ياسمين أبو سرحان
ياسمين أبو سرحان

د

وطن في حقيبة!

اليوم و بعد حديثٍ مطول مع صديقتي الغارقة في الإنجازات، أخبرتني بأن طول عمر الإنسان يقاس بالإنجازات التي حققها وليس بعمره المذكور في شهادة الميلاد!

أكدت على كلامها ولكن بيني وبين نفسي كنت أخالفها الرأي أو أختلف معها بنظريتها عن طول الحياة وقصرها بشيء بسيط.

فبرأيي أن أقصر حياة، بل أبشع حياة لأي إنسان هي: وُلدَ في الغربة، عاش في الغربة، ومات في الغربة! هكذا دون أن يعيش هذا الإنسان الحزين طفولته بقريته الصغيرة، و دون أن يقوم برحلات مع أصدقائه في جبال وغابات بلاده، بلا عادات وتقاليد أجداده، يعيش حياته بأكملها وهو يقف أمام المرآة يحاول أن يتقن لهجته الأصلية، ولن يجد من يصحح له هذه اللجهة فبالتالي لن يعرف الصواب من الخطأ!

تخيلوا ما أقسى هذه الحياة، أن تسعك كل الأوطان ويضيق عليك وطنك؟
أن تسعك الأوطان جميعها ولكنك تشعر بأنك سيستغنى عنك بأي لحظة فتجعل حقيبتك جاهزة للبحث عن وطن يسعك ويسع وطنك الصغير معك، فتكتشف بأن الأرض كلها ضاقت عليك!
أن تشعر بأنك يتيم الوطن، تقرأ أخباره على القناوات الإخبارية فتكتشف بأن لك وطن ولكنك غير قادر على حجز تذكرة طيران و معانقة أرضه.
وإن أتتك الفرصة لتعود، ستكون غريب في بلدك.. أتراه سهلاً عليك أن تمشي بشوارع لا تعرفها؟ لم تكبر فيها؟
تخيل أن يسألك أحد بالطريق عن عنوان ما، تخيلت معي كيف ستحرج بأنك لا تعرف بلدك؟ أن تكون غريب فب بلدك؟

لا تفقه شيء عن عملته، لهجته، أن تنظر بأسى على الحارات التي كان من المفتروض أن تكبر فيها؟ فتتمنى العودة للبلاد التي تعرف طرقها أكثر من أهلها فسيظل شعور الغربة ملازمك ما حييت فلن تعرف شعور الاستقرار وأنت تعرف بأن حقيبتك جاهزة للبحث عن منزل جديد وليس وطن.
سأسألكِ سؤالاً يا عزيزتي.. ما ضير أن أعيش حياة قصيرة بلا إنجازات، ما دمت أملك وطن لن يضيق علي، أخبريني؟
أظن أنكم تتسائلون لماذا لم أناقشها بالموضوع، صحيح؟

حقيقةً.. الموضوع يشبه محاولة أن يصف شخص ما لديه تسعة أصابع في يديه لشخص لديه أصابع كاملة بأن حياته كلها واقفة على هذا الأصبع فيخفف عنه بقول أن لا فائدة تذكر لهذا الأصبع وتستطيع إكمال حياتك بدونه بلا إحساس بالنقص وأنه من الممكن تغطيته أو تركيب اصطناعي بدل منه!

حقيقة النقص سيكون نفسي وليس جسدي، هل أستطعت إيصال مشكلتي؟ لا أظن، على العموم أتمنى لكم يومًا سعيدًا بأوطانكم.