عبد الإله زيات
عبد الإله زيات

د

المثقف الحقيقي بين السعي للحقيقة ومواجهة العقل الجمعي..

إنّك لن تشيخ ما دمت تدرك كيف تكمل الحب فيما تفعله غالباً..

وهنا أستحضر قول هاكسلي عن أن المثقف هو من اكتشف شيئاً أكثر تشويقا من الجنس بحدّ ذاته.

لن أعالج هذه الفكرة على طريقة غرامشي أو فوكو، بل أريد لمس وتر حسّاس يجعله الوعي الجمعويّ (الجمعيّ) مسألةً ثانويةً مملة لأنها متداولة، وكما سبق وقلت في “مقال رأي” أن التداول لكلمة “مثقف” ما هي إلا تشدق ونظرة نمطية لنفس الشخص تنتهي مهمته في حمل كتب والتقاط صور مع القهوة وانتهاج كلّ مظاهر “البريستيج” شكلياً من سجائر وورق مكدس وممزق ونظرة بائسة للحياة، واستخدام المفردات وتكديسها وهذا ما حذر منه مالك بن نبي فهو ما يبعد عنك الحقيقة ويلغيك من قائمة “الزيتيتيك أو الزيتيتيكيين” أي المشككين والباحثين عن الحقيقة ويبعدك عن قائمة التنويريين، فكونك شخص يحفظ مصطلحات محدثة، كالحداثة والتقدمية، اليسار واليمين، والإشتراكية والأناركية… الخ من المصطلحات السياسية والفلسفية المفهومة بمنتهى السطحية فقط تشدقاً، ولإعطاء الصورة النمطية للمثقف الواعي!

للعقل الجمعي ميكانيزما خاصة آلية، حيث تدحض ما يمس معتقداتها وما هو محمي تاريخياً، وهذا الوعي الطائش كما أسميه ما هو إلا استغباء تدريجي للفرد بحيث يوقع في التناقض الشبه مطلق ولكيلا أعقد الشرح هو بمثابة سفسطة وتضليل، حسنا… تقول الجموع هذا فاسد بناء على ما تراه عاطفتهم سيكولوجيا لكن سينقلب الأمر حين يحدث ما يمس عاطفتهم في قطب معاكس، لهذا أقول أن الوعي الجمعي يعاني أزمة تأويل وتفسير وتحليل لكل حدث، عقلانيا وعاطفيا…

وهذا ما وجب على العقل الفردي فرضه وخلقه من أجل التغيير، فكما يقول مالك بن نبي في كتاب الحضارة والأيديولوجية أن حل المشكلة يكمن في تقبل الأمر كمشكل وهذا أيضا ما يعاني منه الوعي الجمعي…
معاناتنا ليست في السيطرة الغالبية للوعي المبهم، بل أيضا في شريحة الفكر المغيبة سهوا أو النخبة كما يحلو للجميع تسميتها، متى تدرك النخبة أو الفرد فيها بأن واجبه كمثقف حقيقي بعيد النظر أولى من حقه في اكتساب الإحترام؟

نحنُ نعيش منذ دهر أزمة ثقافية بامتياز، تجول خواطرنا بينها في دهاليز المثقف والثقافة كمصطلحات تداولية متشدقة فقط، وكمظاهر تنم عن سطحيتنا الشديدة كجموع، كوعي جمعي يأبى إلا الإنجراف وراء الرغبات والأمور السطحية، بينما تحارب الفردانية والإختلاف كأمور دخيلة أو كما يقول المتأسلمون وإني لأشبههم بكنيسة القرون الوسطى والبابا الذين يمنعون التفكير الحر وأي حرية، يكفي أن أفكر ولا أعيش ما أفكر فيه.

النخبة تجتر وراء مصالحها وهذه إن كانت نخبة حقا، وهنا أتذكر قول أحمد زكي في البيضة والحجر: “ويل للعالم إذا انحرف المتعلمون وتبهيظ المثقفون.

وهنا بالمعنى السلس اتباع للمصلحة!

لو كانت الأزمة الثقافية جمعية فقط لرأينا بصيص أمل على الأقل، لست من موافقي برودون في فرض الفردية أو اللاسلطوية لكن مالحل إذا استمرت السخافات التي أراها؟ ما واقع هذا الإنبطاح كله، هل يكفي النخبة أن تعتد بالتاريخ ومعرفته كما قرأته بمقال يتحدث عن المثقف؟ هل يكفي حقا أن تصير مثقفا يحب ما يفعله دون نظرة استشرافية تنويرية؟

هذا ليس هجوما ممنهجا لكننا ضقنا ذرعا من الأغلبية، ضقنا ذرعا من المظاهرية، لباس ثوب مثقف والأصل عهر ثقافي كبير؟ ، النخبة المدعاة تحصيلها هو مصالحها والدفاع عنها، تحصيلها تشويه صورة الآخر حماية لها. ليس في إطار التعميم لكن الواقع يتحدث.

إننا لنرى سيرا نحو الهاوية، ماذا بقى حين يضع طالب جامعة في مناقشة بفرع قراءة موضوعا عن الحديقة السرية وماري؟ ماذا بقى حقا؟ صراحة تشعر بالخجل حين تنتمي لبعض المنتمين إلى الفروع والمنظمات لأنك أهنت نفسك هكذا، وللأسف لا يحق فيهم حتى النقد ومع ذلك تفعل، أين نحن من نقد فولتير الساخر، والعقاد والرافعي اللاذعين؟ أين نحن من نا السوداء في سبيل إصلاح الأغبياء والفاسدين والجهّل؟.

إن التحدث عن أزمة الثقافة تبدأ من الأكاديمية، كيف لك أن تنتج جيلا مثقفا زعما، وهو لا يعرف رأسه من قدميه، هل سيكفي هؤلاء قراءة كتب التغبية البشرية؟ هل سينفعهم ديل كارنجي ومانسون والفقي؟ هل سينفعهم العمي هذا؟ لا.. مادامت الجامعة تعتني بتفاهة الطالب وتكديسه مع الوعي الجمعي فقل للدنيا سلاما.