سر حياة الشهبندر
5 د
مساهمة: أشرف صلاح
يمكنك إرسال مساهمتك إلى أراجيك عبر البريد الخاص برئيس التحرير [email protected]
(1 )
عندما تطلع على سر حياة شهبندر التجار محمود العربي تتجسد أمامك مقولة الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف " دلوني على السوق "
وقد قالها بعد خسارته لكل ما يملك وهجرته إلى المدينة، بعد أن كان من أثرياء مكة، وقد آخى النبي الكريم بينه وبين سعد بن الربيع، فقال له سعد " أنّي من أكثر أهل المدينة مالًا، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما شئت حتى أنزل لك عنها.
فقال له بن عوف: بارك لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فاشترى وباع وربح، حتى صار من أكثر المسلمين مالًا.
ثم تتجسد أمامك المقولة الأخرى للصحابي الجليل " لقد رأيتني بعد ذلك ولو رفعت حجرًا لظننت أني سأصيب تحته ذهبًا أو فضة "
هكذا السوق وما تتوافر فيه من فرص تحتاج فقط إلى من يكتشفها وإلى من يقنصها، فيفوز فوزًا عظيمًا.
(2)
وأنت تطلع على سر حياة الشهبندر لا بد وأن يقف أمامك نداء سقراط " أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك "، أي اعرف قدراتك وإمكانياتك جيدًا، فماذا لو لم يكتشف محمود العربي في سن مبكرة أن موهبته الرئيسية تتمثل في التعامل مع الناس واكتساب ثقتهم، وأن له أسلوبه الخاص في البيع والشراء يميزه عن غيره من البائعين.
من هذه المعرفة بالنفس حدد محمود العربي وجهته بأن يعمل في التجارة ولا يجد نفسه عاملًا في إحدى ورش العطور في الموسكي يغلق ويغلف زجاجات العطور.
(3)
إذا كنت آمنا معافى في بدنك وتجد قوت اليوم فأنت بذلك تكون قد ملكت الدنيا وما فيها، تملك البنية الأساسية التي تمكنك من تحسين حياتك إلى الأفضل وتسعى إلى ما تريد تحقيقه، لن تكتفي بما أنت فيه، وسوف تسعى إلى المزيد والمزيد، الله قد أمرك بذلك، فقد جعل لك الأرض ذلولا لتمشي وتسعى في مناكبها وتأكل من رزق الله الموزع في كل مكان على الأرض الواسعة.
في البداية، كان العربي يعمل في أحد محلات البيع بالتجزئة لسبع سنين ثم بقي في محل للبيع بالجملة خمسة عشر عامًا، يتعلم الأسرار ويبني العلاقات ويخلق الثقة والسمعة الجيدة، ويتطلع إلى المستقبل الأفضل ويدعو الله أمام الجميع " يا رب مئة ألف جنيه ومحل الشهاوي " وهو الذي يتقاضى راتبًا لا يتعدى أربعة جنيهات.
لعل أهم المبادئ في التجارة التي تعلمها محمود العربي وسوف تلزمه طوال الرحلة وتعتبر من مقومات النجاح الرئيسية، مبدأ عم رزق " اكسب قليلًا، وبعّ كثيرًا " هذا يساعد على سرعة دوران واستعادة رأس المال واستخدامه في دورات وعمليات تجارية أخرى مما يزيد من الربح على المدى البعيد، ولكنه يحتاج إلى همة دائمة ونشاط وجهد مضاعف لتحقيق معدلات البيع المطلوبة.
الفكرة الأساسية التي يتميز بها التاجر اليهودي عمومًا؛ هي كيفية كسب الزبائن والحفاظ عليهم لأكبر وقت ممكن واتباع كل الطرق والوسائل التي تؤدي إلى ذلك، والأخذ بيد التاجر المتعسر بما يضمن استمرار التعامل والعمل المشترك واستمرار نشاطه في تصريف البضائع والمنتجات، حتى ينجح في النهاية في تجاوز عثرته وسداد ما عليه من ديون، فتتحقق معادلة الربح للجميع " أنت تربح، وتساعد الآخرين أيضًا على الربح أو على الأقل عدم الخسارة ".
فالحكمة هي ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أولى وأحق بها من غيره.
(4)
قيمة الإنسان الحقيقية في كم ومقدار النفع الذي يمكن أن يقدمه للناس، فأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وهذه هي القيمة التي قادت محمود العربي إلى عدم الاكتفاء بأعمال التجارة فقط وما حققته من مكاسب مع أقل قدر ممكن من المخاطر، والوصول إلى قمة النجاح في الحصول على توكيل شركة توشيبا اليابانية وتوزيع منتجاتها، إذ اتخذ القرار بالاتجاه إلى التصنيع رغم المخاطر والصعوبات والتحديات التي سيواجهها؛ سعيًا إلى تحقيق القيمة العليا ونفع أكبر عدد ممكن من الناس، إذ أن الصناعة هي المجال الوحيد القادر على جمع وحشد أكبر عدد ممكن من الناس وتشغيلهم والارتقاء بهم من جميع النواحي ورفع مستوى معيشتهم وتنمية مهاراتهم وتطويرها .
لم يقتصر الأمر على مجرد التصنيع للتصنيع، بل تعدى ذلك إلى تصنيع المنتجات التي تُصنّعها شركة مثل شركة توشيبا اليابانية بنفس مستويات الجودة والإتقان وما يتطلبه ذلك من إمكانيات وقدرات وتحديات أقرب إلى المستحيل في ظل بيئة عمل وظروف اقتصادية وتعليمية محلية لا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بالإمكانيات وبيئة العمل المتاحة في اليابان، الأمر الذي جعل اليابان في مصاف الدول التي تقدم أعلى مستويات الجودة على مستوى دول العالم أجمع.
نجح العربي بالتخطيط والعمل الجماعي والتوكل الحقيقي على الله وصدق وحسن الظن بالله بأنه لن يخيبه أبدًا، فالهدف الأساسي من وراء ذلك كان تقديم النفع للناس والتأثير في حياتهم، والتغيير الحقيقي الذي لن يكون إلا على أرض الواقع، بعيدًا عن الأفكار النظرية البحتة دون استخدامها وتجربتها تجربة حقيقية، وهو الذي نجح محمود العربي في تحقيقه، وإقناع أجيال وأجيال من الشباب بالدليل العملي بأن النجاح أمر ممكن وجائز ومشروع .
" تشهد شركة توشيبا أن نظام تأكيد الجودة الموجود فى شركة العربي يماثل تمامًا الجودة اليابانية "
السيد /كانجي أودا
المدير التنفيذي لقطاع الفيديو والإلكترونيات – مؤسسة توشيبا
(5)
ما إن عرف محمود العربي، أن ما نسبته 5% فقط من الشركات الكبرى تستمر في ممارسة أنشطتها حتى الجيل الرابع، وضع هدفّا أن تكون شركة العربي من هذه الـ 5%، ودافعه الأساسي في هذا "تقديم النفع إلى أكبر عدد من الناس"، والحلم أن يصل عدد العاملين في مجموعة شركات العربي إلى 200 ألف عامل وموظف، وقد كان حريصًا كل الحرص على أن يكون هذا الحلم هو حلم الأجيال بعده، ومن هنا كان قراره الأخير بالتوجه إلى حوكمة الشركة والفصل بين الملكية والإدارة ووضع نظم وأدلة عمل ومجلس إدارة مكوّن من مهنيين محترفين ومؤهلين لاتخاذ القرارات المناسبة لظروف وبيئة العمل المتغيرة والمتجددة، وقد لا يضم مجلس الإدارة أحد المؤسسين ضمن أعضائه، وتقوده القيم والمبادئ التي وضعها المؤسسون والتي تمثل دستور عمل دائم وثابت للشركة لا يمكن تخطيه أو تجاوزه مهما مرت السنين .
(6)
رغم صعوبة تحقيق النجاح لكنه سهل إذا أخذت بالأسباب ونهيت نفسك عن الهوى والطمع وحب الشهرة والتطلع إليها، وإذا مارست عملك المكلف به وفق الفطرة التي خلقك الله عليها، من الصدق والأمانة والسعي والتقوى والإتقان والإحسان والرغبة في التميز والاستعانة بالخبراء والمتخصصين والمهنيين والحرص على نفع أكبر عدد من الناس والتوكل على الله وحسن الظن به.
هذه هي توليفة وبديهيات النجاح، وهذا هو سر حياة الشهبندر محمود العربي.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.