أنمي In This Corner of the World … الحرب ضيفة في حياة فتاة بسيطة

تقييم الفيلم  

كثيرة هي الأفلام التي تناولت الحروب كموضوع رئيسي لها، خاصةً الحرب العالمية الثانية التي اُتخذت هدفًا للعديد من الأفلام وبوجهات نظر مختلفة، ومن منظور يختلف باختلاف البلد التي يخرج منها الفيلم، وجاء فيلم الرسوم المتحركة الياباني “Kono Sekai no Katasumi ni” الذي صدر في عام 2016 ليروي لنا قصةً إنسانيةً قاسيةً ومؤثرةً ترتبط أحداثها بكارثة هيروشيما. الفيلم استُقبل بردود فعل إيجابية جماهيريًا ونقديًا ليكون تقييمه على موقع Rotten Tomatoes 98%، وعلى موقع IMDb 7,9، أمّا موقع MAL فجاء تقييمه 8,4، وهو مأخوذ عن مانجا بنفس الاسم من تأليف “كينو فوميو”، وإخراج “كاتابوتشي سوناو”، وتنفيذ استوديو MAPPA.

تبدأ أحداث الفيلم قبل الحرب بفترة وجيزة وتحديدًا في عام 1933، لنتعرف على طفولة “سوزو” الفتاة شاردة الذهن محبة الرسم، والتي تحيا بين أحلام اليقظة والواقع ليختلط عليها الأمر بينهما في بعض الأحيان، والتي سنرى بعيونها الحياة قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الثانية. لا تأخذ فترة الطفولة حيزًا كبيرًا من الأحداث لنرى بعدها “سوزو” في شبابها وإقبالها على الزواج وانتقالها من إيبا في هيروشيما، حيث تعيش مع أسرتها، إلى البلدة الساحلية كور حيث مسكن زوجها “شوساكو” وأسرته، التي تجد نفسها مسؤولةً عن تدبير أمورها لمرض الأم،  لتبدأ مشوار تأقلمها مع حياتها الجديدة، ومع شظف الحياة لقلة الموارد الغذائية في فترة الحرب.

الفيلم أقرب إلى أن يصنف كـ”شريحة من الحياة”، فلن تجد فيه صراعات بين الشخصيات، أو الشكل التقليدي للدراما، هي حياة فتاة صغيرة تتقدم في العمر في وقت الحرب، لتكون الحرب أحد الأبطال الرئيسيين، ولكنه البطل الغائب الحاضر، أنت لن ترى حربًا قائمةً بشكل مباشر ومعارك، ولكنك تلمس أثرها في كل حدث من أحداث الفيلم خاصةً بعد زواج”سوزو”، والفترة ما بين عامي 1944 و 1945.

ليقترب الفيلم أكثر لمشاعر المواطن البسيط مع الحرب، بالفخر بإحدى أضخم السفن البحرية ياماتو، بخيبة الأمل مع نهاية الحرب ونتيجتها، حتى كارثة هيروشيما نراها بعيون “سوزو” والمحيطين بها، بعيون من عاش الحدث واقترب منه، بعيون أكثر إنسانيةً.

تقترب الأحداث أكثر من الحياة المدنية من خلال أسرة تعيش في بلدة ساحلية تراقب السفن الساحلية على موانيها، وتترقب الغارات الجوية في سمائِها، وعليها مع هذا أن تدبر سبل عيشها بما هو متاح لها مع قلة الموارد الغذائية، وعلى بطلتنا “سوزو” أن تتعامل مع مستجدات الحياة اليومية كمسؤولة عن أسرة عليها أن توفر ما يكفيها من طعام، وعليها مع هذا أن تتابع إرشادات التعامل مع الغارات الجوية، وتعليمات السلامة مما تخلفه وراءها، كما عليها أن تدبر أمرها مع أخت زوجها التي أتت وطفلتها الصغيرة للعيش معهم لتضيف حملًا إضافيًا وضغطًا نفسيًا لطبيعة شخصية الأخت، ولكن “سوزو” المرأة التي لم تتجاوز طبيعتها البريئة تستطيع التعايش مع وضعها الجديد، وتكتسب الجميع أصدقاءً وداعمين لها.

الفيلم كما بينت سابقًا لم تكن المعارك هي مشاهده الأساسية، ولذا فلن تجده فيلمًا دمويًا، ولكن هذا لا يمنع أن يكون شديد القسوة والتأثير، فأثناء الغارات الجوية ومن خلال من يختبئون في الملاجئ تحت الأرض، أنت تستطيع أن تمر بلحظات رعب وألم حقيقية مع شدة القصف وما يخلفه وراءه.

لم تدور أحداث الفيلم كليًا حول مآسي الحرب، بل وكالحياة تمامًا تمر الأحداث ببعض المواقف التي ترسم الابتسامة على وجهك، وبعض ما يمنح قلبك شيء من الدفء مع ترابط العلاقات وتماسكها. مع القليل من الرومانسية ومشاعر الحب التي دومًا ما تجد مكانها في أحلك الأوقات وأشدها صعوبةً.

وعلى الرغم من أنّ الجزء الأخير من الفيلم ادخر لنا أكثر لحظاته قسوةً، ومشاعر الفقد، وخيبات الأمل، فأنّه أبى أن يتركنا إلّا مع ومضة أمل لاستمرار الحياة في هذه العائلة الصغيرة، عائلة “سوزو”، والقدرة على النهوض مجددًا مهما كان السقوط مدويًا، كما هو حال اليابان بعد ما مرت به في هذه الحرب.

في النهاية هذا الفيلم رغم اتخاذه فترةً تاريخيةً هامةً كخلفية له، إلّا أنّه لم يحاول مناقشة الحرب نفسها ومن الجانب الشرير فيها، ولكنه بيّن من وجهة نظري ومن خلال هذا الركن من العالم أكثر من تقع عليه تبعات الحرب، وأيًا ما كان من انتصر في الحرب ومن هزم، فأنت لن تستطيع أن تمحو بسهولة الأثر الذي وقع على المواطن العادي، وتأثر حياته اليومية بصراعات قد لا يفقه منها شيئًا، ولا ناقة له فيها ولا جمل.

ولأنّنا نتحدث عن فيلم رسوم متحركة فعليّ أن أشيد ببساطة الرسومات وجمالها، والمناظر الطبيعية المرسومة بطريقة خلّابة، خاصةً مع وقوع الأحداث بمنطقة ساحلية مما أتيح مناظر رائعة عديدة لعرضها.

الموسيقى لـ”كوترينجو” جاءت متناسقةً تمامًا مع الأحداث لتضيف لمسات هادئة أحيانًا، وحزينة في أحيان أخرى حسب ما يتطلبه الموقف.