مراجعة مسلسل How I met your Father محاولة اقتباس فاشلة لمسلسل ناجح

في السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة أعمال الـ Spin off؛ أي الأعمال المشتقة أو المستوحاة من أعمال قديمة مشهورة، وتقديمها في عالم مختلف وشخصيات مختلفة، مع إبقاء خيط وصل رفيع بين العمل الأصلي والعمل المشتق، على عكس الـ Sequel أي التتمة، حيث إن العمل يستمر مع شخصيات ثانوية وجدت في العمل الأصلي ويحمل طابعه نفسه بلا أي تغيير.

تعد الأعمال المشتقة مخاطرة حقيقية، خاصة إذا استوحت من أعمال حققت شهرة واسعة وتمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة، فالحب الذي يحمله المشاهدون للعمل الأصلي، قد يجعلهم غير قادرين على تقبل العمل المشتق بسهولة، أما بعضها الآخر فقد حقق شعبية ونجاحًا يفوق الأصل، إن الأساس لنجاح عمل مشتق يعود إلى دقة الاقتباس واختيار الممثلين، وطبعًا القصة التي يحملها العمل. 

في هذا المقال سنقوم بتقديم مراجعة شاملة لمسلسل مشتق آخر هو How I met your father الذي أصدر موسمه الثاني منذ أيام قليلة، والمشتق من واحد من أشهر مسلسلات السيتكوم الأمريكية How I met your mother لكن العمل المشتق نال الكثير من الانتقادات والمقارنات السلبية ولم يحقق النجاح المتوقع منه مع الأسف 

في نفس أجواء العمل الأصلي، تدور أحداث المسلسل المشتق حول صوفي التي تروي لابنها في المستقبل عبر اتصال الڤيديو عام 2050 كيف التقت بأبيه، فتعود بذاكرتها إلى عام 2022 حين كانت صوفي الشابة ذات الـ 29 عامًا يائسة من البحث عن الحب الحقيقي، بعد عدد قياسي من المواعيد الفاشلة عبر تطبيق تيندر الشهير.

تعمل صوفي مصورة فوتوغرافية، وتعيش مع صديقتها وزميلة سكنها ڤالنتينا في مدينة نيويورك، في أثناء ذهابها إلى موعد آخر مع شاب يدعى إيان تلتقي صوفي بسائق الأوبر جيسي الذي يعاني صدمة قوية بعد رفض حبيبته طلبه للزواج وانتشار مقطع ڤيديو مذل للغاية للواقعة على يوتيوب، وصديقه سيد المرتبط بعلاقة بعيدة المدى مع حبيبته الطبيبة في لوس أنجلوس.

إيان هو الرجل المثالي، لكنه لسوء حظ صوفي سينتقل إلى أستراليا مما يسبب لصوفي خيبة أمل قوية، فتعود إلى المنزل لتكتشف وجود تشارلي صديق ڤالنتينا البريطاني، الذي قطع نصف العالم كي يكون برفقتها، لاحقًا تكتشف صوفي أنها استبدلت بهاتفها هاتف سيد، فتذهب إلى الحانة الخاصة به كي تعيده إليه، هناك تتعرف بإلين شقيقة جيسي القادمة من آيوا فيشكل هؤلاء الغرباء مجموعة أصدقاء مترابطة وتستمر الأحداث في سرد صوفي البالغة لقصة لقائها بحب حياتها لابنها، كما فعل تيد موزبي سابقًا عندما أمضى تسع سنوات يخبر ولديه كيف التقى أمهم. 

يقدم العمل أجواء شبيهة بالعمل الأصلي، حيث تروي صوفي البالغة ذكرياتها عندما كانت شابة ومغامراتها مع أصدقائها في أثناء بحثها عن الحب الحقيقي في أجواء من كوميديا الموقف، والفلاش باك الذي تميز به HIMYM كما يسميه محبوه.

كانت الكوميديا المقدمة في العمل خفيفة متفرقة، لا يمكن وصفها بالرائعة أو حتى وضعها في مقارنة مع العمل الأصل، لكن أبرز ما في العمل كان بطلته هيلاري داف، التي عهدها البعض بدور ليزي ماغواير في المسلسل المعروف والذي اشتهرت به في مراهقتها، إذ يبدو أن هيلاري ما تزال تحمل ليزي في داخلها، فقد قدمت أداء جميلًا بعيدًا عن التصنع، وشكلت ثنائية مميزة مع فرانشا رايسا التي أدت دور ڤالنتينا، حيث رأى كثير من المشاهدين أن مشاهد صوفي وڤالنتينا كانت الأفضل، لكن خفة دم هيلاري داف وملامح وجهها البريئة لم تكن كافية، إذ إن هناك حدودًا لما يمكن لممثل واحد أن يفعله، فقد نال العمل انتقادات واسعة سواء من النقاد أو من عشاق العمل الأصلي، لأسباب مختلفة سنذكر بعضًا منها

حاول العمل ومنذ اللحظة الأولى أن ينقل أجواء المسلسل الأصلي، لربما كي يشعر المشاهد المخضرم بالألفة، فالشقة التي يعيش فيها جيسي وسيد هي نفس الشقة التي احتوت أغلب مشاهد المسلسل الأصلي، والتي شهدت صداقة تيد ومارشال، وقصة الحب الأسطورية بين تيد وروبن، كذلك أجواء الحانة التي لم تكن حانة مكلارن الشهيرة، لكنها هنا حانة سيد، والتي يبدو أن الجميع يقضون يومهم هناك، ومشاهد أخرى أيضًا ذكرتنا بالعمل الأصل، لكن هذه المحاولة جاءت بنتيجة سلبية، فقد بدا أنها محاولة غير ناجحة لإشباع الحنين إلى الماضي وإلى أجواء How I met your mother المألوفة، خاصة مع ظهور بعض شخصيات المسلسل الأصلي كضيوف شرف، لكن هذا لم يساعد في دعم العمل كثيرًا وجعل المسلسل المشتق يبدو نسخة سيئة من مسلسل محبوب.

يقوم العمل في أساسه على وجود صداقة متينة بين مجموعة متنافرة من الناس كما كان الأصل، لكن ما حدث هو أن المسلسل جمع بين مجموعتين مختلفتين ودمجهم معًا بشكل غير منطقي، نحن قادرون على فهم علاقة صوفي وڤالنتينا فهما صديقتان وشريكتا سكن، أما سيد وجيسي فهما أيضًا صديقان قديمان وصوفي تحمل انجذابًا تجاه جيسي، لكن وجود إيلين المزعجة التي تعاني من حالة شديدة من مشاكل الهجران، وتشارلي الذي انضم إلى المجموعة بصفته حبيب ڤالنتينا البريطاني الثري ذا الشخصية الكرتونية كان أمرًا غير موفق.

إنهم أناس مختلفون بشكل واسع، لا رابط بينهم إطلاقًا، مما خلق فراغًا يستشعره المشاهد منذ أول حلقة، خاصة أن الكوميديا الدائرة بينهم ربما باستثناء صوفي وڤالنتينا، كانت مصطنعة بعض الأحيان، بالذات شخصية تشارلي الذي يبدو أنه قادم من قصر باكينغهام مباشرة، حتى إنه غير قادر على التعامل بشكل طبيعي مع حبيبته المتهورة العفوية.

ولو عقدنا مقارنة بين العملين، فإن أبرز ما يمكن ملاحظته هو انعدام التجانس بين الأصدقاء الذين بالكاد يبدون مشاعر الصداقة تجاه بعضهم بعضًا.

حقق العمل في موسمه الأول تقييمات منخفضة، حيث كان تقييمه 5.5 على IMDb و 38% على Rotten tomato، إضافة إلى مراجعات سلبية انتقدت العمل بقسوة على أكثر من مستوى، أبرزها أنه لم يرتقِ إلى العمل الأصل، وأنه قدم كوميديا ضحلة سخيفة أكثر الأحيان على الرغم من إعجابهم بهيلاري داف الجميلة ذات العيون الدافئة إلا أنها وحسب رأي النقاد لم تكن مضحكة، كما أن فكرة وجود ممثلتين لنفس الشخصية كانت غريبة لا منطقية، حيث جسدت هيلاري دور صوفي الشابة أما صوفي البالغة التي تروي الذكريات للابن، فقد قامت بدورها كيم كاترال التي اشتهرت بدور سمانثا جونز في المسلسل الأمريكي الشهير Sex and the city.

لقد حمل هذا العمل أملًا برؤية مختلفة متجددة مشتقة من عمل محبوب شهير، لكن ما نجح فيه في الواقع هو إثارة حماسة النقاد على اقتناص الأخطاء والثغرات الموجودة فيه 

يعد How I met your mother من الأعمال الكوميدية الخالدة، فقد احتوى كل شيء، كوميديا صداقة رومانسية ونهاية جدلية لا تزال مدار كثير من النقاشات حتى بعد مرور سنوات على عرضها، إنه عمل يستولي على القلب أشبه بمغامرة رومانسية مليئة بالضحكات الحقيقية، لهذا السبب كان إصدار مسلسل مشتق منه مخاطرة ينبغي أن يحسب حسابها، فقد بدأت المقارنات منذ بداية الحلقة الأولى، الكل يبحث عن نقاط التشابه بينهما، وظهرت تساؤلات عديدة عن السبب الذي يدعو أي أحد إلى تقديم عمل مشتق أصلًا.

ربما لو لم تكن من محبي How I met your mother ستكون قادرًا على الاستماع بهذا العمل، لكن في واقع الأمر فإن How I met your father يفتقد شيئًا مهمًا حقًا هو الكوميديا الحقيقية.

غالباً ما يتم الحكم على المسلسل من الحلقات الأولى، لهذا تعمد منصات المشاهدة إلى طرح حلقتين في البداية كي يكوّن المشاهد فكرة واضحة عن العمل وقصته، ويكون قادرًا على إبداء رأي محايد حقيقي ويقرر إن كان يود الاستمرار في مشاهدته، لكن مع إصدار أول حلقتين من الموسم الثاني، يبدو أن المسلسل لم يستطع تلافي أخطائه بعد، على الرغم من التشويق الذي حملته الحلقة الأولى من الموسم الثاني والوعد بظهور شخصية محبوبة، لكن المسلسل ما يزال مفتقدًا إلى الانسجام والكوميديا، ومع ذلك يمكن أن نشهد تحسنًا ما في اللاحق من الحلقات، إذ إن كثيرًا من الأعمال التي بدأت بداية مملة بطيئة، أصبحت لاحقًا أعمالًا مشهورة مهمة نالت أرفع الجوائز والتكريمات.

ماذا عنك عزيزي القارئ هل أعجبك هذا العمل المشتق؟