الإسقاطات في عالم الأنمي: إبداع لا ينتهي

الأعمال الفنية لديها آلاف العناصر التي تجعلها مميزةً ومستقلةً بذاتها، لكن يبقى عنصر فني واحد مشتركًا بين كل الفنون البارزة: الإسقاط، فالإسقاط هو أن تُسقط شيئًا على آخر من أجل إبراز شيء ما بصورة غير مباشرة تدفع القارئ أو المشاهد للتفكير وإعمال العقل. بجانب أنّ الإسقاط إذا تم استخدامه بشكل جيد سيضاعف الحالة الشعورية الناتجة عنه أضعافًا مضاعفةً، لكن الإسقاط يأخذ أشكالًا عديدةً ومختلفةً في صناعة الأنمي؛ لأنّ في الأنمي يكون المشهد طيّعًا بالكامل ومُسخرًا لإرادة المخرج والمؤلف، فيمكن خلق آلاف الحالات الشعورية بتتابع محدود جدًا من الصور المأخوذة عن الواقع والمُعالجة بأسلوب معين. صناعة رائعة أليس كذلك؟! اليوم سنتعرف على ستة أنواع من الإسقاطات في عالم الأنمي بجانب أكثر من أنمي كأمثلة على كل منها.

الإسقاط الديني هو تسخير قصص الأديان لخدمة القصة الخاصة بالعمل الفني. الإسقاط الديني عنصر شائع جدًا في جميع الأعمال الفنية حصرًا، وغالبًا ما يُعطي طابعًا خاصًّا من العمق والسيريالية للعمل، أمّا بالنسبة للأنمي فهناك العديد من الأنميات التي استخدمت الإسقاطات الدينية مثل: الأنمي الأشهر Death note حيث اعتمد الكاتب على ثقافة الشينيغامي اليابانية المتأصلة، وهناك العديد من الأعمال الأخرى التي استخدمت رموزًا مثل: لوحة خلق آدم واتصال يد الإله بيد آدم، وورق التين الذي تم استخدامه من قبل آدم وحواء لإخفاء أعضائِهم التناسلية عندما كانوا بالجنة، لكن من وجهة نظري أكثر أعمال الأنمي التي استخدمت ذلك النوع من الإسقاط هو أنمي Neon genesis evangelion، فالرموز الدينية العديدة المختبئة بين طيات الأحداث فيه لا تُحصى حقًا.

هذا حقًا نوع الإسقاط الذي أفضله عن نفسي، ففيه يُسقط الكاتب الحالة النفسية لأبطال الأحداث على الموجودات من حولهم، أو على أشخاص آخرين، فالمخرج كفيل بجعلك ترى السماء مُلبدةً بالغيوم، ومصحوبةً بصفير رياح شديد عبر طرقات المدرسة الخاوية لتعلم أنّ المشهد القادم دون شك سيكون فيه شخص قاتم يفعل شيئًا أكثر قتامةً. من وجهة نظري أحد أفضل أعمال الأنمي التي استخدمت ذلك النوع باحترافية شديدة هو أنمي The tatami galaxy، ففيه أبدع المخرج في خلع الحالة النفسية للبطل على الموجودات من حوله، خصوصًا أنّ تلك الموجودات ليست مرسومةً باليد، بل مُصورةً من الواقع لكن تمت معالجتها قليلًا كي تندمج مع إطار الأنمي. بجانب أنّ فيه بعض الحالات النفسية والغرائزية التي تم تجسيدها بطريقة كوميدية رائعة.

هذا النوع يعمد فيه الكاتب لذكر أسماء شخصيات قديمة من عصور غابرة مضت لدعم قصته بشكل أو بآخر، أو يمكن أن يبني عليها القصة بالكامل مثل: أنمي Drifters وسلسلة أنمي Fate، أو يمكن أن يخترع الكاتب أحداثًا تُلقي بظلالها على عناوين تاريخية بعينها مثل: أنمي Hunter X Hunter في أرك نمل الكيميرا، ففيه حدثت عشرات الإسقاطات السياسية والتاريخية، لكن يبقى الأنمي الأفضل في تسخير الطابع التاريخي لخدمته هو أنمي الطفولة المُحبب للجميع Yu-Gi-Oh!

حيث استخدم يوجي الحضارة المصرية القديمة لصالحه، لكنه لم يفعل ذلك فحسب، بل أخذ صراع الفرعون والكهنة وحوّر فيه بالماضي، ثم جلبه إلى الحاضر في صورة تكنولوجية عصرية بديعة، وبذلك كسر الحاجز بين الأزمان ليخلق لنا تلك الأسطورية المتجسدة بين صفحات تاريخ صناعة الأنمي العريقة.

وهو أن يذكر الكاتب نظريات وتفاصيل علمية بحتة في العمل الخاص به. أن يفسرها أو لا هذا شيء يرجع له، لكن في الغالب لا تُفسر لتخلع هالة من الغموض على العمل، بالطبع هناك العشرات من أعمال الأنمي التي تناقش بعض النظريات العلمية، أو قد تُبنى عليها بالكامل في بعض الأحيان، فيحضرني هنا أنمي Aldnoah Zero حيث تم ذكر العديد من النظريات العلمية مثل: تأثير ليدين فروست، وأنمي Steins Gate، حيث تم ذكر الثقوب السوداء وكيفية ضغط المواد من الصورة الضخمة للصورة الضئيلة؛ كي يتم إرسالها في صورة موجات تُترجم فيما بعد إلى عناصر أخرى.

الإسقاط الأدبي هو أن تستعين بالرموز البارزة في عالم الثقافة والأدب لتضفي جانبًا من العمق الفكري إلى العمل الخاص بك، فيمكن أن تأتي بالأدباء ذات أنفسهم في صورة شخصيات حقيقية، أو تأخذ فقط الأسماء، أو من الممكن ذكر بعض المقولات القوية من أعمالهم الأدبية، وهنا أستطيع إعطاء المثال في مانجا Tokyo Ghoul، حيث ذكر المانجاكا إيشيدا العديد من المقولات الخاصة بأعمال هيرميان هسه وفرانز كافكا. بجانب الأنمي المميز Bungou Stray Dogs، والذي حرفيًّا جعل فيه الكاتب كل شخصية محورية تحمل اسم شخصية واقعية قديمة لها علاقة بالأدب والثقافة بشكلٍ أو بآخر، مثل: ذكره لاسم كاتب الرعب الكوني لوف كرافت، وكاتب ملاحم الذات الروسي الأشهر عالميًّا فيودور دوستيوفيسكي.

أو الإسقاط الفانتازي، الأسطوري، والخيالي البحت. الميثولوجيا بشكلٍ عام هي الأساطير، وأشهر أنواع الميثولوجيا هي الميثولوجيا الإغريقية، فمن منا لم يسمع بزيوس وسيزيف وهرقل وكل آلهة وسادة الأوليمب القديمة؟ لكن الميثولوجيا لا تتوقف على الإغريقيين وحدهم، فكل القصص التي أتت في الأديان جميعها، وكانت فيها كيانات شيطانية أو قوى خارقة يُمكن اعتبارها ميثولوجيا دينية.

في هذه الفئة يعمل صانع العمل على إعادة تجسيد الأبطال القُدامى الأسطوريين في أحداث الأنمي، وكمثال على هذا النوع لدينا أنمي Danmachi وتجسيده لأغلب الآلهة، وسلسلة أنمي Fate لتجسيدها المحاربين، وأنمي Neon genesis evangelion لتجسيده آدم وحوّاء والخلق، وأخيرًا Devilman: Crybaby و Black Butler و Blue Exorcist لتجسيدهم للشياطين وساتان وما إلى ذلك.

أنواع الإسقاطات لا تُحصى، وقد تجد في كل أنمي جديد تشاهده نوعًا جديدةً لم يكن ليخطر ببالك. لذا، اليوم حاولنا بقدر الإمكان تسليط الضوء على أهم الأنواع الشائعة في أغلب الأنميات. أتمنى أن يكون المقال أعجبكم ودمتم بخير.