تريند 🔥

🤖 AI

لماذا ينجذب المشاهد العربي إلى “الظلم والانتقام” بالأعمال الفنية؟

مسلسلات وأفلام الظلم والإنتقام صورة أعمال عربية دارت حول فكرة الانتقام
محمود حسين
محمود حسين

7 د

تُعد أفلام الانتقام -القائمة على فكرة ثأر المظلوم من الطغاة- أحد أقدم الأنماط الدرامية والسينمائية ومن أكثرها شيوعاً، لكنها تحظى بمكانة خاصة في العالم العربي وإذا نظرنا إلى مسلسلات رمضان 2018 سوف نجد أن نسبة كبيرة منها -بغض النظر عن مستواها الفني- تنتمي لهذا النمط ومعظمها حقق نسب مشاهدة مرتفعة ومن بينها “كلبش 2، رحيم، أبو عمر المصري، نسر الصعيد، قانون عمر، أيوب”، وهذا ليس أمراً مُستحدثاً بل أن السينما المصرية سبقت الدراما التلفزيونية وقدمت عدداً كبيراً من الأعمال المنتمية لهذا النمط الفني خلال تاريخها المديد من أبرزها -على سبيل المثال- أفلام جعلوني مجرماً عام 1954م، دائرة الانتقام 1976، الغول عام 1983 وغيرهم الكثير.

كانت ولا تزال الأعمال الفنية التي تدور حول فكرة المظلوم المُتمرد الساعي إلى الانتقام تحقق نجاحاً كبيراً عربياً وتحظى بنسب مشاهدة مرتفعة، وسوف نحاول من خلال الفقرات التالية الإجابة على السؤال المُحيّر حول سر انجذاب المشاهد العربي بالأخص إلى هذا النمط الفني بالسينما والدراما رغم أن بعضها -وأغلبها مؤخراً- لم يكن على المستوى الفني المطلوب؟

نوستالجيا تترات مسلسلات رمضان القديمة.. يا روايح الزمن الجميل


ملامح البطل الشعبي


صورة أحمد زكي من فيلم الهروب

أحد أبرز العوامل التي ساهمت في انجذاب المشاهد العربي إلى الأعمال الدرامية التي تدور في فلك فكرة الانتقام، هو أن النسبة الأكبر من أبطال هذه الأعمال يحملون قدراً كبيراً من ملامح البطل الشعبي، أو الشخصيات المحورية بمجموعة مرويات السَيّر الشعبية التراثية التي تظهر عادة في صورة المُخلِص الذي تكونت شخصيته نتاج تاريخ طويل من المعاناة والألم ورغم كل شيء لا يزال قادر على التطُلع لغد أفضل يسعى إليه عن طريق القصاص من الظالمين.

البطل الشعبي بطبيعته -كما واضح من مُسماه- ليس بطلاً فردانياً وإن كان يخوض حربه مُنفرداً، بمعنى أنه عادة يصارع من أجل استرداد حقه المسلوب والانتقام من سالبيه، وهو بذلك يساهم في نصرة فئة أو جماعة أو أمة كاملة وقع علي أفرادها نفس الظلم من ذات الطغاة، إلا أنهم لم يكونوا شُجعاناً كفاية لاتخاذ موقفاً حقيقياً تجاههم ولهذا يلتفون حول ذلك البطل عند ظهوره إما في صورة جنوداً تابعين أو مُريدين داعمين.

ينجذب المشاهد العربي لفكرة المظلوم المنتقم عادة لأنه يراه يتحدث بلسان حاله ويُعبر عن همومه وقضاياه، بل أن بعض المخرجين ركزوا على تلك الفكرة واستعرضوا -داخل إطار الفيلم- نظرة المجتمع للبطل، ومنهم المخرج عاطف الطيب الذي حَوّل شخصية منتصر في فيلم الهروب -إنتاج 1988- إلى بطل شعبي، الذي كان مُجرماً في نظر القانون ورغم ذلك يستقبله العوام بحفاوة كبيرة ويتابعون أخباره على صفحات الجرائد بشغف رغم أن هو ذاته لا يرى نفسه بطلاً!

محطات مُهمّة من حياة ومسيرة أحمد زكي؛ الفنان ذو الألف وجه

فيديو يوتيوب

التأثر بالثقافة الشعبية العربية

الموروث الثقافي

يتحكم الموروث الشعبي والثقافي في انجذاب المُتلقي لنوع معين من الفنون دون الآخر، وقد ارتبطت السَيّر الشعبية والملاحم العربية بفكرة الثأر واسترداد الحق المسلوب، مثال ذلك شخصيتي “أبو زيد الهلالي” و”عنترة بن شداد”، كلاهما تعرض لظلم بَيّن من أقرب المُقربين بمرحلة ما، وكذلك كل منهما استرد حقه بطريقته الخاصة، والأمر نفسه ينطبق على قصص “علي الزيبق” و”ألاعيب شيحا” وغيرهما، أيضاً إن نظرنا إلى الأساطير الفرعونية القديمة سنجد أن أشهرها قد دارت حول ذات الفكرة وهي أسطورة “إيزيس وأوزوريس”.

يمكن القول بأن فكرة الثأر والقصاص راسخة في نفس العربي، لا يرى أن هناك جريمة أبشع من الظلم ولا حرب أنبل من حروب استرداد الحق؛ لهذا فإن القصص التي تدور بذلك الإطار تحظى بمكانة أكبر لديه.


الواقع السياسي والاجتماعي

صورة فيلم V for Vendetta وفيلم شيء من الخوف

في عام 2017 -قبل ثورة 25 يناير المصرية بأربع سنوات- كانت قاعات العرض السينمائي تضج بالصافرات والتهليل بالثلث الأخير من فيلم الجزيرة وتحديداً حين يُردد بطله أحمد السقا العبارة الشهيرة “من النهارده مافيش حكومة.. أنا الحكومة”، وعلى الرغم من أن منصور الحفني ليس زعيماً ولا بطلاً إنما هو في واقع الأمر تاجر سلاح ومخدرات، إلا أن المشاهدين قد توحدوا معه في لحظة ما حين رآه يُطلق الصحية التي تتردد في نفس كل واحد منهم، وهذا يقودنا إلى حقيقة مؤكدة وهي أن الواقع السياسي والاجتماعي يساهم في تشكيل الذوق العام ويلعب دوراً في انجذابه إلى نمط فني دون الآخر.

عانت أغلب الدول العربية لحقب زمنية طويلة من السياسات القمعية وتفشي الفساد المالي والسياسي، ومنها من لا يزال يعاني من تلك الظواهر حتى اليوم، وقد جرت العادة على أن يكون الشخص المُنتقم بالأعمال الفنية مُنتمياً إلى الطبقة المتوسطة أو الدُنيا التي تُمثل سفح الهرم الاجتماعي وتُشكل الشريحة الأكبر من أبناء الشعب، ويخوض صراعاً شرساً في مواجهة رأس الهرم المُتمثل في شخص أو مجموعة أشخاص من أصحاب السلطة والنفوذ، أي أن البطل في ذاته يعبر عن المشاهد بل قد يكون في بعض الحالات انعكاساً له ولهمومه، أما صراعه فيُعبر عن آماله وحلمه في التمرد.

يتعاطف المشاهد دائماً مع قضية المظلوم أو المقموع من قبل أصحاب السلطة  بصورة مُطلقة، وهو ما يُفسر سر شعبية فيلم V for Vendetta بالمنطقة العربية على الرغم من أن أحداثه تدور في مكان وزمان مختلفان، أو نجاح فيلماً مثل أمير الانتقام من إنتاج 1951م والذي دارت أحداثه بزمن سحيق، ولأن تعاطف المشاهد يكون نابعاً في الأصل من إحساسه بقضية المظلوم ومعاناته فإنه لا يشترط أن يكون تعاطفه مع البطل الفرد بل قد يكون تعاطفه مع الضمير الجمعي مثلما كان الحال في فيلم شيء من الخوف من إنتاج 1969م للمخرج حسين كمال، الذي تحول مشهد الثورة على الطاغية به إلى أيقونة سينمائية خالدة.

فيديو يوتيوب

التعاطف مع البطل المظلوم

صورة مسلسل ذئاب الجبل وفيلم اللص والكلاب

يُشار دائماً إلى الشعوب العربية بأنها عاطفية أكثر من غيرها، ورغم أن البعض يرى أن طُغيان العاطفة على التفكير المنطقي عيباً وليس ميزة، إلا أن تلك الخِصلة في النهاية كانت من العوامل التي ساهمت في تشكيل الذوق الفني العام للمشاهدين، ولعل ذلك يفسر سر الشعبية الكاسحة التي تتمتع بها الأعمال الدرامية التي تميل إلى التراجيديا مقارنة بالأنماط الأخرى مثل المسلسلات التشويقية أو الكوميدية.

إذا نظرنا إلى مجموعة الأعمال الأكثر نجاحاً في تاريخ الدراما العربية سنجدها مُستغرقة في الواقعية ويغلب عليها الطابع التراجيدي، وفي مقدمتها مسلسلات “لن أعيش في جلباب أبي”، “أرابيسك”، “الشهد والدموع”، “الفرار من الحب”، “الضوء الشارد”، “ليالي الحلمية”، “المال والبنون” وغيرهم، والأمر نفسه ينطبق على الأفلام السينمائية مثل “الأرض”، “دعاء الكروان”، “المرأة المجهولة”، “الحرام”، “الحب فوق هضبة الهرم” وغيرهم.

غلبة العاطفة على المشاهد العربي ساهمت في انجذابه بصورة أكبر إلى القصص التي يتعرض خلالها البطل للظلم أو الخيانة، حتى أنه كثيراً ما يتعاطف مع شخصية البطل المقهور حتى لو لم يكن هذا البطل سوياً أو بريئاً تماماً، مثال ذلك تعاطفه مع شخصية اللص سعيد مهران في فيلم اللص والكلاب إنتاج 1962 للمخرج كمال الشيخ والمأخوذ عن رواية الأديب نجيب محفوظ، أو تعاطفه مع شخصية الصعيدي المُتعصب البدري بدار في مسلسل ذئاب الجبل إنتاج 1992 للكاتب محمد صفاء عامر والمخرج مجدي أبو عميرة.

فيديو يوتيوب

الأبعاد الفنية للرحلة الانتقامية

صورة فيلم كتيبة الإعدام

فكرة الثأر والانتقام في الأعمال الدرامية لا تجذب المشاهدين فقط بل أنها تجذب المُبدعين أيضاً محلياً وعالمياً؛ إذ أن هذا النمط الفني يوفر لهم العديد من المزايا التي تعزز عملهم الفني وترفع من قيمته، في مقدمتها إتاحة الفرصة لإضافة عنصر التشويق وجعل المشاهد يرافق البطل المُنتقم في رحلته ويتابع تحركاته بالكثير من الترقب والشغف، كما تمكن الكُتاب والمخرجين من إضافة العديد من عناصر الجذب السينمائية وأبرزها مشاهد الحركة والإثارة كما هو الحال بالفيلم المصري واحد من الناس أو الفيلم الأمريكي John Wick.

كذلك من أبرز مزايا نمط رحلة الانتقام أنها تعد بمثابة قالباً فنياً يسهل استخدامه في عرض مضمون الأفلام وأطروحاتها بأسلوب ممتع ومشوق، مثال ذلك فيلم كتيبة الإعدام من إنتاج 1989م للكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج عاطف الطيب، الذي يدور حول دوائر انتقام متداخلة ومن خلالها يسلط الضوء على سياسة الانفتاح الاقتصادي وأثرها خلال النصف الثاني من السبعينات.

أيضاً من مزايا أغلب الأعمال القائمة على فكرة الانتقام هو أنها تولي اهتماماً كبيراً بشخصية الخصوم أو الأشرار، بعكس العديد من الأعمال الأخرى التي تُركز على البطل دون غيره، والسر في ذلك هو أن البطل المُنتقم عادة لا يكون مُحرك الأحداث الرئيسي، أي أنه يُمثل رد الفعل وليس الفعل نفسه، وبطبيعة الحال الاهتمام بالشخصيات المساندة -خاصة الخصوم- يدعم أركان الحبكة ويُثقل العمل الفني، مثال ذلك شخصية حلمي عسكر التي جسدها محمود ياسين بمسلسل سوق العصر إنتاج 2001، أو شخصية فهمي الكاشف التي قدمها فريد شوقي بفيلم الغول إنتاج 1983 وغيرهم.

صور مسلسل أيوب ومسلسل قانون عمر
ذو صلة

في الختام لا يمكن الجزم بأن العوامل المذكورة تُمثل كامل أسباب انجذاب المشاهد للأعمال التي تستعرض مسيرة المظلوم المنتقم، من المحتمل أن تكون هناك أسباباً أخرى ولكن الأمر المؤكد هو أنها تحظى بجماهيرية كبيرة وتحقق نسب مشاهدة مرتفعة، ويعتبرها الكثيرون من صُنّاع السينما والدراما حصاناً أسوداً يراهنون عليه بثقة، ولهذا فإنها ليست من الظواهر واردة الاختفاء ومن المتوقع الاستمرار في تقديمها بالسنوات المقبلة على الرغم مما شهدته خلال السنوات الأخيرة من تراجع بالمستوى الفني، حتى أن أغلبها صار أشبه بعِدة نسخ مشوهة لأصل واحد لا يقل عنها تشوهاً.. والسؤال هنا: هل نضبت منابع الإبداع؟ أم أن هناك من هو قادر على تقديم ذلك النمط الفني بأسلوب مبتكر وإعادته لما كان عليه بالماضي؟!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة