تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الحمقى و التافهون في حياتنا… ضرورة لا بد منها!

التافهون والحمقى في حياتنا
د. بتول محمد
د. بتول محمد

7 د

التافهون في حياتنا … تعجُّ الحياة بمختلف الشخصيات، ويخلق هذا الاختلاف نوعًا من التجدد المستمر والتنوع الطبيعي الذي يجعل لكل شيء معنىً، فهذا العالم يحتاج المجتهد والكسول، المحب والكاره، الذكي والأحمق، التافه مقابل المثقف، والمثابر وصاحب الرؤية.

عندما نمشي في الشارع، وننظر إلى الوجوه نرى تنوعًا من الشخصيات، وتُظهر الملامح اختلافًا كبيرًا بين فرد وآخر، فلكل شخص همومه واهتماماته، وطريقته في معالجة الأمور في حياته، فبعضهم يعطي للحياة قيمة ويسعى بكل طاقاته للنجاح والتفوق، ولاكتساب العلم والمعرفة، والبعض الآخر يرى أنه من الممكن اختصار هذه الحياة من خلال بناء علاقات سطحية مع الآخرين، ومن الاكتفاء بكل ما هو غير ذي معنى في الحياة.

كل ما سبق يعني أن الحياة هي هذه المتناقضات التي تكمل بعضها بعضًا، وربما يكون هذا ما دفعنا لتسليط الضوء على أهمية وجود الحمقى و التافهين في حياتنا انطلاقًا من أن المتناقضات هي جزءٌ من حياتنا لا يمكن التغاضي عنه.

اقرأ أيضًا: 10 افكار خاطئة في المجتمع تمنعنا من التقدم وإحراز أي إنجاز في حياتنا.


ما هو تعريفنا للتفاهة؟

يرد معنى التفاهة في معجم المعاني الجامع، وجمعها توافه، أما مصدرها تفهَ ويشير إلى النقص في الأصالة والإبداع والقيمة.

ويعرفها آلان دونو في كتابه نظام التفاهة بأنها سلوك تمارسه بعض الأنظمة التي تجعل مجموعةً من التافهين في حياتنا ومنعدمي القيمة قادرين على اتخاذ القرار، وتطلق أيديهم ضمن نظام يعتمد التواطؤ والتآمر، ويجعل من السطحية أساسًا وضرورة.

وعليه يمكننا تعريف التفاهة من وجهة نظرنا بأنها: سلوك يقوم به الكثيرون منذ بدء الخليقة، يتصف هذا السلوك بالدونية والنقص، ويعتمد في أساسه على النسخ المشوهة، بعيدًا عن الإبداع والفرادة، يتمثله الكثيرون ويعتادون عليه لأنه سهل لا يتطلب منهم بذل الكثير من الجهد.

اقرأ أيضًا: لغة جوفاء، تعقيدٌ مفتعل وإغراقٌ في التخصص: نظام التفاهة الذي أغرقنا فيه القرن الواحد والعشرين.


لماذا نحتاج الحمقى و التافهين في حياتنا؟

في هذا الواقع الذي نعيش ضمنه، يبدو السؤال أعلاه منطقيًا جدًا، فأولئك الذي لا يرغبون ببذل المجهود تجاه شيء في الحياة، ومن لا يرغبون بالقيام بأي شيء ذي قيمة حقيقية، يمثلون نسبة كبيرة من الناس اليوم، مع التأكيد على أننا لسنا هنا بصدد تحديد تلك النسب بدقة، ولكن نظرة بسيطة حولنا تظهر لنا بوضوح تام أن هناك الكثيرين اليوم ممن قد يقضون نهارهم بأكمله يمارسون تسجيل فيديوهات غير ذات معنى، لتصبح هذه التسجيلات عبارة عن عروض جنسية واضحة لا هدف منها إلا شد المتفرج.

لا يتوقف الأمر عند ذلك، فاليوم يعيش أغلب المراهقين ضمن قالب لا يحتوي إلا جملة من الأفكار السطحية التي ترتكز على محبة الألعاب الإلكترونية الخالية من أي إبداع، أو الاهتمام بالحصول على أكبر عدد من المتابعات ضمن صفات مواقع التواصل الاجتماعي.

كل ما سبق يضعنا أمام جملة من الأسباب التي تجعل من التافهين في حياتنا والسطحيين والحمقى ضرورة لا بد منها، وقد يكون من أهم هذه الأسباب:


التمييز بين الجيد والرديء

قد يكون أول الأسباب التي تجعلنا نقبل السطحيين و التافهين في حياتنا، أننا سوف نكون قادرين على التمييز بين ما هو جيد بالفعل، وما هو رديء، فالمتناقضات تظهر بوضوح في المجتمع، فلو كانت الحياة عبارة عن لون واحد، لما كان باستطاعتنا تمييز الألوان، وكذلك الأمر بالنسبة للكثير من الصفات، فالكاذب يظهر في مقابل الصادق، وصاحب الرؤية يتميز بوضوح تام أمام الضحالة والحمق.

قد يكون الكلام السابق مؤلمًا بالنسبة للكثيرين ولكنه في الحقيقة مهمٌ وضروري، فاليوم هناك الكثيرون ممن يعتقدون بأن التحرر مثلًا يتمثل في أن ترتدي ملابس رثة، وأن تهمل نظافتك الشخصية، وتترك شعرك غير مرتب، أو أن تستطيع تعاطي المنوعات كدلالة على أنك قد أصبحت من أتباع اللامبالاة والعبثية.

من جانب آخر نجد الكثيرين اليوم يرون أن الحياة يجب أن تختصر في حالة اللامبالاة وفقدان الانتماء، فما يعيشونه كافٍ من وجهة نظرهم، ولذلك من غير المهم أن يكونوا منتمين أو أصحاب رؤىً خاصة، وهذا ما يجعلهم يقدمون في الحياة أقل ما يمكن، ويرون أنه كثير، وأن الاهتمام بالشكل والمظهر هو الأساس، ونجدهم ينتمون لجملة من التوافه التي تحول حياتهم إلى عملية تقليد أو تكرار لا أكثر.

كل ما سبق يجعل الجيد يظهر، ويميز الأصيل والفريد عن النسخ المشوهة والمكررة، ويجعل الحياة تتوازن لأنها لو كانت لونًأ واحدًا لما كان لها أي معنى.


التحرر من الجدية المفرطة

تجبرنا الحياة التي نعيشها على نمط من الجدية يحولنا أحيانًا إلى أشخاصٍ جامدين غير قادرين على الشعور بالفكاهة، فالعمل لساعات طويلة، والظروف الاقتصادية القاهرة وأحيانًا رغبتنا بالنجاح والتفوق تفرض علينا أن نكون أكثر جدية، وأقل حماسًا تجاه الفرح، وكثيرًا ما ننسى كيف نبتسم، وتبدو السعادة مغيبة عن حياتنا اليومية.

هنا وفي لحظة ما نلتقي مجموعةً من الأشخاص المختلفين عنا، أشخاص تختصر الحياة بالنسبة إليهم بصور يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بأحاديث تتعلق بالحفلات والاستقبالات وربما بقراءة الفنجان، وبكيفية جعل الحبيب أو الحبيبة خاتمًا في الإصبع.

أولئك الأشخاص قد يكونون سببًا في تركنا للجدية في بعض الأحيان، وقد تجعلنا أحاديثهم غير ذات المعنى ننسى قليلًا أننا في مواقع أخرى علينا أن نكون رسميين وجديين.


التغلب على ضغوطات الحياة

قد تكون التفاهة في بعض الأحيان حلًا للخروج من ضغوطات الحياة، فالابتعاد عن الأحاديث الجدية والمعلومات المكثفة قد يجعلنا نعود لأعمالنا ونحن أكثر قدرة على تحمل الواقع الذي نعيشه.

يعمل أغلبنا اليوم لساعات طويلة جدًا وهذا يجعلهم يصابون بأمراض كثيرة بدءًا من الإرهاق، وأحيانًا يكون إدمان العمل أيضًا حالة عامة، تدفعهم للشعور بأنه ما من وقت للاستراحة، ولا يمكن لهم أن يقضوا وقتهم دون القيام بعمل مفيد وجدي.

كل ما سبق قد يكون سببًا كافيًا لنبني علاقات مع أشخاص مختلفين عنا باهتماماتهم ورغباتهم وحتى بأسلوب حياتهم، لأن ذلك قد يجعلنا نخفف من الضغوطات التي نعاني منها، وقد يدفعنا للاستمتاع بالحياة وفق منظور جديد، منظور يعتمد على بناء علاقات لا تترك أثرًا طويل الأمد، مضمونها لحظاتٍ مؤقتة من السعادة والتحرر.


بناء نظرة جديدة حول الكون

يميل الكثيرون لاعتبار أن وجود الأشخاص السطحيين في حياتنا يسهم في بناء نظرةٍ جديدة للكون، كأن يرى البعض بأن هؤلاء يدفعوننا لفهم الآخرين بشكل أفضل، ولمعرفة كيفية التعامل مع الحياة بتبسيطٍ شديد، وربما يكون من الجيد أحيانًا أن نعيد النظر إلى العالم وإلى من يشاركوننا هذا العالم، كي نقبل أن الحياة تتكامل بالاختلاف وتستمر بقبولنا أننا لسنا وحيدين، فبدون الآخر الأنا مستحيل كما يقول هاينرتش جاكوبي، وهذا يضعنا أمام حقيقة أن وجودنا مع الآخر ضرورة لا بد منها، وأن الآخر المختلف حقيقة لا يمكن التهرب منها، وأن بعض الاختلاف قد يعني وجود أشخاص يميلون للثرثرة في الحياة، وللاهتمام بما نجده تافهًا ولارتكاب الحماقات التي ننتقدها في حياتنا، ورغم ذلك يبدو هؤلاء الأشخاص ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها.


الحصول على التسلية والمتعة

يرى بعض الناس أن الجلوس مع الأشخاص التافهين في حياتنا يخفف من الاكتئاب، ولذلك يميل الكثيرون إلى بناء علاقات ودية مع أشخاص لا يهتمون إلا بالرحلات والحفلات ويميلون إلى جعل كل الموضوعات سطحية، ويعيرون اهتمامهم للثرثرة وقد تصل ثرثراتهم أحيانًا لحدّ يسببون فيه الأذى للآخرين.

وعلى الرغم مما سبق قد يكون من النافع أحيانًا أن نعير اهتمامنا لأولئك الأشخاص الذين يميلون للثرثرة والتفاهة في حياتهم، وذلك بهدف الحصول على التسلية اللحظية التي تنتهي بمجرد انتهاء الحديث، ولكن مع الانتباه لعدم التورط في أحاديث قد تسبب الأذى للآخرين، وقد يكون الاستماع أحيانًا كافيًا لنحصل على بعض المتعة.

ذو صلة

في النهاية، لا بد أن نقول بأن كل ما سبق يعبر عن وجهات نظر مختلفة ولكنه لا يحصرها كافة، فقد نجد من يرى أن ما سبق لا يقارب الواقع وأن مفهومنا عن التفاهة قد لا يكون صحيحًا، فلا ضير من وجود أشخاص يهتمون فقط بالمظهر، فالحياة تثبت يومًا بعد يوم بأن من يهتمون بالجوهر متعبون ومحملون بأثقال لا يستطيعون الخروج من تحتها، وهنا تتبلور العلاقة بين الجوهر والمظهر، ويبدو ما جاء به ايرك فروم أساسيًا ومهمًا لفهم الحياة على حقيقتها، فنحن نختار ما نرغب به حقًا، ونكون مسؤولين عن خياراتنا، والتفاهة، شئنا أم أبينا، ستودي بنا في وقت من الأوقات إلى انهيار تدريجي في الحضارات، إذ إن هناك فرقًا شديدًا بين فعل المحبة المبني على معرفتنا لجوهر الإنسان، وبين العلاقات السطحية المبنية على أسس واهية ومتبدلة وغير مستمرة.

نعم، نحن نحتاج في هذه الحياة الألوان كافة، ولكننا نستمر ونتطور من خلال الفعل الأصيل والفريد، الفعل المتميز ببنية أخلاقية ونفسية متوازنة تدفعنا لعيش الحياة بشكل أفضل.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة