تجنب التمطيط ومد عمر السلسلة.. لماذا نحب سلسلة أفلام هاري بوتر؟

هناك عدد محدود من سلاسل الأفلام التي نجحت في تكوين قاعدة جماهيرية كتلك التي يحظى بها هاري بوتر، وهي قاعدة جماهيرية مستحقة أسسها الفيلم وحافظ عليها على مدار8 أفلام كاملة، و10 سنوات أوقع خلالها الفيلم الكثيرين في حبه، من كل الأعمار، ولربما هي حالة تستحق الدراسة والتدقيق لأنها حالة نادرة أن تبقى أفلام من نوع الخيال والفانتزيا في الذاكرة كل هذه الفترة حتى بعد انتهائها رسميًا، لذلك سنسلط الضوء اليوم على الأسباب التي تجعلنا نحب سلسلة أفلام Harry Potter.

واحدة من الأشياء التي تجعل سلسلة Harry Potter وغيرها من سلاسل الفانتازيا الكلاسيكية تلقى رواجًا كبيرًا هي الاستناد إلى كتب أو مصدر مكتوب بعناية شديدة، وفي حالة أفلام Harry Potter فإن الكتب السبعة التي كتبتها JK Rowling أسست مصدرًا غنيًا بالتفاصيل تستعير منه الأفلام.

يمكن لعملية معالجة السيناريو سينيمائيًا أن تتسبب بمشاكل في السيناريو، ومن الصعب دائمًا الموازنة بين جعل الفيلم متسارع الأحداث وممتعًا، مع قصة مكتملة الأركان، إلا في حالة كون المصدر الذي تحاول الاستعانة به أكبر وأكثر تفصيلًا. لذلك يحب الجميع الأفلام المقتبسة عن روايات الكاتب Stephen King مثلًا، وكذلك شق مسلسل Game Of thrones طريقه نحو النجاح كونه مقتبسًا من سلسلة كتب A song of ice and fire للكاتب George R. R. Martin.

في حالة أفلام Harry Potter فإن الكتب احتوت على تفاصيل كثيرة لم تستطع الأفلام التطرق إليها سوى في تلميحات بسيطة، على الرغم من تعدي عمر جميع الأفلام الساعتين، وهو ما يشجع المشاهدين على البحث والقراءة حول المعلومات التي تمت الإشارة إليها في الأفلام، وكلما مر الوقت تجد النقاشات والمقارنات حول الأفلام والكتب أو بينها تزداد إثارة. هذه الحالة التي تخلقها الأفلام حالة نادرة لم تستطع سلاسل كثيرة الوصول إليها والنجاح في المحافظة عليها.

يمتلك سيناريو أفلام Harry Potter خطوطًا عريضة مشتركة بينها جميعًا، وهي بداية الأفلام كلها في مرحلة ما قبل العام الدراسي، وانتقالها لاستعراض عقدة (مشكلة) أو لغز غامض، ينكشف أو يُحل مع الوقت مثل سر الحجرة السرية في الجزء الثاني، وسر حجر الفيلسوف في الجزء الأول، أو حتى لغز Half blood prince في الجزء السادس، مع سيرورة الأحداث بالتوازي مع الحياة الدراسية اليومية للطلاب واهتمام الأفلام بجعلها عنصرًا ثابتًا في الأحداث.

مع انتصاف عمر الفيلم تقريبًا تأتي فترة الأعياد، والتي تغطى فيها المدرسة بالثلوج، ويحصل الطلاب على إجازة شتوية، تشتعل فيها الأحداث عادةً وتتسارع وتيرتها. ذلك النمط على الرغم من تكراره في كل الأفلام إلا أن لكل فيلم تفاصيله التي جعلته مميزًا فيما يقدم ولغزه الخاص المثير. أمضت الأجزاء الأولى وقتًا طويلًا في بناء جانب الشر وإعطائه هيبة وسمعة كبيرة، حتى إنه حينما ظهر بشكل رسمي في الجزء الرابع كانت كل الأوقات التي يظهر فيها على الشاشة مميزة ومخيفة على حد سواء.

على ذكر جانب الشر، قد يظن البعض بأن أفلام الخيال والفانتازيا نادرًا ما تقدم أشرارًا ذوي شخصيات معقدة وعميقة، ولكن Voldemort كان على عكس المعتاد، شخصية قوية ذات دوافع معقدة ومكتوبة بعناية مع وضع دوره في الأحداث، والذي لا نراه كله، في عين الاعتبار.

في الوقت الذي نرى فيه هاري بوتر، يكون فولدمورت عنصرًا من عناصر العالم المهمة، ويمتلك تاريخًا طويلًا من الشر قبل بداية أحداث الفيلم، ومع تقديمه للمشاهد نجد بأنه يحمل صفات الفاشيين. إذا قرأت عن موسيلين مثلًا، وقارنته بفولدمورت فالفرق لن يكون كبيرًا، كل منهما شخصية شريرة، طامعة في السلطة ولا تقبل المعارضة، يفتك بأعدائه، ويفعل أي شيء للاحتفاظ بالسلطة، والتخويف أداته الأساسية في ذلك.

وفي الوقت الوجيز الذي وصل فولدمورت (خلال أحداث Deathly Hallows Part 2) شاهدنا كيف انعكس ذلك على العالم إذ طُبق الفصل العنصري، وطبعت المنشورات المشجعة على العنصرية، وعزز دور الأمن كثيرًا. هذه ليست ألمانيا النازية يا صديقي، وإنما عالم السحر في سلسلة هاري بوتر.

ناهيك عن العلاقة المميزة بين الطلاب الثلاثة وبين شخصية هاجريد، ودمبلدور، وغيرهم. كل الشخصيات حصلت على وقتها الكافي ولحظاتها المميزة لتلمع على الشاشة، وهو ما يجعل كل الأفلام كقطع الأحجية التي تصطف لتكمل الصورة الكبيرة.

إذا شاهدت الأفلام فأنت تعرف ماذا يعني أن ترى عالم السحر لأول مرة على الشاشة الكبيرة، فكل ما فيه من تفاصيل مثيرة ومتقنة. اللوحات المتحركة، والمقشات الطائرة، وتعويذات الاختفاء، وسرب "البوم الزاجل" للمراسلات، وقبعة التصنيف، ورياضة الـ Quidditch ودروس السحر، ونقطة Diagon Alley لبيع مستلزمات الطلاب السحريين، ووازرة السحر وغيرها من التفاصيل التي كُتبت بعناية وظلت كذلك حتى انتهت سلسلة الأفلام.

تحيا أو تموت سلاسل الأفلام الخيالية بتأسيس عالمها بنجاح، فإذا نجحت في ذلك ظلت عالقة في أذهان الجماهير، وإذا فشلت ماتت سريعًا، لذلك نجحت سلسلة Harry Potter والتي سارت على طريق ثلاثية Lord of the rings الخالدة، والتي بذل الكاتب J. R. R. Tolkien جهدًا كبيرًا في كتابة الكتب التي استندت إليها، لدرجة أنه ألف لغات سكان منطقة Middle Earth الافتراضية، فقط لكي يستطيع جعل شخصياته تتحدث بها في أثناء أحداث الروايات.

لا شك أن سلسلة أفلام Harry Potter تمتلك بين عناصر تكوينها ما يمكن أن يجذب مختلف الأعمار إليها، ففي النهاية، الأحداث تدور حول مجموعة من الطلاب المدرسين في مراحل طفولتهم ثم مراهقتهم بكل ما فيها من علاقات معقدة، ورغبة في التميز ومشاكل تصاحب كل هذا.

أما عن الصورة الأكبر، فالقصة تسرد لك مرحلة مهمة في تاريخ الشر الذي أسسته السلسلة، ومحاولته للعودة والهيمنة من جديد. قصة قد تبدو كلاسيكية عن الحرب بين الشر والخير التي ينتصر الشر فيها في معارك، ويخسر الحرب في النهاية، ولكنها أيضًا تتم من خلال سيناريوهات مجنونة وممتعة، وبهدف أساسي نبيل، هو طرح السؤال الذي يتوجب علينا جميعًا التفكير فيه جيدًا. هل سنتخلى يومًا عن مبادئنا لننجح في التغلب على الشر؟

بجانب كل هذا، هناك من يشاهد السلسلة فقط لأنه محب لهذا النوع من العوالم الموازية والقصص الخيالية الغنية بالتفاصيل، ليس لأجل معركة الخير والشر، ولا رغبةً في خوض تجربة الحياة المدرسية.

تقع بعض السلاسل الكبيرة من الأفلام في فخ الإغراء الربحي، فيقرر الاستوديو المسؤول عنها حلبها والتوجه لتحويلها إلى سلسلة عملاقة بغض النظر عن الوقت الذي تحتاجه تلك الأفلام لتصدر بشكل لائق، وهو ما يؤثر على جودتها مع الوقت. حدث ذلك مع سلسلة أفلام Star Wars التي تعد الأكثر شهرة في أمريكا، ولكنها في الوقت نفسه بدأت تفقد بريقها بسبب استمرارها حتى بعد أن انتهت القصص التي تم التخطيط لها في البداية.

لم يحدث ذلك مع سلسلة أفلام Harry Potter، على الأقل في السلسلة الأساسية، وتم الانتهاء من الأفلام وطاقم التمثيل بمجرد أن وصلت القصة لنهايتها. نعم، يمكننا اعتبار ثلاثية Fantastic Beasts محاولة لتمديد عمر أفلام Harry Potter وتحويلها لمشروع ضخم على غرار عالم مارفل السينمائي ولكنها على الأقل تركت القصة الرئيسية ولم تعبث بها، وهو ما لم يحدث مع Star Wars.

النتيجة النهائية هي حصولنا على سلسلة أفلام مكونة من 8 أفلام كاملة، مصنوعة بإتقان وإخلاص كبيرين، تسرد أحداثًا متناسقة من البداية للنهاية، وتبقى غير ممسوسة إلى يومنا هذا خالدةً في ذاكرة محبيها، وذاكرة السينما أيضًا، كونها إحدى التجارب القليلة التي نجح فيها مزج السينما بكل عناصرها من كتابة وإخراج وتمثيل مع الخيال واستخدام المؤثرات البصرية بكثافة.

كانت هذه هي الأسباب التي تجعل سلسلة هاري بوتر بكل هذه الشعبية الكبيرة التي من الصعب أن تتكرر في عصر الصوابية السياسية وتسييس السينما، وانقسام هوليوود إلى أحزاب متناحرة.