سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

أعلى مستوى من الأهمية والخطورة!!

في أحدى المناقشات على إحدى المنصات الشهيرة، دخل أحدهم ليجادلنا بأرائه حول ما يعتقده عين الصوب والحقيقة المطلقة.

أعتقدت لدقائق أن المناقشة معه قد تكون مجدية، وأنها حتى أن لم تكن مجدية ستكون مجرد مناقشة آخرى وتنتهي ويمر اليوم كغيره بدون فرق يذكر. مع الوقت فقدت الأمل ومللت الحوار وتركته يكمل مناقشته التي أصبحت معركة حامية الوطيس مع كل من خالفه الرأي، لينتهي به الأمر بعد عدة ساعات ينسحب من النقاش لأن عليه النوم مبكراً ليستيقظ في الصباح الباكر للمدرسة والإستذكار!

بعد عدة ساعات من النقاش في مسألة لا ناقة له فيها ولا جمل، ولا خبرة أيضاً كيفما أتضح لنا، أكتشف كل من أضاع وقته منا أن الطرف الأخر من النقاش لا يفقه شيء في شيء، وأن أمامه الكثير من الوقت والتجارب قبل أن يحق له حتى أن يرى مثل تلك المسائل التي ظل  يتهمنا بالجهل بها.

بالرغم من إصراره المثير للإنبهار بحكمته المنقطعة النظير، والتي علينا الإستفادة منها بأقصى قدر ممكن قبل أن يذهب للنوم، إلا أنني شاكرة لهذا الموقف الذي ذكرني بما نتعرض له ونعرض له الكثيرين يومياً على المنصات وخلافها. كما ذكرني بشخص آخر يافع في مقتبل العمر تقمص نفس الشخصية وصار يقرر لكل من يصادفه ما هو جيد له وما دون ذلك.

عن نفسي كنت تعرفت عليه عن طريق الصدفة، وإحقاقاً للحق لم أراه يوماً يدعي أنه شخص آخر أو ينكر صغر سنه، لكن هل اكتسابه لبعض الخبرات والمتابعين والمحبين يجعله مصدر موثوق به للحصول على المشوره والموافقة قبل التفوه بأي شيء لا يراه مناسب؟! هل إحساسه وحده كاف ليعطيه الحق للتدخل في كل التجارب الخاصة التي تحدث في محيطه الإلكتروني ليعطينا من قطوف حكمته التي لا نعرف متى ولا كيف هبطت عليه؟!

أصبح مجرد وجود حساب على أية منصة بوابة عبور لكل الأطياف لتدلو بدلوها في كل شيء، وأي شيء. أصبح كل ما يعرض للعامة مباح ومتاح، وأصبحنا جميعنا نشعر بضرورة وأهمية أن يكون لنا رأي بكل ما يحدث من حولنا، سواء كان له علاقة بنا أو بمجتمعنا أم لا. لا يهم، كل ما يهم أن يكون لنا رأي. وإذا امتنعت عن الإدلاء برأيك تتخلف تلقائياً عن الركب، صحيح لن أستطيع إخبارك عن الركب أو اتجاهه لكنك ستتخلف وتترك خلف الحشود.

لا يمكننا تعميم هذا الكلام بالطبع أو الدعوة لاعتزال المنصات، كما لا يمكننا إنكار أهمية المنصات ودورها في جعل العالم قرية صغيرة، لكن يمكننا أن نتفهم أن المنصات لها دور لا يشمل مشاركة تفاصيل خاصة، أو الإعتماد عليها للحصول على الخبرات والمشورة اللازمة لأي شيء.

والأهم على الإطلاق أن نتذكر دائماً أننا لا نرى الشخص على الطرف الأخر، وعليه لا يمكننا أن نتعامل مع الجميع بمنتهى الجدية فلا نأخذ معلومة بشكل نهائي أو نتأثر برأي لا يمثل سوى صاحبه الذي قد يكون في النهاية مجرد طفل يلهو على أحد المنصات بدون أن يدرك أثر ما يفعله على نفسه قبل الآخرين.