تريند 🔥

🤖 AI

منيرة المهدية .. رائدة المسرح الغنائي

شيماء جابر
شيماء جابر

8 د


منيرة المهدية

امتلكت شهرة وشعبية واسعة بمجرد ظهورها على الساحة الفنية؛ لكونها جريئة جريئات عصرها، فهي أول سيدة تقف على خشبة المسرح في مصر والوطن العربى، وأول مغنية تقوم بتسجيل أسطوانات غنائية، كما عُرفت بوعيها الثقافي والسياسي، وساهمت في رواج الحركة المسرحية المصرية بشكل بارز، وأعلاء شأن المرأة، وكان لها سلطان وسطوة علي قلوب المستمعين.

أنها ( سلطانة الطرب – منيرة المهدية ) .. واحدة من رائدات ورواد المسرح الغنائي في مصر في عشرينيات القرن الماضي، والتي مرّ ما يزيد عن الخمسين عامًا على غيابها، و أكثر من المائة على بدء الغناء المصري.

منيرة المهدية 1


نشأتها وبدايتها الفنية:

كانت (منيرة المهدية)، واسمها الحقيقي (زكية حسن منصور)، (16 مايو 1885 – 11 مارس 1965)،  قد ولدت في الزقازيق، بقرية المهدية مركز ههيا التابع لمحافظة الشرقية في مصر، توفي والدها وهي صغيرة وتولت شقيقتها رعايتها، وبدأت رحلتها مع الفن من مسقط رأسها “ههيا” بالغناء في الأفراح والمناسبات في بلدتها الصغيرة، وذلك قبل أن يكتشفها أحد أصحاب المقاهي في القاهرة، ويُدعى (محمد فرج) أثناء تواجده في حفل زفاف غنت فيه ببراعة، فأعجب الرجل بصوتها وعرض عليها السفر والاستقرار في القاهرة والغناء في العاصمة.

وافقت منيرة المهدية على عرض صاحب المقهى، وذلك لرغبتها في الإنفاق على أسرتها التي أصبحت تعولها بعد وفاة والدها، وانتقلت (منيرة المهدية) إلى القاهرة عام 1905، وبعد أن استقرت بحي الأزبكية بالقاهرة، بدأت تتعلم أصول الغناء على يد إحدى أشهر مطربات هذا الحي وتدعي (سيدة اللاوندية) التي لقنت (منيرة المهدية) فأجادت وأبدعت ونجحت، حيث بدأت في الغناء من مقهى (قهوة فرج)، التي هي أشبه ما تكون بالملاهي اليوم، إلي أن انتقلت فيما بعد إلى ملهى (الأولدرادو)، وهو الملهى الذي سيصنع نجوميتها وشهرتها، وهناك ذاع صيتها، ولقبت بـ (سلطانة الطرب).


تأثيرها في الحركة الفنية:

كانت بداية ظهورها علي المسرح بالغناء بين فصول المسرحيات التي كانت تقدمها الفرق في العقد الثاني من القرن العشرين مثل فرق (عزيز عيد) و(جورج أبيض) و(سلامة حجازي). وكان ما تغنيه تقليداً لأغاني المطرب الشهير والنجم الغنائي الأول وقتها الشيخ (سلامة حجازي).

منيرة المهدية 2

شهد صيف عام 1915 وقوف أول سيدة على خشبة المسرح في مصر، وكانت (منيرة المهدية) هى صاحبة السبق، حيث وقفت على خشبة المسرح مع فرقة (عزيز عيد)، لتؤدى دور رجل (حسن) في رواية للشيخ (سلامة حجازي)، وهذا ما زاد من الإقبال على المسرحيات وأصبحت فرقة (عزيز عيد) تنافس فرقة (سلامة حجازي)، والفضل يرجع إلى (السلطانة)، التي كانت تكتب على الأفيشات (الممثلة الأولى) بالرغم من أنها كانت تقوم بدور رجل.

ثم اغراها النجاح، وانفصلت عن فرقة (عزيز عيد) وكونت فرقة خاصة بها اسمتها (الممثلة المصرية)، وقامت بإعادة عرض أشهر أعمال الشيخ (سلامة حجازي)، وذلك بمساعدة مخرج فرقتها (عبد العزيز خليل)، فقدّمت أشهر أعمال (سلامة حجازي)، ومنها (صدق الأخاء) و (صلاح الدين) و (أوبرا عايدة). كانت تؤدي بها أدوار الرجال التي كان يلعبها (سلامة حجازي) وذلك بعد رحيله عام 1917م، كما كانت أول مصرية تغني باللغة العربية أوبرا (كارمن) وأوبرا (تاييس)، وظلت حتى نهاية العشرينيات هي (السلطانة) كما لقبوها، وبلا منازع.


أعمالها الفنية:

“أسمر ملك روحي” و “يمامة حلوة” و “إرخي الستارة”، و”حرّج على بابا” و”على دول ياما على دول” و “تعالي بالعجل” و “وبعد العشا يحلي الهزار والفرفشة”، هذه بعض من أغاني سلطانة الطرب منيرة المهدية، فضلاً عن الفيلم السنمائى الوحيد لها “الغندورة” إنتاج عام 1935 من إخراج الإيطالي فولبي، قدّمت خلال 40 عاماً قرابة 32 عملاً مسرحياً، وغنّى معها الكبار مثل صالح عبد الحي.

منيرة المهدية 3

ترتدى زي الرجل في فرقة (عزيز عيد) عام 1915

كما عملت مع أشهر شعراء وملحنى جيلها، ومنهم: (سيد درويش) و (كامل الخلعي) و (زكريا أحمد) و (محمد القصبجي) و (أحمد صبري النجريدي) و (محمد عبدالوهاب) و (رياض السنباطي)، وكان لها الفضل في اكتشاف الموسيقار (محمد عبد الوهاب).

كانت من ضمن فقراتها الغنائية تقدم فن (الاسكتش) بمصاحبة الفرقة الموسيقية، ومن أشهرالاسكتشات: (مملكة الحبّ) عام 31، (المغاربة) عام 34، (الدجالين) كتابة (يونس القاضي) ولحن (رياض السنباطي)، (محكمة الحب) عام 34 تأليف (نعيم وصفي) وألحان (داود حسني).

نالت العديد من الأوسمة، منها: (وسام الفنون) من الطبقة الأولى، (وسام العلوم والفنون) من الطبقة الأولى، من الرئيس جمال عبد الناصر عام ١٩٦١، والجائزة الممتازة في مسابقة الغناء المسرحي التي أقامتها وزارة الأشغال العمومية عام ١٩٢٦.

منيرة المهدية 4

سلطانة الطرب وهى تتزين بالأوسمة الخاصة بها

شاهد الحوار التلفزيوني الوحيد الذي صورته مع المذيعة أماني ناشد عام 1961، بمناسبة منحها وسام الفنون:

فيديو يوتيوب

أمّا ألقابها الفنيّة فعديدة، ومنها:- (الست منيرة)، (مطربة الأزبكية الأولى)، ثم (سلطانة الطرب) و (السلطانة) و (الكروانة).

تعلّمت المغنى على يد أسطوات الطرب في ذلك العصر، ولم تمر بمرحلة حفظ القرآن مثل غيرها من المطربات كـ (أم كلثوم)، لكنها استطاعت وهي التي لم تتعلم القراءة والكتابة أن تقدم على خشبة المسرح أوبريتات عالمية مثل كليوباترا (تأليف احمد شوقي)، والتي كانت الظهور الأول للنجم (محمد عبد الوهاب) وحتى (الجيوكندا) و(تاييس) وغيرها.


دورها الثقافي والسياسي:

تميزت منيرة المهدية في مشوارها الفني بالحريّة وإدراكها السياسي، حيث افتتحت بعد ذلك لنفسها مقهى ثقافي سياسي للغناء بالأزبكية أسمته (نزهة النفوس)، والذي أصبح ملتقى للسياسيين وكبار رجال الدولة والمثقفين وكبار رجال الفكر والسياسة والصحافة، توافد عليه كبار رجال القطن وأثرياء الريف، وذلك بفضل ما كانت تتمتع به (السلطانة) من شخصية قوية وقيادية.

كما منحت فيه الفرصة أمام النخبة المصرية من المثقفين المصريين الكبار وأصحاب المواهب من الشباب أن ينطلقوا على مسرحها، فكان أن ظهر على خشبته (محمد عبد الوهاب)، ليكون له شأن كبير على امتداد القرن العشرين، وخصوصًا في الخمسين عام المعنية باعتلائه صهوة التجديد في الغناء العربي، وصولة التغيير في الموسيقى العربية، بظهور الأوبريت الغنائي المتأثر بأوروبا وتراثها الموسيقى.

عرفت بدورها السياسي البارز خلال ثورة 1919، خاصة أن المصريين كانوا محاصرين من قبل الانجليز الذين لم يتجرأوا على إغلاق مقهاها (نزهة النفوس)، كما فعلوا مع اماكن التجمع الاخرى؛ وذلك لقوة شخصيتها وتأثيرها بالناس من خلال أغانيها، أو علاقاتها بكبار رجال السياسة، واحياناً كان مجلس الوزراء الذي يرأسه (حسين رشدي) باشا ينعقد في عوامة (منيرة المهدية)، وخاصة عندما اصدر البريطانيون قراراً بمنع التجمعات فاجتمعت الوزارة في العوامة في جلستها الاولى التي تعد الشرارة الاولى لثورة 19، مما دعا رجال الصحافة إلى أطلاق اسم (هواء الحرية) على عوامتها الخاصة.

فاستغلت الأمر في غناء وطنيات، تحثّ بها جمهورها على الاستقلال، متحايلة على قرار الانجليز بمنع ذكر اسم (سعد زغلول) في الاغاني، فتحايلت هي وغنت للحمام، وهي تقول:- (شال الحمام حط الحمام من مصر لما للسودان.. زغلول وقلبي مال إليه أندهله لما احتاج إليه)، وكانت في كل ليلة تتحول صالتها إلى مظاهرة رمزية لزعيم الأمة، كما غنت للفلاحين وعن لسانهم اغنيتها (الزبدة بلدي وبلدي هي الزبدة)، واستغلت نفوذها عند اصحاب الشأن في اصدار العفو عن كثير من الطلاب الذين قدموا للمحاكمات في تلك الأيام.


منيرة المهدية ضد أم كلثوم:

أؤكد لك أنك ما أن تسمع اسم (منيرة المهدية) حتى يتبادر إلى ذهنك صورة المرأة الشرير، التي كالت بمكيالين ضد (لأم كلثوم)، حتى أنها أعلنت الحرب غير الشريفة عليها .. فهذه هي الصورة التى تم تصديرها إلينا، حيث اجتهد الكثيرون في تمجيد صورة (أم كلثوم)، بكافة الوسائل -الفيلم والمسلسل والصحافة والتاريخ-، ولأن الأشياء تتميز بضدها، فقد اجتهدوا في وضع مقابل سيئ منفر لأقصى درجة، فكانت صورة (منيرة المهدية)، باعتبارها مطربة الفجور، والانحلال الأخلاقي، وتدبير المؤامرات ضد زملائها وزميلاتها الفنانين والفنانات، وأنها كانت الجاهلية الفنية التي جاءت (أم كلثوم) لتُخرجنا منها، ليبرز معه دور (كوكب الشرق)، برغم عدم احتياجها لذلك، فهي سيدة الغناء العربي.

مع أن واقع الفن لا يقول كذلك، فالمنافسة في الفن أمر طبيعى وصحي، وكلما ازدادت الموهبة كلما كانت المنافسة أشد ضراوة، وهذا ما حدث فيما بعد بين (أم كلثوم) و (أسمهان)، وتؤكد الحقيقة الموثقة على أنه بينما حطّمت (منيرة المهدية) القيود الصارمة بعدم احتراف النساء للفن، وتربعت على عرش الأغنية بلا منافس، متحدية كل القيود والعراقيل المجتمعية، كانت (أم كلثوم) مازالت تخطو خطواتها الأولى نحو العاصمة، تحت رعاية أسرتها وكنف والدها، الذي تولى تعليمها وتثقيفها.


التراجع الفني والأعتزال:

في 1929 حدثت الأزمة المالية العالمية، وسببت ركودًا أدى إلى هبوط سوق التمثيل والأغاني، ولم تنتعش الحال إلا في منتصف الثلاثينيات، ولكن بمقاييس مختلفة وذائقة جديدة، كما هي سنّة الحياة.

شهدت هذه الفترة صراعاً فنياً حاداً بينها وبين (أم كلثوم) المطربة الوافدة التي فرضت شروطًا جديدة على الساحة الفنية، لم تستطع (منيرة المهدية) مجاراتها، فما كان منها إلا أن اعتزلت الفن، وتفرغت لهوايتها وهي تربية الحيوانات الأليفة.

في 1948، قررت (منيرة المهدية) أن تعود إلى جمهورها، بعد أن اعتزلت الحياة الفنية لمدة عشرين عاماً، ونظّمت بالفعل حفلة، لكنها لم تلق القبول الذي كانت تنتظره، فصدأ السنين الذي تراكم علي هيلمان (السلطانة) لم يترك لها فرصة الاستمرار، فلم يُكتب لمحاولتها النجاح.


ساعة الرحيل:

رحلت سلطانة الطرب، وكان وفاتها في 11 مارس 1965 عن 79 عاماً، بعد حياة فنية حافلة امتدت إلى ما يزيد عن 30 عاماً، قدّمت خلالها ما يقترب من 37 قصيدة و 100 طقطوقة و 16 لحناً و 7 مونولوجات، و 4 مواويل و 8 أدوار غنائية و 42 مسرحية، بعدما تزعمت حركة وطنية عن طريق مسرحها وفنها الغنائي، تاركة بعد رحيلها أعمالها الخالدة إلى اليوم.

ذو صلة

المصادر:

  • كتاب (السلطانة منيرة المهدية، والغناء في مصر قبلها وفي زمانها)، تأليف د. رتبة الحفنى، دار الشروق.
  • مقال (مـنيرة المهـدية الغـندورة)، بقلم سناء البيسى، جريدة الأهرام، عدد 44336، بتاريخ 26 إبريل 2008م.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة