عماد الدين زناف
عماد الدين زناف

د

الخير والشر.. بين سقراط ونيتشه!


الخير والشر في الدين، توطئة:

اعتمد الفيلسوف سيد حسين نصر على المقارنات في الفهم اللاهوتي بين الاسلام والمعتقدات الشرقية عامةً، مع نظيرتها الغربية الحديثة، وأوضح كيف يتعامل العقل المسلم والشرقي (الآسيوي) مع مفهوم الشر في العالم، بحيث أنه يتعاطى مع المسألة بأكثر فلسفة وعمق من الغربيين.

انّ فكرة المُروق عن الدين بسبب الشر المُنتشر في البشرية والعالم، هي فكرة غربية بحتة لم ولا تطرأ على عقل الانسان الشرقي كما أشار الفيلسوف الإيراني سيد حسين نصر، المسلم او غيره من الديانات كالبوذية والكونفشيوسية أو الهندوسية وغيرها، لان الجواب يختلف بين العهد الجديد والقديم مع القرآن. في الإسلام، الله هو الخير المطلق، ونقيض أوامره هو الشر، ليس كمثله شيء، إذا، الخير والشر، بالمفهوم العام هو الخير الذي يأتي من عند الله، وما يأتي من النفس، يسميه الانسان شراً، أي عصيان حكمة الخالق.

جاء الإسلام بالجواب الكاف، في أن الشّر ليس من الله، بل هو ابتلاءٌ للإنسان، ذلك الانسان المُدعّم بنصّ الرّب الكامل النورانيّ، فمن بقي على نور الله الكامل، سيكون له مَفهوم آخر عن الشر الدُّنيويّ، كل الرسالات والنبوءات دعت للقسط والعدل والصلاح والإصلاح، الشّر الإنساني هو نتاج الابتعاد عن هذه الدعوات الربانية، فالشر في ذاته غير مصنوع كشرّ، ولنا في ابليس آية، فقد اختار أن يعصي أمر الله بعدم السجود لآدم، ولم يَكن مخلوقاً ليكون شريراً، بل كان مُقرّباً قبل ذلك.

ان الله يعلم ما خلق حتى قبل أن يخلُقَ آدم، فقد جعل الملائكة تسأل عن سرّ صناعة مخلوق يسفك الدّماء، فقال أنّه يعلم غيب السّماوات الأرض، فهو يعلم أنّ الانسان سيصبح شريراً إذا ابتعد عن الحق، فالشّر هو مقرون بالمَيل عن الحق، ما يجعل الانسان مسؤولا عن مآسيه ومآسي غيره، والأصل في كل هذا هو حريّة الاختيار، ما دمت تملك حرية الاختيار، فأنت تعلم الخير من الشّر، ولا تكون الحجّة قائمة على من يقوم بالشّر لو لم يفعل ذلك عن رغبة منه وليس عن عدم تفرقة وفهم للخير والشر.. فما توجّه الفلسفة في الموضوع؟

سُقراط رمزاً للخير؟

حِكمةُ سقراط تكمن في ذكائه في فهم الواقع، لكنّ تاريخيه عكس تاريخ الصالحين من الحكماء والأنبياء، فقد عُرف عن سُقراط السفسطة! وهي مدرسة فلسفية لمؤسسها بروتاغوراس، والسفسطة هي المغالطة والتزييف والكذب والمجادلة وتزيين المنكرات والفواحش، وتوسّل الهجوم الشخصي بالسخرية.

عُرف عن سُقراط الشذوذ أيضا، كيف لا وقد رسّخ التاريخ علاقته مع ألسبياد، القائد العسكري الاغريقي الشاب، حيثُ كتبت عنهم القصص والأساطير. وعُرف عن سقراط أيضا ظُلمهُ لزوجته، على أنه لم يقم معها علاقة قطّ، وكان يحتقرها، الى أن جُنّت واصبحت تذمّه وتحاول اغضابه، فكيف يكون رجل كهذا رمزاً للخير، عُرف عن سقراط أيضا البيدوفيليا!

في عصره، كان يُساق الصبيّ الاغريقي الى المعلم ويُترك معه، ويُسمح له ان تقام معه علاقة جنسية، قانونية باسم الدولة الآثنية، بموافقة الوالدين، على انها جزءٌ من التعليم والموالاة للمعلم. وكانت تسمى بيديراستي pédérastie، ولم يكن سقراط بدعة منهم، فقط جانس عمّ أفلاطون نفسه.

فكيف يُصبح سقراط رمزا للخير بهذه الصفات المنبوذة، على أنه رجل كان يملك من البديهة والذكاء ما مكنه من طرح أسئلة عميقة والاجابة عن أخرى، وقد علم المنطق والتأمل والتحليل، الا أنه، لم يكن بذلك الرقي الأخلاقي الذي يجعله من زمرة الصالحين، وقد عرفَ نيتشه كل هذه التفاصيل، لذلك عمَد على السخرية منه، والتشكيك في أصوله اليونانية في أكثر من موضع، خاصة في كتابه غسق الأوثان.

تلاميذه لا يتحدثون عن اصوله كثيرا، بل و ويتحاشون الحديث عنها، لان اعداء سقراط يحاربونه بأصوله دائما، وهذا ما فعله نيتشه ايضا، عندما قال بان سقراط قبيح المظهر لأنه ليس يونانيا.

تعود اصوله الى انه ابن خادم أو عبد، لكنها خاطئة:

سقراط هو ابن عامل في محيط أرستقراطي، و هو الامر الذي جعلهم يقولون بانه اصبح فيلسوفا ومقربا لأنه كان قريبا من الأرستقراطيين فقط.وعلى عكس من ذلك، كانت عائلة افلاطون تلميذه، من اشهر العوائل على الاطلاق، لدرجة انه عندما كان يصارع، لا يرددون اسمه لكي يتركوه وشانه (لشهرته).

سقراط كان من الذين يسمون بـ”مايوتيكيّاً”، للاسف لم أجدد ترجمة لهذا المصطلح بالعربية، و المصطلح يعود لمايا، ابن السبع نساء الأسطوريات (بلياد) بنات أطلس و بليونيس، و القصد منه توليد الحديث أو الحوار، فقد كان يحدث من يعرفه و من لا يعرفه في الشارع، وكانت أحادثه جدالا، لا تُمثل ما هو عليه فعلاً.

لم نعرف كل هذا من تلاميذ سقراط، لان تلاميذه كانوا يحتقرون اصوله هم ايضا، والامر واضح جدا بين نسبهم و نسبه، لقد كانوا يتحدثون عن سقراط وكانه المسيح، اي انه نزل من السماء بدون والديتحدثون عنه بشكل اسطوري لكي يتحاشون اصوله البسيطة، فرسم هذا صورة سقراط مُعلم الناس الخير.

سقراط الساخر؟

هذا ما يتضح عند دراستنا لحالة سقراط. لأن وكما قلت، افلاطون سقراط في صغره او شبابه او كهولته، والا، فهل اعتمد تلاميذ سقراط على محو كل تاريخ سقراط السفسطائي والساخر؟. سقراط لا يعمل، دائما ما يترك زوجته و ابنه ويتسكع في الشوارع، من اين يأكل ويشرب ويعيش؟

بما ان سقراط قد تخلى عن السفسطائية، والتي كانت مربحة، فقد بدا يأكل ويعيش من ارباح و أموال تلاميذه.
فقد انقذه كريتون الآثيني عديد المرات من السجن بدفعه للغرامات.

سقراط لم يكن متصوفا، فقد كان يحب المال، ولكنه كان ايضا لا يحب العمل، اذا نستطيع ان نعتبر سقراط
رجلا استغلاليا. وبما ان افلاطون كان من اكبر العائلات الثرية في اثينا، فلم يكن بحاجة لا هو، ولا معلمه سقراط الى العمل.

لما ان افلاطون لم يعرف سقراط السفسطائي، فقد سوق فكره بان سقراط كان يحارب السفسطائيين، بما انه لم يعرف سوى سقراط الفيلسوف.

اذن اين نضع سقراط من كل هذا؟، سقراط سخر من الجميع، من عائلته من محيطه من شعبه ومن تلاميذه لذلك من المضحك ان نقرأ يمينا وشمالا عند العرب بان سقراط كان نبياً، في الحقيقة، لم يقرأ أحد لسقراط، لان الرجل لم يكتب شيئا، بل كُتب عنهُ

الخير عند الفلاسفة.. ثم نيتشه

“الجنس، هو العودة الى الحيوانية” شوبنهاور الكئيب

“الهدف من الحياة هو أن تتعامل بلطف وواقعية” كانط المُفتي

“الانسان متخلّق، الى ان يفسده المجتمع” روسو المُبرّر

ماذا فعل هيجل؟ وصف لنا العالم الذي كان يتمناه طوال الوقت، ولم يصف لنا الواقع الذي نحن بحاجة الى التعرف اليه، لنقبله ونحبه.

الإشكالية في الماهية

ليست كل المساوئ أخطاءً، الخير والشر وسيطان، يشوّشان لنـا الواقع. البحث عن الحقيقة متعة، وليست عذابا، العذاب في كتابة آلاف الأوراق لتبرير وجود الوسيط، المفروض فرضاً، عوض وصف الواقع بمأثورات مختصرة.

عوض التفاني في الدفاع عن فكرة مشوشة، كان عليهم القبول بإمكانية وقوعهم في الخطأ، بقبول تركيبة العالم، وتعقيده. عوض تضييع الوقت في البحث عن النوايا، كان يجب البحث عن نتائج كل الأفعال.

النية، فرصة أخرى للأخلاقيين للتفرّد من أجل التفرّد عن المجموعة

عوض البكاء على العالم، كان عليهم النهوض ووضع الحِمل الذي وضوعه على عاتقهم، وهو الدفاع عن الأخلاق، عوض تجاوز هذه التعريفات.

التمشيط في الفلسفة
لا يحاربُ أحدنا وهو مُحمّل، بل عليه ان يتخفف قدر المستطاع. عوض تبنّي فكرة انعدام معنى الحياة، كانت أمامهم الحياة لتعديلها، لكنهم انشغلوا بالعدمية، وتبريرها، أكثر من محاولة الخروج منها. لقد أرهقتُم الفلسفة، فلم يعد يريد أحدٌ أن يأخذ شكل جرذان المكاتب مثلكم. كان عليكم أن تقبلوا الحياة، كما قبلها هرقليطس وفيتاغورت وكل من كانوا قبل سقراط.

المعرفة تسبق الحدس
الشر والخير هما آخر ما تستنجه، أما الحدسُ والاحساس، فليس بعلم.
علم التأويل، وأصبح ذلك الشر خيرا.

الهدم، هو إشارة للبناء
ان النقد هو الإشارة للمعلم، المطرقة تفكيكٌ للمعلم، الإصلاح إعادة بناء المعلم بأكثر صلابة.

البصر والبصيرة

البصر مخلوق لتصغير الأحجام، فلو رأينا الأحجام على حقيقتها لما رأينا من ضخامتها.

البصيرة حكمة البصر، التحجيم والتكبير، يشير الى ما وراء الاحجام.

تكلّم نيتشه عن الخير والشر باسهاب في كتابه ما وراء الخير والشر، في غسق الأوثان، في نقيض المسيح، في هكذا تكلّم زردشت، وعديد المؤلفات الأخرى، فقد جعلَ يفكّك بواعث الخير والأخلاق، في كتابه جينيالوجيا الأخلاق، وعرّفه بأنه يأخذ معايراً تتناسب وطبقة المتكلم فيها، النبيل له أخلاقه، كما عند الفقير والعبد، كما عند القساوسة، ولا يكون الخيرُ خيراً، الا لمن تكون له السلطة، فالقوي هو من يفرض المعايير، لكن العبد أيضاً، يتصنّع الأخلاق، أو يُنتج أخلاقا من العدم، ليُسقط الأقوياء، فقد قال.. علينا ان نحمي القوي من الضعفاء.

وقد وضع الألماني سقراط في فوهة المدفع، ذلك أنه كان سيّد هذه الدعوة –الكاذبة-، وقد كانت، كما يقول، حيلة لبلوغ القوة، وهي إرادة القوة الكامنة في جميع البشر، تختلف معاييرها كما قلت آنفا، بطبقة ذلك الثائر.

قد كان سقراط حسب نيتشه، شريداً في آثينا، لا أصل له، قبيحاً منبوذا، جاء ليهدم أجمل ما في حضارة الاغريق، بأخلاق تكبح جنونه الإبداعي، فصنع لهم ضوابط وحرّم لهم القوة، وفوق كل هذا، لم يكن هو في ذاته رمزاً للخير قطعاً.

المراجع:

كتب؛ غسق الأوثان، ما وراء الخير والشر -نيتشه-

كتاب؛ سُقراط، جاك مازل ، MazelSocrate, jacques

أفلاطون، برنارد فوكونييه،
Platon Bernard fauconnier

تاريخ الفلسفة، جوليان مارياس
history of philosophy , julian