تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

أهم مدارس السينما العالمية: سينما المؤلف

يوسف شاهين سينما المؤلف
عبد المنعم سيد
عبد المنعم سيد

7 د

سينما المؤلف هي سينما لها تعاريف كثيرة متباينة، ولكن لنقل أنّها سينما تقوم على فكرة أنّ الفيلم هو عبارة عن مرآة تعكس أفكار المخرج وهواجسه، ونظرته للعالم والقضايا المهموم بها.

المخرج لا يكتفى بدور قائد العمل الذي يرتب تصوير الفيلم واختيار زوايا التصوير وتحول إلى مؤلف يكتب سيناريو الفيلم، بعبارة أخرى أنّ سينما المؤلف تنظر إلى المخرج على أنّه أكثر من مجرد مهني حرفي مسؤوليته تحويل سيناريو ما إلى فيلم مثير يدر الأرباح، وأنّ المخرج ليس فقط ذلك الشخص الذي يصرخ في الممثلين حتى ينفذوا اللقطات كما يريد، بل إنّ المخرج في نظرية سينما المؤلف هو فنان حقيقي لديه الكثير من القضايا التى يريد التعبير عنها، فيقرر أن يضعها في فيلم كقالب أو وعاء يقول فيه رأيه.

سينما المؤلف سينما تنادي بأن يستخدم المخرج كاميرته كما يستخدم الروائي قلمه في التعبير عن نفسه وعما يؤرقه ويشغل باله، وتنادي بتقليص دور كتاب السيناريو، وجعل المخرج نفسه من يقوم بكتابة سيناريو فيلمه، وهي سينما تحاول أن تكون بديلةً للسينما التجارية المجسدة في غالبية أفلام هوليوود مثلًا، والتي تركز على إثارة عواطف المتفرجين وحماسهم وأحيانًا غرائزهم، هي سينما تحاول أولًا و أخيرًا أن تخاطب عقول المتفرجين وذائقتهم الجمالية، وأن تضيف شيئًا جديدًا لهم، وأن تجعل المخرج فنانًا حقيقيًا وليس مجرد ترس في عجلة إنتاج الفيلم التي تتم بمباركة المنتجين الذين يملكون المال ويرغبون في استثماره.

ومن جملة الأشياء التي تتميز بها سينما المؤلف جنوحها للتجريب، فهي سينما لا تجعل أولويتها الأولى الربح المادي، وهذا يجعلها أكثر جنوحًا للمجازفة وتجريب أشياء جديدة غير مألوفة قد يرى المخرج المؤلف أنّها أكثر تعبيرًا عما يريد قوله، وهذا يخلق لنا أنواع سينمائية جديدة، ويجعل أمامنا مخرجين أصحاب أساليب خاصة مميزة بهم، علاوةً على ذلك فإنّ المخرج الذي جعل الكاميرا وسيلته للتعبير أصبح له مطلق الحرية في استخدام هذه الآلة، وابتكار أساليب إبداعية وجديدة لم تكن معروفةً من قبل لتوظيف الكاميرا في هذا الاتجاه، وبالتالي المساهمة في إثراء اللغة السينمائية وظهور تيارات سينمائية جديدة.


سينما المؤلف في السينما المصرية 

عرفت السينما المصرية “سينما المؤلف” دون أن تسميها كذلك، وربما كان السبب هو أنّ صناعة السينما عندنا ليست من التعقيد بحيث تطلب درجة عالية من تقسيم العمل، كما هو الحال في هوليوود، بل ربما كان الأمر بالنسبة للمنتج أفضل (من ناحية التكاليف!!) أن يقوم المخرج بكتابة السيناريو أيضًا.

إذا كانت معظم الأفلام المصرية تنتمي إلى السينما الواقعية والسينما التجارية التي تراعي أفق انتظار الجمهور، وتركز كثيرًا على شباك التذاكر كسينما المقاولات في مصر على سبيل المثال، فإنّ سينما المؤلف تحضر بشكل قليل جدًا في السينما المصرية لطابعها الفني والجمالي والحداثي والثقافي والنخبوي، وبالتالي فهي مرفوضة جماهيريًا، ولاتحقق الأرباح المرجوة التي تحققها السينما التجارية التي تدغدغ عواطف الجمهور وجدانيًا وحركيًا وجنسيًا.

وعلى الرغم من ذلك، فثمة مجموعة من المخرجين الذين يهتمون بسينما المؤلف في مصر كالمخرج يوسف شاهين الذي أبدع لنا مجموعة من الأفلام، التي تعبر بكل وضوح عن سينما المؤلف.

لكن ربما كان الأجدر بمصطلح “سينما المؤلف” بين المخرجين المعاصرين اثنين متميزين، رأفت الميهي وداود عبد السيد، أمّا الأول فقد اختار ما أسماه “الفنتازيا” وهو أقرب إلى السخرية الجامحة، سخرية يوجهها إلى أي شيء وكل شيء، لكن هذا الجموح المتزايد أدى بسينما رأفت الميهي إلى نوع من الغربة، ويأتي داود عبد السيد، لا ليعكس عالمًا “كليًا” في أفكاره وأيديولوجياته، وإنما رغبة أعمق في التعبير السينمائي الصافي على طريقة أنطونيوني وفيسكونتي، حيث لا يمكنك تلخيص العمل في “قصة” أو حبكة، بل لابد لهما من التكامل مع العناصر البصرية.


يوسف شاهين 

يكاد مصطلح “سينما المؤلف” يثار في النقد السينمائي، حتى يقفز للذهن على الفور يوسف شاهين، برغم مفارقة أنّه لم “يؤلف” الكثير من أفلامه، أو بالأحرى لم يكتب سيناريوهاتها، وإن كان قد اشترك في كتابة بعضها، فسينما المؤلف عند يوسف شاهين تحمل مجموعة من الرؤى الذاتية والفلسفية العميقة المغلفة بالغموض والإبهام وصعوبة الرسالة، أي إنّ هذه السينما الجديدة تعبر عن شخصية يوسف شاهين المثقفة، وتترجم أفكاره الذاتية والموضوعية، وترصد قدرته الإبداعية، يتضح ذلك في روائعه السينمائية بدايةً من فيلم “عودة الابن الضال”، ثم سلسلة أفلام سيرته الذاتية الممثلة فى الأفلام “إسكندرية ليه؟”، و “حدوتة مصرية”، و “إسكندرية كمان و كمان”، والتي تجسد معظم أفكار سينما المؤلف من ذاتية المحتوى وتعبيره عن رؤية المخرج، والنزوح إلى التجريب والتجديد في أساليب الخطاب السينمائي.

ففي أفلامه هذه قدم يوسف شاهين أسلوبًا جديدًا تميز بحركة كاميرا خاصة وسريعة، وزوايا تصوير استثنائية، وحوار سريع ومركز، إضافةً الى المونتاج الحاد السريع والنابض بالحركة.

وفي مرحلته الأخيرة، أو في أفلامه الأخيرة على أصح تعبير قرر يوسف شاهين أن يقدم ما يريده هو، دون اهتمام قصدي إن كان جمهوره سيعي أو سيتواصل مع ما يقدمه، وهذا بالطبع حق مشروع لأي فنان، حيث إنّ ارتفاع مستوى الجمهور الثقافي والفني أو عدمه، يُفترض أن لا يكون عائقًا أمام أي فنان يسعى إلى التجديد، وبالتالي ليس على الفنان أن يتوقف عن إطلاق الحرية لخياله وأفكاره، لمجرد أنّ هناك متلقي لم يتطور أو حتى لم يحاول الارتقاء بفهمه واستيعابه للفن المتجدد، وهذه بالفعل معضلة اختلف حولها الكثيرون، ومن بينهم مَنْ اختلف مع يوسف شاهين واتهمه بالتعالي وعدم الاهتمام بقضايا الجماهير.


رأفت الميهي

رأفت الميهي … هذا القادم من مجال كتابة السيناريو، بل ويعتبر من أبرز كُتّاب السيناريو في الستينات، بعد تخرجه من معهد السيناريو عام 1964، حيث كان تلميذًا مجتهدًا للمخرج “صلاح أبوسيف”.

(الحقيقة أنّني لا أجد سببًا واضحًا لتحولي للإخراج … فقط شعرت أنّي أريد أن أُخرج، وذلك مثلما أريد أن أشرب أو أنام … لك أن تعتبره تطور بايولوجي، إنّه تحول منطقي وعادل … ربما كانت بداخلي رغبة في امتلاك العمل بصورة كاملة)

هذا ماقاله الميهي في أحد تصريحاته الصحفية … حيث أنّ تحوله للإخراج ليس فيه من الغرابة بشيء، فقد سبقه الى ذلك العديد من الفنانين العرب والأجانب، فكاتب السيناريو هو الأقرب إلى العمل السينمائي، وذلك لقيامه ببناء الشخصيات وتحركاتها وتدفق الأحداث الدرامية، ولا يبقى بعد ذلك سوى إتقان الجانب الحرفي والتقني لتجسيد كل ذلك على الشاشة، فمن السيناريو والمونتاج يخرج أفضل المخرجين، لقد اكتسب رأفت الميهي حرفية الإخراج من خلال حضوره تصوير جميع ماكتبه للسينما، واتصاله المباشر بمشاكل الأستوديوهات أثناء التصوير،  كما ينفي رأفت الميهي، بأنّ سبب تحوله إلى الإخراج هو عدم نجاح المخرجين الذين عمل معهم في توصيل مايريده من أفكار، بل ويؤكد بأنّ أعماله السابقة قدمت في صورة جيدة.

كذلك يرى الميهي إنّ للمخرج ـ أيضًا ـ استقلاليته عن كاتب السيناريو، فالسيناريست ينتهي إبداعه على الورق كمؤلف، وعندما يقف المخرج وراء الكاميرا لا يكون مترجمًا لما هو مكتوب على الورق فقط، وإنما الإخراج في رأي الميهي (… هو إضافة وابتكار وخيال آخر يضاف إلى خيال السيناريست، وإذا لم أكن أملك شيئا أقوله، فلا داعي إذن لإخراج الأفلام … أعتقد أنّني أستطيع أن أشتغل بأعمال أخرى …).

قدم رأفت الميهي ثلاثة أفلام تتناول جميعها الواقع من خلال رؤية كوميدية فانتازية، وهي (السادة الرجال ـ سمك لبن تمر هندي ـ سيداتي آنساتي ) .

إنّ المتتبع لأفلام رأفت الميهي يجد بأنّها تتميز بعنصرين مهمين: الأول هو ذلك التوازن بين عقلانية مركزة تحكم على الأشياء بمنطقها الخاص، والذي يخرج عن المنطق المعتاد للأشياء … وبين عاطفية مغلفة بحنان خاص يصبه الميهي على شخصياته، ويجعلها قريبةً من قلوبنا مهما كانت طبيعتها، أو خروجها عن التقاليد المعروفة .


داود عبد السيد

وكان لداوود عبد السيد خصائص معينة في أفلامه، والتي عندما تشاهدها تتعرف أنّ الفيلم من إخراجه منذ الوهلة الأولى، وهي تندرج تحت ما يسمى سينما المؤلف، والتي من خلالها يستطيع بها تجسيد ما يريده، من رؤى فنية وفكرية، يصبح مسؤولًا عنها مسؤوليةً كاملةً.

إنّ عبد السيد يؤكد في أحد تصريحاته الصحفية بأنّ السينما الجديدة هي نتاج للسينما القديمة وتراثها، وأنّ السينما الجديدة ليست سينما مختلفة، وإنما لها طابع شخصي، فذاتية المخرج تظهر في العمل بشكل واضح، إنّه يؤكد دائمًا على سينما المؤلف (أنا أقدم الموضوعات التي أشعر بها وأتفاعل معها، دون النظر لأي ظروف أخرى، والحمد لله فقد استطعت أن أقدم جزءًا يسيرًا من أحلامي، وأتمنى بأن أوفق في تقديم الكثير من هذه الطموحات).

ولتحقيق طموحاته في السينما التي يصنعها عبد السيد، فهو يكتب بنفسه سيناريوهات أفلامه، أي أنّه يتبنى مفهوم “سينما المؤلف”، وهذا بالطبع يجعله في حرية فنية يستطيع بها تجسيد ما يريده هو من رؤى فنية وفكرية، يصبح مسؤولًا عنها مسؤوليةً كاملة.

ذو صلة

والكتابة ـ كما يقول عبد السيد ـ مهمة صعبة، باعتبار أنّ الكاتب يعمل على ورق أبيض أي على فراغ. لذلك، فتحقيق الرؤية في الكتابة بالنسبة لعبد السيد أصعب من تحقيقها في الإخراج، فعبد السيد لا يمانع في إخراج سيناريو لكاتب آخر، ولكن المشكلة كما يقول هي أنّه لا يجد الكاتب الذي يشاركه نفس الهدف في العمل. لذلك، فهو  لا يرحب بإخراج سيناريوهات الآخرين.

يقول عبد السيد: أنا أقوم بكتابة أفلامي لأنّني مؤمن بأنّه يجب أن يكون هناك تفاهم كامل بين كاتب السيناريو والمخرج، ومن هنا فأنا لا أفكر لحظةً واحدةً في إخراج أعمال من تأليف الآخرين، مهما استهوتني الأفكار التي تطرحها، الترفيه جزء مهم لا ينكره أحد، والأهم هو كون السينما وسيلة تعبير، وهو ما لا نجده في السينما التقليدية، إنّ السينما من وجهة نظري شخصية.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة