هل يمكن للكوميديان أن يكون “غول تمثيل” هكذا؟ من قال إن الكوميديا لعبة أطفال!

لا شك أن هذا السباق الرمضاني يعد من أكثرهم إثارة للجدل سواء بسبب جودة بعض المسلسلات الجيدة جداً المختلفة عما يقدم كل عام، أو بسبب شدة رداءة بعضها لتصبح مادة خام للصور الهزلية على مواقع التواصل الاجتماعي. أو حتى بسبب المواضيع المختلفة التي تناقش وبالأخص فيما يخص الصحة النفسية. ولكن بلا شك أن الجدل لن يتوقف حتى بعد انتهاء المسلسلات والسباق الرمضاني، ومن أكثر الترندات التي انتشرت هذا العام هو “تباً للكوميديا التي منعت عنا كل هؤلاء غيلان التمثيل”.

قديماً، ومنذ أول مرجع وصل إلينا عن الدراما الإغريقية وأنواعها وهو كتاب فن الشعر لأرسطو، تم تقسيم “المسرحيات” التي كانت تقام في الاحتفالات الدينية إلى تراجيديا وكوميديا. وتم تعريف كل منهما؛ التراجيديا عرفت على أنها فعل جاد كامل في لغة منمقة تختلف على حسب أجزاء المسرحية المختلفة، يؤديها نبلاء عن طريق الفعل لا السرد تؤدي إلى التطهير من خلال الخوف والشفقة. أما عن الكوميديا فهي محاكاة لأشخاص أرداء، ذوي رذيلة معينة بشكل مضحك لا مؤلم بغرض إبعاد المتلقي عنه، أي حدوث التطهير بشكل مختلف.

وعلى مر العصور الدرامية اختلفت التعريفات وأشكال وأنواع الكوميديا ولكن ظلت تحتفظ بعاملين مهمين: إضحاك الجمهور وهي مهمة من أصعب المهام، فعلى المستوى النفسي إضحاك الفرد أصعب بكثير من إبكائه وإجباره على التعاطف معك ويرجع ذلك لطبيعة الإنسان وميله الفطري للحزن والتعاطف. والعامل الثاني هو الجانب الوعظي عن طريق السخرية.

هل شاهدت فيلم بنك الحظ؟ مسلسل اللعبة بجزأيه؟ بالتأكيد إذا صادفك أي مشهد من هؤلاء الأعمال ستكون على ألفة بضحكته المميزة وطريقته التلقائية في إلقاء الافيه حتى في وسط أحداث جادة جداً لترجح كفة الكوميديا على حساب أي شيء آخر. بدأ مشواره الفني والشهرة من مسرحية “قهوة سادة” للمخرج خالد جلال المشهور عنه أنه اكتشف العديد من المواهب الموجودة في الساحة الفنية في مصر في الوقت الحالي، وبعدها تنوعت أعماله بين السينما والدراما ولكن أغلبها في نطاق الكوميديا، ولعل من أشهر أعماله الكبير أوي، نيللي وشريهان، في الـ لالا لاند، بنك الحظ واللعبة بالتأكيد.

هذا العام يطل علينا في مسلسل بين السما والأرض، وبنفس الخفة والحرفية يستطيع ومن الحلقة الأولى خطف أنظار المتفرج له وهو من ضمن مجموعة مكونة من 11 نجماً من أقدر النجوم مثل سوسن بدر، هاني سلامة وأحمد بدير تجد نفسك بتلقائية شديدة وبمجرد أن يكون هو جزء من الكادر تجد نفسك مجبراً على متابعة تصرفاته وتعبيراته التي في البداية تتوقع أنها كوميدية للغاية فقط لمجرد كسر النمط الدرامي المقبض للمسلسل بسبب احتباسهم في صندوق المصعد.

وفجأة في الحلقة السادسة، نجد مشهداً مكوناً من لقطة واحدة يمسك جلال أبو الوفا بخناق سامي أبن زكي فطين الدين رجل الأعمال الذي سرق فكرة مشروع جلال. ويبدأ في مشهد تراجيدي قوي جداً روى قصة سرقة مشروعة وحتى ينهار تماماً في أحضان عم شاكر. الحقيقة أنه غير مفاجئ لي بالمرة هذه القدرة التمثيلية القوية عند ثروت، فالموهوب مع توجيهات مخرج شاطر يمكنه أن يكون موهوباً في كل أنواع الدراما.

أقرأ أيضًا: مسلسلات رمضان 2021 الليبية: قائمة من الأعمال التي تستحق المشاهدة

موهبة أخرى خرجت من مركز الإبداع الفني تحت إشراف المخرج خالد جلال، محمود سمير الليثي الديب، خريج دفعة 2014 من مركز الإبداع تحت عنوان بعد الليل. اشتهر في برنامج snl بالعربي، مسلسل لا تطفئ الشمس وأخيراً النهاية في العام الماضي. وبالفعل اشتهر كثيراً العام الماضي بسبب دور سعادة الشب الأحمق وما نتج عنه من كوميديا في مسلسل لا يتسم بنفس الروح في الأساس. طل علينا هو الآخر في مسلسل بين السما والأرض هذا العام ولكن بنمط بعيد تماماً عن الكوميديا بحكم مظهره وهيئته الملتحية في شخصية الشيخ عوض زوج فاتن سرور السابق الذي يسعى للانتقام منها وقتلها. وفي الحلقة 13 يفاجئنا هو الآخر بأدائه لتوشيح “أغيب وذو اللطائف لا يغيب” بكل السلام والسكون والتمكن الذي يمكن أن يصل له ممثل لا مغني.

يشارك النجم أحمد مكي في مسلسل الاختيار 2 الذي يعرض قضية فض اعتصام رابعة المسلح في دور ضابط القوات الخاصة “يوسف رفاعي”. وهو نوع جديد نوعاً ما عن الأعمال التي يقدمها أحمد مكي التي من أشهرها الكبير بـ أجزائه، طير انت، لا تراجع ولا استسلام وخلصانه بشياكة. فكلها أعمال اتسمت بالكوميديا وتعدد الشخصيات. ولذلك كان رد فعل الجمهور الأول هو لماذا ظل مكي كل هذه السنوات يقدم هذه الأعمال التافهة -في وجهة نظرهم- وكأن الأعمال الكوميديا لا تحمل نفس الرسائل والأهمية التي تحملها الأعمال الدرامية؟ أو كأن الممثل الكوميدي لا يمتلك أي مواهب تؤهله، لذلك يخوض الحرب السهلة ويتجه للكوميديا؟ كلها أفكار مغلوطة لا أساس لها من الصحة، كل التقدير والاحترام لأعمال الفنان أحمد مكي الهزلية منها قبل الجدية.

بالصدفة يشترك الممثلان محمد ممدوح (تايسون) وعلي قاسم في عملين معاً أحدهما تراجيدي وهو لعبة نيوتن والآخر كوميدي/ اجتماعي وهو خلي بالك من زيزي. مع اختلاف حجم دور كل منهما ولكن لا شك أن كلاهما أجاد لعب كل شخصية منهما بشكل مقنع جداً..

بنظرة سريعة على الشخصيتين يمكنك أن تجد أنهما النقيض تماماً من بعضهما، فحازم متسرع، عنيف، لا يحترم المرأة، متخبط ولا يتعلم من أخطائه. أما عن مراد فهو متأني، صبور، يحترم المرأة ويساعدها، يعترف بأخطائه ومتزن نفسياً بشكل كبير. وبكل تأكيد إذا شاهدت المسلسلين متتابعان أو حتى في نفس الوقت ستشعر للحظة أن حازم ومراد ليسا نفس الممثل، فحتى تايسون قادر على تغير ملامح وجه لهذه الدرجة، أن تشك أنهم نفس الشخص من الأساس.

يعتبر علي قاسم صاحب أقل أعمال فنية في قائمتنا اليوم، فبدأ رحلته الفنية حديثاً في عام 2016 في مسلسل فوق مستوى الشبهات في دور صغير لضابط. وتوالت أعماله حتى ظهر نجمه في مسلسل لعبة النسيان العام الماضي. وهذا العام يشارك في عملين الأول وصاحب الدور الأكبر هو خلي بالك من زيزي ليقدم دور هشام عسل الدكتور الخلوق الخاضع صاحب الأخلاق الرفيعة، وفي مسلسل لعبة نيوتن بدور ضابط المباحث ليظهر أول مرة في الحلقة 23 والذي يتوقع أن يكون هو سبب أساسي في الوصول لحل العقدة والنهاية. لا يمكن الحكم على دوره في لعبة نيوتن بشكل كامل ولكن من المؤشرات البدائية يمكن توقع أداء عالٍ يختلف تماماً عن دوره في خلي بالك من زيزي.

وفي النهاية نريد أن نقول لكي تكون “غول تمثيل” و “في حتة تانية” وتحصل على الشابوه ليس عليك أن تنهار من البكاء ويصاحب أداءك موسيقى تراجيدية بغرض إثارة تعاطف الجمهور بأي طريقة. يمكنك تحقيق “غولنة” التمثيل من خلال أدوار كوميدية خفيفة، فـ التمثيل من البداية يعتمد على الشقين التراجيدي والكوميدي بشكل متوازي.

أقرأ أيضًا: كريم عبد العزيز وأحمد مكي بطلا مسلسل الاختيار 2 في رمضان 2021