مجتمع الأنمي العربي على الإنترنت … كل شيء على الإطلاق

الأنمي ليس وسيلةً لتضييع الوقت أو وسيلةً ترفيهيةً فحسب، بل هو كرنفال فنّي متكامل يجمع بين المتعة البصرية والسمعيّة والفكرية في قالب مميز، ليوصل للمشاهد رسائله من خلال شخصيات وهمية قد تكون أكثر تأثيرًا من الشخصيات الحقيقية. الأنمي بنظري فنّ متكامل وطريقة لعرض الأفكار المعقدة والحساسة لمجموعات مختلفة من المشاهدين في قالب ممتع خارج عن نمطية الأساليب الفنّية الأُخرى، ووجود قاعدة للأنمي في الوطن العربي البعيد كل البعد عن مصدره – جغرافيًا وثقافيًا – يظهر قدر التأثير الذي يمكن للأنمي تركه في نفوس مشاهديه.

ربما تذكر بدايات ظهور هذا الفنّ في الوطن العربي في الأنميات المدبلجة التي شاهدناها على قنوات التلفزة في التسعينيات، بعناوين مثل: أنا وأخي، عدنان ولينا، داي الشجاع، وغيرها من العناوين اليابانية المدبلجة للعربية، والموطّنة لتلائم الثقافة العربية، وبالنظر لهذه البدايات يمكن القول أنّها لم تكن بدايات متواضعة تمامًا، بل على أيدي مراكز عربية شجاعة حملت على أكتافها مهمة توطين ودبلجة هذه الأنميات ليتقبلها المشاهد العربي بشكل أكبر موظفةً قدرات مؤدين ومنتجين محترفين.

الموجة الأولى لنشر ثقافة الأنمي وُلِدت في تلك اللحظة، واستمرت بالتضخم لتصل إلى ما هي عليه اليوم، عدد هائل من عشاق الأنمي في الوطن العربي، الملايين من المتابعين من مختلف الأعمار ينتشرون بين الدول العربية، والكثير من المشاريع العربية المهتمة بالأنمي وثقافته ونشرها. تلك، الدفعة الأولى والتي يمكن اعتبارها تعرّض المشاهد العربي الأول على الثقافة اليابانية، كانت كافيةً للكثير من المتابعين كي يتعمّقوا في هذا الفن، ويعملوا على نشره.

في مجتمع الأنمي العربي اليوم مجموعة هائلة من المتناقضات والمتضادات والاختلافات، وليس هذا أمرًا سيئًا بالمطلق كونه يظهر مدى الانتشار الهائل الذي حصل عليه هذا الفن ضمن المجتمع العربي بالعموم، ولكن ربما من الأسلم معرفة القليل من التفاصيل عن أنواع الأشخاص الموجودين في هذا المجتمع، وأنواع التجمعات الوهمية والحقيقية التي تحصل فيه قبل التعمّق في هذا المجتمع، ومعرفة كيفية الحصول على أفضل تجربة ممكنة فيه.

كما في الأنميات تمامًا، ستجد الكثير من الصور النمطية لمتابعي الأنمي، ويمكنك الاعتماد على هذه الصور النمطية لمعرفة نوعية الشخص وطريقة تفكيره وتصرفاته. هذا لا يعني أنّ كل متابع أنمي يمكن أن يندرج بالكامل تحت أحد هذه التصنيفات، وإنما إنّها طريقة أسهل فقط للتعامل مع الأشخاص ومعرفة اهتماماتهم وتوجهاتهم، وكيف يمكنك التواصل معهم، أو الهرب منهم إن كان الحال يتطلب ذلك.

عادةً ستجد هذا النوع من الأشخاص في تعليقات الفيسبوك على المنشورات المتعلقة بالأنمي في الصفحات الضخمة، يمكنك أيضًا العثور عليه في بعض مجتمعات أمينو وأحيانًا تعليقات يوتيوب، يندر في منصة تويتر ولكن ربما تصادف أحدهم هناك، احتمال أن تصادف أحدهم في الواقع شبه منعدمة. هذا النوع من الأشخاص سيقدم لك “حججًا منطقيةً” كون الأنمي ليس موجهًا للأطفال، ويستدل بذلك على أنميات دموية وجنسية. من الأفضل ألّا تعتمد آراء هذا النوع من الأشخاص كممثل لمتابعي الأنمي.

بالفعل، الأنمي ليس للأطفال، ولكن ليس سبب ذلك المشاهد الدموية والتلميحات الجنسية الموجودة فيه. السبب في ذلك أنّ الأنمي مثله مثل أي منصة فنية أُخرى يمتلك تصنيفات عمرية، هناك أنميات موجهة للأطفال، وأُخرى موجهة للبالغين أو المراهقين أو المراهقات. لا علاقة بين الدموية الموجودة في أحد الأنميات، وكون الفنّ بأكمله غير ملائم للأطفال.

وهذا النوع من الأشخاص ليس نادرًا على الإطلاق، ومتواجد بكثرة في كل منصّات التواصل الاجتماعية وحتى في العالم الواقعيّ، على الرغم من اعتقاده بأنّه مميز لمتابعة أكثر من 400 أنمي. هذا النوع من الأشخاص سيحاول فرض رأيه عليك دون أي حجج، فقط استنادًا لكونه شاهد مجموعةً أضخم من الأنميات، ولكن في نفس الوقت يمكنه أن يساعدك في العثور على ذاك الأنمي الذي شاهدت ثلاث ثوانٍ منه في تلك الصورة المتحركة قبل عشر سنوات.

عندما يبدأ أحدهم بالحديث عن أنميات مثل: نيون جينيسيس إيفانغليون، أُسطورة أبطال المجرة وغيرها من الأنميات القديمة التي أثرت في صناعة الأنمي، ونقلتها نقلات نوعيّة بشكل غير مسبوق. استعد للدخول في نقاش طويل عن سوء الأنمي في العصر الحاليّ، وأنّ الأنميات الجديدة “لا تعبّي الرأس” وتحتاج للكثير من التعديلات. ربما يكون أيضًا مهتمًا بالساكوغا، ويبدأ تحليل مشاهد التحريك في الأنمي كي يظهر المشاكل فيها.

للتبسيط، يمكنك اعتبار هؤلاء كقُرّاء دوستويفسكي في مجتمع قُرّاء الكتب، أو محبي مشاهدة المباريات القديمة في مجتمع محبي كرة القدم، أو محبي مشاهدة الأفلام الكلاسيكية العميقة لمخرجين لم ينالوا حظهم من الشهرة في مجتمع محبي الأفلام.

في الحقيقة، المتابعين من هذا النوع غالبًا يحملون على عاتقهم مهمة نشر المحتوى المتعلق بالأنمي، وإثارة النقاشات المثرية في المجتمع العربي على الإنترنت، والسبب في هذا استثمارهم للكثير من الساعات في تعلّم المزيد عن الأنمي ومحاولة فهم الصورة الأعمق وراء تفاصيله، ولكن خبرتهم هذه ربما تجعلهم أحيانًا أقل تقبّلًا لآراء المتابعين الأقل خبرةً. لذا، انتبه من النقاش مع أحدهم دون معرفة بما تتحدث عنه.

إذا كنت تخطط للتعمّق في المجتمع بأي شكل من الأشكال، ستجد حتمًا أشخاصًا على الإنترنت بأسماء وصور شخصيات أنمي. احتمال مصادفة هؤلاء يزداد كلما توجهت نحو المنتديات والمجموعات المغلقة في فيسبوك، وإن لم تكن مستعدًا نفسيًا بما فيه الكفاية ربما تصاب بمرض عضال لا يمكن الشفاء منه بمجرد رؤيتك لما يقومون به. بأي حال، في مجتمع الأنمي ستجد الكثير من الشخصيات المختلفة، وربما أهم الدروس التي يمكن تعلمها من هذا المجتمع هو تقبل الآراء المختلفة والتعايش مع الآخرين.

في كل مجموعة سواءٌ كانت على أرض الواقع أو على الإنترنت، ستجد ذاك الشخص الذي لا يتقبل الآراء المختلفة ولا يتعايش مع الآخرين من محبي الأنمي. ولكن لا بأس، ففي مجتمع الأنمي حتى آراء هؤلاء مقبولة ويتعايش الجميع معها. فقط لا تدخل بأي نقاش معه.

بعيدًا عن النقاشات التقليدية عن أفضل أنمي، أفضل توظيف للرسم والتحريك أو حتى أفضل موسيقى وإخراج فنّي في الأنمي. هناك الكثير من النقاشات الثقافية التي تدور في مجتمع الأنمي حول أفضل فتاة و”حبكة” وزوج أو زوجة أنمي، أصحاب هذه النقاشات غالبًا ما يكونون أكثر تعمّقًا في الأنمي، وفي كثير من الأحيان ستجد أنّ بعضهم يصنع المحتوى المتعلّق بالأنمي، وينشر ثقافته في كلّ مكان.

الغريب أنّ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على جنسية عشاق الأنمي، وأي نوعية منهم تحديدًا تريد، ولكن لتبسيط الأمر يمكننا حصر الدول العربية الرئيسية في مجموعة منصّات رئيسية، وبعض المجموعات في أماكن محددة:

تويتر فيه عشاق الأنمي من الخليج العربي وصُنّاع المحتوى، إذا كنت تبحث عن فريق ترجمة ما، أو شخصية يوتيوب مشهورة، أو أحد “محنّكي” الأنمي، يمكنك استخدام تويتر للعثور على هؤلاء بكل سهولة. أيضًا ستجد الكثير من متابعي الأنمي وعشاقه من كافة الأطياف في هذه المنصة.

فيسبوك يمتلك قاعدةً أكبر من حيث العدد، ولكن لن تجد فيه ذات الجودة التي يمكنك العثور عليها في تويتر؛ لأنّ أغلب مجتمعات الأنمي في فيسبوك هي مجموعات مغلقة تتضمن عشرات الآلاف من الأشخاص، وغالبًا ما تكون هذه المجموعات مخصصة لدولة محددة، والتفاعل بين هذه المجموعات شبه منعدم ولا تنسيق فعليّ بينها. بشكل رئيسي، هناك تجمّعات سورية، عراقية، ومصرية على فيسبوك، وتتدرج هذه التجمعات في أنواعها بين المجموعات النقاشية الجدية، أو تلك المخصصة للصراعات عديمة الفائدة بين معجبي الأنمي س وعشاق الأنمي الأسطوري ص.

أمينو يمتلك قاعدةً أكبر من الأشخاص، ولكن هذا لا يعكس الجودة على الإطلاق. ربما الأمر الأكثر تميزًا في أمينو رغم كم المجتمعات والمستخدمين الهائل فيه من كل الانواع، هو أنّ المحتوى فيه – مهما كان مستواه – غالبًا محتوى أصليّ وغير منسوخ من مكان آخر، وستجد الكثير من التجمعات المخصصة للأشخاص الذي يحبون محاكاة الشخصيات، أو يحبون الحديث عن أحد الأنميات دون غيرها.

يوتيوب بذاته ليس مكانًا سيئًا للتعرف على الأنمي، وأخذ نظرة شاملة على مجتمع الأنمي العربي، سواءٌ كنت تنظر لصُنّاع المحتوى أو التعليقات والتفاعلات مع هذا المحتوى. ستجد في يوتيوب محتوى يتدرج بين الفيديوهات المصنوعة بالهاتف المحمول، وحتى الفيديوهات الاحترافية التي تشرف عليها استوديوهات مشهورة. يمكنك أيضًا العثور على شخصيات بدأت بمشاهدة الأنمي للتو وأحبت الحديث عنه، وحتى أشخاص درسوا النقد الأدبي بشكل مفصّل ليقدموا رأيهم عن أنمياتهم المفضلة.

برأيي، صُنّاع المحتوى هم أهم ما يمكن الاستدلال به على مستوى مجتمع ما على الإنترنت، وعلى الرغم من وجود الكثير من المحتوى السيّئ المتعلق بالأنمي باللغة العربية – وربما هو المحتوى الأكثر شيوعًا – إلّا أنّ بعض المشاريع والمبادرات والجهود العربية في هذا المجال تستحق الاحترام والدعم، ومن الأفضل متابعتها بدلًا من القنوات والمواقع التي تقدم لك “أفضل عشر قتالات في ناروتو” أو “زمرة دم الشخصية الفلانية في الأنمي الفلانيّ”.

هناك مبادرتان إخباريتان رئيسيتان باللغة العربية لعرض أخبار الأنمي لحظة بلحظة، وكليهما نشِطَتين بشكل رئيسي على تويتر – رغم تواجدهما على فيسبوك أيضًا – وشخصيًا أعتقد أنّ متابعة واحدة منهما كافية لمعرفة كافة أخبار الأنميات. الأولى أنمي ثيرابي، والثانية Anime Update، ولكل من المبادرتين موقع إلكتروني وتواجد على يوتيوب وبقية المنصّات بأنواع مختلفة من المحتوى المتعلق بالأنمي بعيدًا عن الأخبار.

على الرغم من اهتمام خدمات بث الأنمي القانونية مثل: كرنشيرول ونيتفلكس باللغة العربية، ومحاولة تقديم الأنميات بترجمات احترافية بنفس موعد نشرها في اليابان، إلّا أنّ الكثير من الأنميات القديمة والأنميات غير المتوافرة على هذه المنصّات لا تمتلك ترجمات عربية رسميّة، وهنا تظهر مجموعة ضخمة من فرق الترجمة العربية التي تحمل على عاتقها مهمة ترجمة الأنميات إلى العربية، وإتاحة هذه الترجمات للتحميل مجانًا. هناك الكثير من المبادرات العربية ولا يسعنا الحديث عنها، ولكن يمكنك الاطلاع على “مكتبة ملفات الترجمة العربية” لمعرفة أفضلها.

هناك الكثير من قنوات اليوتيوب العربية التي تقدم محتوى متعلقًا بالأنمي، أغلب هذا المحتوى ذا جودة سيئة أو متوسطة في أحسن الأحوال. بأي حال، هناك مجموعة من القنوات التي تقدم محتوى عالي الجودة ويستحق وقت المشاهدة، يمكنني اقتراح Hakase Box ،Sekai Network، Fankatsu، NEET Plus للمحتوى المتعلق بالأنمي بشكل مباشر، وقنوات مثل: Planet B-612 و كوميكسولوجي بالعربي لا تتخصص بالأنمي، وإنما تتضمن الكثير من المحتوى الجيد المتعلق به بشكل أو بآخر. ستجد أيضًا قنوات لترجمة الأغاني اليابانية للغة العربية أو دبلجتها، مثل: قناة Emy Hetari.

هناك الكثير من المدونات الشخصية والجماعية التي تقدم محتوى مكتوبًا متعلقًا بالأنمي بجودة عالية بعيدًا عن هراء المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي. بعض المدونات التي يمكنني ذكرها – إضافةً للمواقع والمدونات المرتبطة بالمشاريع التي ذكرتها سابقًا – تتضمن مدونة غارو التي تهتم بالحديث عن تفاصيل ترجمة الأنمي والثقافة اليابانية، ومدوّنة Blite التي تركّز أكثر على الساكوغا والجانب الإخراجي والفنّي في الأنمي. كاواي أنمي مدونة أعمل عليها أيضًا، وتتضمن الكثير من المحتوى المتعلق بالأنمي من مستويات مختلفة.

إضافةً لأراجيك التي تقوم بعمل جيّد للغاية في رفع مستوى المحتوى المتعلق بالأنمي باللغة العربية من خلال المقالات الاحترافية الموجودة فيها، هناك بعض المدونات الأُخرى التي لا تركّز على الأنمي بالخصوص، ولكنها تتضمن محتوى عالي الجودة مثل: مدونة عَشـوائيّـات التي تتضمن الكثير من التحليلات والمراجعات المعمّقة للأنمي.

في النهاية، مجتمع الأنمي العربي لم يعد صغيرًا، هناك مئات الآلاف من محبي هذا الفن منتشرين حول العالم العربي اليوم، وربما يكون صديقك أو صديقتك المفضلة واحدًا منهم. لذا، من المهم امتلاك معرفة أساسية على الأقل بهذا المجتمع وأشخاصه، ومن يدري، ربما تصبح أنت جزءًا منه في يوم من الأيام.