تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

التفكيكية .. تعريفها وأبرز روادها

شادي ديب
شادي ديب

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

4 د

تُعتبر المطالعة إحدى أهم السبل لإثراء العقل وتوسيع مداركه، ولها أهميةٌ بالغةٌ لدى الشعوب المتقدمة، في حين تتراجع باستمرارٍ في دولنا العربية والاسلامية وذلك لأسبابٍ كثيرةٍ لا يُسعفنا الوقت لمناقشتها هنا. عندما تختار كتابًا لتقرأه، ربما يكون قد جذبك العنوان أو بسبب نصيحةٍ من صديقٍ قد اطّلع عليه قبلك، والبعض الآخر يُفضّل قراءة الكتاب بعد الاطّلاع على نقده الأدبي وتقييمه من قبل النقاد، وللنقد أساليبُ ومدارسُ سأطلعك على إحداها في هذا المقال، وهي التفكيكية.


التحليل الأدبي

يُعرّف التحليل الأدبيُّ على أنه استجابةٌ نقديةٌ لنصٍّ أدبيٍّ في شكل مقالٍ نقديٍّ أو تعليقٍ شفهيٍّ يتضمن تفسيرًا شاملًا للعمل، قد يستند هذا التحليل إلى مجموعةٍ متنوعةٍ من الأساليب أو الحركات النقدية، والتي تُسمى مناهج النقد الأدبي، على سبيل المثال النقد النموذجي، والنقد الثقافي، والنقد النسوي، والنقد التحليلي النفسي، والنقد الماركسي، النقد الجديد (الشكلي/البنيوي)، التاريخية الجديدة، وما بعد البنيوية، ونقد استجابة القارئ..


مفهوم التفكيكية

التفكيك هو شكلٌ من أشكال التحليل الفلسفي والأدبي، مثشتقٌ بشكلٍ أساسيٍّ من العمل الذي بدأه الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (Jacques Derrida) في الستينيات من القرن العشرين، والذي يُشكّك في الفروق المفاهيمية الأساسية أو "التناقضات" في الفلسفة الغربية، من خلال الفحص الدقيق للغة ومنطق الفلسفة والنصوص الأدبية. في السبعينيات من القرن الماضي، طبق دريدا هذا المصطلح على الأعمال الأدبية بالإضافة إلى بعض العلماء الآخرين أمثال بول دي مان، وجيه هيليس ميلر، وباربرا جونسون، وغيرهم.

حددت التفكيكية مجموعةً من المشاريع النظرية الراديكالية بشكلٍ أكثر مرونةً، وذلك في مجالاتٍ متنوعةٍ من العلوم الإنسانية والاجتماعية، بما في ذلك الفلسفة والأدب، والقانون، والتحليل النفسي، والهندسة المعمارية، والأنثروبولوجيا، والسياسة، وفي المناقشات الجدلية حول الاتجاهات الفكرية.

في أواخر القرن العشرين، استُخدم التفكيك أحيانًا بغرض الازدراءِ، للإشارة إلى العدمية والشك العبثي، في حين أن الاستخدام الشائع أصبح يعني التفكيك النقدي للتقاليد وأنماط التفكير التقليدية..


ركائز التفكيكية

استندت التفكيكية إلى مجموعةٍ من الركائز من أهمها:


الاختلاف

يُعتبر الاختلاف أحد المرتكزات الرئيسية للتفكيكية كمنهجٍ أدبيٍّ، حيث تَدعو التفكيكية إلى عدم التسليم بما هو يقينيٌّ ثابتٌ، بل تنادي في الدخول بقوةٍ في مجال الاحتمالات المتعددة والمتشابكة، مثلًا، نرى أن العلامة اللغوية ضمن النص لا تمتلك فقط معنىً إيجابيًّا ولكن تبرز أهميتها من تعدد وتضاد المعاني التي تضمّنها.

تمكن دريدا من نقض فرضية أفلاطون عن جوهرية الكلام بل وأثبت أن الكلمة بحد ذاتها ممكنةٌ، بحيث أنه لا يُمكن للكلام أن يُعطي النتائج المطلوبة إلا إذا جاء ضمن كتابةٍ عامةٍ، بالتالي يكون نقض وتقويض الثنائيات المقترنة مع بعضها، كالروح والجسد، والخير والشر، والكتابة والكلام، هو من أهم أهداف التفكيكية، وذلك بهدف منح طرفي الثنائيات تعريفًا جديدًا بحيث يُصبح طرفي الثنائيات منفتح على بعضهما.


مركزية الكلمة أو التمركز حول العقل

تعتقد التفكيكية بأن الثقافة الغربية أعطت العقل على مرّ العصور، سلطة النقد الأدبي والبحث عن معنى الكلام أو النص من خلال التركيز على الكلام المسموع وتفضيله عن الكتابة، بمعنى التركيز على الصوت، وانطلاقًا من هذه الفكرة، صُنِّفت اللغات العالمية ترتيبًا تنازليًّا تقبع فيه اللغات التي تقترب فيها الكلمة المكتوبة من الشكل الشفوي لها، في أعلى التراتبية اللغوية، في حين أن صياغة الكلمة وكتابتها بشكل علامةٍ مطبوعةٍ، يعطيها استقلالًا عن المألوف، ويسمح بإعادة دراستها واستنباط المزيد من الدلالات والمعاني لها، وهنا يبرز جوهر الاختلاف، حيث استمرار العلامات بإظهار معانٍ وتفسيراتٍ فريدةٍ، ومن هذا المنطلق، تُنادي التفكيكية بضرورة قلب التمركز حول العقل في الخطابات الفلسفية، ما يُعطي الخطابات المزيد من المعاني ويُحررها من القولبة الثابتة، فتمسي دائمة التجدد بالمعاني والتفسيرات.


علم الكتابة

أطلق دريدا مؤسس التفكيكية في العام 1967 كتابه "علم الكتابة"، ليركز فيه على أهمية كتابة النصوص والعلامات، فقد كان الأهمية القديمة لثنائية الكلام والكتابة، تقدّم ترتيب وأهمية الكلام على الكتابة وقفًا لتصنيف الفيلسوف جان جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau)، والذي يرى بأن الكتابة تابعةٌ للكلام ومكملةٌ له، في حين ساوى الفيلسوف دريدا بين أهمية الكلام والكتابة، حيث وضع الكتابة في مرتبةٍ موازيةٍ للكلام، ويستند دريدا في تنظيره لأهمية الكتابة بأن أي مجتمعٍ بدون الاستناد إلى الكتابة، سيُصبح محكومًا بالأساطير..


جاك دريدا .. أبرز رواد التفكيكية

ولد دريدا عام 1930 لعائلةٍ فرنسيةٍ في الجزائر العاصمة، عانى في حياته من التمييز والاضطهاد، إذ تعرض للطرد مرتين من المدرسة، يمكن القول إن هذا النوع من التجارب لعب دورًا كبيرًا في إصراره على التفكير بأهمية الآخرين المهمّشين. رُفض انتساب دريدا في المدرسة العليا مرتين، في حين كان زملاؤه كسارتر وسيمون دي بوفوار وأغلبية المثقفين والأكاديميين الفرنسيين، قد بدؤوا حياتهم المهنية، ولكن تم قبوله في النهاية في سن التاسعة عشر.

كان ميل دريدا للعمل في الفلسفة ظاهرًا إلى حدٍّ كبيرٍ، وتأثر بنيتشه وهايدجر وسوسور وليفيناس وفرويد، يقر دريدا بمديونته لكل هؤلاء المفكرين في تطوير منهجه للنصوص، والذي أصبح يُعرف باسم التفكيكية. أصبح دريدا في عام 1967 فيلسوفًا ذا أهميةٍ عالميةٍ، حيث نشر ثلاثة نصوصٍ بالغة الأهمية (القواعد، والكتابة والاختلاف، والكلام والظواهر)، ومنذ نشر هذه النصوص وغيرها من النصوص الرئيسية بما في ذلك (شبح ماركس، وهبة الموت، وسياسة الصداقة)، انتقل التفكيك تدريجيًّا من احتلاله دورًا رئيسًا في أوروبا، إلى أن أصبح مصطلحًا مهمًّا في السياق الفلسفي الأنجلو أمريكي..

ذو صلة
    هل أعجبك المقال؟