الهيكيكوموري: تعرف على الظاهرة التي يعاني منها مليون ياباني… وربما أحدنا أيضًا🙍♂️
7 د
#Stay_at_Home
هاشتاغ رفعه مسؤولو الصحة لتشجيع الناس على البقاء في المنزل، لتجنب الإصابة بكوفيد-19. لقد كان شعارًا مقبولًا لدى البعض ممن نطلق عليهم في العامية المصرية (البيتوتيين) بمعنى الذي يحبون البقاء في المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة. لكن يبدو أنّ اليابانيين رفعوا هذا الشعار من قبل حلول الجائحة.
اليابان أو نيهون- كما يلفظها اليابانيون – هي سلسلة كبيرة من الجزر. إنها تقع في شرق قارة آسيا. نطلق عليها نحن العرب لقب (كوكب اليابان)، ليس لأنها بعيدة عن بلاد العرب، وإنما لما فيها من تقدم هائل يسبق الكثير من الدول بسنوات عديدة. بالرغم من كونها أكثر البلاد عرضة للكوارث الطبيعية، إلا أنّ أهلها سريعًا ما يعيدون بناء ما أفسدته الطبيعة، ويعود النظام إلى ما كان عليه. من ذلك، استنتجت نشاط اليابانيين. لكن مهلًا، لدينا معلومات تفيد بأنّ اليابانيين يفضلون البقاء في المنزل!
اقرأ أيضًا: لهذه الأسباب أطلقوا عليه “كوكب اليابان” !
ظاهرة هيكيكوموري “Hikikomori”
التفتت الحكومة اليابانية لهذه الظاهرة في عام 2000، بعد حادثة تسبب فيها شخص كان في عزلة وخرج أخيرًا بعد أعوام، وبينما كان في الحافلة. فجأة، أخرج سكاكينًا وقتل أحد الركاب ثم اختطف البعض منهم. تسببت هذه الحادثة في فتح دفاتر هذه الحالة، ليس لأن هذا الرجل ربما يكون له تاريخ في الأمراض العقلية أو النفسية، لكن لأنه دفع ظاهرة الهيكيكوموري إلى الضوء، وأُوليت اهتمامًا من قِبل الحكومة اليابانية.
الجدير بالذكر أنّ هذه الحالة لها تاريخ أبعد من حادثة 2000، يرجع إلى أواخر ثمانينات القرن العشرين عندما انفجرت الفقاعة الاقتصادية في اليابان مما أدى إلى ركود اقتصادها. هذا بدوره تسبب في ارتفاع البطالة، ولم يجد الكثير من المواطنين عمل، وانطوا على أنفسهم في المنزل. وزادت حالات الهيكيكوموري.
الهيكيكوموري: هل هي مشكلة عقلية أو نفسية؟
تاماكي سايتو، هو طبيب نفسي، عندما بدأ مسيرته المهنية في أوائل تسعينات القرن الماضي، طلب منه العديد من الآباء مساعدة أطفالهم الذين تركوا المدرسة وانعزلوا عن العالم لأشهرٍ عديدة ثم تطور الأمر وزادت فترة الانعزال لسنوات طويلة. وكان متوسط أعمارهم عند الانسحاب عن الحياة 15 عامًا. أجل، إنه سن المراهقة الذي تحدث فيه التغيرات الملموسة، لكن ما يثير الحيرة أنّ هؤلاء الشباب الصغار كانوا ذكورًا. في هذا الصدد، يقول دكتور تاماكي: “إنهم يريدون الخروج إلى العالم ويكونون صداقات، لكنهم لا يستطيعون” وهذا يعني أنّ الأمر ليس بأيديهم.
في عام 2010، أُجرى مسح لمعرفة عدد الهيكيكوموري وكانت المفاجأة وصول عددهم إلى 700 ألف شخص. ويعتقد دكتور سايتو أنّ هذا ليس العدد الفعلي وهناك المزيد يختبئون في البيوت ولا يخرجون. كما يبدو ارتفاع متوسط أعمارهم.
يتساءل الناس عما إذا كانت تمثل هذه الحالة مشكلة نفسية أو عقلية، وفي هذا يقترح عالم اجتماع غربي أنّ الهيكيكوموري ليس حالة نفسية، وإنما ظاهرة تحدث نتيجة بعض العوامل الاجتماعية، كالضغوطات التي يتعرض لها الطفل أو الشخص من المجتمع، ويتسلل إليه شعور بالعار.
إذًا، لماذا ينعزلون؟
ببساطة، وجدوا أنفسهم لا يرقون لتوقعات الآخرين، بسبب فشلهم في أمر ما. فقدوا الثقة في أنفسهم، وأيقنوا فشلهم الاجتماعي، وتدنى لديهم شعور احترام الذات. يظنون أنهم غير مؤهلين للتعامل مع الحياة الاجتماعية في الخارج. ربما رأوا أنّ الاختباء عن أعين الناس أسلم لهم، فقد تعرّض أغلبهم لضغط المجتمع.
يروي واحد من الهيكيكوموري قصته التي تبدأ بالضغط الذي شعر به من أبويه. كان والده فنانًا، أراد أن يصبح ابنه فنانًا مثله، لكن رغبة الابن كانت مختلفة، إذ كان يريد أن يصبح مهندس حاسوب. ولأنه هو الابن الأكبر، أحس المسؤولية الكبيرة مُلقاه على عاتقه، بينما كان أخوه الأصغر يفعل ما يريد، كُتب على صاحبنا تنفيذ ما يُطلب منه فقط، حتى وإن تعارض مع طموحاته. وقتها أصبح عنيفًا وقرر الانفصال عن عائلته، ليس عائلته فقط، بل عن العالم كله.
هل هم الآباء؟
“أعتقد أنّ ابني كان يريد فِعل شيئ، ولكني دمرته!”
هذه عبارة قالها أحد الآباء فيما يتعلق بابنه الهيكيكوموري. تشير أغلب الحالات إلى فشل الأبناء في تحقيق خطط الآباء والأمهات. من الطبيعي أن يريد الأب والأم لابنائهم الاستقرار في حياتهم وضمان وظيفة يعيشون منها مدى الحياة. والطريق المؤدي إلى ذلك هو الدراسة الجامعية ثم العمل في قطاعات الحكومة.
لقد نسوا أنّ لكل شخص قدراته وطموحه. الأحلام ليست ملكًا لأحد سوى صاحبها. عندما يتدخل الأب والأم في حياة ابنهما بصورة سلبية، تكون العواقب غير حميدة، حتى أنهم يقطعون الحبال التي تربطهم بأبنائهم رويدًا رويدًا. بمرور الوقت، يأتي رد الفعل من الطفل الذي ينسحب من الحياة والاختلاط ويرفض التعامل حتى مع أحد والديه. وهنا يأتي دور المعالج النفسي، الذي يبدأ بإعادة تنظيم العلاقة بين الطفل وأبويه، ويعطيهم بعض الاستراتيجيات لجذب الطفل إليهم من جديد، وبناء الثقة بينهم.
ليس الآباء فقط
يصف بعض الناس الهيكيكوموري على أنهم أشخاص اختاروا الانسحاب من الحياة لأنها استنزفتهم في وقتٍ من الأوقات. قد يشعرون بأنهم في حيرة دائمًا، لا يعرفون ما يجب فعله في هذه الحياة. وكثيرٌ منهم يدخلون في هذه الحالة نتيجة التنمر من المعلمين.
من ناحية أخرى، تتوفر العديد من فرص العمل الحر عبر الإنترنت ككاتب محتوى أو مبرمج أو مصمم جرافيك وغيرهم. ويستطيع المرء الحصول على مالٍ من خلال العمل من المنزل. كما يمكنه شراء ما يحتاج من المتاجر الإلكترونية.
هل الهيكيكوموري مقتصرًا على اليابانيين؟
لا، لقد صرح نحو 124 طبيبًا نفسيًا من 8 دول بأنّ حالات الهيكيكوموري يمكن العثور عليها في بلادهم. هذا يدل على أنها لا تقتصر فقط على اليابانيين، وإنما توجد أيضًا في آسيا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية. (قد تكون أنت نفسك هيكيكوموري ولا تدري). وتشير التقديرات إلى أنّ الذكور يمثلون نحو 90% من الهيكيكوموري في اليابان، أي تبلغ نسبة الإناث نحو 10%. لكن هذه النسب متغيرة بعض الشيء. في إيطاليا– على سبيل المثال – تزيد نسبة الهيكيكوموري من الإناث عن 10%. مع ذلك، نسبة الذكور أعلى.
الهيكيكوموري ليس مرتبطًا بالجريمة
“الهيكيكوموري حالة وليست مرضًا”
لفتت الحكومة اليابانية أنظارها نحو الهيكيكوموري بعد حادثة الحافلة- ذكرتها منذ قليل- ومن ثمَّ عُرفت للعامة ورُبطت بالجرائم. وهذا ما نفاه دكتور تاماكي وأوضح أنّ أولئك الذين عرّفهم الإعلام على أنهم حالات من الهيكيكوموري، قد يكون لديهم مشاكل نفسية وعقلية مسبقًا، ولا يتعلق الأمر بحالة الهيكيكوموري، فنسبةِ ميل أحد هذه الحالات إلى عالم الجريمة ضئيلًا للغاية.
كوكب اليابان.. الطابع المهني والعملي للبلاد
يرى دكتور تاماكي أنّ الهيكيكوموري أشخاص جيدون، لكن تتسلل إليهم فكرة أنهم لا يفيدون المجتمع، خاصة عندما تُلقي الحكومة الخطابات الوطنية التي تحث الشعب على العمل والاجتهاد فيه وتعزيز المشاركة الديناميكية لكل أفراد المجتمع الياباني من أجل مصلحة البلاد، فتشعر حالات الهيكيكوموري بأنهم عديمو القيمة سواء لأسرهم أو لمُجتمعهم.
وكما نعلم، يشتهر الشعب الياباني بالمهنية والنشاط في الحياة العملية. هذا وحده يمثل ضغطًا على الأفراد وقد يدخلون في حالة الهيكيكوموري. فضلًا عن المشكلات الأخرى التي يعاني منها المجتمع مثل ارتفاع متوسط أعمار الأفراد، مما يعني أنّ الأنظار كُلها مُوجهة نحو الجيل الناشيء بشأن العمل وقيادة البلاد فيما بعد (بالمناسبة، هذا الجيل الناشيء هو الذي يتعرض لحالات الهيكيكوموري).
الانفصال عن المجتمع والأسرة
يشعر الهيكيكوموري دائمًا بالخزي. يدخلون في حلقة مفرغة، ينعزلون في البداية عن المجتمع، يبقون تحت رعاية الأسرة، لكن بمرور الوقت قد يحدث العنف، فيلجأون للتخلي عن أُسرهم والعيش وحيدين. يفقدون القدرة على الانخراط في المجتمع أو التعامل مع الناس. لكن، ما سبب العنف من الأساس؟
حسنًا، يشعر هؤلاء دائمًا بأنهم مُخطئين، حتى وإن لم يفعلوا. يلقون اللوم على والديهم، فهم يظنون أنّ آبائهم قد اخطأوا في تربيتهم، ولم يعلموهم كيفية التعامل مع الحياة والمجتمع، حتى وإن كان هذا ليس صحيحًا. فتظهر بادرات العنف تجاه الأب والأم. وفي هذا الوضع، ينصح دكتور تاماكي ألا يستسلم الآباء لهذه الاتهامات ويقبلوها، بل عليهم مواجهته والتهديد بإبلاغ الشرطة إذا لم يعد إلى رشده أو مغادرة المنزل، وعدم الاتصال به إلا بعد إعطاء وعود بأنه لن يتعرض إليهم بالعنف مرة أخرى.
مهلًا..هناك الاستبعاد غير المرغوب!
في اليابان هناك نظام يستبعد ذوي الإعاقة عن الحياة، إذ تنظر الحكومة إليهم على أنهم عديمو القيمة. توفر لهم الدولة الرعاية الكافية، فهناك نحو 300 ألف سرير للمرضى النفسيين في اليابان، وهو ما يمثل 20% من الإجمالي العالمي، ولكنهم يُستبعدون من الحركة السريعة فيما يتعلق بالحياة العملية بالبلاد. وهذا أمر انتقده دكتور تاماكي، وصرح بأنه يخاف من استبعاد البلاد للهيكيكوموري، فهذا لا يساعد على علاجهم وإعادة اختلاطهم بالمجتمع، وإنما يرسخ شعور عدم القيمة لديهم بمرور الوقت.
ما الحل إذًا؟
يرى دكتور تاماكي سايتو أنّ الأسرة هي الداعم الأول، عليهم بذل مجهود مع الابن وإعطائه طاقة إيجابية وزيادة حماسه في البداية تحت إشراف طبيب، ثم تأتي الخطوة التالية، وهي تتمثل في خروج الولد إلى المجتمع الخارجي، يحاول الانغماس وسط مجموعة تشاركه اهتماماته. بعد ذلك، يبدأ في بناء الأهداف مثل استكمال التعليم أو الحصول على وظيفة والمضي في حياته الاجتماعية وتكوين شبكة من الأصدقاء.
وأخيرًا.. يفيد الانعزال عن الناس بعض الوقت لمراجعة حساباتنا، ولكن عندما يطول، قد يألف المرء العزلة، وهذا ليس جيدًا. على أي حال، الإنسان كائن اجتماعي. لكني أتساءل.. هل من أحد قرأ التقرير وشعر ببوادر الهيكيكوموري؟ 🤔
اقرأ أيضًا: لماذا يحظى الذكاء العاطفي بهذه الأهمية؟
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.