تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

فيلم Passion of mind … حينما يكون عقلك هوَ الخِصم!

فيلم فيلم Passion of mind
ابتهال إبراهيم
ابتهال إبراهيم

7 د

إنّه شغف العقل عندما يأخذك في تلك العوالم السحريّة اللا نهائيّة التي لا نعرف أبدًا كيف يُمكننا إدراكها بالكامل، أو حتى سبر أغوارها … عن تلك اللحظات الخيالية التي تُحلّق فيها أرواحنا إلى أماكن أخرى لتمنحنا بهجةً مؤقتةً ولو لدقائق معدودة.

لكن ماذا لو استطاع عقلك بشكلٍ ما أن يُطيل المُدّة، أن يزيدَ الإغراق والاندماج، أن يمنحك تلك العوالم الخُرافية طوال الوقت … وللأبد!

قد يبدو ذلك واعدًا، وربما حتى مُحمّسًا ومُثيرًا للاهتمام …

المشكلة الوحيدة فقط … حينما تتهاوى تلك الشعرة الفاصلة بين العالميْن، وتعجز عن معرفة أيّهما الواقع الذي تعيشه بحلوْه ومرّه، وما هوَ عالمك السحري الجميل الذي بنيْته وتعايشت معه لسنوات …

أيّهما الحقيقة وأيّهما الخيال؟ ومن هنا جاءت صراعات بطلتنا …

بوستر فيلم Passion of mind

نبذة عن فيلم

تصنيفه: رومانسي – نَفسي – درامي – غموض

إنتاج : عام 2000

للمُخرج البلجيكي ذي الرؤية المميّزة Alain Berliner، والحائز على جائزة  Golden Globe عام 1998 –  فئة أفضل فيلم أجنبي عن ” Ma vie en rose My life is pink ”

ويُعتبر  فيلمه – محلّ حديثنا في هذا المقال – هوَ فيلمه  الأول الناطق بالإنجليزيّة والذي كان جواز مروره إلى “هوليود”.

البطولة :  ديمي مور (Demi Moore)، ويليام فيكنر (William Fichtner)، ستيلان سكارسجارد (Stellan Skarsgård)
تقييم الفيلم:

إعلان الفيلم Trailer:

فيديو يوتيوب

عن القصة

بطلة فيلم Passion of mindر

كانت البداية حينما بدأت تتلاشى الجسور بين عالميْن من خلال تلك البوابة السحريّة المُسماة “الأحلام”

عالم  “مارتي” النحّاتة الموْهوبة العزباء التي لها أعمالها وشغفها وحياتها التي تعيشها في “مانهاتن” بأمريكا، حيْثُ الانطلاق والحريّة والمستوى المعيشي المُرتفع.

والأرملة “ماري” التي تعيش حياةً بسيطة مُستقرّة هادئة في الريف الفرنسي، حيث عالمها الخاص المُحبّب بيْن الطبيعة الآسرة، مُنشغلةً فيه بزراعة الحقل  ورعاية صغيرتيْها.

وفجأةً تقاطعت الحياتيْن حينما بدأت “مارتي” ترى لمحات من حياة “ماري” دون تفسير واضح، بينما تحلم “ماري” بتفاصيل حياة “مارتي” بدون أن تفهم السرّ وراء ذلك.

فتلجأ الأخيرة إلى المُعالج النفسي في مُحاولة لإيجاد الإجابات؛ خوْفًا أن تكون تلك بوادر فُقدانها لعقلها.

لنكتشف أنّهما في الحقيقة نفس الشخص! وتتعقّد الأمور أكثر حينما تقع كُلًّا من “مارتي” و “ماري” في الحُب مع رجلٍ مُختلف، بيْنما حياة كلٍّ منهما تبدو كشظايا من حلم غير مُفسَّر، أو وهمٍ يقودهما للجنون …

أيٌّ منهما الحقيقيّة؟ أيٌّ منهما الخيال؟

المشكلة أنَّ العالميْن واضحيْ التفاصيل بشكل مُروّع، ولدرجة نعجز حتى نحن – المُشاهدين – عن معرفة أيّهما الحقيقي، أو البداية.

كيْف يُمكن لإحداهما أن تهتدي إلى العالم الذي سيبقى معها للأبد … وهل عليهما الاختيار حقًا؟


الحيرة التي يُوقعك فيها الفيلم

ديمي مور فيلم Passion of mind

يُعتبر هذا الفيلم من أوائل الأعمال الفنيّة التي أثّرت في دواخلي وفاجأتني وعلّمتني، ولا زلت حتى اللحظة أتذكر تأثيره رغم السنوات ورغم مشاهدته لمرة واحدة فقط !.

إنّه من تلك الأفلام التي تعبث بعقلك أو ما يُسمّى بـ Mind Manipulator، حيْث تتهاوى كل النظريّات التي كنتَ تعرفها سابقًا، وتجد نفسك مصدومًا أمام حقيقة جديدة لم تكن تعلم عنها شيئًا.

حينما تهتز كل ثوابتك فجأة وتُصاب بالهلع، هناك شيءٌ أيّها المسكين لم تكن تُدرك أبعاده، شيءٌ في صميم حياتك، وأنَّ أكثر مخاوفك يقبع – في الحقيقة – في تلافيفك المُخيّة تحديدًا!

كان أول ما لفت نظري له بعيدًا عن الموسيقى التصويريّة الآسرة التي تبدأ من أول دقيقة في الفيلم حاملةً إياك إلى فضاءات أخرى ومُمهّدةً لما أنتَ مُقدم عليه، فقد كان اسم الفيلم نفسه.

فكرة أنه يُمكن لعقلك أن يمنحك عوالم افتراضيّة مكوّنةً ببساطة من أحلامك وأفكارك ومشاعرك وأمنياتك التي لطالما أخفيْتها في أعمق دواخلك، عالمٌ يبنيه لك من الألف للياء، الغرض الأساسي منه ليْس خداعك، بل حمايتك، مُحاولة مساعدتك؛ لأنّ الألم لا يُطاق.

ألم خيْبات الأمل، ألم الخيانة، ألم الوحدة، ألم الخوْف الدائم، وآلام أخرى عديدة تلفّ قلبك وتفوق احتمالك …

فيُحاول العقل منحك سيناريو بديل … ماذا لو؟

ماذا لو نسينا تلك الآلام والأحزان وعِشنا في عوالمنا الخاصة، حيْث لا مكان إلاّ لكل ما نُريده ونحتاجه؟.

وذلك فقط لأنّه يريدك بخير … يُريد أن يُجنّبك عناء قسوة الواقع الذي لطالما حاولتْ الهرب منه … وها هو ذا يمنحك الوسيلة، ويدلّك على الطريق.

قد يكون ذلك بأغنية جميلة تمنح روحك استراحةً قصيرةً من الضغوطات، فيلم أو كتاب يُغرقانك في عوالمهم الخياليّة الخاصة لدقائق تنسى فيهم الهموم وكل ما يُعكّر صفوْك …

قد يأتي ذلك على هيْئة أحلام يقظة عن أشياء توَد قولها أو عملها، تخدير بسيط للألم ومُحاولة للنجاة.

وكل واحدة من تلك الوسائل حتى وإن كانت لفترة وجيزة في عُمر الزمن. لكنها تستطيع أن تمنحك الطاقة لأن تُكمل مشوارك وتعود إلى عالمك أقوى من ذي قبل حتى وإن لم يتغيّر فيه شيء.

لكن المشكلة تبدأ حينما تتهاوى حدود الواقع والخيال، وهذه هيَ عُقدة الفيلم، فبطلتنا بحاجة ماسّة لمعرفة الوَهم من الحقيقة، وللأسف حاجتها تلك ليْست لأنّها سئِمت أحد العالميْن، أو لأنّها لم تعد تودّ العيْش في أحدهما.

لكن ببساطة لأنّنا لسنا وحدنا في هذا العالم، رغم ما قد تبدو عليه الأمور، فهناك دومًا مَن لا زالوا يبحثون عنك وعن روحك التي غابت عنهم في عوالم لا يستطيعون وُلوجها، هناك مَن يُريدك إلى جانبه ويحتاجك أن تستشعر وجوده …

ولذلك تاهت بطلتنا – ونحن معها – بحثًا عن المُبتدأ والمَرسى عن حقيقة عالمها، بيْنما كل شيء مرسوم بدقّة وبرهافة حِس وبمشاعر مُنهمرة، سواءً “مارتي” الشغوفة المُمتزجة بالموهبة، أو “ماري” العاطفيّة المُرتبطة بشدّة بأطفالها وبحياتها التي اختارتها …

كل عالمٍ منهما يُشكّل أهميّة بالغة لصاحبته ولا يُمكننا بقسوة أن نُطالب أيًّا منهما أن تُقرّر.


” إنّكِ تمتطين حصانيْن في وقتٍ واحد، والبشر ليْسوا مؤهّلين أبدًا لهذا …”

أجل فالحياة لا تسير بهذه البساطة للأسف، لا  يُمكننا الاحتفاظ بعالميْن متضاديْن معًا في نفس الوقت، وبدون أن نستطيع التمييز بينهما على الأقل … لذلك تأتي لحظة الوداع الحتميّة.

وقد جاءت اللقطات الختاميّة مُحمّلةً بالشجن مُمتزجةً بالصدمة التي لطالما حاولت بطلتنا – ونحنُ كمشاهدين – تجاهل علاماتها التي بدأت تتّضح في منتصف الأحداث، حينما بدأنا نُجمّع قطع الأحجية، ونتوصّل للحل لنتقبّل على مضض حقيقة أنّ ذلك العالم الذي تم نسجه بالكامل من مشاعرها وأفكارها وذكرياتها وأدقّ تفاصيل حياتها سيرحل للأبد، ورغم الوَجع فإنّها الرحلة الضروريّة التي كان عليها مواجهتها لتجد هويّتها الحقيقيّة وتمضي قُدمًا.

جاء الفيلم رقراقًا ينساب بهدوء أغلب الوقت، حاملاً إيّاك في رحلةٍ بلا تعقيدات، فقط مشاعر خالصة تندمج معها حسب إحساسك الخاص، و رغم تواضع إمكانيّاته إلاّ أنّ أفضل ما فيه برأيي كان الإخراج المميّز الذي حمل وجهة نظر جديدة – وقت صدور الفيلم على الأقل – وقد نجح في نقل تفاصيل العالميْن المُتقاطعيْن بشكل رائع، خاصةً في الختام ولقطة المواجهة المحتومة، حينما حان أوان غلق أبواب الذكريات، أبواب الحيرة، وكل الأبواب التي ظلّت لسنين مفتوحة.

كذلك جاء الأداء التمثيلي من البطلة “ديمي مور” معبرًا وفي محلّه تمامًا، فقد استطاعت ببراعة تجسيد الشخصيّتين بشكل مؤثر، واستطاعت أن تنقل حيرة ومتاعب وأحزان كلٍّ منهما، وأن تجعلنا نتعايش معهما بكل كياننا ونرتبط بهما ولا نودّ التخلّي عن إحداهما في مقابل الأخرى.

لذلك حتى هذه اللحظة لا زلت أتذكّر تأثير هذا الفيلم، وقتها فقط عرفتُ المقدرة الحقيقيّة لذلك العقل ذي التركيبة المُذهلة والمُحيّرة، حينما يتملّكه الشغف وتُراوده الأفكار، حينما بدون قصدٍ يخونك ويُوقعك في أزمة معرفة الحقيقة من الضلالات، وكيْف أنّه حتى تلك الذكريات والأفكار والمشاعر التي نُقسم بأنّها حقيقة، وبأنّ ما يدور في خلدنا عنها هو قمّة الصدق ومُنتهى المعرفة … قد يكون رغم كل شيء وَهمًا من عقلٍ شغوف!

وبقدر الذهول والمفاجأة والألم وارتباكي الشديد من اكتشافي شيئًا كهذا، وحالة القلق التي انتابتني من أن أقع في تلك الحالة، من ألاّ أدرك أين الحقيقة من الخيال بالضبط، وكيف يُمكن للعقل أن يكون أشد حلفائك، ليتحوّل – ولو بدون قصد – إلى ألدّ أعدائك  مضللًا إياك، وذلك في حد ذاته مُخيف  .

لكنه كذلك كان بمثابة ضوْء جديد يُضيف لي ويُشعرني بمدى ضآلة ونقص أفكاري السابقة عن البشر وعن الحياة وعن نفسي، وأنّه أمامي الكثير حقًا لأكتشف ولو شيئًا من أسرار ذلك الكوْن الواسع الموجود داخل نفسي.

ذو صلة

في الختام أترككم مع إحدى المقطوعات الموسيقيّة الخلّابة من الفيلم، للمُبدع Randy Edelman

فيديو يوتيوب

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة