راضي محمود
راضي محمود

د

لماذا هناك فصول اربعة؟


مقدمة

في 21 يونيو 2021 الماضي، كان حلول فصل الصيف و الجدير بالذكر ان الأرض في أبعد نقطة عن الشمس بينما يحل الشتاء وهي عند أقرب نقطة من الشمس. قد يكون شائعًا أن قرب الأرض وبعدها عن الشمس هو سبب حدوث الصيف والشتاء وبناءًا على تلك المقدمة هذا عكس المعتقد الشائع عند البعض و نحن هنا بصدد توضيح السبب الفعلي للتغيُّر المحلوظ في درجة الحرارة، و قبل أن نبدأ يجب أن نتعرف على مدار الأرض حول الشمس.

مدار الأرض

تدور الأرض حول الشمس في مدار بيضاوي يعرف بالقطع الناقص ومن خصائص ذلك الشكل هندسيًا ان لديه بؤرتين بحيث تكون احد البؤرتين اقرب ما يمكن للمدار من جهة ولكن أبعد ما يمكن للمدار من جهة أخرى.

مثالاً على ذلك: لو أخذنا من الخط الأفقي البؤره P1 فهي أقرب للمدار (الخط الأحمر المتقطع) من ناحية اليسار. فعندما يوجود كوكب عند تلك النقطة الأقرب يُقال انه في نقطة الحضيض. بينما على اقصى اليمين بمحاذاة الخط الأفقي يصبح المدار ابعد ما يمكن من البؤره P1 والكوكب عندها يكون في نقطة الأوج. نفس المبدأ للبؤره P2.


توضيح هندسي للقطع الناقص

طبقًا للشكل الموضح احد البؤرتين أما P1 او P2 و تكون الشمس مكان أحد البؤرتين. قد تتباعد البؤرتين او تقتربا نتيجة التباعد المركزي وهو عبارة عن علاقة رياضية تربط بين (a و b) لتعطي نسبة تتراوح بين الصفر و الواحد الصحيح فكلما كانت تلك النسبة أقرب للصفر يميل الشكل ليصبح دائريًا و إن كانت أقرب للواحد الصحيح يميل الشكل الى كونه بيضاويًا أكثر إنبعاجًا. فمن هنا تصبح الدائرة مجرد حالة خاصة من القطع الناقص.

في حالة مدار الأرض حول الشمس فإن التباعد المركزي لمدارها هو 0.0167 [1]، بالفعل أقرب من الصفر لذلك يصبح المدار أقرب لكونه دائريًا ولكنه ليس بدائرة مثالية فالنِسَبْ تشير الى وجود إنبعاج ضئيل للغاية يجعل الأرض عند أقرب نقطة من الشمس (الحضيض) تقدر بحوالي 147 مليون كيلومتر و عند أبعد نقطة (الأوج) تقدر بحوالي 152 مليون كيلومتر. ذلك الفرق يقدر تقريبًا ب 5 مليون كيلومتر بنسبة مقدارها 3% تقريبًا من متوسط المسافة بين الأرض والشمس. هذا التغيُّر الطفيف في المسافة لا يلعب الدور الجوهري في تراوح درجات الحرارة لعشرات الدرجات بين الصيف و الشتاء، بالإضافة ان ذلك عكس ما يحدث لنا كسكان النصف الشمالي بحيث اننا في أبعد نقطة عن الشمس يصبح الطقس حارًا والنقطة الأقرب من الشمس يصبح باردًا.

لكي نستكمل رحلتنا في وضع إجابة جوهرية يجب أن نعرف ان ميل محور دوران الأرض على مدارها حول الشمس هو 23.44 درجة وبالتقريب 23.5 درجة [2]. يجب نتذكر ذلك الرقم جيدًا؛ لأننا أخيرًا سننتقل الى فهم دوائر العرض ونستعرض الرابطة القوية بين دوائر العرض و ميل محور الأرض.


ميل محور دوران الأرض نسبةً الى مدارها

دوائر العرض

تنقسم دوائر العرض الرئيسية التي نهتم بها في مقالنا الى مدار السرطان في النصف الشمالي من الأرض و مدار الجدي في النصف الجنوبي من الأرض وخط الإستواء هو الخط الفاصل بين المدارين.


دوائر العرض الرئيسية

الم تلاحظ ان ميل محور دوران الأرض يتفق مع عدد درجات مدار السرطان شمالاً و مدار الجدي جنوبًا. هذا العدد من الدرجات لميل محور دوران الأرض على مدارها حول الشمس ساهم في تغيُّر تركيز آشعة الشمس بين مداري السرطان والجدي لتصل الى أقصى إرتفاع لها عند ذلك العدد المحدد من الدرجات في كلا النصفين.

سنستعرض في المحاكاة البسيطة القادمة محور دوران الأرض وهو غير مائل على مداره، ستكون آشعة الشمس مركزة على خط الإستواء بالمنتصف (الخط الأفقي الأسود بمنتصف الدائرة) ولن يحدث فصول أربعة، ولكن لان الأرض تميل بمعدل 23.5 درجة جعل ذلك الميل إختلاف في سقوط آشعة الشمس على كلا النصفين من الأرض. تسقط الشمس في الجزء الشمالي عموديًا على مدار السرطان (الخط المبين باللون الأخضر) في يونيو، وبعد 6 أشهر تحديدًا في ديسمبر تسقط عموديًا على مدار الجدي بالجزء الجنوبي من الأرض(الخط المبين باللون الأحمر).


محاكاة توضيحية لميل محور الأرض

هل تسائلت لماذا بالتحديد يسمى مدار السرطان و الجدي بتلك الأسماء؟
الإجابة: ان آشعة الشمس أقصى تعامد لها على النصف الشمالي عند 23.5 درجة وهو حلول وقت الصيف في النصف الشمالي، عند ذلك التوقيت تكون الشمس في مجموعة السرطان النجمية (المعروفة ببرج السرطان) في شهر يونيو فتم ربط إسم المجموعة مع إسم المدار. بينما أقصى تعامد للشمس على النصف الجنوبي عند 23.5 درجة وتكون الشمس وقتها في مجموعة الجدي النجمية المعروفة (ببرج الجدي) في شهر ديسمبر. حيث حلول فصل الصيف في النصف الجنوبي بينما الشتاء في النصف الشمالي.[3]

ربط كل ما سبق

نستنتج مما سبق أن ميل محول دوران الأرض جعل الشمس تتركز على جزء معين من الأرض وبسبب تحرك الأرض في مدارها حول الشمس يختلف تركيز آشعة الشمس من جزء للآخر.

أثناء تعامد آشعة الشمس على مدار السرطان (في النصف الشمالي) يوم (21 يونيو) نستقبل اكبر كمية من الاشعاع الشمسي في النصف الشمالي فيعمل ذلك على إرتفاع درجة الحرارة ليحل فصل الصيف الذي يسمى وقتها بالانقلاب الصيفي شمالاً ولكن عند النصف الجنوبي يقل تركيز الشمس لأكبر قدر ممكن مما يؤدي لإنخفاض درجة الحرارة ليسمى بالانقلاب الشتوي جنوبًا. نتيجة ذلك التعامد على مدار السرطان يصبح النهار أطول من الليل في النصف الشمالي ولكنه اقصر في النصف الجنوب.

عندما تتعامد الشمس على مدار الجدي (في النصف الجنوبي) يوم (21 ديسمبر) لنفس سبب زيادة كمية الاشعاع يحل على النصف الجنوبي فصل الصيف و يسمى بالانقلاب الصيفي جنوبًا. بينما في النصف الشمالي يسمى بالانقلاب الشتوي شمالاً. نتيجة ذلك التعامد اليوم(عدد ساعات النهار) يقصُر في النصف الشمالي ولكنه يصبح أطول في النصف الجنوبي.

بين فصلي الصيف والشتاء يوجد فصلين الربيع والخريف. تبدأ الشمس تدريجيًا في التعامد على خط الاستواء (الخط الفاصل بين النصفين الشمالي والجنوبي) وذلك التعامد يحدث مرتين في السنة، مرة في (21 مارس) إعتدال ربيعي شمالاً بعد توديع للشتاء والعكس في النصف الجنوبي (إعتدال خريفي بعد توديع الصيف) ومرة ثانية في (21 سبتمبر) إعتدال خريفي شمالاً بعد توديع الصيف والعكس في النصف الجنوبي (إعتدال ربيعي بعد توديع الشتاء) . عند يومي الإعتدال تقريبًا من كل سنة نقول بأن فترة الليل تساوي فترة النهار في النص الشمالي والجنوبي نعني أنه 12 ساعة نهارًا و 12 ساعة ليلًا.

أخيرًا، الفصول الأربعة تحدث نتيحة ميل محور دوران الأرض على مدارها مما يساهم في تغيُّر تركيز آشعة الشمس على كل النصفين مما يساهم في إرتفاع درجة الحرارة في كل نصف دون الآخر فيحدث الصيف تارةً وتارةً اخرى يحدث الشتاء وما بينهما من فصول.

مصادر إضافية

[4] What Causes the Seasons? | NASA Space Place – NASA Science for Kids

[5] Why the Earth has seasons | Earth | EarthSky

[6] Earth closest to sun on January 2, 2021 | Tonight | EarthSky