مدرسة الروابي للبنات على نتفلكس: خوف من المواجهة أم رفض شعبي مرة أخرى

تُعد نتفليكس أحد أهم المنصات الإلكترونية في البث الحي منذ إنطلاقها عام ١٩٩٧ أو ما يعرف بالتلفزة عبر الإنترنت، وتوسعت شركة نتفيلكس لتصبح أحد أكبر الشركات المنتجة منذ عام ٢٠١٣ بدخولها عالم السينما والمسلسلات وتصبح منصتها الإلكترونية في الوقت الحالي واحدة من أكبر المنصات في عدد المشتركين وهو ما يصحبه زيادة في العوائد المالية.

تستهدف خطط نتفليكس العالم العربي الذي تحظى فيه بشعبية كبيرة، فبدأت بعرض بعض الأفلام العربية على المنصة وفي اتجاه معتاد منذ عدة سنوات أن نرى على وجه الخصوص مسلسلات عربية من إنتاج نتفيلكس، منها المسلسل المصري ما وراء الطبيعة، والمسلسل الأردني جن، وكما هو الحال اليوم مسلسل أردني آخر بعنوان مدرسة الروابي للبنات من تأليف وإخراج تيما الشوملي.

”نحن فتيات الروابي نحو القمم محلقات، فتيات الروابي فالأفاق لامعات… واعدات ملهمات والأخلاق ساميات“. من هنا تبدأ رحلة مدرسة الروابي التي لا تعكس نفس كلمات النشيد، نبدأ بمشهد لطالبة يرتطم رأسها بالأرض بقوة مما أدى إلى نزيف الدم مباشرة، ثم نتجه نحو غرفة التحقيقات لمعرفة من الجاني.

نعود بالأحداث إلى أصلها قبل أسبوعين من الحادث لنرى ملامح شخصية كل من مريم -التي تلعب دورها أندريا طايع- فتاة مسالمة متفوقة تتصادم مع أحد كبار الطلاب شعبية وسلطة في المدرسة ليان -التي تلعب دورها نور طاهر- نظرًا لمكانة أبيها العالية، وتكون ليان ذاتها مثلث رعب برفقة صديقتيها رانيا (جوانا عريضة) ورقية (سلسبيلة) لأي فتاة تحاول الحديث عنهم بسوء.

ومن هنا تدور الأحداث في شكل انسيابي تصاعدي قصة تلو الأخرى حتى نهاية الصراع، ورغم تميز العمل فنيًا على عدة أصعدة إلا أن حالة الجدل التي خَلقها بين المتابعين كانت بسبب بعض كلمات السيناريو كما أن العمل تجرأ على فتح بعض المواضيع التي يعدها البعض خطوطًا حمراء.

أحد أهم نقاط تميز العمل كان الديكور علاوة على أماكن التصوير ورغم إختلاف الأمكان والأشخاص إلا أن الديكور كان مناسبًا بشكل كبير سواء كان في المدرسة أو في منزل أحد الشخصيات وحتى في الحفلات، وكان هناك تناسق للألوان على المستوى البصري يُطفي حالة من الاستمتاع ربما تغلب قوة أداء الممثلات أو السيناريو.

على مستوى التمثيل وبالنسبة لفتيات يخطين خطوة كبيرة في السينما العالمية بما أن العمل من إنتاج نتفيلكس، فهو مقبول وجيد إلى حد كبير أبرزهم نوف (ركين سعد) التي لعبت دور الطالبة الجديدة بالصف، تلك التوليفة النسائية التي أثارت الجدل بالسنياريو الذي اتهمه البعض أنه لا يمثلهم -خاصة الجمهور الأردني- ولكن في حقيقة الأمر الألفاظ المستخدمة في المسلسل هي الأقرب للواقع العربي في عصر السوشيال ميديا وحتى كثرة المصطلحات الأجنبية لا يُعد مستغربًا لهذا الحد فهناك فئة ليست بالقليلة تستخدم تلك الطريقة في الحديث.

أبرز ما يعلق بذهنك بعد انتهاء المسلسل هو الأغاني التي تم استخدامها، كل أغنية تقريبًا كانت في موضعها ومناسبة للحدث وللحالة النفسية للشخصيات، تم انتقاء الأغاني بعناية فائقة مما جعلها أحد القوائم الرائجة الآن على منصة أنغامي.

هذه العناصر مع صورة إخراجية مميزة وبقصة تتضمن التشويق جعلت المسلسل محط أنظار الجميع، وتباينت الآراء بين الترحيب والرفض والقبول والاستياء، فرض المسلسل وجوده ليس فقط فنيًا بل جانب التميز الحقيقي في المواضيع التي تم طرحها، بعض المواضيع منها دائمًا ما تثير حفيظة المجتمع العربي.

حالة مريم في مدرسة الروابي للبنات عرضت قضية مهمة جدًا ألا وهي المرض النفسي وكيفية تقبل المجتمع تلك الفكرة، في البداية لا بد من توضيح أن المريض النفسي لا يعد مجنونًا وإنما يكون هناك خلل في الخلايا والوصلات العصبية في المخ ما يزيد شعوره بالحزن وعدم تقبله واقع الحياة ويصاحب ذلك بعض الأعراض الجسدية التي تستمر مدة أسبوع أو أكثر كالصداع والحبوب الجلدية وغيرها.

نظرة أصدقاء مريم واتهامها بالجنون وعدم الوعي لم يعكس فقط نظرة المجتمعات للمرض النفسي، بل وتأثير ذلك بالسلب على فترة علاج المريض أيضًا وشعوره بوصمة عار تجاه نفسه مما يؤدي إلى هزيمته نفسيًا أو رغبة عارمة في الانتقام دون رحمة.

التهميش الأسري ظاهرة يعاني منها أغلب شباب المجتمعات العربية، ليس فقط من عدم متابعة الأهل أو نقص الاهتمام وإنما بعدم التشجيع والإيمان بهم كما فعلت والدة رقية بقولها إنها أقل وسامة من إخواتها وأنه لن يأتي إليها من يطلبها للزواج، تلك البيئة الهشة ساهمت في جعلها تبحث عن التشجيع في إطارات أخرى وبعفوية تُرسل صورتها بدون حجاب إلى أحد الأصدقاء الوهميين على موقع الفيسبوك ما يضعها في ورطة كبيرة أمام أعين زملائها.

بقدر ما تُعطي السوشيال ميديا تسهيلات لأشياء عديدة إلا أنها تكون مدمرة للكثير من الأمور، رقية الباحثة عن الحبيب بأي شكل يجعلها تقع أسيرة لفخ إلكتروني، وتأثير السوشيال ميديا يبدو ظاهرًا بشدة في الألفاظ التي يستخدمها الشباب في الحياة العامة.

تجعلك السوشيال ميديا محاطًا بالأفكار المغلوطة التي حتى وإن كنت ترفضها ستصبح شيئًا فشيئًا متساهلًا معها تمامًا كرقية التي حثتها صديقاتها على أن تظهر بصور أكثر جرأة كما يفعلن، ورغم رفضها إلا إنها في نهاية الأمر فعلت ذلك.

تم تسليط الضوء على فكرة التحرش الجنسي بطريقة مُثلى، فلم يعرضوا المشكلة فقط لإبراز معاناة السيدات ولم يحاولوا توجيه حوار تحفيزي مُفرغ من أي أداة دفاع لأي سيدة عانت من تلك المشكلة، بل بصريح العبارة أقروا بأنه آن الآوان لأن تكون المشكلة مسؤولية المتحرش كاملة دون النظر لأي معطيات، وأنه من حق المرأة أن تواجه دون خوف بل إن المتحرش لا بد أن يداهمه الخوف والخجل لا العكس واتضح ذلك حينما قالت الأستاذة عبير للطالبة نوف إنه ما كان لينظر إليك لولا ما ترتديه، لتتحول نظرة الكاميرا إلى المتحرش خارجًا من المسبح يغازل الأستاذة عبير نفسها رغم كونها محتشمة تمامًا وكأن مخرجو العمل يوصلون رسالة واضحة أن الخطأ برأس المتحرش ولم يكن قط ولن يكون أبدًا خطأ المرأة.

جرائم الشرف أحد الجرائم التي لا يمكن حصرها عددًا نظرًا لأن أغلبها تحدث في الصحراء والأماكن البعيدة تمامًا كما حدث مع ليان -رغم كون النهاية مفتوحة- ولكن بفرضية قتل ليان ما الطائل من تلك الجريمة؟ ولمَ يتم ربط مصطلح الشرف بسلوك المرأة!

تقول الإحصائيات إنه في أغلب الحالات التي تُقتل تحت مسمى الدفاع عن الشرف كن عذارى كما كانت ليان تترجى أخاها وتقسم أنه لم يحدث شيئًا. سلوكيات كل شخصية في المسلسل تجعل المُشاهد تتضارب أفكاره بصف من يمكنه الوقوف!

في المقام الأول يتحدث مدرسة الروابي للبنات عن التنمر تلك الظاهرة التي أصبح الجميع أخيرًا يحاول مواجهتها، فالجميع ربما دون استثناء تعرض للتنمر في سنين حياته، ويعكس لنا المسلسل تطور الشخصيات تحت وطأة التنمر، وكيف يمكن أن يُنهي ثقة الإنسان بنفسه وبقدرته على المقاومة، كما أوضح المسلسل أسبابًا لما قد يكون الشخص متنمرًا لأنه يبحث عن نفسه بعيدًا عن تسلطات الأهل في حالة ليان والمشاكل الأسرية في حالة رانيا، وأرى أنه يمكننا بسهولة الآن ربط الصحة النفسية والتهميش الأسري بسلوكيات الأبناء في الخارج.

في بعض الأحيان تصبح القوة والنفوذ اللذان يحظيان بهما الأهل هما سبب عجرفة الأبناء تحقيقًا لمبدأ ”من أمن العقاب أساء الأدب“. وبتعبير أدق يعتبر الفساد والمحسوبية هم أحد أهم أسباب ”أنت مش عارف أبويا يبقى مين“. وتنقلب الحقائق وقتها رأسًا على عقب، فالظاهرتان -التنمر والفساد- رغم اختلاف معناهما اصطلاحيًا إلا أنهما مرتبطان ببعضهما البعض.

وفي ختام المقال يظل السؤال حائرًا لماذا لا يستقبل المشاهد والمجتمع العربي تلك الأعمال مثل مدرسة الروابي للبنات بصدر رحب بدلًا من النفور منها، خصوصًا وأن تلك المشاهد هي الواقع ذاته الذي من المفترض أنك تعشيه، فبدلًا من التهرب منه عليك مواجهته وإصلاحه.