تريند 🔥

🤖 AI

تيم بورتون .. عبقري من عالم آخر

نورا ناجـي
نورا ناجـي

8 د


تيم بورتون

أملك فكرة جيدة لفيلم سينمائي سيحطم الإيرادات، تدور هذه الفكرة في عقلي منذ سنوات كثيرة، سأشاركها معكم اليوم لذا أرجو ألا ينسبها أحد معدومي الضمير إلى نفسه ذات يوم ليتحول إلى وغد ثري وأبقى أنا أتحسّر على ما فاتني.

الفكرة بسيطة للغاية لا أعرف كيف لم يفكر بها أحد في ديزني من قبل، وهي ببساطة، فيلم عن مدينة البط الشهيرة، التي يعيش فيها بطوط وعم دهب، لكن بشخصيات حقيقية وديكورات حقيقية، يجسّد أبطالها ممثلين حقيقيين، لكنهم بنفس الأزياء الكرتونية للشخصيات، مثلاً يقوم جوني ديب بدور بطوط ويرتدي زي البحّارة والقبعة الغريبة، يقود سيارة حمراء صغيرة ويربي أولاد أخته التوأم توتو ولولو سوسو.

يقوم مثلاً كريستوفر والتز أو كولن فيرث بدور عم دهب، بنفس معطف عم دهب وقبعته السوداء وعصاه الشهيرة، تقوم هيلينا بونهام كارتر بدور الساحرة سونيا .. لا داعي لأي مكياج فهي تشبهها جداً.

يمكن أن تقوم إيمي آدامز بدور زيزي، وأي ممثل ثقيل الظل مثل خواكين فينيكس بدور ميكي، مع كل هذه الاختيارات، ربما يمكنك تخمين اسم المخرج .. أو يمكنك فقط النظر للعنوان .. نعم بالضبط، تيم بورتون!

لا يقتصر الأمر على كون معظم هؤلاء الأبطال من المفضلين لدى تيم بورتون فحسب، لكن أيضاً على كونه غير بعيد عن ديزني، فتيم البالغ من العمر 53 عام، بدأ حياته بالعمل في استديوهات ديزني كرسّام ومحرك آنيميشن، لكن يبدو أن الألوان الزاهية والرسومات البريئة لم ترق لطبيعته السوداوية كثيراً، ففارقهم بعدما رفضوا فيلمه القصير Frankenweenie، الذي يتحدث عن طفل صغير يعيد إحياء كلبه الأليف الميت.

كلنا نعلم أن بعد شهرة تيم بورتون ونجاحه، أعادت ديزني إنتاج نفس الفيلم الذي رفضته قديماً بإنتاج ضخم عام 2012،  ليحقق إيرادات كبيرة وينال استحسان الجميع.

تيم بورتون - FRANKENWEENIE

الحقيقة أن الفشل لم يكن يوماً محبطاً لـ تيم بورتون على العكس، يميل الرجل للفشل وللفاشلين بشكل خاص، ويعتبر نفسه واحداً منهم، لكنه ذكي للغاية، فهو قادر على تحويل مسببات الفشل ونتائجه إلى شكل من أشكال النجاح.

فلو ألقيت نظرة فاحصة على أفلامه ستجد معظمها يتحدث عن شخصيات فشلت في شيء ما، فشل في الإخراج، فشل في الزواج، فشل في تدمير الكريسماس، فشل البطل في إنقاذ عائلته، فشل الأب في إقناع ابنه بصدق قصصه، نهايات أفلامه لا تأتي دوماً كما نحلم، لكنها تميل لقلب الكفة وإعطاء الأمر واقعية يمكن استيعابها، مُرضية للشخصيات والمشاهدين في ذات الوقت.

نعم تيم بورتون حريص على رضا شخصياته أكتر من مشاهديه، أعتقد أنه يتعامل معها باعتبارها كائنات حقيقية، يعود الأمر لأنه خيالي بشكل كبير، كما أنه رسام تحريك في المقام الأول، وهؤلاء يميلون دوماُ للاقتناع بأن شخصياتهم الخيالية نابضة فعلا بالحياة والحركة.

هذا بالضبط ما جعله يحوّل الكثير من الشخصيات المرسومة أو المكتوبة في القصص لأفلام حقيقية مثل Charlie and the Chocolate Factory، رسومات الكوميكس كسلسلة باتمان القديمة في جزئيها الأنجح من بطولة مايكل كيتون، وحتى في أفلام الرسوم المتحركة، ستجد بنفسك أن الرسومات أبعد ما تكون عن المبهجة المسطحة، بل هي داكنة كابوسية، بشكل يجعلها أقرب للواقع.


أشياء مشتركة في معظم أفلامه

تيم بورتون - Johnny Depp, Tim Burton

كما ذكرت، بورتون يميل للفاشلين، كيف لا ومثله الأعلى هو المخرج إد وود، أفشل مخرج في التاريخ، قد يبدو كذلك فعلا بسبب سوء إخراج وتصوير أفلامه بشكل يجعلنا نشك حتى في قوة بصره، الرجل يبدأ تصوير مشهد واحد في النهار ويكمله في الليل بلا مشاكل، لكنه دوماً ما كان يقول أن العمل ككل هو ما يهمه، ولا يجب على الفنان الانتباه لهذه التفاصيل التافهة.

انحياز بورتون لإد وود لدرجة صنع فيلم كامل عن حياته من بطولة جوني ديب، له مبرراته، فليس من العادل تصوير رجل يملك مثل هذا الشغف لتصوير أفلام بميزانيات تكاد تكون معدمة، بأنه رجل فاشل، هو ناجح بشكل أو بآخر، يمكن أن نقول ناجح في الفشل، أو أنجح الفاشلين.

ركّز تيم بورتون على هذا الجانب من الشغف في حياة الرجل، ولم ينعته لحظة بالفشل، صوّره ساخراً خفيف الظل، هو يعلم جيداً أن أفلامه مليئة بالأخطاء لكنه لا يهتم سوى بإرضاء حبّه العميق المخلص للسينما، وإخلاصه لطاقم ممثليه تماماً مثله.

تريلر الفيلم

فيديو يوتيوب

مثال آخر قريب في آخر أفلامه وهو Big Eyes، سخرية النقاد والمهتمين بالفن من رسومات مارجريت كين للأطفال واسعي العيون، واتهامها بالسطحية والرداءة، جعلته يصرّ على الدفاع عنها، وعلى قصتها في فيلم كامل، التقى من أجله بالفنانة نفسها، كما لم يخجل من إبداء إعجابه بالرسومات واتهام الساخرين بالتحذلق والاصطناع.

يقول بورتون تربيت في منزل مليء بالصور المقلدة لهذه الفنانة والتي كانت تباع في السوبر ماركت وفي كل مكان مقابل دولارين، كان الجميع يحرص على تعليق اللوحات في منزله، إن لم يكن هذا نجاحاً فلا أدري ماهو النجاح.

لم يعرف تيم أنها هي الفنانة الأصلية وليس زوجها إلا في المحاكمة الشهيرة بعد ذلك والتي أعادت حقوقها لها بعد أن سلبها منها زوجها ونسب الرسومات لنفسه، شعر بورتون أنه من واجبه توضيح حياة المرأة، وإبعاد تهمتيّ الفشل والجبن والسكوت عن حقها طوال هذه المدة عنها، فأظهرها قوية بشكل أو بآخر ضمن العديد من المواقف، خجلها لا يعني بالضرورة فشلها. كما أن نجاح رسوماتها الشعبي لا يعني أنها ليست فنانة كما يقول مدعي الثقافة.


عناصر ساحرة بالنسبة له

تيم بورتون - أفلام جوني ديب وهيلينا بوتهام كارتر

الفلاش باك (الاسترجاع الفنيّ أو استحضار مشاهد سابقة) – الساحرة – الأب غريب الأطوار – المكياج الثقيل – الفتاة الشقراء الطيبة، كلها عناصر ساحرة جداً بالنسبة لبورتون، تتكرر كثيراً في أفلامه، هناك أفلام تعتمد بالكامل على “الفلاش باك” مثل Charlie and the Chocolate Factory  و Big Fish، هناك الساحرة التي غالباً ما تقوم بدورها هيلينا بونهام كارتر، ويتعمّد بورتون إظهارها دوماً بشكل محيّر، ليست شريرة تماماً، ولا طيبة تماماً، كما أنها عادة ما تكون خفيفة الظل جداً، مثل دورها في Big Fish، أو ملكة القلوب الحمراء في أليس، أو حتى السيدة لوفيت في Sweeney Todd. رأينا ميشيل بفايفر أيضاً في دور المرأة القطة في فيلم باتمان على نفس النمط.

الأب أو الوالدين غير التقليدين، مثل الأربعة أجداد في Charlie and the Chocolate Factory، بكل الدعم الذي يقدمونه للحفيد، المخترع في فيلم Edward Scissorhands، الذي يصنع ابناً من الطحين والسكر ويموت قبل إكمال يديه، الأب الخيالي المرح في فيلم Big Fish،  كلها نماذج تعترف بعدم الكمال البشري سواء للوالدين أو ابنائهم، لكن هذا لا يمنع أنهم محبين وعطوفين في ذات الوقت، أعتقد أنها الشخصية الأقرب لتيم نفسه، فهو كمخرج يرى نفسه والداً لكل أبطاله، قد يكون غير كامل، يتعمّد معاناتهم كثيراً، لكنه يحبهم فعلا.

المكياج الثقيل هو وسيلته للربط بين الواقع والرسم الذي يعشقه، إذا نظرت لهذه الصورة ستجد أن شخصياته من ممثلين حقيقين تشبه كثيراً الشخصيات المرسومة، يساعده في ذلك قدرة ممثله المفضل جوني ديب على تغيير شكله وشخصيته تماماً تبعاً للفيلم.


تيم، جوني وهيلينا .. الثلاثي المرح

تيم بورتون - تيم جوني وهيلينا

لعل أنجح أفلام تيم بورتون هي تلك التي يشارك فيها صديقه العزيز جوني ديب وشريكة حياته السابقة هيلينا بونهام كارتر، لا نعرف إن كان الانفصال بين تيم وهيلينا سيمنع تعاونهما معاً مرة أخرى، هذا سيكون أمراً مؤسفاً حقاً، الممثلة البريطانية الموهوبة وأم أولاده عنصر مضمون لنجاح أفلامه، في رأيي السيدة لوفيت في فيلم Sweeney Todd كانت أعظم وأكثر إتقانا من دور جوني ديب نفسه.

بدأ تعاون بورتون مع جوني ديب في فيلم Edward Scissorhands عام 1990، وهو الأقرب لقلوب محبيه حتى اليوم، ربما قصد بورتون الرمز لكل هؤلاء المختلفين الذين لا يستطيعون التأقلم مع المجتمع حولهم، أيديهم المصنوعة من المقصات تعوقهم عن ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم يأذون كل ما يلمسونه، من المؤكد أن تيم وجوني ديب شعرا بذات الشيء في طفولتهما، الحل بسيط وهو عدم التأقلم ببساطة، الاختلاف جميل ولا داعي لأن يصبح الجميع نسخاً مكررة من بعضهم البعض في المجتمع، بعض المقصات في اليدين تمنحك في الحقيقة تميزاً وعظمة.

عمل الثنائي معاً في 8 أفلام، شاركت هيلينا في 5 منهم، وكان الفيلم الأول لها مع تيم بورتون هو Big Fish عام 2003، والفيلم الأول مع تيم وجوني هو Charlie and the Chocolate Factory عام 2005، ارتبطا بعدها فترة طويلة قبل انفصالهما العام الماضي. تُشارك حاليا في الجزء الثاني من فيلم Alice in Wonderland، والذي نتمنى ألا يكون التعاون الأخير مع المخرج.

تيم بورتون - tim_burton_cinematheque

ربما كان تيم بورتون طفلاً سوداوياً وشاباً غريب الأطوار،لكنه استطاع خلق عالم كامل ومدرسة جديدة في السينما، وهو مثالا حيّ للتأكيد على أن الاختلاف الجميل، وأن الفشل نسبيّ، وأن الفاشلين في الحقيقة يمكن أن يكونوا أفضل من معظم الناجحين بشكل أو بآخر.

ذو صلة

يقول جوني ديب عن تيم بورتون في المقدمة كتاب Burton on Burton المنشور سنة 1994:

ما يتمتَّع به تيم برتون هو موهبة شديدة الخصوصية لا تراها كل يوم، وليس من الكافي أن تُطلق عليه مسمى “صانع أفلام”، بل “عبقري” هو الوصف الأصدق، ليس في الأفلام فقط، بل في الرسم والتصوير والتفكير وإلقاء الملاحظات والأفكار كذلك. عندما طُلب مني أن أكتب مقدمة هذا الكتاب، اخترت أن أحكي القصة من منظور ما كنته في الوقت الذي أنقذني فيه: فاشل، طريد، قطعة من اللحم الهوليوودي يسهل التخلُّص منها.

 كلمات جوني ديب من ترجمة هشام فهمي صاحب صفحة المترجم 

كي أقول ما أشعر به نحو تيم، لا بد أن يكون هذا على الورق، لأنني إذا عبَّرت له عنه وجهاً لوجه، فإنه سينفجر ضاحكاً في الغالب ثم يلكمني في وجهي. إنه صديق، فنان، عبقريّ، غريب الأطوار، مجنون، لمَّاح، شجاع، طريف إلى أقصى حد، مخلص، مستقل، صادق. أدين له بالكثير جدّاً وأحترمه كثيراً جدّاً. إنه هو، وهذا كل شيء. لم أرَ قط أحداً لا منتمٍ ينتمي بهذه السلاسة، لكن هذا هو طرازه الفريد.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة