تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الفرق بين التعلّم والدراسة … شتّان!

التعلم والدراسة
أحمد سامي
أحمد سامي

5 د

في مجتمعاتنا العربية يقولون لك أنّه كي تحصل على وظيفة، يجب عليك أن تستذكر دروسك جيدًا وتحفظ ما يقوله لك المدرّس؛ لتنبغ في الاختبار وتحصل على أعلى الدرجات، ومن ثم تتهافت عليك الأعمال استدلالًا بقوتك العقلية والفائقة في تخزين واسترجاع المعلومات. المعلومات التي سأصدمك بحقيقتها الآن، المعلومات التي تعيق فكرك بالطريقة التي تم تغذيتك إياها بها! في جهة الدراسة يدرّسون لك أنّ المادة تتكون من جزئيات، والجزئيات من ذرات، والذرات من أجسام دون ذرية أصغر. يجب أن تحفظ ذلك جيدًا وألّا تخلط بينهم، لكن يا أستاذ ما الذي أصغر من الأجسام دون الذرية؟ حسنًا يا بني. لا أعلم، فهذا المكتوب في الكتاب ويجب أن نعلّمه هو وحده، فببساطة ستذهب بعدها إلى الإنترنت لتنهل من المعرفة بحورًا.

الآن أنت تحولت من الدراسة إلى التعلّم، فما الفرق بينهما؟ كيف يؤثران على حياتك؟ وما الوسائل التي تخولك من تحقيق أفضلهما؟! هذا ما سنتناوله اليوم بقليل من التفصيل.




الفرق بين الدراسة والتعلم


1) الدراسة

أن تدرس يعني أن تحفظ وتفهم وتردد الذي يُقال لك دون تحريف على الإطلاق، ففي المدارس والجامعات هناك البعض ممن يتحكمون في المواد الدراسية بأنفسهم ويجبروك على أشياء خاصة بها، ويغلقون في وجهك كل أبواب النقاش المتحضر، فببساطة الدراسة تجعلك تدرك ذلك الشيء، وتثبت للمدرّس أنّ ذلك الشيء هام لدرجة أنّك حفظته عن صميم قلب، وأفرغته له في ورقة الاختبار لتبرهن أنّك تلميذ متفوق وتستحق الإشادة. لكن ماذا يحدث بعد الاختبار؟ تنسى كل ما درسته، لماذا؟ لأنّه لم يكن لديك الدافع له من الأساس، كيف؟ لأنّه لم يناسب ميولك! وهذا مربط الفرس.

في الدراسة أنت توضع أمام العديد من المواد الدراسية التي تنالك بالتنكيل درسًا بعد درس، معتقدًا بذلك أنّها تخلق فيك القيم والمبادئ والأسس التي تجعلك مواطنًا صالحًا بالمستقبل. لكن في حقيقة الأمر هي تصيبك بالحسرة الناتجة عن قلة الحيلة، وتكدس الأعباء فوق كاهلك الهش، ومن وجهة نظري الشيء الأقسى من كثرتها، هو عدم وجود الشغف لها من الأساس، فأنت لا تحبها بل تمقتها، وتسأل نفسك كل يوم لماذا وجدت نفسي في معدة الوحش هذه تعتصرني كل يوم.

لكن إذا بعدنا قليلًا عن الدراسة والواقع المعيش، سنجد أنّ علماء التربية قالوا في كتبهم ودراساتهم أنّ ذلك نظام فاشل للحصول على المعارف، وبناءً عليه قاموا بتعديل تلك المنظومة للوصول إلى منظومة معرفية أكثر اتزانًا ورصانةً. تلك، المنظومة التي اختزلوها في كلمة “تعلّم”، وهذا ما سنتحدث عنه الآن.


2) التعلّم

هو المفهوم الحديث والرصين والمُعدّل للدراسة، التعلم هو اكتساب المعارف. لكن مهلًا، بماذا يختلف عن الدراسة إذن؟! وجه الاختلاف الجوهري هو أنّه اكتساب للمعارف من أجل تعديل السلوك الإنساني، وأنّه مستمر معك حتى الممات.

الغاية من الحياة هي أن تطور من ذاتك لتكون إنسانًا أفضل على الصعيد الشخصي والاجتماعي، وذلك التطوّر لن يتأتي إلّا عن طريق اكتساب المعارف و “تطبيقها”. تطبيقها ينتج عنه تغيير جزئي أو دائم في السلوك، ففي النهاية يُستدل على أنّ هذه عملية تعليمية بالناتج المتمثل في السلوك المتغير المبني عليها، فعلى سبيل المثال. إذا اشتريت كتابًا عن الجاذبية والقوّة، وقرأت فيه أنّ إمساك الأشياء بوضعية مستقيمة وعضلات مرتخية نحو الأسفل يقلل من الجهد المبذول في حملها مقارنةً بحملها في وضعية شبه مستقيمة مع وجود قوّة عضلية لرفعها لأعلى، ففي الحالة الأولى تدع الجاذبية تهتم بالأمر فتقلل الجهد، وفي الثانية أنت تقاوم الجاذبية فبالتالي تبذل مجهودًا أكثر وتُنهك، ثم بعدها مباشرةً قررت حمل كل الحقائب بالوضعية الأولى. هذا تغيير بيّن في السلوك قادك إلى حياة أفضل، فبالتالي هذا تعلّم، وهذا هو الذي يجب عليك أن تنشده في الحياة.




مُحفّزات التعلم


1) انتقاء المنصة التعليمية المناسبة

عندما تريد الحصول على معلومة في مجال ما يهمك ويعجبك، أول ما يخطر ببالك هو فتح محرك البحث جوجل وكتابة الذي تريد معرفته. حسنًا، الإنترنت منصة تعليمية مهولة، لكنها ليست الوحيدة. الإنترنت يقدم لك معارف البشرية كلها منذ فجر التاريخ وحتى وقت كتابتك للذي تبحث عنه، بالفعل احتمال كبير جدًا أن تجد فيه مرادك من دروس تعليمية ووثائق وأبحاث كاملة، لكن تبقى هناك منصات تعليمية أخرى تُعطيك فوائد وتغييرات جمّة في السلوك. إحدى تلك المنصّات – والتي عن نفسي أفضلها – هي المراكز التعليمية الخاصة، فالمميز في تلك المراكز أنّها تُعتبر منصةً شبيهةً بالجهة المدرسية من الخارج، لكن بداخلها تكمن مبادئ التعلم المحببة إلى الجميع، فأنت هناك تختار الذي تريد تعلمه بنفسك، وتُفاضل بين عدة مناهج تعليمية لتنتقي ما يناسب وقتك وحصيلتك المعرفية بالمجال في هذا الوقت، بل تحدد مواعيد التعلّم والمعلمين أنفسهم أحيانًا. بجانب أنّ تلك المراكز تخولك من خوض النقاشات المفتوحة دون وجود يد باطشة تترصد لك، مما يعزز من ثقتك بنفسك ويكسبك مهارات اجتماعية كبيرة، ويحسن من حالتك النفسية إذا كنت تعاني من الاكتئاب أو الانطوائية.


2) تأصُّل الشغف والنزعة بداخلك

الشغف هو الحب غير المشروط وغير المبرر، والنزعة هي الميل نحو فعل شيء ما. أنا أكتب لأنّني أحب الكتابة، أعشق أن أجسد أفكاري بداخل عقلك في صورة تفاعلات عصبية وأفعال تدفع بك إلى حياة أفضل. الكتابة هي شغفي، والإفادة هي نزعتي في المجال الذي تختار أن تدرس فيه يجب أن تكون بداخلك طاقة مشتعلة، وفضول مطلق لسبر أغوار ذلك الضيف الجديد حتى النخاع. أنت تتعلم معارف جديدة كي ترتقي بنفسك وتُغذي فضولك الذي لا يشبع، لا كي تختزن المعلومات فقط، فصدقًا الحاسب الآلي أفضل منك في هذا.




علاقة التعلّم بالإبداع

هذا آخر عنوان لدينا اليوم. التعلم والإبداع، إنّ العلاقة التي تجمع بين التعلم والقدرة على الإبداع لعلاقة وثيقة جدًا ذات ميصال غليظ، الإبداع ينبع من الومضة العقلية التي تجتاح عقلك بغتةً لتعطيك فكرةً ما أو شعورًا مختلفًا يُترجم إلى فكرة مميزة فيما بعد، عندما تتعلم بشغف تجد نفسك دون أن تدري ناقدًا لكل شيء، فاحصًا لأصغر الصغائر، ومندهشًا من توافه الأمور. تلك، التوافه التي ثبت على مدار التاريخ أنّ العلماء والعباقرة أفنوا عمرهم في دراستها، ليظهر بعدها أنّها لم تكن توافه على الإطلاق، بل كانت أسس الحضارة التي نحن نتغنى بها الآن، لكن الفضول العرفي نفض عنها أتربة الجهل. الدراسة لا تخلق عقلًا إبداعيًّا، التعلّم هو الوحيد صاحب تلك الدافعية الجبّارة.



ذو صلة

وفي الختام

الدراسة بركة صغيرة ضحلة وآسنة، بينما التعلّم محيط شاسع عميق ونقيّ. الأولى تصنع عقولًا مظلمةً وعادات بالية، والثاني يخلق عقولًا منيرةً وإبداعات مُتألّقة، في النهاية قد توجد بعض الجامعات والمدارس التي تنتهج أسس تعليمية سليمة، ونفضت عن كاهلها القواعد الدراسية المزرية، لكن يبقى هذا هو ختامي لكم اليوم. تعلّموا ولا تدرسوا، وتبقى لنا في التعلّم حياة.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

كلام رائع، والأروع من هذا ان يقرأه المعلمين في المدارس والجامعات.

مقال ولا أروع…لفكرة مهمة للجيمع.. تعلموا تبدعوا.. شكرا للكاتب ولكم يا اراجيك.

لا داعي لقراءة المقال العنوان كافي
شكرا لك

ذو صلة