تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

ماهي نظرية دارون للتطور وما مدى صحتها

المهندس سعيد عطا الله
المهندس سعيد عطا الله

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

6 د


لمحة عن حياة العالم دارون

كان تشارلز دارون عالمًا إنجليزيًا درس الاختلافات بين النباتات والحيوانات والأحافير خلال رحلته حول العالم في القرن التاسع عشر والتي استمرت خمس سنوات. في عمر 26، وصل دارون إلى الأرخبيل (يرمز الاسم إلى مجموعة متجاورة من الجزر وتسمى جزر غالاباغوس)؛ التي تمتد على خط الاستواء على بعد 600 ميل غرب الإكوادور، على متن سفينة بيغل، وكانت مهمته اكتشاف خبايا ساحل أمريكا الجنوبية، وإجراء قياسات طولية حول العالم. حفّزت زيارة دارون لأرخبيل الثورة العلمية التي تحمل اسمه الآن.


مفهوم التطور

في علم الأحياء، التطور هو التغيير في خصائص الأنواع عبر عدة أجيال، اعتمادًا على عملية الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي. تستند نظرية التطور إلى فكرة ارتباط جميع الأنواع واختلافها وتغيرها تدريجيًا مع الوقت، ويعتمد على وجود اختلاف جيني في مجموعة حيّة، وتأثير هذا الاختلاف على الخصائص الفيزيائية (النمط الظاهري) للكائن الحي، حيث تعطي هذه الخصائص للنوع ميزة على الأنواع الأخرى والتي يمكنه بعدها نقلها إلى نسله.


نظرية دارون والانتخاب الطبيعي

تنطوي نظرية تشارلز دارون للتطور؛ على أن التطور يحدث بالانتخاب الطبيعي، ولكن ما هو مفهوم الانتخاب الطبيعي؟ إليك التوضيح:

يُظهر الأفراد في الأنواع تباينًا في الخصائص الفيزيائية، وينبع هذا التباين من الاختلاف في الجينات. يكون الأفراد ذوو الخصائص الأنسب لبيئاتهم أكثر تكيّفًا وعُرضة للبقاء على قيد الحياة، ويشمل ذلك العثور على الطعام، وتجنّب الحيوانات المفترسة، ومقاومة الأمراض، أي باختصار؛ البقاء والاستمرار وإمكانية التكاثر ونقل الجينات إلى الجيل التالي، أما الأفراد الذين يتكيفون بشكلٍ سيء مع بيئاتهم، فهم أقل عرضة للبقاء والتكاثر، وتقلّ احتمالية انتقال جيناتهم إلى الجيل التالي. نتيجةً لذلك؛ يبقى الأفراد الأكثر ملاءمة لبيئاتهم على قيد الحياة، ومع الوقت الكافي، تتكوّن الأنواع تدريجيًا، وهذا ما يسمى بالانتخاب الطبيعي.

ولكن، ما علاقة الجينات بالتطور والانتقاء أو الانتخاب الطبيعي أيضًا؟! تعمل آليات التطور على المستوى الجينومي والتغييرات الحاصلة في الحمض النووي، إذ أن تاريخنا التطوري جميعًا مكتوبٌ في جينومنا، وإن كل ما وصل إلىه جينومنا البشري الحالي هو نتيجة التغيرات الجينية التي أثرت على أسلافنا، وعندما يبدو الحمض النووي والجينات في الأنواع المختلفة متشابهة جدًا؛ فهذا دليل على مشاركة الأسلاف في نفس الجينوم.

كدليلٍ بسيط، نتشارك نحن البشر مع ذبابة الفاكهة في الحمض النووي؛ إذ تم العثور على 75% من الجينات التي تسبب الأمراض لدى البشر في ذبابة الفاكهة! إذن، يراكم الحمض النووي التغييرات بمرور الوقت، وثمّ، إما أن تكون هذه التغييرات مفيدة وتوفّر أفضلية انتقائية للكائن الحي، أو تكون ضارة ولا تغيّر الجينات كثيرًا، بل تبقى محفوظة.

عليه، رأى دارون خلال رحلته تلك أن الانتخاب الطبيعي يمكن أن يفسر علاقة الأحفوريات بالكائنات الحية، واقترح نظرية الانتخاب الطبيعي التي تستند إلى فكرة أن جميع الكائنات الحية من حيوانات، ونباتات، ووحيدات خلية، وغيرها تستند إلى سلف مشترك، وتطورت جيناتها مع الزمن حتى وصلت إلى هذا الاختلاف.

فأصبحت الكائنات مع الوقت أكثر بساطة وتكيفًا مع البيئة وتحديدًا في وظائفها السلوكية والجسمانية من خلال تغير الجينات والطفرات، حيث يتم الاحتفاظ بالطفرات المفيدة للتكيف مع البيئة وهذا كما قلنا، هو عملية الانتخاب الطبيعي، وهكذا يتم نقل الطفرات المفيدة بين الأجيال، وعند تراكم هذه الطفرات، ينتج كائن ونوع جديد مختلف تمامًا لم يكن له وجود، ويكون قادرًا على التكيف مع البيئة والتعايش معها بشكل أكبر من الأنواع السابقة.


مراحل نظرية دارون

بدأ دارون العمل على نظريته مبينًا خلالها تطور الكائنات والأنواع الجديدة من خلال ثلاث مراحل شملتها نظرية دارون هي:

  • الاختلاف والتنوع: تختلف الكائنات ضمن الصنف الواحد نتيجة الاختلاف في جيناتها وهو ما يسمى الأليلات.
  • المنافسة في المجتمع: تشكل النباتات والماشية وغيرها من الكائنات مجتمعًا واحدًا، مما يولد تنافسًا بينها للبقاء على قيد الحياة، أي كما تتنافس الحيوانات على الغذاء، وتتنافس النباتات على الضوء، وهكذا.
  • الاستنساخ والوراثة: يحدث مع الوقت تغيير في الأليلات والجينات الخاصة بالكائنات لتكتسب خصائص تلائم بيئاتها مما يضمن البقاء والتأقلم مع البيئة المحيطة، الأمر الذي يسبب تنوعًا كبيرًا في المورثات.

طُرحت نظرية دارون تلك في كتابه "أصل الأنواع" عام 1859 معرفًا إياها على أنها العملية التي تغير من صفات الكائنات الحية مع مرور الوقت نتيجة للتغيرات في الصفات السلوكية والجسدية، مما يسمح للكائن الحي بالبقاء والتكاثر والتكيف مع بيئته بشكل أفضل.

تعتبر نظرية دارون من أفضل النظريات في تاريخ العلوم، وتدعمها مجموعة من العلوم كعلم الأحافير والجيولوجيا والوراثة والبيولوجيا. تُختصر النظرية بشعار "البقاء للأقوى". على الرغم من أننا هنا لا نقصد القوة البدنية بل القدرة على البقاء على قيد الحياة والمنافسة للوجود والتكاثر.


أنواع التطور المختلفة

هناك ثلاثة أنواع من التطور:

  1. التطور المتقارب (Convergent Evolution): يظهر عندما تحدث نفس التكيّفات، تحت ضغوط اختيار متشابهة، ولكن بشكلٍ مستقل. على سبيل المثال؛ طَوّرت الحشرات الطائرة، والطيور بأنواعها والخفافيش قدرتها على الطيران، ولكن بشكل مستقل عن بعضها البعض.
  2. التطور المشترك (Co-evolution): عندما يتطوّر نوعان، أو مجموعة من الأنواع، جنبًا إلى جنب، بحيث يتكيف أحدهما مع تغيرات الآخر. مثلًا؛ النباتات المُزهرة، والحشرات المُلقّحة لها مثل النحل.
  3. التشعّب التكيّفي (Adaptive Radiation): ينقسم فيه النوع إلى عدد من الأشكال الجديدة، انسجامًا مع حصول تغيرات بيئية أدت إلى إتاحة موارد جديدة أو خلق تحديات بيئية جديدة. كمثال، طوّرت العصافير في جُزُر غالاباغوس مناقير مختلفة الشكل للاستفادة من أنواع الطّعام المختلفة الموجودة في تلك الجُزُر المختلفة.

أمثلة دارون عن التطور

  • تطور الحيتان

تقترح نظرية دارون تكهنًا في كتابه "أصل الأنواع" أن الانتخاب الطبيعي يمكن أن يتسبب بتحول الثدييات إلى حيتان، مستخدمًا مثالًا افتراضيًا يتحدث عن الدببة السوداء في أمريكا الشمالية والتي كانت معروفة بقيامها بالقبض على الحشرات عن طريق السباحة في الماء بأفواه مفتوحة.

لكن هذه الفكرة لاقت استهزاءًا كبيرًا بين الناس فتمت إزالتها في النسخ اللاحقة من الكتاب.

لفهم أصل الحيتان من الضروري بدايةً فهم آلية الانتخاب الطبيعي؛ إذ يعمل الانتخاب الطبيعي على تغيير بعض صفات الكائنات بشكل صغير كتغيير اللون أو الحجم على سنوات.

لكن على مدى الأجيال يعمل الانتخاب الطبيعي على إحداث تغييرات كلية على الكائنات كتحويل الديناصورات إلى طيور، والثدييات البرمائية إلى حيتان، وأسلاف القردة إلى بشر.

تصف نظرية دارون شكلًا من أشكال الانتخاب الطبيعي يعتمد على نجاح الكائن في جذب زميله؛ وهي عملية تعرف باسم الانتخاب الجنسي، كظهور الريش اللون لدى الطاووس أو القرون عن ذكور الغزلان.

  • العثّ

قبل الثورة الصناعية في بريطانيا كانت فراشة العث تتميز بألوان بيضاء شاحبة لتساعدها على التموه والتخفي على أشجار البتولا، ومع التلوث نتيجة العوادم الصناعية اسودَّ لحاء الأشجار الأمر الذي جعل من تموه الفراشات غير مجدٍ، فكانت عرضة لاصطياد الطيور بسهولة!.

مع الوقت بدأ لون العث يميل إلى الأسود وخلال عدة أجيال أصبحت العثة السوداء أكثر انتشارًا من تلك الشاحبة الأمر الذي ساعدها على التخفي بشكلٍ أفضلٍ والبقاء على قيد الحياة والتكاثر.


بالتأكيد فإن هذا التطور لم يحدث خلال عدة سنوات بل تطلب أجيالًا عدة تغيرت خلالها الجينات بشكلٍ بسيطٍ حتى وصلنا إلى التغير الكلي الظاهر والذي ساعدها على التكيف مع بيئتها.

هل أعجبك المقال؟