مراجعة فيلم Jigsaw: نحن نتحدث نيابةً عن الموتى!

حسنًا، لا أعرف ماذا أقول في حقيقة الأمر. هذا الفيلم لم يُعد لي فقط الأيام الجميلة لسلسلة Saw المفجرة للأوعية الدموية من فرط الأدرنالين فحسب، بل جعلني أعيش تجربةً جديدةً ومميزةً من تجارب جون كريمر بغرض سبر النفس البشرية حتى النخاع. جميع محبي سلسلة أفلام Saw قد وضعوا في عقولهم أنّ السلسلة انتهت بالفعل عند الفيلم السابع الذي صدر في 2010، وحقًا كانت نهايةً عبقريةً سلسلةً لأفلام ملحمية مثل تلك، لكن الصدمة الكُبرى كانت عندما صدر فيلم Jigsaw في أكتوبر 2017. ماذا يريدون أن يقدموا بعد انتهاء السلسلة؟ أيعقل أن …!

ذلك الفيلم يُعتبر صدمةً قويةً لكل عشّاق السلسلة منذ فيلمها الأول. الآن بعدما أفقت من سلسلة الصدمات التي أعطاها لي الفيلم وجعلني – وأنا أجزم بذلك – أستعيد أجواء Saw الملحمية مرةً أخرى دون شك، حان الوقت لمناقشته قليلًا!

من المعروف أنّ جيكساو – Jigsaw قد مات منذ عشر سنوات الآن، وسلسلة الجرائم من أجل تحقيق العدالة الخفية قد ماتت معه دون رجعة، وتم تشريح الجثة ودفنها بشكلٍ واضح غير قابل للتشكيك. الآن بعد تلك السنوات الكثيرة تبدأ بعض الجثث بالظهور بشكلٍ عشوائي بشوارع المدينة، مما يثير ريبة الإعلام ويدفعهم لطرح السؤال الأقرب إلى الأذهان: “هل عاد جون كريمر من الموت؟!”. تنتقل الأحداث من مشهد إلى آخر في محاولة للوصول إلى ذلك العائد إلى الحياة، بجانب سرد الكاتب لإحدى تجارب كرايمر المجنونة لمعاقبة البشر على شرورهم العابرة، فما الذي تقدمه لنا الحبكة هذه المرة؟ وهل سترتقي إلى توقعاتنا المعهودة عن تلك السلسلة المُفجرة للعقول؟ وهل فعلًا عاد جون كريمر من الموت؟!! العديد من الأسئلة والعديد من الإجابات ستجدونها بين طيّات هذا الفيلم الذي أعاد أمجاد السلسلة من جديد.

كالعادة يأتي لنا كل جزء في تلك السلسلة بحبكة جديدة، مختلفة، وغير متوقعة على الإطلاق. بجانب الحرص الشديد على إظهار الطابع الخلّاق والمميز لدى جون كريمر في تصميم جميع الأدوات التي تخدمه في تحقيق مسعاه نحو تطهير نفوس البشر وانتقاء السمين من بين الغثّ، العنصر الأشد تميّزًا في الحبكة هذه المرة أنّها مستقلة بذاتها، ففي كل الأجزاء السابقة من السلسلة نجد أنّ أجزاء الأحجية تتناثر بين مشاهد كل فيلم على حِدة، حتى نصل إلى الفيلم السابع لتتجمع الخيوط، ونرى أنّ في كل فيلم كانت هناك قطع مفقودة حان وقت تجميعها. لكن هذه القصة لهي أحجية قائمة بذاتها، وجميع قطعها منثورة بداخل الحبكة نفسها دون دمجها مع تجارب الأفلام الأخرى.

الجانب الآخر المميز في هذه الحبكة هو أنّها ضربت ثقافة التحفيز المتقطع في مقتل، فالأجزاء السبعة الأولى من السلسلة عبارة عن حبّات مبعثرة من عقد طويل، وكل حبّة لها تأثيرها الخاص الذي إذا اجتمع مع تأثير قريناتها، سيظهر العقد بشكلٍ صارخ وجليّ. لكن هذا الفيلم عبارة عن تقديم مباشر للعقد كله دفعة واحدة، فببساطة أن تكدس في الأدرينالين والحماس حتى تطلقه مرةً واحدةً في نهاية الفيلم التي ستدفعك للجنون، ويمكن أن تعيدها عدة مرات متتالية أيضًا حتى تفهمها بالكامل. هذا حقًا يستحق الإشادة.

بالنسبة للشخصيات فليس هناك الكثير ليُقال. في هذا الفيلم ظهرت شخصية جون كرايمر ذاتها مرةً أخرى وهذا كان صادمًا، لكنها كانت الوحيدة التي ظهرت من الأجزاء السابقة، فدكتور جوردن صديقه والناجي الأول لديه لم يظهر بالفيلم مُطلقًا، بالرغم من أنّي كنت أتوقع ظهوره بشدة ليكون العقل المدبر خلف كل ذلك، لكن بالنسبة لسائر الشخصيات فكان من الطبيعي أن تكون سطحيةً؛ لأنّ ظهورها يعتمد على الفترة الزمنية للفيلم ذاته، وليس لها أي عمق أو مدلول بعيد، فلذلك لن أضع الشخصيات هذه المرة ضمن عناصر التقييم، فإذا فعلت ستكون هذه بمثابة ضربة قاضية للفيلم، والفيلم يتمحور حول مفهوم الرعب النفسي والصلاح المجتمعي، والشخصيات يستوجب أن تكون فيه سطحيةً ليركز المُشاهد على المغزى والأفعال، لا الأبطال والأسماء.

حقًا الأداء التمثيلي جميل جدًا. خصوصًا دور الطبيب Logan Nelson الذي قام به الفنان Matt Passmore.

فتطلب منه الدور أن يتقن تعبيرات ولغة جسد مختلفة ومتباينة تمامًا على مدار الأحداث، ففي البداية كان يجب عليه أن يكون ضعيفًا وخانعًا ليُبعد الشبهات عنه، لكن بالمنتصف صار يتلاعب بالأحداث ويشير أصابع الاتهام إلى الآخرين بالخفاء، ويحيك حولهم المؤامرات كي يوقع بهم. وفي مشاهد النهاية تطلب منه أن يكون هادئًا وضابطًا لجميع انفعالاته، وهنا يجب أن أشيد بمشهد النهاية الذي أظهر فيه مات أداءً رائعًا، حيث توجب عليه أن يجسد تعابير التمسكن والاستسلام للمصير والواقع، وفجأةً يجسد تعابير السطوة والبطش والسيطرة المطلقة على زمام الأمور. بجانب الأداء الرزين والمعهود من الفنان القدير Tobin Bell لشخصية جون كرايمر. بينما كان أداء سائر الممثلين متوسطًا، ولا يوجد الكثير ليُقال عنه.

الإخراج في أغلب المشاهد كان متواضعًا، إلّا في بعض المشاهد التي تُعتبر من المشاهد المحورية في الفيلم كله، مثل: مشهد دخول الكاميرا على الخمسة فئران تجارب الذين يبدأ معهم الفيلم، وأيضًا المشهد الذي كانت فيه عبقرية شديدة في استغلال زوايا الكاميرا وتحركاتها من أجل ترسيخ الحماس والترقب، فهذا كان المشهد صاحب الثواني القليلة في الأجزاء الأخيرة من الفيلم التي ظهرت فيها البندقية بين الرجل والسيدة، ويجب على أحدهما قتل الآخر كي يعيش. حركة الكاميرا في زاوية منفرجة لتُظهر البندقية بهذا الشكل كان حقًا متقنًا بشدة، وأعجبني بشكلٍ مهول.

بالطبع نحن أمام الموسيقى المعهودة لسلسلة أفلام Saw، لكن بالرغم من ذلك نجد أنّ موسيقى السلسلة تم تطويعها ببعض النوتات الداخلية التي غيرت قليلًا في البنية الموسيقية للثيم العام، وذلك التعديل من وجهة نظري لم يكن سيئًا على الإطلاق.

فيلم جميل يُعيد الأيام الخوالي مع سلسلة Saw الرائعة. حبكة جيدة، منحنيات مُتقنة، ونهاية صادمة إلى أقصى حد كالعادة، مراجعة فيلم Jigsaw الذي برهنت حقًا عن تجربة مميزة أعادت لي الكثير من الذكريات والحالات الشعورية الحماسية. أتمنى لكم مشاهدةً ممتعةً، وتذكروا دائمًا جملة جون كرايمر الرنانة: “نحن نتحدث نيابةً عن الموتى”.