآخر، فتُقدم لها كل ما تحتاجه من غذاءٍ عبر شبكتهم الخفيّة. فالأشجارُ لا تمدّ أغصانَها أبدًا في وجهِ أصدقائها أو جيرانِها.

وقد وجدت بعض الأبحاث أن الأشجارَ لديها القُدرة حتى على التمييزِ بين أطرافِ جذورِ الأشجار المتصلّة بها، وبالتالي تعرفُ إلى أين تُرسل العناصر الغذائية بالتحديد.

ولكِن، هذه العلاقة القويّة والشبكة التي لا تنقطع بسهولةٍ تمتلكُ جانبَها المُظلم أيضًا؛ فبعضُ النباتات الصغيرة تتطفلُ وتخترقُ هذه الشبكة لتسرقَ خلسةً بعضَ الطعامِ، وهُناك فصائلُ أخرى مثل أشجارِ الجوزِ الأسود والتي تَفرزُ بدورِها موادًا سامّة وتبدأ بالانتشار بسرعةٍ كبيرة حتى تقضي على كل من يُجاورها. فالأشجارُ في نهايةِ الأمرِ كائناتٌ حيّة، منها من يُحبّ أن يأخذَ بيدِ من بجانبِه ويرتقيا معًا، ومنها من يُفضّل أن يلمعَ وحدَه حتى وإن تطلّبَ ذلك إطفاءَ كل من حولِه.


الأشجارُ تشِنُّ حربًـا

تحدثت سوزان سيمارد، الباحثة في مجالِ الأشجارِ في جامعة كولومبيا قائلة: ”إن الأشجارَ تستفيدُ من التعاونِ مع بعضِها البعض، فهيَ تتشاركُ كل شيءٍ تقريبًا. بدءًا من غِذائها ووصولًا إلى تلك الإشارات التي تُرسلها الأشجار الأم لصِغارِها والتي تُصبح بالنسبة لهم بمثابةِ حاصنًا من الخطرِ الذي يتربصُّ بهم“

واستنبطت سيمارد أن الأشجارَ في بعضِ الأحيانِ أيضًا تشنّ حربًا على أعدائها ما إن يبدؤوا العداوة؛ ففي جنوبِ الصحراءِ الكُبرى في أفريقيا تبعثُ أشجارُ الأكاسيا إشارةَ استغاثة حينَ تعضُّ زرافةً ما أوراقَها، وفورَ أن تلتقطَ شجرةٌ قريبةٌ إشارتها حتى تبدأ في الزيادة من مُستوى الحمضيّة في أوراقها ما يجعلُها غير مُستساغة للأكلِ من قِبَل ذاتِ الزرافة.

ويُشيرُ بعض الأشخاص إلى أنّ هذا التعاون والتواصل الذي يربطُ بين الأشجارِ يدلّ أنّ لديها مُستوىً مُعينًا من الإدراكِ، بينما يُعارضُ آخرون مُحتجّين بأنهم قد مُنِحوا فقط قُدراتٍ من الخالقِ – عزّ وجلّ- وميزها بهم تمامًا مثلما ميّز الإنسان بالعقل، وأن الغابات لا يُمكن أن تكون واعيةً بما يحدثُ حولَها، فهي فقط تسيرُ تبعًا لنظامٍ مُحددٍ لها.



الأشجارُ تتعلمُ من أخطاءِ الماضي

إن للأشجارِ شخصياتٌ مُختلفة أيضًا، تمامًا مثلُنا، على سبيلِ المثال؛ هُناك ثلاثُ شجراتِ بلوطٍ مُتقاربة في غابةٍ ما، في الخريفِ، تبدأُ إحداهنّ في إسقاطِ أوراقِها قبل الأخيرتين، ولكن لماذا؟ لماذا تتصرفُ على هذا النحوِ رغم أن الثلاثة يتعرضنَ لنفسِ كميّة أشعّة الشمسِ، وجذورهنّ كلها في نفسِ التربة؟

وهُنا يقعُ تمامًا عامِلَ الخبرة، والذي يُفرّق بين شجرةٍ وجارتِها، فتلك الشجرة بالتأكيد قد تعلمت من درسِها السابق، وتعلم أن كلما طالت مُدّة احتفاظِها بأوراقِها، زادت احتماليّة إصابتها بمرضٍ ما.

فالأشجارُ تشعرُ، تفرحُ، تغضبُ وتُكوّن ذِكرياتها الخاصّة، ومثلما قال مُريد؛ فالأشجارُ بالأكثرِ تُعطينا درسًا في فنّ المُقاومة الذي تبرعُ فيه، فهي تُقاوم رياح الخريفِ ومطرَ الشتاء، ولكنها لا تُقاومهما وحدَها بل يُقاومنَ جميعهنّ سويًا وكأنهنّ شجرةٌ واحدة مُتعددة الفروع.


بلادٌ مُغرمةٌ بالأشجارِ

ولأنّ الأشجارَ تُحب الحيـاة، فهي لا تقتصرُ على مُساعدة من يُشبهها فقط ليحيا آمنًا وسعيدًا، ولكنها أيضًا تُساعد الإنسان بأكثرِ من طريقة. وقد أجرى عُلماء من جامعة شيكاغو عِدّة أبحاث عن عالَمِ الأشجار الحافل بالمفاجآت، ولم يُخيبّ آمالهم هذه المرّة أيضًا.

فقد استنتجوا أن العيشَ بجانبِ الأشجارِ ينعكسُ إيجابيًا على كُلٍ من صحةِ الإنسان الجسديّة والنفسيّة. فمثلًا؛ اتضحّ أن التجوالَ بين أشجارِ البلوطِ يؤدي إلى تعديل ضغطِ الدم وأن قضاء بعضَ الوقتِ برفقةِ أشجارِ الصنوبَر تُساعد في التخلصِ من الاضطراباتِ النفسيّة.

ولهذا؛ أريدُ أن أقدم لكم في نهاية مقالي اليوم  أشهر الدول المُغرمة بالأشجارِ بمختلفِ أنواعِها:

سنغافورة

تحتلُّ سنغافورة المرتبة الأولى في زراعةِ الأشجارِ والاعتناءِ بها، حيثُ أصدرت حكومتها عام ١٩٦٧ قرارًا بزراعةِ ١.٢ مليون شجرة. والآن، وبعد حوالي ستين عامًا، أصبحت الأشجارُ جزءًا لا يتجزأ منها.

سويسرا

تحتوي سويسرا، وبالتحديد مدينة جنيف على ٢١.٥٪ من مجموعِ الأشجارِ في العالم، وهي في زيادة مستمرة، مما يجعلُها قِبلةً مُميزة لمختلفِ السائحين.

في المرة القادمة عندما تسيرُ بالقُربِ من غابةٍ ما أو مجموعةٍ من الأشجارِ، لا تنسَ أن تمنحَ ذاتك بضعةَ دقائق لتُصغِي لهمسِ الطبيعة.

اقرأ أيضًا: تُظهر الأحلام ما كان الواقع يخفيه.. كيف يعكس تفسير أحلامنا مكنونات صحتنا الجسديّة والنفسيّة؟

المراجع:

ذو صلة

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة